8

6.2K 225 58
                                    

وهو بمكانه ثابت على البلكونة تلفحه نسايم الهواء الباردة لعل وعسى تخفف من لهيب قلبه، سمع صوتها تصرخ "زيزي!!!!.." تنادي على العاملة المسؤولة عن جناحهم، دخلت العاملة لغرفة تبديل الملابس ساعدتها تلبس العقد وطلعت مباشرةً..
أخذ نفسه بهدوء ونزل ينتظرها في الصالة، شاف أمه متكشخة على الآخر تبرق وترعد: كل هذي كشخة لأعراس القاضي؟
ناظرته بطرف عينها: من متى أصايل بنت عناد و حرم شاهين و أم سَيف تحضر عرس بشكل عادي؟ ماهي عوايدي..
نزلت رهف عباتها على أكتافها وشيلتها تغطي شعرها بأهمال وتكلم بالجوال: يلا مسافة الطريق وانا عندج..
قفلت الخط تناظرهم: وين الباقين؟
نهضت أصايل: غيث و أبوي بيطلعون بعد شوي، غادة اكيد ماراح تحضر يعني طالعة مع رفيجاتها من العصر
ابتسمت رهف: يكون أحسن، يلا مشينا..
تنحنح سيف اللي كان شارد فيها ونهض من مكانه يسبقهم بخطواته للسيارة، ألتقى مع سعود في المواقف وتكلم معاه شوي وبعدها ركب يناظر رهف تحلف على أصايل تجلس قدام جنب سيف وهي تجلس ورا
ابتسمت أصايل برضا: بنت أصول!
ركبت أصايل برضا جنب سيف ومشت رهف براحة تجلس بالمقعد الخلفي، مالها عين تناظره بعد ما فشلها بالغرفة ورفض يساعدها، أيقنت انه صعب والأساليب الكلاسيكية هذي ماراح تجيب رأسه ولا تأثر فيه.. جلست تهوجس وتفكر طول الطريق لما وصلوا قدام القاعة نزلت أصايل تسبقها، أخذت شنطتها وناظرت سَيف: يمكن أرجع مع أهلي اليوم، لا تنتظرني
ناظر انعكاسها في المرايا الأمامية: ليه زعلتي لأني ما ساعدتج؟
كان يغيضها بكلامه ويستفزها، رفعت حاجبها وضحكت بسخرية: ماخذ مقلب بنفسك يا محور الكون..
نزلت من السيارة بدون ما تنتظر منه أي رَد بتسوي اللي برأسها وماراح ترجع معاه الليلة، ضحك يشوفها تمشي بغضب وتدخل خلف أمه للفندق.. ما دخلت للقاعة على طول راحت لجناح العروسة تشرف على تجهيزاتها دخلت تشوف شهد مثل الملاك بحضن بياض فستانها وشعرها الأسود مرفوع بشكل أنيق والوصيفة تساعدها تضبط الكورسيّه، وقفت رهف عند الباب بذهول تناظرها: تبارك الرحمن..
ألتفت عليها شهد وابتسمت: وأخيراً! تأخرتي..
دخلت رهف بحماس تحضنها: يا كثر الزين ماشاءالله يا حظ راكان ياحظك يا اخوي
ضحكت شهد بخجل: ركوني حبيبي ياحظي انا فيه
نغزتها رهف: يالخفيفة اثقلي اثقلي!
صدت عنها شهد تناظر المرايا: حلالي كيفي..
تنهدت شهد وجلست على السرير: انا مادري شلون طاوعتج وانتي بهالخفة! تفشلت ودي اصفقج لو ما كنتي عروس
ناظرتها شهد بصدمة: شصار؟
كشرت رهف بوجهها: شصار يعني؟ هذا شكله مو بس شايف و عايف هذا مختم البنات وكل اساليب الدلع ما تمشي عليه
ضحكت شهد بخفة: اكيد حبيبتي تعرفين من ولده؟ شوفي كم بنت حاولت تضبطه بالحياة من قبلج هذا غير زوجته الأولى..
تكتفت رهف: مالي خلق أفكر فيه اليوم، خلينا نركز عليج أنتي تعالي جنبي خل ناخذ كم سيلفي للذكرى
تقدمت شهد بخطوات سريعة تجلس جنب اللي أخذت كاميرتها من الشنطة تتصور فيه مليون صورة بوضعيات مختلفة، ضحكت رهف وهي تناظر صورهم سوا بعدها طلبت من شهد توقف بعيد وهي تصورها لوحدها..
كان عرس راكان و شهد من أجمل الأعراس، حفل يليق بزواج بِكر اللواء مبارك القاضي، الطيار العسكري راكان بن مبارك على اخر عنقود القاضي المتقاعد عبدالمجيد القاضي شهد، حَفل ساحر مثل خيالات القصص والنهايات السعيدة، نهاية سعيدة تستحق أنتظار قلوب المحبين وإن طالت..
شَبك يده في يدها قدام أهاليهم ويناظرون بعض بإبتسامة واسعة، قرب يهمس لها: يا كبر حظي فيج
ابتسمت شهد ودفنت رأسها بحضنه وراكان يحاصر خصرها ويحتويها داخل بشته، كانت رهف تلتقط صور لهاللحظات السعيدة والدافية لأفراد عائلتها، لما راكان و شهد أخذ شهد يبدلون وعيلة القاضي في لوبي الفندق ينتظرونهم ونزلوا بعد نص ساعة من جناحهم متوجهين للمطار ومتأخرين على الطيارة وخايفين لا تفوتهم الرحلة..
وقفت شهد تحضن أمها وأبوها وأخوانها تودعهم، ثم ألتفت على رهف اللي تصورها وميلت ثغرها بحزن: رهف القلب!!
تقدمت رهف تحضنها: استانسوا ولا تنسين اللي وصيتج عليه
تدخل راكان يسحب شهد من حضن رهف: يارب انج تخففين الميانة شوي مع زوجتي ترا اغار!
تكتفت رهف: عشتو راكانو! تراني مرسال الغرام بينكم اسكت لا أخذها منك الحين و أخليك تبكي
ضحكت شهد تتخبى ورا ظهر راكان: من قال اني ابيج؟
انصدمت رهف من سرعة تغير موقف شهد: افااا تبيعيني!!
راكان شد قبضته على كفوف شهد: يلا نستودعكم الله
ورهف تضحك عليهم وتصور اخر لحظاتهم بالفندق لين وصل عبدالله اخو شهد ياخذهم للمطار..
يدها على قلبها تدعو الله إن لا يغيّب ضحكات أحبابها وفرحتهم، كان الفرح واضح على الجميع بدون استثناء حتى ريان اللي كان ينتظره رهف وريم ومبارك برا الفندق عشان يوصلهم، ناظرته رهف بتمعن تتفحص نظراته تخاف يكون بقى شي بداخله لكنها ما شافت شيء! ما تدري هو نسى ولا تناسى ولا انه ممثل محترف يعرف يخفي شعوره..
ركبت رهف بجانب أمها في المقعد الخلفي للسيارة، في حين كانت ريم تتكلم بحماس عن الحفل والضيوف والمطربة، رهف كانت شاردة بخيالها وبعيدة عنهم..
تفكر وتتساءل كيف كان بيكون شعورها لو حياتها بقت على حالها في بيت اللواء مبارك؟ ماتعرف من الدنيا الا حُب ريم ومبارك وإزعاج ريان و مواساة راكان اليومية لها تالي الليل، لو وقف فيها الزمان بعمر ١٩ سنة ولا تعرفت على مهند، لو المدير عيسى ما اختارها تقابل سيف ذيك المقابلة المشؤمة ولا دخل حياتها وحول ربيع عمرها وأجمل أيامها لخريف قاسي وغدار..
تتساءل كيف بتكون نهايتها؟ هل حزينة او سعيدة؟ ولو كانت سعيدة، كيف بتتعامل مع شعور النهايات السعيدة كَشخص أعتاد على خذلان الطريق؟ وكيف بيكون احساس الحُب والعلاقات الامنة والسعادة بالنسبة لها كَشخص عاشت سنين عمرها بتردد وخوف وقلب يرتجف من فكرة الارتباط، كيف راح تقدر تمسك ايدين شخص ما بالمستقبل وتثق فيه بدون ما ترتعش ايدينها بخوف وقلق؟ أخذتها الأفكار ولا حست بالوقت وانصدمت لما شافت نفسها بغرفتها في بيت أبوها مبارك..
تمددت على السرير بتعب تناظر السقف، هذي الغرفة الصغيرة الدافية اللي احتوتها سنين طويلة، احتوت هدوء طفولتها وطيّش مراهقتها وازدهار شبابها.. ابتسمت لكل الصور المعلقة على الجدران والسقف، وكل صورة لها ذكرى التقطتها رهف بمشاعر مختلفة تتدرج بين الحزن والفرح..
وهي غارقة في كل هذي المشاعر البريئة طرأ عليها سَيف، عقدت حاجبها باستياء لما تذكرت انه ما كلف على نفسه يجاملها ويساعدها وهي فعلاً بحاجة مساعدة: لئيم..
مسكت الجوال تشوف مافيه اتصالات ولا رسايل، دخلت حسابها بالانستا واللي يتابعه فيه اكثر من 500K متابع وحولت الحساب برايفت بالفترة الأخيرة بسبب الرسايل الغير مُرحب بها والمضايقات بعد زواجها من سيف بن شاهين آل جراح..
الحساب تنزل فيه عن سفراتها والصور الاحترافية وبعض من كتاباتها ونصوصها الأدبية والشعرية في بعض الأحيان، كان طابع الحساب دافي ومُشرق ومنظم يعكس شخصيتها، دخلت تشوف اخر بوست نزلته في الحساب يوم افتتاح صحيفتها الإلكترونية ومسوية تاق لحساب الصحيفة، الصورة هي واقفة مع فريق العمل وخلفهم BE Real، استغربت ان التعليقات كانت اعلى من معدلها المعتاد ودخلت تشوف شسالفة، حصلت أنواع السب والشتم والهجوم من حسابات وهمية يتهمونها أنها لولا زوجها سيف ماكان قدرت تسوي شيء، وانها سرقته من زوجته الأولى وخرابة بيوت.. عقدت حاجبها تقرأ التعليقات كلها وبحياتها ما تتذكر انها تلقت هجوم كبير مثل الهجوم اللي صارلها بعد زواجها من سيف! قفلت الجوال ورجعت تمددت على السرير: كله منك..
لكنها متعودة على الانتقاد ولا يهمها لأن شغلها يتطلب المرونة، غمضت عيونها بكل هدوء ونامت لأنها فعلاً مُنهكة وتحتاج راحة، من يوم تزوجت ما نامت يوم براحة بسبب توترها..

لا بأس يالقلب الشجاعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن