7

5.9K 209 48
                                    

طول الطريق كان يشعر في بكاها الصامت وانهمار دموعها، لما وصلوا القصر نزلت من السيارة تصفق الباب بقوة وتدخل تضرب خطواتها على الأرض بقوة غير مُبالة بوجود أصايل و غادة في الصالة تجاهلت الجميع وصعدت لغرفتها، دخل سيف يتبع خطواتها بهدوء وبرود تام عكس حالها اللي يبرق ويرعد..
وقفته أصايل تشوف ملابسه مبللة بالكامل ونزل غترته على كتفه ويمسك عقاله في يمناه والعكاز في يسراه
عقدت حاجبها بعدم رضا عن منظره العام: شهالحال يا سيف؟ وشفيها زوجتك تدخل بدون ما تسلم؟ مو عاجبينها!
تدخلت غادة وهي جالسة بمكانها تشرب قهوتها: تلقينه جَنن بنت الناس وطيّر عقلها المهووس، واضح متهاوشين دوم يارب..
ناظرها سيف بطرف عينه: ممكن تكرمينا بسكوتج شيخة غادة؟
ابتسمت غادة تتدلع: تآمر أمر سيوفي..
كشر وغمض عيونه بنفاذ صبر: الله يصبرني
تركها جالسة مع أصايل يناظرونه تحت صمت ما يقدرون ينطقون كلمة يخافون صبره ينفذ فعلاً، صعد للجناح يشوف باب الغرفة مقفل لكنه يسمع صوت بكاها يوصل لين عنده حك جبينه بتعب ودخل ياخذ شاور سريع ويبدل ملابسه، تمدد على الكنبة في الصالة بعد ساعة من وصولهم يشتغل على اللابتوب ولاحظ ان صوتها صار متقطع ونحيبها أخف وكأنها هدأت.. لكن عقله اللي ما هدأ تزعجه فكرة انها جالسة تبكي وتنوح على رجل ثاني وتهلك نفسها على شخص مثل مهند قدام عينه وهي على ذمته، تستفزه فكرة أنها كلما قامت وقعدت رمت عليه كلام يخص مقتل أبوه وتلومه وتنظر له بإزدراء بدون ماتعرف حقيقة الأمور، ترميه في سمها وهي جاهلة حكايته كاملة.. لكنها تمون، هذا الوجه اللطيف اللي عطاه سبب للحياة قبل ١٥ سنة و عاش بفضلها، وجهها اللي زاحم أفكاره الكئيبة والسوداوية على مدار سنين طويلة ترافقه في كل ليلة ظلمة ذيك الابتسامة البريئة والضحكة الساحرة اللي التقطها في صورة عابرة، يمكن هي ما تتذكره ولا راح تتذكره في حياتها لكن يكفيه هو إنه تذكرها وعرفها من أول لقى بينهم..
'
بعد ساعات متواصلة من البكي، تبكي حُب خذلها وعمر ضاع وسنين كانت فيها ساذجة وأقرب أحبابها خذلها وكذب عليها، كانت تلوم نفسها تلوم غباءها وثقتها العمياء فيه.. ضيعت أجمل سنينها مع شخص بوجهين وقلبين، شخص عطته روحها وتدمرت في بعده وانجبرت تنذل وتتزوج عدوها لأجل عينه وبالنهاية كل تضحياتها راحت هباءاً منثوراً..
وقفت قدام المرايا تمسح دموعها، وكلما مسحت دمعة يطيح بدالها أربع.. الخذلان اللي كانت تحس فيه أكبر من عمرها أكبر من جسدها الضعيف، استندت على التسريحة ولا هي قادرة توقف لوحدها رجولها ما عاد تشيلها من كثر الهموم.. تفكر شنو مصيرها الحين؟ تعاتب وتنتقم وتحاسب؟ ولا تتركه للدنيا تدور فيه؟ قلبها يحترق بقهر.. أكثر شيء قهرها إنه الوحيد اللي وثقت فيه، الرجل الوحيد اللي سمحت له يدخل حياتها! الحين كيف ترجع تثق بأي مخلوق؟ كيف ترجع ثقتها بنفسها؟ مليون تساؤل يداهمها في اجزاء من الثانية وعقلها واقف ماهي قادرة تفكر بشكل سليم او صحيح ومنطقي..
غسلت وجهها بماء بارد مثل الثلج تخفف فيه تورم وجهها وعيونها، أخذت نفس طويل شهيق و زفير رتبت أنفاسها وأفكارها وطلعت من الغرفة تدور على سَيف ظَنت أنه في مكتبه لكنها حصلته جالس بالصالة ألتفت عليها لما فتحت الباب وتأملها ثواني ورجع يصد عنها ويشتغل على اللابتوب..
تقدمت رهف تمشي بهدوء وفيها تردد كبير، جلست على نفس الكنبة اللي هو جالس عليها لكن بالطرف الآخر بعيدة عنه..
لاحظ ارتباكها وترددها ومحاولاتها للتماسك وكيف تفرك كفوفها ببعضهم: كنت تعرف؟ وألغيت سفرة علاجه لهالسبب؟
رفع عيونه عن اللابتوب وناظر وجهها المتورم وعيونها العسلية اللي من شدة بكاها لساعات طويلة صار محطيهم أحمر وكأنها خطت شادو على كامل جفنها وخصلات شعرها العسلي تغطي وجهها وقذلتها الخفيفة تداعب رموشها الكثيفة حارسة محاجرها، كانت تنتظر جوابه بكل جوارحها تنتظر كلمة منه، أحتار ما يعرف يقولها الحقيقة إنه يعرف موضوع زواج مهند من شهور طويلة من لما طلب منها اول مرة تنفصل عن مهند وتستقيل، هو كان يدري ان مهند راح يكسر هالقلب في يوم من الايام، مثل ما هي جالسة مكسورة ومبعثرة لأشلاء كثيرة قدامه بهاللحظة..
لاحظت إنه طال نظره فيها وارتبكت مدت أناملها تبعد خصلات شعرها عن وجهها تشتته عن شروده فيها، نزل عينه من عليها وابتسم: تبين الحقيقة؟ كنت أعرف و من زمان..
رجع يناظرها يشوفها مصدومة و كمل: مو بس انا اعرف، ابوج اللواء مبارك القاضي كان يعرف بعد! لكن صراحة ألغينا السفر والعلاج لسبب ثاني..
توسعت عيونها بصدمة، الكل كان يعرف الا هي كانت غبية ومدمغة وساذجة وعيونها مغمضة عن كل عيوبه: مستحيل!
استعدل بجلسته وتقدم بجذعه صوبها لما انهمرت دموعها للمرة المليون في هذا اليوم، قرر وناوي يفجر كل القنابل اللي بين ايدينه بهاللحظة: ما عليه حسوفة، شخص مثله ماعليه حسرة ولا حسايف! تدرين أنه مهرب مخدرات بعد؟
كان سيف يتكلم ويشرح لها اللي وصلوا له مع مبارك بخصوص مهند وكيف أنهم مو قادرين يبلغون عليه لأنها متورطة، كانت رهف تسمعه بجمود تام مو مستوعبة شيء، ما تخطت صدمتها في زواج مهند وخيانته لها سنين! طلع استغل ثقتها فيه لآخر رمق واستخدمها هي بنفسها عشان تهرب له ممنوعات بدون وعي وأدراك منها، كان كلام سَيف ثقيل وماقدرت تسمع اكثر نهضت من مكانها والدنيا تدور فيها، مهند مو بس خانها وخدعها مهند عمره ما حبها لو يحبها مستحيل يورطها بشيء كبير! شيء ما يدخل العقل ولا المنطق، كيف انسان يغدر بمحبوبه لهالدرجة؟ أظلمت الدنيا بعيونها و دارت فيها الأرض واختل توازن عالمها كله بلحظات.. سيف ما رحمها و رمى عليها الحقيقة مرة دفعة واحدة بدون ما يفكر بشعورها، بطنها يألمها وحست بإنها راح تتقيأ، ركضت لأقرب دورة مياه واستفرغت، كانت وكأنها تتقيأ قلبها اللي اثقلها بالشعور..
حست بأيدينه خلف ظهرها يربت عليها ويرفع شعرها عن وجهها، كانت تبكي بقهر من ضعفها وعجزها بهاللحظة وأنها معاه بكامل بؤسها.. حست جسمها مُنهك وناظرت المرايا ازداد وجهها شحوب وكفه الدافي يلامس وجهها بماء بارد يغسله، دفعته بعيد عنها بكامل قوتها المتبقية في جسدها الهزيل وصرخت بوجهه بكراهية: اعتقني لوجه الله واتركني بروحي!
رفع ايدينه بالهواء باستسلام ويناظرها باستهزاء: ومن يصنع المعروف في غير أهلهِ يلاقي الذي لاقى مُجير أم عامرِ..
تركها وطلع وصرخت هي بقهر تضرب الباب: مريض أكرهك!!
سمع صراخها وتكسيرها للأغراض وأخذ عكازه ولابتوبه وطلع من الجناح يتركها مثل بركان ثائر خلفه، نزل مباشرة لمكتبه يكمل الشغل اللي ماقدر يكمله بوجود رهف..
جلس خلف المكتب على كرسيه يسند العكاز على يساره، يتأمل الشاهين اللي على عكازه.. كان العكاز تصميم خاص لأبوه بسبب أصابة دائمة في قدمه خلته يحتاج للعكاز، صَمم شاهين العكاز لنفسه بنفسه وكان دايماً يتفاخر بأنه هو الشاهين اللي ما يهاب أحد ودوم في العلالي.. ابتسم سَيف بألم يلمس الشاهين المنحوت في عكازه ومصنوع من الذهب الخَالص، هذا اللي بقى له من أبوه هذي اخر ذكرى امتلكها وفيها ريحة أبوه، أبوه اللي يحبه ويعزه أكثر من نفسه، من بعد شاهين أنطفى ضَي السيف واصبحت حياته أحادية اللون، دفن سيف بهجة أيامه وسعادته والألوان في ليلة مقتل أبوه، واللي زود حزن وحداد قلبه اليتيم أصابع الاتهامات اللي تشير له، كلهم يشوفونه الجاني والقاتل ولا حد فيهم عطاه فرصة يبرر ويشرح ويعبر عن نفسه.. ألتزم الصمت سنين طويلة بقلبه المكسور..

لا بأس يالقلب الشجاعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن