تفكر في كلامه طول طريقة رجعتها، تحاول تهدي نبضات قلبها المتسارعة و تتحكم بأنفاسها اللي عيّت تنتظم من قربه الغير متوقع، وصلت بيت أهلها تزامناً مع وصول ريّان، سرعت بخطواتها تمشي له تمنعه من الدخول: ريّان وقف!
ألتفت عليها ريّان يشوف وجهها منفخ من البكي و تنهد براحة لأنه كان يحاتيها: وين كنتي انشغل بالي عليج!
أخذها بحضنه و أردفت رهف بصوت خافت: انا بخير
ابتعد عن حضنها: رهف اللي قالته المحامية....
قاطعته رهف: اللي قالته المحامية يبقى بيني و بينك، مابي أمي او أي حد ثاني يعرفه فيه، أوعدني ريان!
رفع حاجبه: تبيني أوعدج بشي ماقدر عليه؟ رهف ترا كلهم لازم يعرفون اللي انتي تعيشينه مو شي بسيط، اكتئاب حاد!!
غمضت عيونها بنفاذ صبر: انا قاعدة اتعالج، وضعي مستقر بالفترة الأخيرة لا تخاف علي لو زاد الوضع عن حده انا بنفسي راح اجي و اطلب المساعدة منكم!
شَك ريان في صدقها لأنه يعرف ان رهف تكتم بداخلها ولا تطلب العون من أحد حتى لو أوشكت على الموت، ما يدري انها أظهرت ضعفها و عجزها بالكامل أمام سَيف، و أخذت منه الوعود اللي تركتها تهدم حواجز خوفها وتمشي وراه وتصدقه..
كملت رهف: عشاني لا تقول لهم شيء
رجع ريان يحضنها: كلنا معاج رهف، انتي مو وحيدة..
تنهدت بتعب: شصار بالمحكمة؟
ابتسم ريّان يطمنها: ما صار الا كل خير، أجلوا القرار ان شاء الله خير لا تحاتين، بس هذي المحامية من وين جابت التقارير!
رفعت أكتافها رهف بحيرة: حتى سَيف ما عنده خبر، هي شلون عرفت هذا كله و لا بعد وصلت لتقاريري اللي بأمريكا؟
عقد حاجبه ريّان: متأكدة سَيف ما يدري؟ تراه سَيف بالنهاية لو يبي شي يعرف شلون يوصل له
نفضت رأسها تنفي فكرة ريان: مستحيل! سَيف اذا قال انه ما يعرف يعني فعلاً ما يعرف، ما يكذب ولا يراوغ..
ابتسم ريّان: و دامج تعرفينه لهالدرجة صادق و صريح، ليه ما تحاولين تعطينه فرصة و تحلين المشاكل اللي بينكم!
صَدت عنه رهف تمشي متوجهة للبيت، تبع خطواتها ريّان و بدأ يقنعها بالتنازل: رهف ترا سَيف من حقه ياخذ الوصاية خصوصاً انج على ذمته، و من حق آسر يعرف أبوه! لا تحرمينهم من بعض، حتى لو انتي ما تبين ترجعين له كيفج، بس آسر و سَيف لا تظلمينهم...
وقفت خطواتها واستدارت تناظره: أظلمهم؟ و أنا مو ظلم لي؟ عشت كل شي بروحي و بدال الموتة مت ألف مرة...
قاطعها ريّان: تعذبتي صح اقدر اتخيل حجم المعاناة لكن آسر لما يكبر تظنين راح يسكت؟ هو من الحين بدأ يلاحظ الفرق بينه و بين عيالنا و اصدقاءه، من الحين بدأ يسأل عن أبوه و يفقده، هو بعمر بدأ يحتاج لوجود أب في حياته والاحتياج راح يزيد يوم بعد يوم ومستحيل تقدرين تسدين احتياجاته يا رهف.. راح يجي يوم و آسر يعرف الحقيقة، و ينجرح منج انتي اكثر من أي حد ثاني ويفقد ثقته و ايمانه فيج!
سكتت رهف و كمل ريّان: اتفهم مخاوفج، لكن انتي اكثر شخص يعرف ان كلامي صح و هذا جزء من خوفج..
تركها ريان واقفة بالحديقة و دخل للبيت، تنهدت رهف و ضاق صدرها لأنها تعرف إن كلام ريّان حقيقي، هي واثقة مليون بالمية راح يجي يوم و سَيف و آسر يجتمعون غصب عنها، راح يجي يوم و آسر يعاتبها على استغفالها له سنين طويلة، هي اللي تحولت من ملاك وضحية في قصتها إلى شيطان أخرس في قصة كل من سَيف و آسر، هي اللي سببت شرخ بينهم و ناوية تزيد هذا الشرخ وتكبر المسافات بينهم اكثر و اكثر لسبب وحيد، خوفها من فقدان آسر و وحدتها بعد ما صار كل كونها..
دخلت للبيت و استقبلها آسر يركض من حضن ريم لها، نزلت لمستواه تاخذه بحضنها: حبيبي وحشتني!
ابتسم آسر: مللت في المنزل
تنهدت ريم: من الصبح قاعد بروحه، مبارك و رهوفي و ريمي راحوا الحضانة و هو زعلان ما بقى شي يسويه
ابتسمت رهف: افااا آسوري طفشان، نروح بيت خالو سعود نلعب مع سيوفي؟
عقد حاجبه آسر: سيوفي لا يلعب معي
ضحكت ريم: تقصين عليه تبينه يلعب مع سيوفي اللي يا دوبه يمشي خطوتين، اقول شكل قعدتكم مطولة سجليه بالحضانة
تنهدت رهف: متعود ع حضانته هناك و نظامه، مابي ادخله فجأة بنظام جديد ابيه يتعود على الناس حبة حبة
ابتسمت ريم: حلو يعني مو رافضة فكرة الاستقرار هنا!
رفعت رهف أكتافها: شلون ارفض؟ ما عندي خيار ثاني لازم نرجع ونتأقلم غصب عننا ونترك كل حياتنا هناك..
ناظرت آسر: تبي اسجلك معاهم؟
صفق بحماس: بروح معاهم!
توسعت عيونها بدهشة هو يفهم كلامهم العربي لكنه مؤخراً بدأ يتكلم عربي مكسر و يرد عليهم بنفس اللكنة: اوك بكرا نروح معاهم الصبح، و اسويلك لانش بوكس تحبه..
أخذته للغرفة تبدل ملابسه وتلبسه ثوبه و غترته، وأخذت هي شاور سريع تلبس دراعة ناعمة و تحط ميك أب خفيف، لبست عبايتها و شيلتها و تأكدت انها تاخذ بدل احتياط حق آسر لأنها متأكدة إنه راح يحوس ملابسه وقت الغداء ويخرب الكشخة..
طلعت من البيت بعد ما ودعت ريم متوجهة لِـ بيت سعود، شايلة بقلبها عليه لكنها تفهمه، و تفهم أن سَيف عزيز على قلبه ومن وجهة نظره اللي سواه صحيح ولا يقبل للجدال..
دخلت واستقبلها سعود بإبتسامة: هلا والله أم آسر، تو ما نور البيت والله أسفرت و انورت واستهلت و أمطرت
رفعت حاجبها: يالعيّار كل هذا ترحيب توني من يومين عندك
انحنى يطبع قُبلة على جبينها: ما يهون علي زعلج يا ريحة أهلي، لكني والله سويت اللي اشوفه صح افهميني!
تنهدت: ما علينا اللي صار صار خلاص..
نزل لمستوى آسر يشيله بحضنه: آسر حبيبي وحشتني يا بطل
عقد حاجبه آسر: وين صديقي؟
استغرب سعود: صديقك منو؟ تقصد سيوفي؟
هز رأسه بالنفي يرفض فكرة سيوفي: صديقي سَيف
قلبت رهف عيونها بانزعاج: مو عاجبه ولدك، يبي سميه يا أبو سيف
ابتسم سعود بسعادة: حبيت سَيف صديقي؟ تبيني أكلمه؟
عَبس آسر و كشر: سيف صديقي انا!
ضحك سعود: صديقك صديقك أبشر
تنهدت رهف: في أغراض بالسيارة سعود نزلهم بطريقك، بروح أشوف جُمان وحشتني ولا أنت ودي ادفنك
كان سعود يبتسم بإنتصار: روحي روحي، انا باخذ آسر للمجلس
رفعت حاجبها: سعود لا تكلمه!
ما رَد عليها و أخذ آسر معاه للمجلس، تدري انه بيكلم سَيف ويعزمه بعد نافخت بخفة و كملت طريقها للداخل استقبلتها جُمان مع ولدها سيف اللي عمره سنة و نص ما كمل السنتين، صغير لهالسبب آسر ما يستمتع معاه ولا يفهم عليه..
ابتسمت جُمان: الدراعة ما زهت إلا عليج ماشاءالله
نزلت رهف عيونها تتأمل دراعتها: كلما لبست شي من تصميمج الناس ينهارون، إن كان فستان ولا دراعة و لاين العبايات عندج خيالي حتى في امريكا بيني وبين رفيجاتي العرب والخليجات الناس منهارين على هالسناعة
تنهدت جُمان برضا: الحمدلله هذا من فضل ربي، والحين عندنا في كل دولة خليجية فَرع اللهم لك الحمد ماعاد ابي شي ثاني
مسكت كفها رهف: منو كان يصدق ان في اليوم اللي تقابلنا فيه بتصيرين مرت أخوي اللي انا ماكنت أعرف انه اخوي اصلاً
ضحكت جُمان بخفة: اسكتي والله انا مو مستوعبة شلون تركت أهلي وكل شي وتغيرت حياتي فجأة شكلي كنت مسحورة
رفعت حاجبها رهف تغيضها: سحرج اخوي ما ألومج!
توردت وجنتيها بخجل وحاولت تغير الموضوع: الا وين سعود و آسر؟ أخذه للجمعية ولا وين؟
تلاشت ابتسامة رهف: أخذه للمجلس، آسر يبي يشوف سَيف
ربتت جُمان على كتفها: خليه يتعود عليه ويفتح قلبه له
ضحكت رهف بسخرية: انا مصدومة آسر اللي ما يطيق الغرباء ولا أي شخص ثاني غيري من لقاء واحد مع سَيف حَبه و صار يسأل عنه بين فترة والثانية؟ عيّار ولدي..
أردفت جُمان: ثقله كله طاح عند أبوه، تلقين قلبه حَس...
سكتت رهف و أخذت سيف الصغير بحضنها تلاعبه، كملت جُمان تقنعها تليّن قلبها شوي: افهم شعورج لكن، لا تخلين عنادج يسيطر عليج و تمر السنين وتندمين، من حق آسر يعرف أبوه و يربى معاه، و اللي سواه سيف من سنين...
قاطعتها رهف: اللي سواه سَيف من سنين عشاني أدري، لكن ما طلبت منه يسويه بالعكس طلبت منه يتحكم بنفسه عشاني!
تنهدت جُمان: اللي صار صار، محد له حق يتدخل بقرارج الشخصي لو تبين الانفصال من حقج، لكن اسمحي لي اقولج هالشي كَرفيجة لج لا توقفين حاجز بين سَيف و آسر، بالنهاية انتي اللي راح تخسرين صدقيني!
التزمت رهف بالصمت و الهدوء وهي تفكر بكلام جُمان، سمعوا صوت سيارة تسفط في الحديقة و فهمت أن سَيف حضر بسرعة، زفرت كل الهواء اللي أثقل صدرها و كملت تشرب قهوتها تحاول تشتت ذهنها عن فكرة وجود سَيف مع آسر..
'
دخل سَيف للمجلس بلهفة واضحة، آسر اللي كان يلعب مع سعود ألتفت يشوف سَيف مقبل عليهم و ابتسم و ركض له لين طاحت غترته و عقاله: صديقي!
أبتسم سيف و نزل لمستواه يشيله في يمناه، ويده اليسرى تنتشل غترته و عقاله: اشوفك كاشخ
سلم على سعود وما ترك آسر ولا لحظة شايله بحضنه، تنهد سعود براحة: واخيراً رضت عني الشيخة رهف توبة اتدخل بمشاكلكم اللي توجع الرأس
ابتسم سيف بصدق وهو يبوس خد آسر: شكلها ترضا عن الكل الا انا، أمك عنيدة صحيح يا آسر؟
عقد حاجبه آسر بعدم فهم: ماذا؟
ضحك سَيف يستلطفه بكل ما فيه: أنت لطيف جداً
رفع آسر يده يلمس غترة سَيف: أبي
نزل رأسه سَيف يسمح لـ آسر يلمس غترته وعقاله بكل حُب و رضا، أردف بلهجة بسيطة يفهمها آسر: عندك مثلها!
هز رأسه آسر بالنفي ونطق بصعوبة: أبي هذي
أبتسم سَيف: افا عليك أبشر
شال غترته و عقاله و حطهم على رأس آسر و كان الحجم كبير جداً أطول من قامته، والعقال كل شوي يطيح لكن آسر مبسوط فيها و يتمشى قدامهم بالمجلس بكل ثقة وبعد كل خطوة يرجع يلتفت على سَيف و يشوفه يتأمله بعيون تلمع..
همس له سعود بصوت خافت: نسختك هالولد، حتى هدوءه و نظرات عيونه وابتسامته!
كانت عيون سَيف تتأمل آسر ومعاناته مع الغترة: اتمنى حظه ما يشبه حظي، ما أبي حياته تكون نسخة طبق الأصل عن حياتي..
ناظر سعود و ابتسم بألم: أنت تعرف اللي مريت فيه، مابي ولدي يعيش هذا الشعور أبد و ادعي ربي ان نصيبه بالدنيا يكون كله مسرات و أفراح...
شد سعود على ذراع سَيف: و أنت كفو وتقدر تخليه يعيش حياة آمنة و مستقرة عكس طفولتك، لا تستسلم لغضبك ولا يسيطر عليك ولا تخضع لِـ عناد رهف، أترك كل مشاكلكم و مشاعركم وتناقضاتكم على جنب، أختار آسر و راحته يا سَيف....
تنهدت سَيف: ودي أخبيه في قلبي لكني خايف، أنت تعرف وضعي ونوبات الغضب هذي تعميني!
قاطعه سعود: هذاك أول سَيف، أنت الحين أب عندك ولد يحتاجك عمر كامل مو يوم ولا يومين، أولويتك هي آسر، لازم تسيطر على نفسك في كل مرة..
هز رأسه سيف يوافق سعود بكلامه و شهق نفس طويل وهو يشوف آسر يقرب منهم و نطق ببراءة وهو يرمي غترة سَيف بحضنه وحاجبه معقود: سَيف هل نلعب بالخارج؟
نطق سعود: حبيب خالك أنت خلنا ناكل بعدين نلعب
قّلب عيونه آسر بانزعاج يناظر سعود بطرف عين: أريد مامي
مسكه سعود ياخذها لحضنه: تعلم تسولف عربي حبيبي
رفع آسر حاجبه: سأخبر مامي بذلك!
توسعت عيون سعود بذهول من جرأة آسر لما حَس ان سعود يضغطه نفسياً عشان يتكلم عربي: يا ولد الماما يا ويلك
تدخل سَيف و أخذ آسر من حضن سعود: اترك ولدي بحاله!!
ناظره آسر باستغراب وعدم استيعاب: هل ستأخذني إلى مامي؟
أبتسم سَيف: لا استطيع ذلك، سيأخذك سعود..
هز رأسه بالنفي: أنت صديقي و صديق مامي، لا بأس...
ضحك سَيف من براءته: لا لست صديقها، لا أصادق النساء!
الجواب ما عجب آسر و نزل من حضن سَيف: سأذهب لوحدي
ابتعد بخطواته عن سَيف اللي نطق: سأنتظرك هنا بعد الغداء..
ألتفت عليه آسر: لم نعد اصدقاء لأنك لست صديق أمي
طلع من المجلس بهدوء متوجه للبيت داخل، سَيف ألتفت يناظر سعود اللي كاتم ضحكته: هذا ما يرضا على أمه!
أطلق سعود ضحكته بصوت عالي: ما شفت شي، اقولك هذا دلوع الماما يا ويلك تجيب طاري أمه قدامه يزعل ولا يرضا..
نطق سَيف بحسرة: الله لنا، حتى صداقتي معاه انتهت قبل تبدأ
ناظره سعود بحاجب مرفوع: أنا اعرف كيف اخليه يرضا عليك!
تساءل سَيف بصدق: شلون؟
مَد يده سعود: كم تعطيني و أعلمك!
ضرب سَيف كف سعود: أنت طماع، توني طالع من السجن ما عندي شي حتى الحلال عطيتك فيه وكالة من سنين
ضحك سعود: مسوي فيها فقير، حساباتك بالبنك يا حبيبي فيها اكثر من ثروة غيث وشركات آل جراح كلهم، من بعدك طاحوا طيحات قشرة بسبب تهور غيث زين إنك سحبت
تساءل سَيف: ما عدل وضعه غيث؟
رفع اكتافه سعود بثقة: يحاول يصير مدير كبير على رأسي لكن الأمور تحت السيطرة بفضلي لازم تشكرني
و كمل على طول: و متى ترجع تمسك الحلال؟ انا طفشت
أردف سَيف: ما عاد لي خاطر بشيء، ودي أخلي الشركة باللي فيها حق غيث و أريح رأسي و أبدا على نظافة من جديد..
ما رضا سعود بتفكير سَيف و يحسه غير عقلاني: تعبت سنين و تترك له كل شيء على الجاهز؟ حق ولد إبراهيم؟
أبتسم سَيف: والله ما عاد بقلبي شيء لا على غيث ولا عبدالعزيز اللي بالسجن يقضي أخر أيامه وحيد ولا على أصايل، ولا حتى على المجنون ابراهيم من بعد ما قتلته و أخذ بالثأر و برد قلبي على أبوي المغدور ما عاد يهمني أحد..
حَط يده على يسار صدره: خلني اترك هالقلب يعيش باقي سنينه بدون هم و ضيم، خلهم ياخذون اللي يبونه ويتركوني!
'
بعد وجبة الغداء، رهف بدلت ملابس آسر لما حَاس الدنيا و هي تبدل ثيابه شمت ريحة عطر سَيف فيه نفضت رأسها ورمت ثوبه بهدوء في الشنطة تحاول تقمع ذكراهم الصبح في بيته، لما كان قريب منها يحاصر خصرها ويده الثانية تتجول أعلى عنقها بحرية، ريحة عطره وأنفاسه اللي تراقص انفاسها المضطربة، بهاللحظة حست بنفس الارتباك والاضطراب مَدت يدها تمسح عنقها بخفة وارتباك وتبعد خصلات شعرها القصير اللي اربكت راحتها وكل شوي تطيح على وجهها..
اتصل سعود و قطع شرودها، رَدت بهدوء: هلا سعود
نطق سعود بصوت هادي: سَيف يبي ياخذ آسر مشوار قريب..
تنهدت رهف: وين ياخذه؟
ألتفت سعود على سَيف: تسأل وين بتروحون؟
ناظر سيف ساعته: يمدينا نروح المزرعة ونرجع قبل تظلم الدنيا
رهف اللي سمعته وعقدت حاجبها: طيب ثواني و يطلع لكم
قفلت خط وألتفت عليه سعود بفرحة: وافقت تقول لا تتأخرون
ابتسم سيف: و أنت متأكدة انه يحب الحيوانات و راح يرضا؟
دق صدره سعود: متأكد مرة اخذناه حديقة الباندا و انهار علينا ما يبي يطلع ولا يترك المكان
وقف سَيف على حيله و عدل غترته و عقال و طلع من المجلس ينتظر آسر، بعد دقايق طلعت رهف مع آسر اللي كان متمسك فيها ويناظر سَيف بزعل و عتاب، وقفت رهف بمكانها لما تقدم سَيف يناظرها بهدوء ثم نزل عيونه على آسر و ابتسم مَد كفه قدام آسر و أردف بحماس: يلا نروح مكان تحبه!
ناظره آسر بطرف عينه: وين؟
نزل سَيف لمستواه: أعرفك ع اصدقاء جدد، تبي تروح معاي؟
رفع عيونه آسر على رهف اللي ابتسمت له بخفة، و رجع يناظر سيف و يفكر بسؤاله، وبعد تفكير طويل نطق بأكثر لهجة مكسرة وغير مفهومة: مامي معانا صديقتك
رفع عيونه سَيف يشوف رهف عقدت حاجبها: إذا مامي تبي معانا، بتصير صديقتي!
قلبت عيونها بعدم رضا وغيرت ملامحها لوجه لطيف لما ناظرها آسر ويطلب منها: مامي لنذهب معاً
هزت رأسها: انا مشغولة، روح مع صديقة ولا تتأخر
تمسك آسر فيها يمسك كفوفها بقوة: لنذهب معاً!
سَيف وقف يعتدل بعد ما ظَل لدقايق ينحني لمستوى آسر، يشوف آسر يحاول يقنع رهف اللي رافضة الفكرة كُلياً، ارتسمت على وجه سَيف ابتسامة خفيفة يحاول يخفيها وهو يشوف آسر عنيد لدرجة انه يجاري رهف بالعناد ويوصل لمستوى يكسر عنادها ويمشيها على كيفه بعد محاولاته المُلحة...
تأففت رهف بنفاذ صبر: آسر مامي خلاص، قلت مشغولة
انحنى ثغره بزعل و صَد عنها، يناظر سَيف بإنكسار، انقبض قلبها رهف لما شافته يصد عنها و يلجأ بنظراته لِـ سَيف، ما تبي تكسر آسر ولا تزعله، حكت جبينها بإرتباك و أردفت بتردد: طيب نروح
ناظرها سَيف و ما استغرب خضوعها لِعناد آسر كان متوقع، رفع عيونه آسر عليها و اتسعت ابتسامته: حقاً؟
ابتسمت بتكلف رهف تسايره و تجاريه، شافت السعادة واضحة على وجه آسر اللي ركض بسعادة متوجه لِـ سيارة سَيف يسبقهم بخطواته، ألتفت سَيف على رهف اللي اول ما شافته يناظرها ما عطته مجال وأردفت: ياليت تختصر المشوار
تخطته و راحت عند آسر تفتح باب السيارة و تجلس هي معاه بالمقعد الخلفي، رفع حاجبه سَيف بعدم رضا لأنه توقع على الأقل تجلس معاه قدام كَنوع من اللباقة قدام ولدهم، ضحك بخفة على حركتها ولا أهتم، فرحته بمشوار مع آسر و رهف المغصوبة عليهم يكفيه، حرك السيارة بهدوء و كان طول الطريق يتكلم مع آسر و يحاول يفتح معاه مواضيع وسوالف مالها أول من آخر، يستلطف طريقة آسر و كلامه المكسر ومحاولته في أنه يجاري سيف باللغة العربية، اما رهف ما نطقت ولا حرف و التزمت بالهدوء والصمت وتناظر من الدريشة تتأمل زخات المطر الخفيفة اللي تغطي طريقهم..
وصلوا للمزرعة و نزلت رهف تمسك كف آسر اللي يناظر المكان ويتعجب، حاصرتها ذكريات و مشاعر غريبة من وجودها في هالمكان، قبل اكثر من ٤ سنوات بهالمكان وقدام هذي البحيرة تحديداً بدأت تتولد بداخلها مشاعر الحُب والتملك لِـ سيف، هذي البحيرة اللي شهدت على حواراتهم الهادية، و الليلة اللي سهروا فيها سوا و كانت ليلة بمثابة شرارة تشعل قصة حبهم، الليلة اللي طلبت منه يطلق غادة لو كان فعلاً يبيها، وتحقق من بعدها وصلهم العذب وتحول زواجهم المُزيف لواحد حقيقي..
سَيف لاحظها طالت النظر في البحيرة و طرأت على باله نفس الذكريات اللي تراودها، ابتسم بألم يشوف ما بقى لهم من بعضهم شيء الا الذكريات، واقفين على أطلال الماضي الجميل ويقارنون بينه و بين حاضرهم الموجع المُر..
ألتفت عليه رهف: ما تغير شيء فعلاً...
رفع أكتافه: سمعت من سعود ان كل شيء بقى على حاله، في القصر و المزرعة محد تجرأ يحط يده عليهم في غيابي
ابتسمت بسخرية: منو يبي يحط ايده على شيء يخصك؟ يعرفون انك بتدمرهم، غادة فكت نفسها و تزوجت وارتاحت، و غيث الشركة تكفيه و تكفي عيلته الصغيرة، محد طمعان فيك نفس ما تظن تراك مو محور الكون!
ضحك سَيف على أسلوبها: حقيقة يمكن تصدمج، ما يهمني اكون محور كون أحد غير نفسي...
رفعت حاجبها: واضح!
مَدت نظرها تشوف آسر يمشي على الجسر أعلى البحيرة اللي يفصل بين قسم النساء و الرجال في المزرعة، وبالأخص كان متوجه للمحمية يتبع صوت الحيوانات ويتقصى أثرهم..
أبتسم سيف بثقة: ولد أبوه
ناظرته رهف بطرف عين: من قال؟
ما رَد عليها لأنه يعرف انها مقهورة من فكرة أن آسر ممكن يكون ورث منه كل شيء حتى حَس الصيد اللي بداخله، راح يتبع خطوات آسر و يناديه: انتظرني..
وقف آسر في منتصف الجسر ينتظر وصول سَيف ويشوف رهف تمشي خلفه على بُعد خطوات قليلة، كان منظر غريب بالنسبة لِـ آسر انه يشوف شخص غريب غير خواله مع أمه، كان مفروض ينزعج لكن لِسبب ما الابتسامة اعتلت وجهه البريء..
صَد عنهم قبل يوصلون له و كمل طريقه متوجه للمحمية، وقف قدام الباب يناظر الحارس اللي كان مصدوم من حضور سَيف بعد سنوات سجنه وما كان عنده خبر إنه طلع، واللي صدمه اكثر وجود رهف معاه و طفل صغير يمشي قدامهم..
أبتسم سيف للحارس يخبره يفتح الباب قدام آسر ولا يمنعه من شي، تقدم آسر بثقة يدخل و أول ما لفت انتباهه غزالة صغيرة واقفة وتناظره من بعيد توسع بؤبؤ عينه بحماس وألتفت على رهف يقول لها: مامي أنها جميلة
ابتسمت له رهف: أليس كذلك؟
قرب من الشبك و مد يده يحاول يلمسها: عيناها تشبهكِ..
اندهشت رهف وبدون شعور ألتفت على سَيف تشوفه يناظرها، آسر أخذ من سَيف كل شيء حتى نظرته للأمور والاشياء، سيف اللي كان يشبه عيونها بعيون الغزالة و يحب يطيل النظر فيها، وّرث حُبه لعيونها حق ولده و شبهها فوراً بالغزالة..
شعور غريب تملك رهف، حتى لو هربت من سَيف و انفصلت عنه مليون مرة آسر نسخة مصغرة عن أبوه، بوعي او بدون وعي راح يكبر ويصير نسخة سَيف مهما حاولت تنكر الموضوع وتتهرب.. صَدت عن سيف ورجعت تناظر آسر اللي يتأمل الغزالة تبتعد عنه وتروح لأنها وعيونه صارت قلوب، من جرح في ساقها عرفت رهف إن الأم هي نفسها اللي أنقذها سَيف قبل سنوات وكانت طايحة في البير..
تنهدت و همست بصوت خافت: تعبت من الوقفة
سمعها سَيف: ارتاحي داخل، انا بقعد مع آسر لين يطفش!
ناظرته بهدوء: لو طق مطر لا تخليه برا، يمرض من البرد بسرعة
أبتسم سَيف: طالع على أمه يعني...
انزعجت رهف: تبي تقول إنه ما ورث الا أضعف خصالي؟
استغرب اسلوبها الهجومي: ورث ثاني اكثر شي أحبه فيج، لون شعرج اللي قصيتيه تظنين بهالطريقة راح تنسيني...
ضحكت باستهزاء: لا انا ما أظن اني نسيتك، انا فعلاً نسيتك
اتسعت ابتسامته لأن عيونها تقول كلام غير كلام منطوقها، تتحاشى النظر له و تتصدد عنه، أردف: طيب حطي عينج بعيني وقوليها، عشان اصدق
ابتعدت عنهم بخطواتها: مو لازم تصدق، خلك بحيرتك..
راحت بعيد متوجهة للفيلا بدون ما تناظر خلفها، ظَل هو يتأملها لين قطع عليه شروده فيها كف آسر الصغيرة وهو يحاول يلفت إنتباهه: سَيف!!
ناظره سَيف بابتسامة: هلا أبوي..
عقد حاجبه آسر مستغرب: انا ابوك؟
شالها سَيف في حضنه: صديقي أبوي اللي تبيه..
ضحك آسر لما رفعه سَيف ويجلسه على أكتافه وصار يشوف الدنيا كلها من أعلى أكتاف سَيف وكأنه في قمة برج عالي، تمسك آسر في عنق سَيف: هل نستطيع ان نأكل هذه؟
أشر على الغزالة واستغرب سَيف وهمس لنفسه: صياد من نعومة اظافرك، ولد سَيف و حفيد شاهين، لو تعطينه مو بس الجواز الامريكي وتخلينه يعيش برا، دمي يمشي بعروقه..
كان مبسوط في ولده فوق الخيال، ما توقع في يوم يعيش كل هذا الحُب والشعور تجاه طفل ومو أي طفل هذا ولده قطعة من روحه وصار يستوعب تدريجياً ان هذي مشاعر الأبوة اللي كان متخوف منها من سنين.. كملوا جولتهم في المحمية وكان آسر في قمة سعادته ونفس الشيء سَيف، بين فرحته بوجوده مع آسر و انتظار رهف لهم في الفيلا، وكأنه ما صار بينهم شي خلال السنوات الماضية، كأنه نام و صحى على وجودهم جنبه..
***
ماقلت لك عمر سيف العشق مايقتلك
ماتشوفني حي قدامك وانا اموت فيك
اشتقت لك قبل اجيك وجيت واشتقت لك
البارحة طول ليلي بين هذي .. وذيك
مليت جمر انتظارك واستحيت أسألك
واحسبتني ما بعد جيتك وفكرت أجيك
اثرك بقلبي من البارح وانا استعجلك
واثري نسيتك من الفرحة وقمت احتريك
***
أنت تقرأ
لا بأس يالقلب الشجاع
Romanceأه لو تدرين لا عوّد العاشق حزين يمشي على جفن و جبين لا باس يا القلب الشجاع ضاع الأمل مالك عذر من لمسة عيوني الشعاع زندي انثنى رمحي أنكسر و قلتي عسى جفنك عساه ما يحترق حاولت ما أغمض عيوني و نفترق..