حاول يرتب حروفه بصعوبة، كلامه اللي ينوي يقوله يوجع قلبه قبل ما يوجعها هي بنفسها، حَط يده على كتفها وناظر عيونها بملامح ساكنة و هادية وعيونها تحترق تنتظر رَده: رهف، شلون تنتظرين مني اشاركج مستقبل و عُمر كامل وانا باقي عايش بالماضي؟ عايش في هذيك الليلة قبل ١٥ سنة و جروحي ما طابت؟ لا تنتظرين مني أي شيء من اللي في بالج، انا انسان غير قابل للحياة او الإصلاح وهذي الحقيقة، ماراح اكون أب حنون وصالح دامني ما صرت أبن كفو لأبوي.. ماراح أخلي شيء يحيدني عن طريقي اللي رسمته قبل ١٥ سنة..
قاطعته رهف: الحين انا صرت شي يحيدك عن طريقك؟
غمض عيونه بألم، رهف مو فاهمته ولا هو قادر يعبر عن نفسه بطريقة صح ما تجرحها: اللي اقصده ماقدر اترك دم ابوي يروح هَدر يا رهف، باقي بيني وبين الحقيقة خطوة وحدة...
كمل بنبرة حازمة: هذا انا، سيف بن شاهين..
تجمعت الدموع بعينها وكأنه يقول هذا انا وماراح اغير من نفسي شي عشانج، انقهرت لأن كلامه يناقض وعوده اللي رماها عليها في أول ليلة لهم سوا "انتي خياري الأول والوحيد" بهاللحظة هي خياره الثاني، اختار انتقامه ومستقبله المجهول، ضحكت بخفة تداري دموعها المتحجرة بعيونها وخيبة أملها فيه وبأختياره: صح نسيت انك سيف بن شاهين، كنت أشوفك شخص ثاني تصدق!
صدت عنه و غطت عيونها بكفها الراجف ترفض محاولته في أنه يلمسها او يهديها، ابتسمت بين دموعها: وشكراً لأنك ذكرتني اني خيار ثاني في حياتك..
قرب سيف يمسك كفوفها: رهف! لا تفسرين كل شي على كيفج
دفعته رهف بكل قوتها بعيد عنها: ما فسرت شي على كيفي، هذا الواضح يا سيف قلت لك يا ابيض يا أسود، يا تختار مستقبلنا مع بعض او تكمل طريقك اللي يعجبك و انت الحين اخترته بكامل ارادتك! ما تقدر تختارني انا والانتقام مع بعض، ولا تقدر تجمع الحُب والكره في قلب واحد!
قرب منها مرة ثانية يلمس خصلات شعرها: اقدر اختار الانتقام واختارج واكمل حياتي معاج، واقدر اجمع كرهي للعالم كله و حُبي لج انتي في قلب واحد، وأقدر اسوي كل شي أبيه وانتي تعرفيني عدل!
أبعدت أنامله اللي تداعب خصلات شعرها ونطقت بقهر واضح ودموعها خانتها وانهمرت بدون إنذار: ما تقدر، ولو انت تقدر انا بنفسي ماراح أتحمل! مستحيل اني أتورد و أزهر في تربتك الصلبة، ماتحمل قسوتك وعالمك الضبابي، راح أذبل و أموت..
ابتعدت عنه وراحت تجر خطواتها بثقل بسبب ألم كاحلها تدخل دورة المياه وتصفق الباب بقوة خلفها، وقفت قدام المرايا وصارت تبكي بقهر تحاول تكتم صوت بكاها وشهقاتها المتعالية لكنها فشلت، سيف اللي واقف عند الباب يسمع صوت بكاها قلبه انكسر عليها، معاها حق هي رقيقة مثل الوردة مستحيل تتفتح وتزهر ورودها في تربته السامة..
قطع حبل أفكاره وصول رسالة من المختبر المسؤول عن اختبار مطابقة الـ DNA بين سعود و رهف، كانت الرسالة عبارة عن ملف فيه النتيجة، تسارعت نبضات قلبه بتوتر و طلع للبلكونة يفتح الرسالة، كانت باللغة الانجليزية قرأها كاملة مرة ومرتين وثلاث يتأكد، النتيجة "تطابق الحمض النووي بنسبة ٩٠٪" رغم انه كان متوقع لكنه انصدم، حقيقة ان سعود رفيق دربه و عمره الوحيد اللي عاش حياته بشعور النقص بسبب خلفيته، يكون ولد سلطان الخاطر، و تحديداً أخ رهف الكبير، مصدوم ومذهول وبنفس الوقت قلبه سعيد لأن سعود و اخيراً لقى أهله، يقدر يعيش حياته طبيعي بعد اليوم ويتجرأ يحب وينحب ويتزوج اللي في باله بدون تردد...
لكن كيف يصارح رهف بالموضوع؟ بعد اللي صار بينهم اليوم ولخبطة المشاعر اللي هو فيها، والرفض من طرفها..
اتصل على مبارك، اللي رَد عليه بسرعة: هلا سيف
ابتسم سيف لما سمع الراحة بصوته: هلا كيف حالك عساك طيب؟
هز رأسه مبارك: الحمدلله بخير احسن من امس، انت و رهف شخباركم؟
سيف مَد نظره للداخل يشوف رهف تمددت على السرير على وشك النوم: احنا بخير لا تشيل هم، اتصلت عشان اقولك نتيجة التحليل طلعت..
فَز مبارك من مكانه: طمني عن النتيجة؟
أردف سيف بهدوء يترقب ردة فعل مبارك: نتيجة متطابقة، سعود و رهف أخوة، عيال سلطان الخاطر!
تنهد مبارك مو عارف يوصف شعوره، لكنه شايل هم رهف وصدمتها لما تعرف: طيب ارسلي التقرير، اترك رهف علي انا افهمها لا تعلمها بأي شي لين نرجع الدوحة..
سيف: ان شاء الله، برسله لك الحين واحنا الصبح طيارتنا راجعين للدوحة و انتظرك انت تتصرف...
ابتسم مبارك: انا و ام راكان على الظهر نوصل ان شاء الله..
قفل الخط و انهى الاتصال، ورجع يواجه أفكاره وغضبه اللي ياكله من الداخل، ما هو قادر يهدي نفسه ويطفي ناره، ولا هو قادر يطمن حُب قلبه وينهي كل وساوس انتقامه...
دخل وكانت رهف نايمة، او تتصنع النوم! لكن الأكيد ان كل شي بينهم راح يتغير بعد هالليلة، رهف ماراح تعطيه فرصة ثانية وهو ما يقدر يترك ماضيه ويتبع خطواتها لمستقبلها المشرق..
تمدد بجانبها على السرير كانت صادة عنه وتعطيه ظهرها، تنهد بتعب وقرب منها يتأملها بنومها وعيونها المنتفخة من شدة بكاها، كره نفسه لأنه بكى هالوجه المُحبب ورسم على ملامحها الحزن وخيبة الأمل..
كانت رحلة عودتهم للدوحة هادية بشكل حزين، جالسين جنب بعض لكن كل واحد فيهم شارد ذهنه ومشغول.. دخلوا القصر و رهف تسبقه بخطواتها المُتعبة ومحاولاتها للثبات بدون عكاز، تجاهلت اصايل اللي كانت جالسة بالصالة لوحدها، ابتسمت أصايل: الحمدلله ع سلامتكم يمه
ناظرها سيف ببرود: الله يسلمج
وقفت تمشي له وتمسك ذراعه: الاكل جاهز لو تبي..
هز رأسه بالنفي: مابي شي
ابتعد عنها وراح يصعد للجناح بخطوات مُثقلة، رهف ما نطق معاه ولا حرف من أمس ولا ناظرت فيه حتى، غرابة الشعور بينهم بعد الألفة يحرقه، بعد ما ذاق نعيم قربها رجع لجحيم بعادها، وهذا أصعب شعور بالنسبة له.. رهف لما شافته داخل للجناح صَدت عنه تتجاهله وراحت للغرفة، معاها اللابتوب ودفتر الملاحظات.. غمض عيونه سيف بتعب و دخل للغرفة يشوفها لابسة نظاراتها وقاعدة تشتغل ومندمجة باللابتوب او تتظاهر بالاندماج عشان تتحاشى النظر له
وقف عند رأسها: ما تحسين ان حديثنا أمس كان ناقص؟
رَدت ببرود بدون ما تلتفت له: بالنسبة لي كان كامل، سمعت اللي ابي اسمعه وقلت اللي ابي اقوله و انتهينا
رفع حاجبه سيف: انتهينا بهالسهولة؟ بعد كل اللي صار بيننا!
رفعت عيونها عليه وابتسمت بسخرية: ليه شنو صار بيننا؟ ولا شي حقيقي، اعتبرها مجرد نزوة عابرة والحين نرجع لأساس هذا الزواج، لين نكمل سنة وتفترق طرقنا المتقاطعة
جملة "مجرد نزوة عابرة" اثارت غضبه، كيف تسمي اللي صار بينهم نزوة وعلاقة مو حقيقية؟ هو اللي ما عاش الحقيقة في حياته الا بأحضانها، كل همسة وكل لمسة وكل شعور وكل فكرة عنها ومعها كانت حقيقية، بعمره ما شاف اللي صار بينهم نزوة ولا فكر فيها بهالطريقة اللي هي توصفها..
أردف بقهر: ومن قال ان اللي صار بيننا نزوة؟ او اننا راح نفترق؟
سكتت رهف تناظره بهدوء تنتظره يكمل وهي تقرأ تعابير الغضب الواضحة عليه مهما حاول يخفيها..
دنى لمستواها يناظر عيونها ونطق بحدة: انتي تعرفين ان شعوري تجاهج حقيقي، شفتيه في عيوني! لا تظنين اني بتركج بسهولة وهالزواج ماراح ينتهي بتتحمليني عمر كامل..
رفعت حاجبها رهف: شعورك تجاهي شنو؟ تملك؟ سيطرة؟ اكيد انه كل شيء الا الحُب، لأن اللي يحب ما يترك محبوبه خيار ثاني يا سيف! لا توهم نفسك ولا توهمني معاك..
أردفت تصدر احكامها عليه ولا تعطيه مجال يدافع او يبرر، وهو ماعنده تبرير بهاللحظة يحس كل شي يضغط عليه مقابلة مبارك بعد شوي في بيتهم، و موضوع هلال آل سليمان، ومواجهة جده! كل شيء يستنفز طاقته لكن الاكثر رهف، رهف اللي اتخذت قرارها في الصد والهجران، مُصرة انها خيار ثاني بحياته في حين انها الاولى، مو فاهم هي ليه رافضة تستوعبه؟ ليه تظن ان انتقامه بيكون عائق دائم؟ ليه ما تفهم أنه ما يقدر يمارس حياته بشكل طبيعي ويفكر بمستقبله بينما هو عالق بالماضي قبل ١٥ سنة ولا هو لاقي حل لهالشعور اللي ياكله من الداخل ويبتلع كل صفاته الانسانية الرقيقة..
ألتفت عليها بهدوء: جهزي نفسج بنروح بيت ابوج بعد شوي
عقدت حاجبها: ليه صاير شي؟ كنت بروحلهم بعد المغرب
هز رأسه بالنفي: معزومين على قهوة العصر في مجلس اللواء مبارك
تركها تناظره باستغراب وراح يبدل ملابسه، لبس ثوبه و غترته شافها واقفة عند التسريحة تتضبط على السريع
نطق بهدوء: انتظرج تحت
وطلع من الجناح يرد على اتصال سعود وكان يخمن محتوى الاتصال بهالتوقيت تحديداً
ابتسم سيف: هلا بالعضيد
رَد سعود بتوتر: هلا فيك، اقول اللواء مبارك اتصل يعزمني على قهوة العصر، غريب شنو يبي مني؟
ضحك سيف بخفة: ما يبي الا سلامتك تطمن..
قاطعه سعود: لا يا سيف تكفى لا يكون دور من وراي و عرف اني كنت اهدد اعدائك وماضي اسود مظلم وبيسوي لي سالفة مالي خلق تحقيق و سين و جيم...
ركب سيف السيارة: لا تبالغ ولو درى مافيها شي ما قتلنا أحد ولا اخترقنا القانون وكل اللي دمرناهم يستاهلون الدمار، انا بظهرك لا تخاف اللي يجرى عليك يجري علي انا..
تنهد سعود: طيب انت بعد بتروح له؟
مَد نظره سيف يشوف رهف تمشي متوجهة لسيارته: اي انتظرك هناك لا تتأخر
ركبت رهف جنبه وكان السكون عنوان رحلتهم وطريقهم القصير لبيت اللواء مبارك، لكن سيف يحس إنه اطول طريق مشاه في حياته، طريق مليان صَد وسكون من مرهفة قلبه..
نزلت رهف من السيارة تتجاهل سيف اللي نزل بعدها بثواني، استقبلهم مبارك و أخذ رهف بالأحضان و حَس بوجود فجوة بينها و بين سيف من نظراتها الباردة تجاه سيف و صدها عنه، راكان و ريان طلعوا من المجلس يستقبلون سيف وكلهم بدون استثناء مستغربين هذا الاجتماع المفاجئ بطلب من مبارك، دخل سيف للمجلس مع راكان و ريان، اما مبارك راح يمشي مع رهف في الحديقة يوصلها للبيت داخل..
نطق مبارك: صاير شي بينكم؟ انتي و سيف؟
ابتسمت رهف بتعب: ما أظن اننا نتفق، وجهات نظرنا في الحياة مختلفة وتخطيطنا للمستقبل متضاد!
اخذها مبارك تحت جناحه: لكنه يحبج، ما يكفي الحُب؟
ناظرته رهف باستعجاب: الحب لو منه مضره ما يكفي..
قاطعها مبارك: لكن سيف ما تجيج منه مضره، يضر نفسه ولا يفكر يضرج بأدنى شي...
نزلت عيونها رهف على دبلتها وحركتها بهدوء: اخاف، اخاف منه عليه و علينا احنا الاثنين، اخاف يضر نفسه وينكسر قلبي عليه
ابتسم لها مبارك: صارحيه بهالمخاوف!
هزت رأسها بالنفي: يظن اني ابي اتحكم بحياته و أغيره وأغير نظام كونه، وانا كل اللي ابيه أعيش يومي وانا مرتاحة ومطمئنة!
تنهد مبارك: القرار قرارج بالنهاية، لكن اذا تبين شوري انا ابوج اللي يعرف مصلحتج! ترا سيف انسان تصادفينه مرة في العمر، اللي مثله نوادر.. وانا اعرف معدن الانسان من عينه، لا تحسين بالرهبة من مظهره الصلب، اشوف بعيونه لمعة حُب وحنان..
شد على كفوفها مبارك: تذكري كلامي، قبل ما تفكرين تتخذين أي قرار بخصوص علاقتكم!
تنهدت رهف وراحت للداخل تمشي مع مبارك واستقبلوها ريم و شهد، كانت ريم مو على بعضها اليوم وهالشي لاحظته رهف من يوم دخلت لكنها ظنت ان سوء مزاجها أثر عليها اليوم..
أنت تقرأ
لا بأس يالقلب الشجاع
Romanceأه لو تدرين لا عوّد العاشق حزين يمشي على جفن و جبين لا باس يا القلب الشجاع ضاع الأمل مالك عذر من لمسة عيوني الشعاع زندي انثنى رمحي أنكسر و قلتي عسى جفنك عساه ما يحترق حاولت ما أغمض عيوني و نفترق..