22

5.7K 220 28
                                    

فتحت عيونها بانزعاج من أشعة الشمس اللي تداعب وجهها بنعومة، حست بدفء جسد سيف اللي يحتويها ويدفن رأسه بشعرها، ملامح الانزعاج ارتخت وتحولت لابتسامة خفيفة، سحبت نفسها بهدوء من حضنه وتحررت لكن ريحة عطره وختوم ملكيته تحاصر جسدها وكيانها بالكامل، سحبت الروب بخفة تغطي نفسها من برد الشتاء وألتفت تشوف سيف نايم بعمق واخذت جوالها وطلعت تجر خطواتها بسكون تام..
أول اسم طرأ على بالها ريان و سعود، اتصلت على ريان تتطمن شصار معاه..
ثواني و رَد ريان بصوت ناعس يتثاوب: هلا رهف
الواضح انه ما نام طول الليل: هلا حبيبي شصار معاكم؟
ألتفت ريان يشوف سعود يطلع من غرفة التحقيق وابتسم له من بعيد: طول التحقيق لكن الحمدلله قدرنا نطلعه بكفالة، هلال صحى من تأثير البنج و سحب شكواه بكل بساطة
عقدت حاجبها رهف: غريب تصرفه!
هز ريان رأسه: اهم شي سعود بخير الحين لا تحاتينه
قرب له سعود يأشر له على الجوال وأردف: ابي اكلمها
مَد له ريان الجوال و أول سؤال طرأ ع باله: سيف شلونه؟
ابتسمت رهف: افا على طول تسأل عن سيف؟ ما قلت أسأل عن اختي الحلوة شصار معاها؟
حك جبينه سعود بغرابة، هو اللي محور كونه سَيف كيف يتعود على غير هالروتين والنظام، حست رهف بارتباكه وضحكت بخفة تمازحه: استهبل عليك، سيف بخير
تنهد براحة: الحمدلله، شصار أمس؟
شرحت له رهف اللي صار و ان عبدالعزيز هرب ابراهيم للخارج و سيف جَن جنونه بسبب هالشي..
كملت تحاول تطمن سعود: لكنه بخير، بدأوا تحقيق مع عبدالعزيز و هلال و أكيد بالنهاية راح نوصل لـ ابراهيم
عض شفته بقهر: معاه حق ينهار، تخيلي هذيل أهله!
سكتت رهف وهي تشوف سيف يطلع من الغرفة بعيون ناعسة يدور عليها وهي جالسة على بار المطبخ تناظره بهدوء
تنحنحت بخفوت تنهي المكالمة: أكلمكم بعدين، باي
قفلت الخط تزامناً مع قرب سيف منها يبوس خدها: صباح الخير
رَدت عليه: صباح النور حبيبي
في كل مرة تناديه حبيب ينبهر وكأنها الأولى: كلمتي سعود؟
هزت رأسها: الحين رخصوه، يسأل عنك باله مشغول
ابتسم من طاري سعود: بروح اشوفه بعد شوي
رفعت رهف حاجبها وضربته بخفة: خير؟ كل هالابتسامة والحماس عشان سعود!!!
ضحك من تعابيرها المنزعجة: اي عشان سعود، ليه تغارين؟
ناظرته بطرف عينها وضحكت: اغار؟ انا اغار؟ مستحيل
كان سيف يحاول فيها تعترف انها تغار، لكنه اعتراف صعب المنال وهي لليوم ما اعترفت بكلمة "أحبك" رغم انه قالها لها عدة مرات، كل شي فيها يعترف بالحُب الا لسانها يكابر بحروفه.
'
-شقة راكان و شهد-
بعد ما تأكد من منع السفر على الجميع، وحاول يعرف مكان أبراهيم حالياً لكن الموضوع صعب، رجع للبيت مُنهك وتعبان وصعد للشقة يفتح الباب بهدوء يخاف يزعج شهد في نومها، لكنها كانت صاحية فاتحة التلفزيون على فيلم لكنها مو منتبهة له وتناظر الفراغ بهدوء وسكون تام..
ابتسم و راح يجلس جنبها ويمسك يدها: حبيبتي مواصلة؟
ألتفت عليه شهد بوجه بارد: فيني أرق ماقدرت أنام
ناظرت الساعة تشوفها ٨:٠٠ صباحاً، روحها مرهقة اكثر من جسدها، و شعرت بأيديه اللي تمتد خلف ظهرها و يسند رأسه على كتفها بهدوء: شهد، اذا في يوم زعلتي مني واجهيني لا تتخبين عني او تتجاهليني بهالشكل
ضحكت شهد بسخرية: يعني تدري انك مسوي شي يزعلني؟
هز رأسه بالنفي: يشهد الله علي اني بحياتي ما سويت شيء يزعلج، ولو صار و زعلتي مني أكيد انه بالغلط
قاطعته شهد: واللي يرحم والديك اسكت راكان مالي خلق
تساءل بصدق وبراءة تامة: فهميني شسويت طيب؟ من ايام وهذا حالج لا تاكلين لا تنامين ولا تسولفين معاي حتى النظرة تستخسرينها فيني، شسويت انا ممكن افهم؟
سحبت يدها من بين كفوفه ووقفت تبتعد عنه تدخل للغرفة بدون ما تعطيه جواب على سؤاله، تنهد راكان بنفاذ صبر و دخل يتبع خطواتها: شهد ترا المشاكل ما تنحل بهالاسلوب، احنا مو صغار عشان نتهرب من المشكلة، فيج شي صارحيني!
تمددت على السرير تناظره ببرود: ممكن تخليني انام؟ تعبانة
تنهد بضيق من برودها اللي يجرح قلبه وصدها اللي يجهل أسبابه، قرب بخطواته من السرير يدنو لمستواها ويطبع قُبلة على جبينها وهي تصد عنه للجهة الثانية ما تبيه يقرب لها
أردف بهدوء: نامي و ارتاحي، انا رجعت البيت عشان ابدل واطلع عندي موعد مهم
راح يبتعد عنها يدخل الحمام ياخذ شاور سريع يصحصح فيه من قلة نومه، وهي متمددة بالسرير تتصنع النوم فتحت عيونها لما سمعت صوت مسجات متكررة توصل لجوال راكان، الفضول خلاها تقوم من مكانها تدور على جواله وتفتحه بدون تردد، تعرف الرقم السري تاريخ يوم زواجهم..
فتحت الرسايل واللي كانت من احد اصدقاءه:
- لا تنسى اليوم بتقابلها
- بصعوبة خليتها توافق على هالموعد
- اتمنى ان قلبك يرتاح بعد شوفتها
- العنوان **** ***** ****
حست بدوخة بسيطة وهي في كل مرة تنصدم اكثر، تنصدم من زوجها اللي يلبس ثوب البراءة قدامها ولا كأنه يلعب من ورا ظهرها، تركت الجوال بهدوء وراحت تتظاهر بالنوم لما طلع راكان يلبس ثيابه ويتكشخ على السريع ويطلع من الغرفة بهدوء، رفعت رأسها تمسح دموعها بقهر يتركها نايمة و يروح يقابل الحُب الجديد؟ بكامل أناقته و كشخته..
وقفت على حيلها بغضب وراحت تبدل على السريع، وقفت قدام التسريحة تشوف وجهها ذابل و تعبان والهم ماكلها حَست بالضعف لو واجهته مع عشيقته بهالشكل، تكشخت وحطت ميك اب خفيف يغطي اثار السهر و التعب، ولا شيء قدر يغطي ذبولها لأن لمعة الحُب اللي بعيونها انطفت..
طلعت تشوف ريّان توه داخل البيت، استغرب من شهد شعندها طالعة بهالوقت بدري وشكلها ما يطمن
تساءل ريان: عسى ما شر شهد وين رايحة صاير شي؟
هزت رأسها بالنفي: عندي مشوار سريع اخلصه
كمل ريان يعرض عليها خدماته: تبين اوصلج؟ او مفتاح سيارتي؟ لأن مافي سياير برا سيارة راكان معاه و سيارة البيت بالصيانة من كم يوم
ناظرته شهد تفكر شوي: عطني المفتاح أنا أروح لا تتعب نفسك
ابتسم بخفة و ترك المفتاح على الطاولة: بس انتبهي على سيارتي سمعت من الناس ان سواقتج مُش ولا بد
رفعت حاجبها: لا سواقتي زينة تطمن، عموماً شكراً
أخذت المفتاح وطلعت ووقف ريان يشوفها تحرك السيارة بسرعة وتطلع من البيت، تنهد بتوتر: شكلها ما يطمن شصاير!
نفض رأسه من كل الأفكار وصعد لغرفته ينام ويرتاح بعد ليلة طويلة قضاها في مركز الشرطة مع سعود بالتحقيق..
وصلت للعنوان اللي ذُكر في الرسالة، كان عبارة عن مقهى صغير متوسط الحجم وواضح عليه توه ناشئ، المقهى يفتح الساعة ١٠ صباحاً والحين ٩ صباحاً رغم هالشي سيارة راكان مركونة بالخارج وتشوفه عبر الزجاج جالس لوحده على طاولة، استغربت لكن ثواني مشاعر الاستغراب تحولت لغضب وهي تشوف بنت في العشرينات من عمرها تتقدم للطاولة ومعاها كوب قهوة، حطت القهوة على الطاولة و مشت خلف البار..
ما تحملت شهد هذي المهزلة كلها ونزلت بسرعة تصفق باب سيارة ريّان بكل قوتها وتدخل المقهى فَز راكان لما شافها داخلة عليهم وعلى وجهه علامات استفهام وتعجب: شهد!
ناظرته شهد بحدة: هذا موعدك المهم؟
ألتفت تشوف البنت اللي واقفة تطالعها بذهول: وهذي منو!
قرب منها راكان: شهد انتي شتسوين هنا؟ شلون وصلتي؟
ابتسمت بسخرية: وصلت بسيارة أخوك يعني شلون وصلت، انت اللي فهمني شنو قاعد تسوي هنا ومنو اللي لك اسابيع تدورها وتبي تشوفها وتكلمها عشان يرتاح قلبك!
أشرت على البنت: لا يكون هذي؟ تخونني يا راكان!!
نطقت البنت بحدة: عفواً اختي انا شدخلني؟ اخ راكان شسالفة!
خرجوا العاملات والعامل اللي كانوا ينظفون المكان بالداخل على الصوت يشوفون الموقف بصدمة، راكان سحب شهد من ذراعها يطلع فيها لخارج المقهى وهي تهدد عليه
تنهد راكان: شهد حبيبتي تراج فاهمة الموضوع غلط..
قاطعته شهد: لا ما فهمته غلط، انا سمعت مكالماتك و أنت تقول تبي تشوفها وترتاح وتريح قلبك، سمعت وشفت بعيوني!!
عقد حاجبه راكان: و تظنين اني اخونج؟ ما فكرتي تسأليني
نطقت بحدة: سألتك ليلتها تكلم منو؟ قلت رفيجتي اشاوره بموضوع تبديل المناويات، كذبت علي يا راكان فوق الخيانة!
حط يده على رأسه بصدمة من تفكيرها يعني الصدود والهجران اللي كان بينهم سببه سوء فهم، كيف تظن أنه يخونها ويلعب من ورا ظهرها؟ وهو اللي يشرق بأسمها وعينه ما تشوف غيرها، قرب يمسك أكتافها: وانتي كتبتي سيناريو كامل برأسج بدون ما تواجهيني وتسأليني؟ تتوقعين انا راكان اقدر اخونج؟
ناظرته شهد بحيرة: عيل هذا شنو؟ و البنت اللي داخل!
حط عينه بعيونها ونطق بقهر: قلبي اللي يبي يرتاح من أسابيع، تدرين شنو سبب عذابه؟ ماهو حُب او عشق لوحدة ثانية
عقدت حاجبها تنتظره يكمل: سببه اني انا تسببت في موت زميلي بالدوام، انا و عشان اخذ كم يوم اجازة زيادة أصريت عليه يمسك أيامي و يناوب في مكاني، كان زميل أصغر مني ومتحمس و سلمته مهام أكبر من عمره...
حَس بالغصة لما تذكر: و نسيت ان الطيارة اللي انا مسؤول عنها تحتاج صيانة، نسيت أخبره بهالشي وطلعت اجازتي ما دريت انه راح يركب هالطائرة ويسوق نفسه لموته الحتمي..
ارتجفت كفوفه اللي تمسك أكتافها: مات بسببي انا و اهمالي، بسبب غلطة ما حسبت حسابها راح ضحيتها شاب طموح، وترك وراه أم قلبها مجروح و أخت تحاول توقف على أقدامها و تدير هالمقهى وتعيل نفسها مع أمها وأبوها المُقعد...
غمضت عيونها شهد بعدم استيعاب: لكن...
قاطعها راكان: انا موقوف عن العمل هالفترة، ولما أرجع راح ينزلون مرتبتي بسبب الخطأ الفادح اللي اخطيته، انا ما همني هذا كله لكنني من أسابيع احاول اتواصل مع أهله و اعتذر منهم، احاول اكفر عن ذنبي و يسامحوني..
حس بدموعه تجمعت بعيونه: ما انسى صرخة امه في وجههي يوم نقلوه للمستشفى وأعلنوا خبر وفاته، انا السبب وانا المسؤول عن هذي الحادثة تماماً....
سكت و صَد عنها يحاول يمسك دموعه: روحي شهد للبيت، انا بشوف أهله و احاول اعتذر منهم لين يسامحوني
كانت شهد مصدومة، كل المشاعر والغضب اللي كانت تحمله بقلبها لأيام تجاه راكان كان اكبر ظلم له ولحُبه، كيف تشكك فيه وتبتعد عنه بدون ما تتناقش معاه بالموضوع بشكل صريح..
نطقت بصوت خافت: راكان انا اسفة...
قاطعها بهدوء: وصلت أم خليفة مع أبوه، بروح أشوفهم
مسكت ذراعه: انا بروح معاك بعد
هز رأسه بالنفي: لا اتركيني اقابلهم لوحدي، الوضع صعب بما فيه الكفاية حتى علي، روحي البيت وانتبهي على نفسج
رفعت حاجبها: ما تبيني اكون معاك داخل براحتك، انا بنتظرك في السيارة..
ابتعد عنها راكان و رجع يدخل للمقهى، يمشي بتوتر ويجلس على نفس الطاولة بعد ما سلم على ام وأبو خليفة، وكانت اخته أريج صاحبة المقهى تراقب الوضع بهدوء من بعيد..
شبك راكان كفوفه بارتباك وخجل قدامهم يرتب كلماته بشكل يعبر عن الندم اللي بداخله: انا ادري صعب عليكم تشوفوني، و ادري انكم ضغطوا على انفسكم بصعوبة عشان هالمقابلة لكن..
رفع عيونه يناظر عيونهم الباكية: يشهد الله اني ما ذقت النوم ولا الراحة، الندم يأكلني أكل لأني كنت السبب في وفاة زميل صغير كان يطالعني ويشوفني قدوة له في يوم من الأيام..
تمردت دموع عينه بقهر: والله لو يرجع فيني الزمن أني ما اخليه يمسك مكاني لو ثانية، كان على الأقل نبهته على موضوع العطل اللي فالطائرة و نبهت الفريق لكن...
اختنق في عبرته لما قاطعه ابو خليفة بصوت حنون مليان وقار وحنية ومسك كفوفه: لا تبكي يا ولدي، لا تبكي على قضاء الله و قدره، هذاك كان يومه لا انت ولا غيرك مسؤول
رفع عيونه راكان يناظر ابو خليفة: انا السبب وهالحقيقة ماراح تتغير، انا بس ابيكم تسامحوني وتحللوني..
رفع عيونه على ام خليفة اللي تبكي بصمت، تناظره وبداخلها حسرة و قهر هي تدري ان كله قضاء و قدر لكن قلبها يوجعها تدور على شخص تلومه لعل و عسى يخفف حرقة فؤادها على فقدان ولدها بين عشية و ضحاها بدون ما توادعه..
رفعت كفها تمسح دموعها: الله يسامحك، والكلام اللي قلته في المستشفى كان من حرقة قلبي، روح الله يسامحك
كان راكان يبكي وهي تبكي معاه، تأنيب ضميره ياكله أكل والندم استقر في قلبه و كلمة "لو" فتحت له ابواب صعب تتسكر، لو في ذاك اليوم ما اخذ اجازة لو ما وكل اعماله كلها لِـ خليفة، لو بلغ الادار والطاقم عن وجود خلل بالطائرة واحتمالات كثيرة..
تقدمت أريج تهدي أمها وتحضنها: خلاص يمه حبيبتي تكفين
وقف راكان يبتعد عنهم بعد ما استأذن من ابو خليفة ووادعه..
شهد اللي كانت جالسة بسيارة ريّان اول ما شافت راكان يطلع من المقهى وجهه أسود نزلت من السيارة وقفلتها بسرعة وراحت تمشي له بخطوات سريعة: راكان..
ألتفت لها يشوف الخوف بعيونها، قرب لها هو يبادر ويحضنها، محتاج حضنها وحنيتها عليه: كيف اكمل حياتي مرتاح!
كانت تربت على ظهره بحنية: لا تلوم نفسك، هذا قضاء و قدر
مَدت نظرها على العيلة بداخل المقهى، و جات عينها في عين أريج وتذكرت الكلام اللي قالته لها وحست بإحراج كبير..
ابتعدت عن راكان: خلينا نروح البيت، لكن بَمر اعتذر من البنت
ألتفت راكان وهو يشوف اريج طلعت توصل أهلها للسيارة مع السايق، و شهد ابتعدت عنه وراحت تدخل للمقهى تتبع خطوات أريج بإحراج تام من اللي صار بينهم..
تنحنحت شهد بخفة: انا حابة أعتذر عن اللي صار
ابتسمت أريج: بحاول اتفهمج، لكن نصيحة مرة ثانية حتى لو شكيتي في نفس هالشي لا تهاجمين بنات خلق الله
حكت جبينها شهد بإحراج: اعصابي كانت تعبانة، اتمنى تعذريني وما يكون هذا اول او اخر لقاء بيننا
ابتسمت بعيونها اريج: حياكم الكوفي دايماً بابه مفتوح للكل
مَدت يدها شهد تنوي المصافحة: نتشرف، يا اخت...
صافحتها أريج وكملت جملتها الناقصة: أريج، اسمي أريج
ابتسمت شهد: عاشت الاسامي، وانا شهد
اشرت لها أريج على الطاولة: حياج نضيفج قهوة ماتشا؟
ألتفت شهد تشوف راكان ينتظرها بالسيارة: وقت ثاني ان شاء الله، تشرفت بمعرفتج واتمنى تعذريني
مَدت نظرها أريج تشوف راكان وقالت: لا تخلينه يفكر بالموضوع كثير، الهموم راح تاكله وتبتلعه، من أسابيع وهو يحاول يتواصل مع امي وابوي عن طريق ولد عمي و راح لين بيتنا لكن امي رفضت، تعرفين قلبها مكسور..
لانت ملامح شهد: راكان مستحيل يتخطى، لكن اتمنى ربي يجبر كسر قلوبكم ويرحم اخوج ويجعل مثواه الجنة
ابتسمت اريج بألم من طاري اخوها: اللهم امين، الجرح باقي لكنها الحياة ومضطرين نوقف على رجولنا من جديد ونقاوم
ودعتها شهد و طلعت من المقهى تركب جنب راكان، مدت يدها تمسك كفه اليمين وتناظر عيونه: لا تهلك نفسك
زفر الوجع اللي بداخله: ماقدر، الندم ياكلني اكل!
حركوا من قدام المقهى و شهد تركت سيارة ريان مركونة في المسافط الأمامية.. لما رجعوا البيت كان ريان نايم، تركت مفتاح سيارته في الصالة وصعدت لشقتها مع راكان..
وكان هذا الصباح حزين، راكان يبكي بحضن شهد لأنه مو قادر يتخطى شعوره بالذنب والندم، ولا هو قادر يتخطى فكرة ان شهد للأسف ظنت فيه السوء ولا حاولت تحط احتمالات أخرى وبنفس الوقت ما يلومها لأن المحادثات كانت مُريبة..
وحتى شهد اكلها الندم لأنها تركته يتعذب لوحده وصدت عنه ولا فكرت تواجهه، تذكرت اول يوم جاء وجهه مصفوق وطلب منها ينام بحضنها، في ذاك اليوم اللي تغير فيه راكان للأسوء و انطفى ضَي عينه وكانت الهواجيس تاخذها وتجيبها، كان يعيش المعاناة بداخله و لوحده بدون ما يلجأ لها او يبوح باللي في صدره، وفكرة باحتمالات سوء فهمها و صمت راكان اللي كان على وشك ينهي علاقتهم بشكل حتمي بدون رجعة..
رفع رأسه راكان من حضنها يناظرها بعيونه الباكية، هو فعلاً كان يغلي خليفة ويعلمه كَزميل صغير يشوفه قدوة في مجاله
شهد فاهمة شعوره، مَدت أناملها تمسح دموعه وتبوس عيونه الباكية بخفة وتناظره بحنية: راكان، ما يصير تسوي بعمرك جذي اللي صار بالماضي و انتهى، أنت ما كنت تقصد مالك ذنب اللي صار كله قضاء و قدر هذي مشيئة رب العالمين
غمض عيونه راكان من فرط حنيتها عليه وكملت وهي تلعب بخصلات شعره: تظن ان اللي تسويه بنفسك يفيده؟ تظن هو لو شاف حالتك هذي بيرتاح؟ أهله سامحوك بس انت مو مرتاح تدري ليه؟ لانك ما سامحت نفسك، سامح نفسك انت بالأول كَفر عن شعورك بالذنب بطريقة ثانية تريحك، تدميرك لنفسك ولمستقبلك وعزوفك عن العمل ما يفيد
عقد حاجبه: كلما رحت مقر العمل بتذكره، وانا بكل الأحوال موقوف هالفترة ولا رجعت بينزلون رتبتي
قاطعته: بالطقاق الرتبة مو مهمة، حتى لو تبدأ من الصفر لا تتخلى عن حلمك وطموحك اللي سعيت على عشانه، و عشان خليفة تبرع او ابني مسجد نيابة عنه سوي شي يفيده في اخرته
عجبته الفكرة كيف ما طرأت ع باله في ظِل حزنه اللي سيطر عليه ومع وفاة ابوه زاد الحزن وفقد قدرته على التفكير بمنطقية وعقلانية..
استعدل بجلسته واخذها هي بحضنه يبوس رأسها ويحتويها بين ضلوعه: انا شنو حياتي بدونج؟ الله لا يخليني منج
ابتسمت شهد براحة: انا معاك، لا تفكر تخبي عني شي مرة ثانية
دنى يبوس خدها بنعومة: حبيبة عمري وقلبي..
تنهدت شهد براحة من بعد ايام عاشتها على أعصابها بين الهواجيس والهموم والمشاعر السلبية، واخيراً هي بمكانها المفضل في حضن راكان وما بينهم أي حواجز..
***
يا ضايق الصدر بالله وسع الخاطر
‏دنياك يا زين ما تستاهل الضيقه
‏حلو العيون استهانت دمعها الحادر
‏كف العباير حزين الدمع ما طيقه
‏حسايف الحزن يغشى وجهك الطاهر
‏والورد في وجنتك حرام تغريقه
‏يفداك قلب على ما تشتهي حاضر
‏يفداك باللي بقى لي من معاليقه
***
'
صحى ريّان من نومه على العصر ونزل للصالة يشوف شهد و راكان و ريم جالسين بالصالة بعد الغداء يتقهوون
عقد حاجبه بتعب: شدعوة ما تقولون عندنا ولد ثاني نصحيه ياكل معانا، خلاص نسيتوني صرت ولد الجيران
ابتسمت ريم: نومك ثقيل يا ريان هذي مشكلتك
جلس جنبها وسند رأسه على كتفها: شسوي تعبان ما رجعت البيت لين الصبح..
ألتفت على شهد وكأنه تذكر شي: الا وين مفتاح سيارتي؟
أشرت له بعيد: موجود المفتاح، بس ترا رجعت مع راكان و سيارتك نسيتها قدام المقهى
توسعت عيون ريان بذهول: نسيتي سيارتي؟ سيارة طول بعرض تنسينها؟ شلووون!!
ضحك راكان وضربه: اقول لا تبالغ، روح مع أوبر وجيب سيارتك من الصبح قدام الكوفي فشيلة
تأفف ريان: والله مالي خلق أطق طريق، وفوقها مو ماكل شي من أمس ورأسي مصدع ابي قهوة
رفعت حاجبها شهد: ريانو بلا عيارة!
وقف ريان يتركهم صعد لغرفته كشخ على السريع ونزل ياخذ مفتاح السيارة وهم يطقطقون عليه، اخذ اللوكيشن من راكان ولما وصل المقهى نزل من الأوبر وهو يكلم رفيجه
تنهد: أقولك باخذ السيارة و أجي لكم، ماراح اتأخر بس بلغ الشباب اني برجع البيت من وهل، وراي دوام الصبح..
قفل الخط وناظر سيارته، شهد ما قصرت وسفطت السيارة بطريقة غريبة مع زحمة باقي السيارات المركونة جنبها صار صعب عليه يدخل للسيارة..
تنهد: والله انا الغبي يوم عطيتها مفتاح سيارتي
حاول يفتح الباب بصعوبة ودخل يجلس خلف الدركسون يفكر شلون يطلع من هالزحمة بدون أي حوادث تُذكر، حرك السيارة وعينه على الجوال يشوف رسايل الشباب، ما حس الا بصوت صدمة ألتفت وحصل نفسه صدم السيارة اللي بالخلف..
غمض عيونه بنفاذ صبر: الله يعدي هاليوم على خير!!
نزل من سيارته متزامن مع خروج بنت من الكوفي، على وجهها ملامح الفجعة تناظر السيارة وتصرخ: شفيك أعمى ما تشوف!
قرب ريّان بخطواته يشوفها تتفحص سيارتها وواضح عليها الانزعاج: اختي هدي نفسج، خلاص انا غلطان وراح أصلحها
ألتفت عليه بحاجب مرفوع: اكيد بتصلحها بكلم المرور يتلونك انت وسيارتك هذي ويسحبون رخصتك بعد
ريّان حَس بدوخة بسيطة لما شافها، جمال وجهها مو طبيعي يسحر وعيونها الناعسة حكاية ثانية، بدون شعور ارتسمت ابتسامة خفيفة على مُحياه: سبحان الخالق تبارك الرحمن
عقدت حاجبها: نعم؟؟؟
تنحنح: لا أقول يعني عطيني رقمج او خذي رقمي عشان تصليح السيارة، و لا تشيلين هم شي ثاني
ابتسمت بسخرية: الموضوع ينحل في المرور مو بيني وبينك!
لما وصلوا الضباط يقيمون الحادث، ريّان قط أذنه معاهم يسمعهم ياخذون معلوماتها
نطقت بنبرة واضحة: أريج بنت محمد...
ابتسم بخفة لأنه عرف أسمها بطريقة غير مباشرة، ورفع عيونه على الضابط اللي كان يسأله عن رخصته و أسمه، مَد له الرخصة والاستمارة وملا عليه أسمه: ريان بن مبارك القاضي
أريج اللي كانت لاهية عنهم لما سمعت أسمه ألتفت عليه بذهول، تعرف هاللقب لأنها تعرف راكان بن مبارك القاضي، وقفت بمكانها تناظر ريان باستغراب وهو اللي حَس بنظراتها عليه رفع عيونه يشوفها عاقدة حاجبها..
قلبّت عيونها وراحت تبتعد عنه وتدخل للكوفي مرة ثانية، ريّان حس قلبه طاير يتبع اثر خطواتها، وراح يدخل للكوفي اللي كان مزدحم نوعاً ما، يدور عليها بعيونه يشوفها جالسة خلف البار مع الباريستا تشرح له، ثواني وتركت الباريستا يشتغل وهي مشت تبتعد عنهم ودخلت لمكتبها..
تقدم ريّان يطلب قهوته، وتساءل: هذي البنت منو؟
رَد عليه الباريستا: تقصد الاستاذة أريج؟
ابتسم له ريان: اي..
رَد عليه الباريستا: الأستاذة أريج صاحبة الكوفي..
أندهش ريّان واخذ قهوته، يتأمل المقهى متوسط الحجم وأنواع الحلويات والكيك وكله مكتوب عليه "صُنع بحب بواسطة أريج" و على الجدار في شهادات اعتماد كثير، ومنها شهادات تثبت إتقان صاحبة المقهى في صنع الحلويات والقهوة..
ابتسم ريّان وأشترى كيكة يأخذها معاه في طريقه للاستراحة مع الشباب، ناظر الكوفي من برا و لفته الأسم "AR-OVE" استغرب الاسم ولا قدر يفهم معناه وفي أي لغة..

لا بأس يالقلب الشجاعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن