(الخِتام) 29

7.1K 305 97
                                    

ثاني يوم رجع سَيف لِبيتهم بعد ما وصل رهف لبيت اللواء مبارك و ودعه آسر بحضن كبير يشرح صدره، ما أخذ جواب من رهف او حتى تلميح ولا تكلمت معاه من بعد اللي صار أمس، لكنه كان رايق و سعيد و اول شي سواه رفع السماعة يتواصل مع المحامية اسماء بنت محمد:
"أستاذة لسماء شكراً على كل شيء، قررت اتنازل عن الدعوة و نحل الموضوع بشكل سلمي انا و زوجتي.."
بعد دقايق وصله رَد منها:
"طيب، فالكم التوفيق و السعادة.."
ما رَد عليها و دخل للبيت يتأمله، لِبداية جديدة يحتاج يغير كل شيء في البيت من ديكور و أثاث، و يرجع يهتم في الحديقة وينظفها و يسقي ورودها الذابلة، كانت سعادته واضحة في كل خطوة يخطيها، و قرر يبدأ يجهز غرفة آسر اللي كانوا يخططون لها من بداية حمل رهف و تركوا كل شيء على حاله..
وصل سعود يشوف سَيف محتاس في الحديقة مع العمال ينظفونها ويزرعون الاشجار و الورود من جديد، ابتسم سعود براحة و قرب يسلم على سَيف: ها يالنسيب رجعت لك الحياة؟
ناظره سَيف بفرحة: أبي ارتب كل شيء قبل يزورني آسر في البيت بنهاية الأسبوع..
ناظر المسبح: راح أقفل المسبح احتياط أخاف يطيح فيه بالغلط، صحيح اني بكون حوله طول الوقت لكن للاحتياط...
قاطعه سعود: و أنت و رهف شنو مصيركم؟
سكت سَيف ثواني و صَد عن سعود يمد نظره في الحديقة يشوف ألوانها الباهتة بدأ تتبدل تدريجياً لألوان مُنعشة و تزهر ورودها، كل شيء بدأ يتغير والحياة ترجع لمجراها الطبيعي، و البيت اللي كان أشبه في بيت أشباح مهجور بدأت تبان عليه مظاهر الحياة الطبيعية و ينتعش بالحياة، كل شيء ينتظر رهف، سَيف و قلبه و عقله ومستقبله وحياته كلها واقفة عليها..
طال سكوته و ابتسم سعود يغيضه: تبي اختي ترجع لك؟
تنهد سَيف: هذا سؤال؟ أكيد أبي حبيبتي و زوجتي و أم ولدي ترجع لي و أعيش حياة طبيعية حالي حال أي رجل بالدنيا
رفع سعود حاجبه بثقة و دق: تعال و أطلبها مني، و انا أردها لك بنفسي و كلمتي ما تصير ثنتين
عقد حاجبه سَيف باستغراب: سعود تراها زوجتي على سنة الله و رسوله، شلون أطلبها منك وهي على ذمتي!!
تنهد سعود: ياخي تعال و أطلبها، ولا ترا وربي ما اخليها ترجع لك و اقعد هني بحسرتك وحيد
كان سيف يناظره بإستغراب لِـ ثواني، مستغرب من ثقة سعود إنه لو تقدم لها و طلبها مرة ثانية راح يقنع رهف ترجع معاه؟ من وين له هالثقة بإن رهف راح توافق اصلاً؟ لكنه قرر يمشي على شور سعود و يسويها...
أبتسم سَيف: عيل أسمعني، بعد صلاة المغرب راح أزوركم طالب القرب منكم من جديد، وصل خَبر لزوجتي العزيزة!
اتفقوا فعلاً على الموعد بشكل رسمي، سعود كانت نيته مَزح و طقطقة كَتغيير جو و روتين، ما توقع إن سَيف أخذ الموضوع بجدية و قرر يخطي هالخطوة بحذافيرها وكأنها البداية فعلاً..
رجع سعود لِـ بيت و قرر يعزم عيلة المرحوم مبارك القاضي جميع، و من ضمنهم لَزم على حضور رهف و قال لهم ان المناسبة خاصة، طبعاً بدون علم رهف عن حضور سَيف وموضوع الخطوبة لكنه بلغ راكان و ريّان واستغربوا الموضوع ظنوا ان سعود يستهبل عليهم كعادته يحاول يلطف الاجواء، جُمان اللي كانت تعرف وعندها طرف علم من سعود قررت ترتب البيت بالشكل المناسب وتستغل الحديقة الخلفية وتضبطها، و طلبت من البنات يكشخون..
'
بعد أذان المغرب وصلوا عيلة المرحوم مبارك القاضي بسياراتهم المختلفة بنفس الوقت، توجهوا الرجال للمجلس مع سعود و البنات استقبلتهم جُمان و رافقتهم للحديقة الخلفية، ابتسمت رهف وهي تشوف المكان والشياكة: ماشاءالله جُمان شهالسنع و الزين كله
شهقت شهد: شنو المناسبة؟ امبيييه حامل!!
استبقت الاحداث كالعادة و ضحكت جُمان: لا مو حامل بس في مناسبة أحلى بهاليوم، أدعوا تتم على خير..
ألتفت تشوف رهف اللي وقف تعطي عبايتها للعاملة تعلقها داخل، ومسحت على فستانها الأسود بنعومة تثبت أطرافه لا تطير من قو الهواء و حطت شالها الأحمر على اكتافها تتدفى، ثم توجهوا يجلسون في أماكنهم، كانت الجلسة بدايتها ضحك و سوالف لين دخلوا عليهم الاطفال يركضون وخلفهم آسر يمشي بهدوء و ثقة وعلى وجهه ابتسامة ساحرة
نطقت رهف الصغيرة: في واحد اسمه سيف دخل المجلس لابس بشت و كاااااششخ و شكله حلللو
فَز قلب رهف من طاريه لكنها نزلت عيونها على الفنجان تتصنع اللامبالاة ورفعته بخفة ترتشف منه رشفة، جُمان اللي ما غاب عن عيونها هي و شهد ارتباك رهف تبادلوا النظرات مع بعض و ابتسموا بخفة و قربت جُمان تهمس لـِ شهد: لو تدرين شصاير
رَدت شهد بصوت خافت: انا عارفة ان فيج بلاء مو خالية
قربت منهم أريج: علموني شنو البلاء اللي صاير؟
رفعت حاجبها جُمان: مو بلاء الا كل خير، سَيف بيخطب رهف
شهقت شهد بصوت عالي: شنووو!!!!
التفتوا ريم و رهف عليها و أريج تحاول تغطي فمها تسكتها..
و عقدت حاجبها رهف: بسم الله شفيج!
تنحنحت شهد و ضحكت بخفة: لا ولا شيء
صَدت عنهم رهف و قعدت تحاول توكل آسر شوي من الكيك لكنه يرفض، ما يحب ياكل الحلويات وكالعادة ورث هالشيء من أبوه، تنهدت بتعب من عناده: تعبتني يا ماما شفيك!
أريج همست لهم: أدري، ريّان علمني وما صدقت
رفعت حاجبها شهد: يعني راكانو يخش عني؟ هين بس نرجع البيت اراويكم فيه خير كلكم تعرفون الا انا
ضحكت أريج: زين انه علمني و رحت أحن عن رهف اقنعها تكشخ وتلبس فستان وهي تقول شسالفة ليه نكشخ عزيمة عادية راح ألبس بدلة شريتها من شانيل..
ناظرت جُمان فستان رهف: عاد لو تلبس خيشة تطلع موت أحمر ماشاءالله عليها، بس يارب تعدي هالليلة على خير..
دعوا بصوت خافت ان ربي يهدي رهف و تعديها، و شهد حَبت تطري سَيف للمرة الثانية في الجلسة قدام رهف
تنحنحت شهد و نطقت بصوت واضح: إلا رهوفي ماما ما قلتي لي عمو سَيف كاشخ و حلو؟
رهف اللي كانت جالسة بحضن ريم تاكل من الكيكة: اي ماما وايد حلو يشبه آسر بعد ولما شافه آسر ركض له و ضمه...
آسر اللي كان يلعب قدام أمه اول ما سمع رهف الصغيرة تطريه ألتفت عليها وأردف بثقة رغم لهجته المكسرة وحروفه الغير واضحة: سيف صديقي و راح يصير بابا
ناظرته رهف وابتسمت له، لأنها بدأت تباشر جلساته مع الاخصائي النفسي و تهيئه لمرحلة انه يعرف حقيقة ارتباطه مع سَيف بطريقة صحية وما تأثر عليه نفسياً..
قالت شهد بثقة وهي تبوس آسر: راح يصير بابا حقيقي ياروحي، شرايك لو ماما و سَيف تزوجوا؟ راح تكون مبسوط؟
شرقت رهف في قهوتها وطيرت عيونها وهي تسمع جواب آسر اللي نطق بكل براءة: هل سنعيش في منزل واحد؟
رهف تدخلت تقطع حديثهم: شهد اسكتي بالله لا تدخلين افكارج برأسه خليه..
لكن شهد كملت تكلم آسر: اي راح تعيشون سوا، شرايك؟
ضحك آسر بخفة: هل سأراهم يحتضنون بعضهم مجدداً؟
رهف اللي قلب وجهها ألوان: مامي روح ألعب...
ناظرها آسر: لقد رأيتكم تحتضنون بعضكم في المزرعة....
تمنت رهف الأرض تنشق و تبلعها من صوت ضحكت شهد اللي صدح في المكان و نظرات ريم المذهولة و نغزات أريج و جُمان عليها، وقفت تشيل آسر من حضن شهد: خلاص مامي
غمزت لها شهد: بس حضن؟ مو شي ثاني!
نافخت رهف: شهد مو وقتج وربي
كملت أريج: خلاص لا توترون العروس قبل شوفتها الشرعية
رفعت حاجبها رهف بصدمة: عروس مين؟
أشرت جُمان على رهف: أنتي منو غيرج؟ اليوم كلنا مجتمعين بمناسبة خطوبتج و سيف بيتقدم لج مر ثانية....
تلونت ملامحها بصدمة و ذهول: شنوو!!!!!
وكانت ريم مصدومة نفسها: بسم الله على عقولكم بناتي حبيباتي، اي خطوبة و اي خرابيط؟
رهف نزلت آسر على الأرض ووقفت بصدمة تسمع جُمان تشرح الموضوع، سعود اللي قَط الكلمة باستهبال على مسامع سيف، لكن سَيف أخذ الموضوع بجدية و حرفياً قلبها خطوبة رسمية..
رهف اللي تسارعت نبضات قلبها و انخطف لونها، مو مستوعبة شيء من اللي يقولونها والكل ينتظر ردة فعلها، نزلت عيونها تدور على آسر اللي راح يلعب مع مبارك بعيد عنهم...
ريم: رهف يمه شرايج؟
ألتفت عليها رهف بصدمة: رأي على حاله ما تغير!!
جُمان راحت تكلم سعود بعيد ثم رجعت تشوف رهف تدور على عبايتها تبي تطلع: رهف، سعود يبي يشوفج
نفضت رأسها رهف: اكلمه بعدين، يوم يعقل ويترك هالحركات
مسكتها جُمان: رهف تعالي معاي شوي
سحبتها جُمان من ذراعها تدخلها للبيت وتبعدها عن الجميع وكان أقرب مكان لهم المطبخ، دخلوا المطبخ و طلبت من العاملات يطلعون ويتركونهم لوحدهم..
تنهدت رهف: جُمان ترا والله مالي خلق
قاطعتها جُمان: لين متى تكابرين و تعاندين نفسج يا رهف؟ ليه تهربين من نفسج في كل مرة يخطي سَيف خطوة لج، ترجعين تبعدين عنه أميال!
سكنت رهف ونزلت عيونها على الأرض، قربت جُمان تمسك كفوفها اللي ترجف بخفة و ابتسمت: اقدر اشوف ربكتج و اسمع اضطراب نبضات قلبج لما يطرونه بالصدفة، حتى ويهج يقلب ألوان مهما حاولتي تنكرين و تكابرين..
قاطعتها رهف: ما انكر اني احبه يا جُمان، بحياتي ما أنكرت حقيقة اني اموت فيه مو بس احبه لكن الحُب ما يكفي! انزرع بداخلي خوف من هذاك اليوم وما أظنه راح يزول، رجفة ضلوعي هذي رجفة ذَعر اكثر من انها حُب و اشتياق..
ابتسمت جُمان وهي تشوف لمعة عيونها: عطيه فرصة، فرصة أخيرة لكم اثنينكم واسمعيه ولو مرة!
سكتت رهف و صَدت عنها، كملت جُمان: يبي يشوفج في المجلس الداخلي ينتظرج مع سعود..
تنهدت رهف بتعب و حطت يدها تغطي جبينها، ناظرت انعكاس صورتها في المرايا الصغيرة بالمطبخ تشوف شحوب وجهها، ضربت وجنتيها بخفة تحاول تستعيد لونها وتبان طبيعية قدام سَيف..
راحت تمشي للمجلس تشوف سعود واقف ينتظرها ولما أقبلت عليه تقدم يبوس رأسها: ادري اني اتصرف بدون علمج، لكن صدقيني سويت هالحركة عشانج
نطقت بصوت خافت: مادري لين متى تعاملني كأني ياهل ماعرف اتصرف و تقرر عني يا سعود، ليه ما تحترم قراري!
ابتسم بصدق: راح تشكريني..
تخطت سعود وحطت يدها على مسكة الباب مترددة، سحبت نفس عميق و زفرته و نفضت معاه على ربكتها داخلة في بالها شيء تقوله و تطلع، دخلت و رفع عيونه عليها و فَز يوقف على حيله ووقفت ثواني بمكانها تشوفه يتأملها وشرد ذهنه فيها، بفستانها الأسود لنصف الساق ماسك على جسمها بنعومة يظهر نحافتها اللي من الواضح انها زادت، عظمة الترقوة و جيدها اللي يزينه عَقد لولو ناعم، شعرها العسلي القصير ويتموج لنصف عنقها يغطيه بطريقة أنيقة، لكن اكثر ما أسره ملامحها المذهولة و لمعة عيونها العسلية اللي تتحاشاه..
تنهدت بخفة و مشت تقرب منه وهو واقف في مكانه متصنم يناظرها بذهول و دهشة وكأنه لأول مرة يشوفها..
نطقت رهف وهي توقف قدامه: و بعدين يا سَيف شنو تبي مني؟
رَد بكل وضوح و ثقة: أبيج أنتي، ومابي احد غيرج
كان واضح في مطلبه و صريح ونظرة عيونه تشع ثقة و صمود، مهما حاولت تبعده و تصده وتجرحه ماراح يغير رأيه، صراحته ورغبته الواضحة فيها أربكتها و أحيت شعور ميت بداخلها، سكتت وهي تناظر عيونه و أبتسم بِمكر سيف يحاوط خصرها بكفوفه الثنتين ويقربها له و يهمس بخفوت: أدري انج تبيني
كفوفها حَطت على صدره بنعومة و ترجع بظهرها للخلف تبتعد عنه رغم ان قبضته محكمة عليها تمنعها، كانت عيونها تدور في الارجاء تناظر كل شيء ألا سَيف ما تبي تشوفه: لا تتوهم
هز رأسه بالنفي و رفع يده اليمنى يلمس ذقنها: ما أتوهم
جبرها تناظر عيونه و مرر أنامله يلمس ثغرها بنعومة: ماصدق منطوقج احيان يسقيني العسل وأحيان يسقيني السَم، ما اصدق الا عيونج هذي، سبب محيّاي و مماتي...
ميلت رأسها تبعد عنه ونطقت بخفوت: سَيف...
ذاب من طريقة نطقها لأسمه و بدون تفكير صَرح لها: أحبج!
بلعت ريقها من فرط الشعور تحس قلبها بينفجر بين ضلوعها من صخبه و اضطرابه، كَرر سَيف كلامه: احبج لدرجة اني نسيت كل شيء و حطيته ورا ظهري و مستعد أبدأ معاج صفحة جديدة بدون ما ألتفت وراي، و أحفر الصخر بأيديني عشان تسامحيني، احبج و ابي كل نبضة قلب و رجفة تحضن ضلوعج يكون سببها حُبج لي مو خوفج مني ومن تصرفاتي..
أمتلأت عيونها دموع كيف هو فاهم سبب هروبها منه
قرب يبوس عيونها: مابي من الدنيا غيرج رهف تكفين!
سكتت تحاول ترتب حروفها لكن عيونه نستها الكلام، غمضت عيونها تحاول تتخبى من نظراته وبعد تفكير طويل نطق بهدوء و صوت خافت: طيب، نعطي نفسنا فرصة أخيرة...
توسع بؤبؤ عينه بفرحة و لمعت محاجره مو مصدق ان قلبها لان و أخيراً رهف قررت تكسر حاجز خوفها وتثق فيه من جديد، أخذها لحضنه و كفوفه تستريح خلف ظهرها يشدها لصدره بقوة، كانت رهف تسمع نبض قلبه المتسارع من فَرط حماسه، دفن رأسه بين كتفها و عنقها و طبع قُبلة يتيمة ما عقبها إلا ابتعاد رهف عن حضنه بإرتباك: خلاص قلت اللي عندي
ابتسم لها: اشوفج على خير يا زوجتي العزيزة..
توردت وجنتيها بخفة وتحس بدوخة من كلمة "زوجتي" وهي تعرف مقصده، وطلعت من المجلس مسرعة بخطواتها تبتعد عنه وهو يضحك بخفة، تأملها لين اختفت عن انظاره و تنهد براحة و مسح يسار صدره: يا بعد قلبي أنتي..
***
مهما ومهما صار تبقى أنت حُبي
اغليك لو عني تباعد خطاويك
لا طحت من عيني تلقّاك قلبي
و لا طحت من قلبي على الكف اداريك
و الا زعلت النار فيني تشبي
ولا ينطفي حرّ اللهب لين أراضيك
وان علّني كثر التعب صار طبي
في نظرتك في همستك بين أياديك
يمّك تروح خطاي ويتُوه دربي
وآضيع من زود إشتياقي والاقيك
أهواك أنا أهواك ماني مخبي
ولو كنت في غيري وغيري سكن فيك
***

لا بأس يالقلب الشجاعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن