الفصل السادس والعشرون

192 19 23
                                    

كلبشات دموية
"مـن أنـا؟"
ــــــــــــــــــــــــــ

سيدتان متشحتان بالسواد من رأسيهما حتى أخمص قدميهما، يقف خلفهما رجل بدين الجسد غليظ الملامح بقميض شاحب وبنطال قماشي مهترئ، ظلوا يتبادلون النظرات حتى هتف بشار بنبرة جامدة ووجه يتصلب: أفندم، أنتوا مين؟

تحدث الرجل من خلف السيدتين بلهجة غليظة: أنت اللي مين، مش ده بيت حسني بردو؟

ضغط بشار فوق فكه يحاول تمرير لهجة تلك الجثة التي لم ترُق له ليقول: أيوه ده بيته، مين أنتم بقا؟

صدح صراخ السيدتين فجأة لتندفع إحداهما تمرق من جواره صائحة ببكاء: آه يا حبيبي يا أخويا !

اتسعت عيناه ينظر لهاتين السيدتين وقد اندفعتا لداخل الشقة تولولان بصوت شابه صرير باب صدئ، استدار ناظرًا للرجل الذي وقف عند الباب وقد اقترب ليكون قبالته، ناظره بشار بطوله الفارع وعرضه الصلب يحدجه بعينين ضيقتين حادتين ، ممسكًا بباب الشقة يمنع عنه الدخول حتى تنحنح الرجل ليحك شاربه المبعثر فوق شفتيه مردفًا: يا أخي ما توسع الله، ده بيت أخويا.

مرق الرجل بصعوبة من جانب بشار الذي تزحزح إنشاتًا لا تُذكر وما زال وجهه يحمل علامات غير مقروءة، ارتفعت اللهفة فوق ملامح الآخر وعيناه تدوران في الشقة بحركات سريعة كما لو أراد اختراق الجدران ورؤية ما خلفها، فاندفع خلف السيدتين اللتين عرفتا طريقهما إلى الغرف الداخلية.

دفع بشار باب الشقة بعنف لتهتز أوصال البيت بقوة كأنما ترتعش للغضب الذي بدأ يتأجج داخله، ثم سار بخطوات واسعة يتبع طريق الثلاث مصائب تلك التي ظهرت لتوها من العدم.

رفعت وجهها المدفون في الوسادة تنظر لهاتين السيدتين اللتين دلفتا إلى الغرفة بوجه مشدود وعينين محمرتين بعدم استيعاب، ومن خلفهما يقف بشار الذي نظر إليها وقد لانت عيناه فور التقت بعينيها، يسد الباب عن ذلك الذي يحاول الدخول مرورًا بذاك الخائط الصلب عبثًا ليتمتم بصوت ضائق: يا جدع ما تتعتع كده شوية يمين ولا شمال الله !

اندفعت سيدة منهما وهي تهتف ببكاء عالٍ بان مزيفًا: غادة حبيبتي يا بنت الغالي.

سحبت غادة تحتضنها وتضغط فوق جسدها الضعيف بقوة كادت تطبق ضلوعها فوق بعضهما البعض، أما غادة فظلت كفاها متهدلتين بجوارها حتى همست بصوت متحشرج مأخوذ: عمتي !

اقتربت منها السيدة الأخرى تنتشلها بقوة من بين ذراعي الأولى لتطبق فوقها بالمثل تنوح بصوت صخب: كبدي عليكي يا ضنايا، اتيتمتي بدري ولا ليكي أخ ولا أخت ولا ونيس، بس عماتك جولك يا غالية ومش هنسيبك أبدا.

بدت متصلبة بين الأذرع التي تتلقفها يمينًا ويسارًا تطبق فوق صدرها حتى تشعر بضيق في سحب الهواء، احتقنت عيناها بالدموع لتصمت دون أن تجيب على عمتيها اللتين أخذتا تهذيان بكلمات فارغة يتخللها نهنهة مصطنعة.

كلبشات دموية (الجزء الثالث من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن