بعد خروج غادة سيف كان واقف في مكتبه خلف الباب المُطل على حديقة القصر، يتأمل رهف اللي جالسة بالحديقة لوحدها تناظر الغيوم تلبدت بحضن السماء وتزاحمت وكل غيمة هَلت مطرها، رفعت رهف كفها للسماء تشعر ببرودة قطرات المطر وابتسمت لكن ابتسامتها كانت حزينة مو نفسها الابتسامة المُشرقة اللي شافها تعلو وجنتيها مع مبارك اليوم..
رجوله ساقته لها تحت المطر يمشي بهدوء، ناظرته رهف يطلع من مكتبه وينقاد لها بخطوات ثابتة، ثبتت بمكانها جالسة وصَدت بعيونها عنه لما وقف قدامها و أردف: بتمرضين!
ضحكت بخفة تحاول تخفي انزعاجها: خلصت سوالفك مع غادة؟ مرة ثانية حط تحذير على الباب عشان محد يقاطعكم
رفع حاجبه: مفروض تدقين الباب وتستأذنين!
ناظرته بطرف عينها وصدت عنه للجهة الثانية، انزعجت من وجوده معاها وما تبي تشوفه: توكل ابي اقعد مع نفسي شوي
نزل يجلس بمستواها وركبته تدق الأرض، يناظر وجهها الشارد وعيونها اللي تتهرب منه وهتّان المطر يداعب نقاء بشرتها ويلامس ثغرها الراجف، ما يبالغ لو قال أنه حسد حتى قطرات المطر اللي تلامس ثغرها وتحتضن رمش عينها بداله، أزعجته فكرة ان كل شيء مُباح لغيره ممنوع عليه، من ضحكتها لبسمتها لنظرة عينها الحنونة الرقيقة..
مَد كفه يحضن وجهها ويرفع ذقنها وهي تناظره بذهول، تسارعت نبضات قلبها بخوف وتذكرت اخر مرة كان قريب منها لهالدرجة شنو صار بينهم وكيف انحرق قلبها بقهر..
وكأن سَيف قرأ افكارها و شاف الرعب بعيونها: ترجفين، من الخوف ولا البرد؟
ميلت رهف رأسها وضربت ذراعه بقوة تجبره يبتعد عنها ويحرر وجهها من قبضته: ليه اخاف؟ من البرد طبعاً
ابتسم سيف: اذا مرضتي مانقدر نحضر حفل الليلة
ابتعد عنها ووقف على حيله يحررها من الافكار والمخاوف اللي راودتها في ثواني، تنهدت رهف براحة لما ابتعد عنها..
ثم تساءلت: أي حفل؟
رَد بدون ما يلتفت عليها: حفل الجمعية الخيرية اللي انتي مديرتها!
ما انتظر يسمع ردها وتجاهلها كلياً وراح يمشي يدخل لمكتبه ويتركها جالسة بمكانها مصدومة، الوقت مو مناسب لأي حفل بالوقت اللي المجتمع كله قالب ضدها لو طلعت لهم راح يعتبرونه محاولة إستفزاز لهم واستهانة بالعدالة..
وقفت تتبع خطواته تبي تتفاهم معاه ودخلت للقصر من باب مكتبه حاولت تختصر الطريق لكنه ما كان موجود فيه، تأففت وصعدت للجناح بملابسها المبللة بالكامل تدعي انها ما تواجه غيث في أي زاوية بالقصر.. دخلت تفتح الباب بشويش تظنه جالس بالصالة كعادته لكنها ما حصلت الا عكازه بمكانه، عقدت حاجبها وهي تسمع صوت الماء صادر من الحمام دليل على انه دخل ياخذ شاور و سبقها، تأففت وهي داخلة غرفة تبديل الملابس ترمي ثيابها المبللة بالكامل في سلة ملابسها، ودورت على روب طويل يغطي جسمها بالكامل لأن سيف موجود معاها بالجناح ولا تبي تصادفه بشكل يحرجها لكن كل اللي عندها قصار، فتحت خزانة سَيف وحصلت اللي تدور عليه عنده روب أسود لكنه على مقاسها كان طويل وواسع بشكل مبالغ فيه، تأففت و لبست الروب بقلة حيلة وهمست: كل شيء بحياتك أسود و كئيب!
تنهدت ومشت تفتح الباب و أول شيء شافته عينها لما طلعت كان سَيف بوجهها؛ عاري الصدر وعلى خصره منشفة ويكلم بالجوال، شهقت بصدمة وصدت تغطي عيونها، ألتفت سيف عليها بذهول يشوفها لابسة روبه وتطلع من غرفة تبديل الملابس تغطي عيونها عنه بصدمة وترجع تدخل للغرفة مرة ثانية، ابتسم وكمل ينهي مكالمته على عجل: جهز السيارة على الساعة ٧:٣٠ بالضبط
قفل الخط و راح يمشي لغرفة تبديل الملابس يفتح الباب بهدوء يشوفها تغطي خدودها المتوردة بإحراج ولما شافته رجعت تصد عنه: اطلع برا لو سمحت!
دخل للغرفة وعلى وجهه ابتسامة جانبية: ابي ابدل، لو تبين انتي اطلعي، ولو ما تبين عادي ماعندي مشكلة...
طيرت عيونها بذهول وألتفت عليه تناظره: هيييه!!
ضحك سَيف على شكلها وإحمرار وجهها بالكامل، تمنت الأرض تنشق وتبلعها بهاللحظات وتقدمت نيتها تتخطاه وتخرج لكنه وقف قدامها يسد الطريق
أردفت وعينها على الأرض: مو وقت استعراضك
رفع حاجبه بسخرية: استعراض؟ ناس يدفعون نص عمرهم عشان يلمحون هالمنظر و انتي حاصلج ببلاش..
رفعت عيونها رهف تناظره وضحكت: لكنني مو من هالناس! وخر عن طريقي طيب ابي اطلع..
أشر على روبه اللي عليها: مقاسه كبير بس لايق عليج، اخذيه حلالج
ابتسمت بتكلف: كل شيء يليق لي ويزهى فيني
ابتعد سيف عن طريقها يعطيها مجال تتخطاه وتطلع من الغرفة وتسكر الباب خلفها بهدوء، ضحك من قلبه على الموقف المُحرج وكيف كانت تصدد عنه وتهرب بعيونها..
رهف طلعت ويدها على قلبها من قو الإحراج تحس بحرارة وسخونة في كل جسمها، غمضت عيونها بقوة تحاول تمسح منظره من بالها، عضلاته المفتولة وبشرته الحنطية وأكتافه العريضة، هزت رأسها تحاول تمسح الصورة من بالها بصعوبة وكفوفها على خدها تلمس اشتعالهم من شدة خجلها، دخلت تاخذ شاور بماء بارد مثل الثلج في عز الشتاء لعل و عسى تخفف من حر شعورها بالإحراج والفشيلة ويبرد قلبها شوي..
'
دخلت مستشفى الأمراض النفسية والعقلية تمشي خطواتها بتوتر وقلق تخاف يتعرف عليها أحد، تغطي عيونها بنظارة شمسية مع ان الشمس غربت والظلام حَل، أخذتها الممرضة لغرفة أبوها اللي مدخلينه المستشفى بأسم مستعار، دخلت تشوف أبوها جالس على سريره ويناظر ضوء القمر من الدريشة الصغيرة بأعلى الجدار ومن المستحيل الوصول لها من شدة أرتفاعها، تقدمت بخطواتها تجلس جنبه: كيف حالك؟
ألتفت عليها ابراهيم وابتسم بدون ما يرد، ورجع يناظر القمر بهدوء وتركيز كبير..
تنهدت غادة: ليه ربي ما كملك بعقلك؟ كان حالي غير، كان الحين سيف هو اللي ركض وراي يحبني و يبيني...
كان ابراهيم جنبها جسد بلا عقل أو روح، غصت بعبرتها ونزلت دموعها تبكي: ليه زوجوك و ظلمونا انا و غيث؟ شنو ذنبنا نكون عيال شخص مجنون و فاقد للأهلية في زمن البقاظ فيه للأقوى؟ مادري أعتب على جدي ولا عليك ولا على أمي اللي تطلقت وتركتنا واحنا صغار وراحت تعيش حياتها برا تزوج شخص عاقل كامل مكمل وتتركنا معاك...
ألتفت عليها ابراهيم يمسح دموعها: لا تبكين
ناظرت عيونه و زاد بكاها، حضنته وشدت عليه بقوة، طول عمرها تحس بالنقص بسبب أبوها، تدور على الحُب والاهتمام بالأماكن الخاطئة، تحاول تلفت الانتباه بأسوء الطُرق حتى لو كلفها هالشيء انها تخسر كرامتها، لما طلعت أول مرة بدون شيلة كان هدفها تلفت انتباه جدها عبدالعزيز واخذتها بعدها عادة، لما تسافر مع غيث تاخذ راحتها لأنه اوبن مايندد لمن هدفها تلفت أنتباه سيف حتى لو كانت النهاية ما ترضيها، يكفي انها تحظى بالاهتمام والانتباه وتشغلهم فيها شوي، سبب تعلقها المرضي في سَيف لأنه مثالي وكامل في عينها، تظن لو ارتبطت فيه باقي عمرها تعيشه مرتاحة وتكمل كل النقص بحياتها وتكتسب من أسمه شيء يعزها، لكن اللي صار انها اندفنت بعد زواجها منه آكثر و صارت رهف الكل بالكل! لدرجة انه خلاها تترأس الجمعية الخيرية وما أعطى غادة شيء..
ابتعدت عن حضن أبوها تشوف الخوف بعيونه، ابتسمت وهي تمسح على رأسه بخفة: بنتك بتجيب لك حقك، راح اطلعك من هنا و أصير انا الكل بالكل في القصر صدقني!
ودعت أبوها وطلعت، ركبت في السيارة مع السايق واتصلت على غيث اللي رَد عليها بسرعة: هلا بتوأمي الجميلة
ابتسمت غادة: وينك؟
ناظر نفسه بالمرايا: اتكشخ، تعرفين بنروح الحفل كلنا..
رفعت حاجبها: يعني بتسويها و تروح؟
تنهد غيث: شنو تبيني اسوي؟ جدي قال كلنا نروح وانتي بعد
أطلقت غادة ضحكة هستيرية: تبيني أروح حفل الجمعية الخيرية اللي بتترأسها رهف؟ اروح بصفتي شنو؟ الزوجة الأولى المسحوب عليها ولا رجل كرسي في عيلة آل جراح؟ تبيني اصير مسخرة للناس بوجود رهف؟ اسكت غيث لا تزيدها علي
عقد حاجبه غيث: تراج اوفر دراما كوين، المهم ليه متصلة؟
زفرت بغضب: كنت بقولك تجلس معاي وما تروح لكن اعتقد انك اخذت قرارك واخترت صفك من زمان!
استغرب: أي صف؟
ما ردت عليه وقفلت الخط بوجهه، يناظر جواله بصدمة أول مرة يشوف غادة فاقدة اعصابها وتقول رأيها بوضوح بالعادة تتخبى خلف الكلمات المنمقة والردود الدبلوماسية، فهم ان غادة بدأتها حرب وما عاد يهمها أحد بعد اليوم..
أنت تقرأ
لا بأس يالقلب الشجاع
Romanceأه لو تدرين لا عوّد العاشق حزين يمشي على جفن و جبين لا باس يا القلب الشجاع ضاع الأمل مالك عذر من لمسة عيوني الشعاع زندي انثنى رمحي أنكسر و قلتي عسى جفنك عساه ما يحترق حاولت ما أغمض عيوني و نفترق..