38"مــوت"

29.4K 1.6K 622
                                    

تنتهي الشرور دومًا، فلا هذه الدنيا ستنتهي وبها الشر، ولا القلوب ستُكمل وداخلها الحقد، لها نهاية في يومٍ من الأيام.

_"يتقبض علينا ليه ياباشا، بتهمة إيه؟"
قالتها والدة «رنا» بحسرة، بينما الثانية ارتجفت أوصالها جوار والدتها، ليجيبها الضابط بحدة:
"بتهمة فتح المقابر على الموتى، وبتهمة التعرض لآسر الغمري ومحاولة قتل مراته من بنتك، اتفضلوا"

هُنا لم يستوعب عقلها، ولا قلبها، بل وجدت هالة سوداء تحطيها، وأحد ما يقبض روحها، فوقعت في مكانها ميـتة بعد أيامٍ مرت عليها بمرضها الذي تزايد، وقلة تغذيتها لدرجة أن جسدها أصبح أقل حجمًا، وتغير وجهها للشاحب فكانت على قيد الحياة جسدًا، ولكن ميتة روحًا.

الخوف الذي يحيط قلب الإنسان أكثر خطورة من أي مرض قد يصيبه، وهي أصابها خوف الفقد، خوف الوحدة.

نهايتها التي لم يعهدها أحد، لم يتوقعها شخص،
ماتت على مرضها الذي انتصر عليها، والحقد يملئ قلبها، ماتت على كبيرة من الكبائر لن يغفر الله لها عليها.

صرخت والدتها بفزعٍ وجلست جوارها تحاول إفاقتها بقولها باستمرارٍ:
"بت يا رنا، أنتِ يابت، فتحي عينك"

أقترب أحد أفراد الشرطة يتحسس نبضها ثم رفع بصره لرئيسه مشيًرا له بأنها نهايتها، لمحت أمها إشارته وملامح الأسف التي أعتلت وجوههم، حتى الشيخ الذي ردد بتنهيدة:
"إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله!"

لطمت أمها على وجهها دون رأفة بحالها وهي تصرخ بنحيبٍ قوي، ضاعت ابنتها، ضاعت وحيدتها، ماتت.
بعد دقائقٍ وصلت سيارة الإسعاف وحملت «رنا» نحو المستشفى بينما رفقتها والدتها التي كانت تحت مراقبة الشرطة.

نُقلت سريعًا للطوارئ ليتم فحصها للمرة الأخيرة، ولكن كان للموت رأي آخر، عندما زارها وكان دورها، خرج الطبيب والأسف يعتلي وجهه قائلًا:
"البقاء لله، سبب الوفاة سكتة قلبية، هنعملها تقرير بحالة الوفاة عشان إجراءات الدفن، ربنا يصبرك"
استمعت لحديثه بقلب مفطورٍ، وعقلٍ كاد يجن، لا تستوعب ما يقول!

على الجانب الآخر أعتدل في نومه يستمع لكلام الشيخ وعيناه مستقرة عليها، الأسف اعتلى ملامحه هو الآخر متذكرًا كل لحظة كانت بينهما، كانت زوجته وحبيبته في يومٍ من الأيام وأضاعت كل شيء هباءًا منثورًا، كانت سببًا في أذيته وأذية قلبه، كانت سببًا في موته على قيد الحياة، وها هي لم تعد على قيد الحياة.

_"رنا، تعيشي أنتِ"
قالها بنبرته المتعبة بعض الشيء، بينما هي شهقت بعنفٍ واضعة يدها على فمها تحاول أن تكتم صرختها، الدموع انهمرت على خديها بلا توقف، تلك التي حسبتها كأختٍ لها تودع الحياة بعدما انتصر الشر في حياتها، لتقابل وجهه الكريم الذي لم تحسب له حسابٍ يوم، ليتلقاها القبر ليوم الحساب.

تشابُك أرواححيث تعيش القصص. اكتشف الآن