4

5.8K 158 16
                                    

واقفة بعيد في آخر الممر تغطي عيونها بنظارة شمسية كبيرة وتراقبه يتحكم في كرسيه المتحرك بسهولة واحترافية عكس المرة الأولى وهذا دليل على أنه بدأ يتعود على وضعه الجديد، انقبض قلبها لما دخل قسم العلاج الطبيعي، راحت عند الطبيب المسؤول عن حالته تتطمن عليه لكنه قال مافي تحسن يُذكر مجرد انهم يكثفون له جلسات العلاج الطبيعي وينوعونها في منها يكون داخل المسبح ويحاولون يشدون عضلاته ويجبرون انكسار عموده الفقري..
طلعت من المستشفى والحزن واضح على ملامحها، كانت المستشفى وجهتها الأولى من المطار لأنها مشتاقة وتبي تتطمن على مهند اللي أصبح هزيل جداً والتعب واضح عليه فقد وزن كثير في اخر كم شهر ما بقى فيه عافية او روح، عيونه باهته وملامحه مُنهكة..
أخذت نفس عميق وهي داخلة البيت ترسم على وجهها ابتسامة مصطنعة تقابل فيها أمها اللي استقبلتها بالاحضان والدموع وكأنها غايبة عنها سنة مو شهر: وحشتيني ياروحي
ابتسمت رهف بحضن أمها وغمضت عيونها: وانتي كثر يا ريم المكاحيل
ابتعدت عن حضنها: وين الشباب؟ البيت صَخه مالهم حس
ضحكت ريم: اللواء مبارك بالنادي مع ربعه، ريّان صارله شهر من الجامعة للغرفة ومن الغرفة للجامعة ماله حَس شكله عقل و ناوي يركز على دراسته
تنهدت رهف وهي تعرف السبب الحقيقي ورا انقلاب حالة ريان و هدوءه، كملت ريم: راكان مداوم كالعادة يحاول يخلص كل اشغاله ومناوباته قبل ملكته الأسبوع الجاي..
ابتسمت رهف: فستاني وصل؟ طلبت توصيله من أسبوعين
رفعت حاجبها ريم: وصل وصل بس يا خوفي مو مقاسج، شكلج وايد نحتفي بهالشهر يمه ما تاكلين؟
عبست رهف تتدلع على أمها: ما اكل الا وجبة باليوم
مسكتها ريم من ذراعها تمشي معاها: روحي اخذي شاور سريع وانا بجهز لج شي تاكلينه
سمعه رهف الكلام وصعدت غرفتها وتوجهت ريم للمطبخ تجهز الاكل بكل حُب و روقان..
خلصت من الشاور وروتين العناية ولبست بيجاما ووقفت قدام المرايا تشوف ملابسها فعلاً صارت واسعة عليها، اخر مرة من اسبوعين نزلت ٤ كيلو والحين الظاهر نزلت أكثر عظامها صارت بارزة. ألتفت على بوكس فستان ملكة راكان و شهد وعقدت حاجبها: شكلي لازم اغير المقاس فعلاً!
نزلت تاكل مع أمها تحاول تشتت نفسها عن كل المشاكل، ابتسمت رهف وهي تمهد الموضوع: بديت اشتغل على صحيفة إلكترونية مرئية ومسموعة خاصة فيني
عقدت حاجبها ريم باستغراب: ليه؟ بتتركين شغلج؟
همهمت رهف وهي تاكل: قدمت استقالتي، ودي أبدأ من الصفر و شغل حر خاص فيني محد يتحكم باللي أقوله وأنشره
كانت تشوف سكون أمها وهدوئها دليل على عدم رضاها، مدت ريم يدها على الطاولة ترمي الشوكة وتناظر عيون رهف بحيرة واضحة على ملامحها: مادري شقول يا رهف، قرارتج بأخر فترة غريبة! موضوع مهند والطلاق المفاجئ، السفرات المفاجئة، والحين تقدمين استقالتج من المكان اللي تعبتي لين وصلتي له، كل هذي القرارات تدل على انج تتخبطين وما تعرفين شنو تبين! لكن اللي مخوفني اكثر ان هذي القرارات ما تكون نابعة من قلبج وتندمين بعدين، يا رهف يا أمي انتي كبرتي خلاص ٢٦ سنة الحين لازم تفكرين بالاستقرار بالحياة وتثبتين اقدامج على أرض خصبة وقوية.. تهدمين كل شيء بنيتيه وترجعين تبدين من الصفر؟
تنهدت رهف: يمه تراني صغيرة والعمر قدامي، لو طحت اقدر اوقف على حيلي و أقوم وأحاول! اذا الحين ما حاولت وجربت متى تبوني اجرب؟ وبعدين لا تخافين هالقرار انا درسته من كل النواحي وسفرتي الاخيرة كان نصها توثيق للرحلة والنص الثاني اشتغل على الموقع اللي بفتحه وصدقيني راح تفتخرين فيني
ابتسمت ريم ومسكت كفوف رهف الحايرة بالفراغ: واثقة فيج، لكن اوعديني لو صار معاج شي كلميني لا تخبين عني انا امج ومالنا غير بعض بهالدنيا صح؟
هزت رأسها مع ابتسامة خفيفة لأمها: اوعدج..
'
فتح عيونه بعد نومة مُتعبة على الكنبة وانصدم يشوف غادة مقابلته تجلس فستان بني طويل وحاطة رجل على رجل متكتفة وتناظره، غمض عيونه من الصداع اللي أكل رأسه ومن منظر غادة قدامه: خير يا غادة
نطقت بهدوء: على الأقل نمثل انك تجيني مرة بالشهر عشان أسكت أمك و جدي..
تنهد ونهض يستعدل بجلسته ورجع يناظرها: ماله داعي هالحركات، الكل يدري ان زواجنا مُزيف أولهم الشيخة أصايل
تأففت غادة: وبعدين سَيف؟ تزوجتني عشان تتركني رجل كرسي في هالبيت؟ ما تغير شي بحياتي بعد زواجنا، لاني قادرة أسافر ولا اروح ولا ارجع بدون شورك، تراك كاتم على أنفاسي لو ما تبيني ولا تشوفني شيء ليه تزوجتني؟
ناظرها ببرود: لأنج انتي أصريتي على هالزواج! تحملي
وقفت غادة تمشي لين عنده وجلست جنبه وحطت يدها على كتفه تقرب منه: لو في وحدة ثانية بحياتك صارحني
ناظرها بطرف عين: ومن متى بيننا مصارحات؟
شدت على كتفه: البنت اللي دخلت علينا يوم زواجنا، حبيبتك؟
ألتفت عليها: اي حبيبتي، عندج مانع لا سمح الله؟
حاولت تحافظ على هدوئها: لا ماعندي مانع، تبي تحب وتتسلى براحتك بس تذكر اني انا زوجتك الأولى والأخيرة مافيه بعدي
ضحك سَيف: مقتنعة بالكلام اللي قاعدة تقولينه؟ لو أبي محد يمنعني اتزوج ولا اكبر رأس فيكم
رصت على أسنانها بقهر: ما انتظرتك ١٥ سنة وضيعت عليك شبابي عشان تجازيني وتتزوج علي يا سَيف!
شال يدها عن كتفه وناظرها ببرود: محد قالج تنتظريني!
وقف يتركها جالسة وابتعد يدخل الحمام، نزلت دموعها بقهر وهي جالسة فعلاً ضيعت عمرها تطارد وهم وتلاحق قلب ما يلتفت لها، ظَنت حياتها بتتغير بعد زواجها منه وتصير شيخة هالقصر لكن هيهات سَيف قاسي ولا راح يلين وحلمها بإنها تكون أم عياله طار مع الرياح هباءاً منثوراً..
طلع يلف المنشفة حول خصره وهي على حالها عقد حاجبه ببرود وتركها بمكانها دخل غرفة تبديل الملابس وهي شالت نفسها وطلعت من جناحه تداري دموعها قبل لا يشوفها أحد، مشت من الباب الخلفي تتوجه للحديقة وابتعدت بخطواتها وهي تشد الشال على اكتافها بقهر ودموعها تنهمر بعجز وقلة حيلة، جلست على الكرسي تناظر اتساع حديقة القصر والدموع متحجرة بعيونها ونسمات الصباح الباردة تلعب بشعرها ويتطاير بعشوائية، حست بعيون عليها تراقبها وألتفت  تشوف سعود يدخل مكتب سَيف من الباب الخلفي المتصل بالحديقة، استدار سعود يشوفها تناظر بحاجب معقود تنهد وصد يدخل للمكتب ويسكر الباب وراه، بلع ريقه بإرتباك لما شاف سَيف جالس خلف مكتبه يشتغل على اللابتوب: صباح الخير، قاعد بدري اليوم مو من عوايدك
رفع عيونه سَيف يشوف سعود داخل ومعاه ملف: خلصت اللي قلتلك عليه؟
تقدم سعود يترك الملف على الطاولة: راح تنصدم انت بنفسك
فتح سَيف الملف "حادث مهند بن ثامر" يشوف تفاصيل التحقيق، سبب الحادث عطل بالفرامل والمشتبه فيه كان عامل في محل صيانة السيارات ومع التحقيق قالوا "عطل فني" و إهمال غير معتمد من العامل..
نطق سعود: تواصلت معاه ومع الضغط وشوية فلوس وتذاكر رجعة لديرته، تعرف شنو اللي توصلت له؟
ناظره سَيف: هوية الفاعل؟
ها رأسه سعود يجلس على الكرسي المقابل لمكتب سَيف ويسند ظهره بأريحية: اللواء مبارك القاضي، هو ورا الحادث!
عقد حاجبه سَيف: غريب متأكد؟ و ليه يسويها؟
رفع سعود أكتافه: والله هذا شيء محد يعرفه الا مبارك نفسه، لكن هو المتسبب بالحادث و دمر حياة مهند و بنته رهف..
قاطعه سَيف: بنت زوجته، مو بنته!
رجع يناظر الملف: عندك شيء يثبت إنه هو الفاعل؟
ابتسم سعود بثقة يدق صدره: افا عليك بس
جلس سَيف يفكر ومستغرب من فعل مبارك اللي الكل يشوفه ويقول عنه رجل مثالي و صالح، و أب مُخلص لعيلته! ليه يسوي هالحركة قبل زواج البنت اللي رباها سنين واعتبرها مثل بنته؟ ليه دمر حياتها بهدوء ولا كأنه سوا شيء؟ ليه حياة رهف تبان وردية ولامعة من بعيد لكن كلما قرب أكثر يشوف ان خلف الكواليس فيه أرواح بشعة تحاوطها من كل صوب؟ تنهد و مد نظره للحديقة يشوف غادة تترك مكانها وترجع للقصر، وبعد نص ساعة طلعت لابسة عبايتها وشيلتها مرمية بأهمال على اكتافها وركبت سيارتها مع السايق تحرك من القصر..
رجع يناظر يشوف سعود سرحان بالفراغ أمره يجهز السيارة وصعد جناحه يبدل ويخرجون سوا من القصر، متوجهين لمجلس اللواء المتقاعد مبارك بن حمد القاضي، محلس مفتوح على مدار اليوم يستقبل فيه ضيوفه من اصحاب واصدقاء وأشخاص محتاجين او عندهم شكاوي ويتمنون صوتهم يوصل، كان المجلس في حَي ثاني منفصل عن بيته الحالي، مجلس أشبه بمكتب وبمساحة متوسطة يظهر فخامة وعراقة عيلة "القاضي" ومكانتهم في المجتمع.. وصل سَيف وسعود نزلوا من السيارة يشوفون باب المجلس مفتوح، ألتفت سَيف على سعود: تدخل ولا تقعد تنتظرني برا؟
تنحنح سعود: معاك معاك..
دخلوا بثقة يشوفون مبارك جالس مع ولده راكان يتقهوون، نطق سَيف بصوته الرجولي الفخم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رفع رأسه مبارك يرد السلام: وعليكم السلام، أرحب
رحب مبارك في سَيف وسعود ترحيب حار رغم إنه يجهل هويتهم، جلس سَيف على الكرسي وثبت العكاز على يساره ومد له راكان الفنجان تحت أنظار مبارك اللي لاحظ سلامة أقدام سَيف واعتدال مشيته واستغرب وجود العكاز..
ابتسم سَيف: يمكن حضرة اللواء ما يعرفني لأن وجهي غير مألوف بالنسبة له، ما شفتني صحيح لكن سمعت فيني أكيد
ابتسم له مبارك: نبي تشرفنا بمعرفتك...
نطق سَيف والفنجان في يمينه ما شرب منه ولا رشفة: انا سَيف، سَيف بن شاهين بن عبدالعزيز آل جراح..
عقد حاجبه مبارك لما تذكر هذا الأسم، وريث آل جراح واللي شايل كل شيء على اكتافه و أسمه اشهر من النار على علم كيف ما يعرفه؟ هو نفسه الشخص اللي رفض مقابلة رهف التلفزيونية قبل كم شهر..
حافظ مبارك على ابتسامته: والنعم فيك يا ولد شاهين..
رد سَيف بنفس الهدوء والنبرة الخشنة: ينعم بحالك
ناظر سعود يأشر له بعيونه يأمره يطلع برا، فهم عليه سعود وألتفت على راكان: أخ راكان تعال معاي نتركهم لوحدهم شوي
استغرب راكان و ناظر أبوه اللي هز رأسه يوافق على طلب سَيف بأنهم يجلسون لوحدهم، طلعوا راكان و سعود للخارج ورجع سَيف يناظر مبارك اللي محتفظ بهدوئه ورزانته رغم شكه في نوايا سَيف، شخص مثل سَيف ومكانته شنو شغله في مجلس اللواء مبارك؟ ظلت الأفكار تاخذه وتوديه لين نطق سَيف يقطع الشك باليقين ببروده: بدون لف و دوران بعطيك الملخص، انا أبي أطلب يد رهف الخاطر على سنة الله ورسوله، كنت ناوي اطلب يدها من أهلها لكن اللي اعرفه هي تربت على يدك وماعندها تواصل معاهم..
لانت ملامح مبارك بصدمة: شنو؟
أبتسم سَيف: اللي سمعته يا حضرة اللواء.. ابي بنتك
قاطعه مبارك: بس إللي أعرفه ان سيف آل جراح تزوج بنت عمه من شهرين، وانا ما أرضا بنتي تكون زوجة ثانية...
ضحك سَيف: هذا عذرك؟ ولا عندك شي ثاني؟
سكت مبارك وعقد حاجبه ينتظر سَيف يكمل كلامه، مد جذعه سَيف يرمي الفنجان على الطاولة الصغيرة قدامه: اعرف انك ورا الحادث، أقصد حادث مهند بن ثامر...
ارتخت عيون مبارك بصدمة وكمل سَيف: تخيل ردة فعل بنتك او اللي بحسبة بنتك لو عرفتك إنك سبب تعاستها؟
شد مبارك قبضته بقوة وتصاعدت أنفاسه: وشنو تبي من بنتي؟
رجع سَيف يسند ظهره على الكرسي بثقة: برأيك شنو ابي منها؟
وقف مبارك يأشر له: اطلع برا مجلسي ولا تشوفك عيني...
بينما سَيف ظَل بمكانه هادي وثابت: بكرا بعد صلاة المغرب انا وأهلي عندكم، نطلب يدها رسمياً..
رفع صوته مبارك: انت في بعقلك شيء؟
رفع حاجبه سَيف: ياللواء تراني ما أمزح، ولا تبي العلم يوصل لبنتك؟
بلع ريقه مبارك يناظر عيون سَيف الحادة ونظراته، هذا مو وجه شخص يهدد لمجرد التهديد! هذا وجه شخص يهدد وينفذ، ومبارك بمرحلة في حياته مو مستعد لخسارة رهف او زوجته..
ابتسم سَيف فهم خضوع مبارك من نظراته، وقف على حيله ومسك عكازه في يساره: على موعدنا بكرا بعد المغرب..
طلع يمشي بثقة وهدوء يشوف راكان وسعود طاقينها ميانة، سعود بمجرد ما شاف سَيف ودع راكان وتوجه للسيارة يجلس خلف مقعد السايق، سَيف ناظر راكان وابتسم بخفة ومشى يتركه واقف لين حركوا وابتعدوا.. رجع راكان للمجلس يشوف أبوه وجهه قلب ألوان: شنو يبي ولد آل جراح؟
غمض عيونه مبارك: بكرا هو وأهله عندنا، يخطبون رهف
انصدم راكان: ومن وين يعرف رهف؟
سكت مبارك وقلبه ينبض بسرعة بقلق وخوف من سَيف، لأول مرة اللواء مبارك يدخل الرعب قلبه من شخص! وكان هذا الشخص سَيف، كيف نبش بحياته ووصل لهالمعلومة؟
'
ألتفت سعود على سَيف: هذا هو عنوانها
نزل نظارته سَيف يشوف بناية حديثة مكونة من ١٠ أدوار بموقع متواضع لكنه لا بأس فيه بداخل المدينة ، نزل سَيف يدخل من الباب الرئيسي للبناء وكان الحارس موجود، تخطاه سَيف ودخل يمشي للمصعد ويشوف لافتة مكتوب فيها كل دور وشنو المكاتب الموجودة فيه، الدور السابع "مكتب الصحفية والإعلامية: رهف الخاطر" ضغط على رقم ٧ و صعد فيه المصعد للدور المحدد، خرج من المصعد يشوف باب زجاجي مكتوب عليه نفس العنوان "مكتب الصحفي والإعلامية: رهف الخاطر" كانت ريحة البناء جديدة لما دخل وفتح الباب استقبله ريحة الأثاث الجديد والصبغ الحديث، ناظر المكان بألوانه الدافية والهادية وصناديق الكرتون المتوزعة في كل مكان مع وجود عاملتين ينظفون وصوت رهف مع بنت ثانية يوصله من داخل المكتب، كلم للعاملة تعطي رهف خبر أنه موجود، وقف عند النافذة الواسعة في غرفة الانتظار يتأمل المدينة من هالنقطة تحديداً، رغم ان البناء بعيد عن مركز المدينة لكن الأبراج العالية والشاهقة تبان عنده من هالنقطة ولو بجزء بسيط.. سمع صوت كعبها تمشي خلفه واستدار يواجهها يشوف ابتسامتها تلاشت لما شافته، رجع قلبها وأنقبض وضاق بعد شهر بدون شوفته أو طاريه..
كان يناظرها بهدوء وهي لابسة عبايتها العملية على شكل سوتس باللون الكحلي ورافعة الأكمام بخفة تبان ساعتها واكسسواراتها الخفيفة والبسيطة، رجع يناظر وجهها ولأول مرة يشوفها لابسة نظارة طبية وعيونها العسلية الواسعة تناظره بذهول وصدمة: سَيف!
دخلت بنت ثانية خلفها على صالة الانتظار: شسالفة رهف؟
ألتفت عليها رهف بإرتباك: شهد روحي للمكتب شوي واجي
عقدت حاجبها البنت وتأملت سَيف الواقف بثبات بمكانه يناظرهم بصمت تام ورجعت بخطواتها للمكتب تسكر الباب خلفها، نطق سَيف بعد صمت طويل: طولتي الغيبة، بس حبيت نظام البدايات الجديدة وتبين تفتحين صحيفة وتبدأين من الصفر بأسمج بدون مساعدة أي شخص، برافو!
تكتفت رهف: أنت مو ناوي تطلع من حياتي؟
تقدم يمشي بخطواته يقابلها: للأسف مو ناوي
رفعت رأسها عشان توصل لمستوى عينه: ياخي ابتلشت فيك؟ خلاص اعتقني لوجه الله يكفيني اللي جاني منك! دامني كفيت شري عنك انت بعد كف شرك عني كفاية
ابتسم بخفة: تبين تقنعيني انج مو ورا الفضيحة اللي انتشرت من فترة بالسوشيال ميديا؟ او مو ناوية على شيء؟
رفعت حاجبها: ليه انا مضطرة أبرر لك؟ لو لقيت ضدي شيء تفضل المحاكم موجودة..
تنهد سَيف من غرابة الشعور اللي اعتراه بهاللحظة معاها: طلبت يدج من اللواء مبارك، وبكرا بعد المغرب نكون عندكم
نطقت بصدمة وذهول: نعم؟؟؟
ميّل رأسه يشوف الامتعاض والازدراء واضح على ملامحها: اللي سمعتيه، قلت لج من قبل اللي أبيه منج وقتج كله لي!!
رجعت خطوة ورا وحطت يدها على فمها تغطيه بصدمة وتضحك بعدم تصديق وتأشر على رأسها بالجنون: انت في بعقلك شيء؟ مب صاحي؟ من وين جايب الثقة اني بوافق عليك اصلاً؟ لازم تتعالج..
ظَل واقف ساكن: ما تشوفينها فرصة؟ لو صرتي زوجتي حياتج بتتغير ١٨٠ درجة للأفضل من كل النواحي..
ضحكت بشكل هستيري: عبالك ميتة على اسمك وفلوسك وألقابك؟ شايفة خير الحمدلله، و اللي أبي اوصله شيء أسمى وأغلى من هذا كله، شيء انت ما تملكه ولا تقدر تملكه بيوم من الأيام اصلاً..
ووجهت له السؤال اللي هو بنفسه يجهل جوابه: وأنت شنو تستفيد من هالزواج؟ شخص مثلك ما يخطي ولا خطوة بدون ما يتأكد انها في مصلحته، لا يكون تبيني ألمع صورتك وصورة عيلتك؟ ولا شنو تبي بالضبط؟
حك جبينه بتفكير: يمكن اني ابي احميج!
سكتت تشوف ملامحه الباردة وأطلقت ضحكة طويلة: أنت؟ تحميني؟ من شنو؟ الأولى تحميني من نفسك وتفارقني! محد دمرلي حياتي غيرك، محد أذاني الا انت شخص غريب دخل حياتي بيوم وليلة وعفسها من شهور!
عقد حاجبه يشوف ضحكتها تناقض لمعة الدموع بمحاجرها: ليه أنتي بكاية؟ كلما قلت شيء تحجرت الدموع بعيونج..
لانت ملامحها: شدخلك؟ فارق والا اقسم بالله ارجع لحياتك وانشب لك واخليك تندم على كل نفس تاخذه معاي بنفس المدينة
ابتسم بخفة: محد يقدر يخليني أندم تطمني..
مشى يتخطاها بهدوء ثم استدار وكأنه تذكر شيء: لا تنسين بكرا المغرب انا وأهلي عندكم، وابي اسمع موافقتج!
تركها وخرج من المكتب وضربت رجلها على الأرض بغضب تزفر كل الاوكسجين اللي بصدرها: بأحلامك!!!
طلعت شهد وعلى وجهها ابتسامة: منو هذا الطويل المعضل؟ ادوخ انا
ألتفت عليها رهف بغضب: شهد مو وقته!!
ضحكت شهد: لا في تطور بذوقج، اشي طول اشي اكتاف عريضة اشي سمار اشي عيون حادة
رفعت حاجبها رهف بنفاذ صبر: بتسكتين ولا شلون؟ بعدين شتبين تخزينه وحفظتي شكله بثواني ترا اعلم راكان
ضحكت شهد وغطت فمها: يوه ما ينمزح معاج شفيج صايره نفسية رهف دعابة دعابة..
جلست رهف على الكنبة اللي لا زالت بقراطيسها وتأففت بضيق ثواني ووصلها اتصال كانت تنتظره، فَزت من مكانها ودخلت المكتب تسكر الباب وراها تمنع شهد من الدخول وردت على الاتصال وهي تحاول تتماسك: هلا دكتور
وصلها صوته من الطرف الثاني: اتصلت ابلغج إن المريض مهند بن ثامر ما حصل الموافقة على رحلة العلاج..
غمضت عيونها بقهر: ليه؟ وضعه صعب وهو بحاجة...
نطق الدكتور بوضوح: حالته صعبة صح بس في مرضى حالتهم حرجة أكثر منه ومحتاجين هذي الرحلة اكثر منه وهذا حسب اراء باقي الاطباء المشرفين على حالته، وللأسف مضطرين نرجعه للقائمة لعل وعسى في المرات الجاية تضبط..
قاطعته رهف: بس انت قلت لي كلما استعجلنا بالعملية والعلاج بألمانيا كلما كان نسبة تشافيه أعلى! طيب لو نرسله على حسابنا الشخصي ما يصير؟
تنهد الدكتور بتفكير: يصير، لكن الرحلة والمصاريف والعمليات والعلاج لمدة سنة بعد العملية كلها بتكون مكلفة جداً وبصراحة ما أظن انج قادرة على هالشيء للأسف، غير ان المريض ممكن ما يقبل تعالجينه على حسابج الشخصي
سكتت رهف لأنها تعرف ان مهند مستحيل يرضا ياخذ منها شيء بعد اللي صار بينهم: طيب انا بتصرف وارجع اكلمك، لا تبلغه بأي شيء حالياً رجاءاً..
قفلت الخط ومسكت رأسها بتعب تحس الدنيا تدور فيها ورأسها بينفجر من التفكير والأرهاق النفسي، تشتغل على نفسها ومهنتها تنوي تبدأ من الصفر وترمي كل أوراقها بعد ما توقف على أرض خصبة، ما تركته بحاله لكنها أجلت عقابه حتى إشعار آخر لين تفتح صحيفتها الالكترونية، كل شيء بحياتها فوضوي بسبب شخص واحد "سَيف" والحين موضوع مهند اللي ماتعرف كيف تحله، حتى لو فكرت تاخذ قرض وتتدين ماراح تقدر تسفره على حسابها وتعالجه، ظَلت الأفكار تاخذها وتجيبها يوم كامل وهي سرحانة وشاردة الذهن..

لا بأس يالقلب الشجاعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن