فصل إضافي2 "ذكريات لن تزول"

9.6K 789 113
                                    

كانت حياته مليئة بالصعاب، وكلما ظن أن الطريق قد استقام، واجهته الرياح بما لا يشتهي.

عاش سنوات طويلة يبحث عن ذلك الشعور بالسكينة في ظل السحر الذي سيطر على حياته وقلبها رأسًا على عقب، يبحث عن شيء يملأ الفراغ الذي يثقل روحه، كان دائمًا يعتقد أن كل ما يريده بعيد المنال، لكن في أعمق لحظاته ضعفًا، حينما لم يكن يملك إلا الدعاء، جاءه العوض من الله، فجأة، وبطريقة لم يكن يتوقعها.

عندما يفكر في الماضي، يرى الآن أن كل خطوة كانت تقوده نحو هذا العوض؛ كل ألم، كل خيبة، كانت تمهيدًا لما هو أفضل، لم يكن العوض فقط في الأشياء المادية أو الأشخاص الذين دخلوا حياته، بل كان في السلام الذي شعر به في قلبه، في الطمأنينة التي ملأت روحه بعد أن كانت مشتتة.

الآن، يشعر أن الله لم يخذله أبدًا، بل كان يهيئ له الأفضل حينما لم يكن هو نفسه مستعدًا. أدرك أن العوض لم يكن مجرد تعويض عن الخسارات، بل هو هدية، نعمة تغمره، تجعل كل شيء مضى يبدو كأنه جزء من رحلة نحو هذه اللحظة.

ابتسامته الآن أكثر صدقًا، وقلبه أكثر طمأنينة، يعرف أن الله لا ينسى أحدًا، وأن العوض يأتي بأجمل الأشكال عندما نتعلم الصبر والتسليم، لقد عوضه الله بطرق لم يكن يتخيلها، وأصبح ممتنًا لكل ما مر به، لأن كل شيء كان جزءًا من خطته العظيمة.

_"ليــان!"
نادى بصوتٍ مرتفع بعد دخوله من باب المنزل لتسمعه ابنته التي أتت من الداخل راكضة له وعلى فمها تعتلي ابتسامة واسعة:
"حمدلله عالسلامة يابابا"

هكذا كان الترحيب اليومي من ابنته الكبرى وأول فرحته، فقد رزقه الله بثلاثة بنات وأطلق عليه مروان لقب "أبو البنات" وظل الاسم يتردد على مسامع الجميع حتى أصبح القريبين منه ينادوه به:
"الله يسلمك ياحبيبي أنت، فين أخواتك وماما؟"

_"ماما جوا بتذاكر لـ لينا، ومريم نايمة"
في الحقيقة تلك الأسامي التي لاقت بشكلٍ كبير مع اسم «ليان» وأيضًا «مرام»، كانت من إختيار «آسر» الذي أراد أن يكون بمنزله نسختين من كل شيء، التوافق بين «ليان» و«لينا»، وأيضًا بين «مرام» و«مريم»، هكذا اختارهم بعناية، جميعهن بعيونٍ خضراء مثله هو وأمهم، والصغيرة كانت تمتلك خصلات ذهبية، بينما الكبار «ليان» و«لينا» بخصلاتٍ بنية أقرب للذهبي، العين التي تقع عليهم تطمع بهذا الجمال الأخاذ الذي يملكونه.

خرجت «لينا» من تلك الغرفة المخصصة لهن وهي تركض نحوه تحتضنه، كانت أصغر من «ليان» بسنتين، حيث الكبير بعمر الثامنة، وهي بعمر السادسة.

_"خلصتِ مذاكرة؟"
بادلها متسائلًا وهو مازال على حاله بملابس العمل لتومئ له الصغيرة بقولها وهي تقبله على خده:
"خلصت الحمدلله، تعبت تعبت"

_"لسه شوية، إحنا لسه بنقول يا هادي!"
قالها بنبرة تشجيعية ليسمعا الصوت الرقيق الذي لطالما ظل هكذا يتجه نحوهم:
"وعشان تبقي مهندسة زي بابا، لازم نذاكر ومنقولش تعبت تعبت"

تشابُك أرواححيث تعيش القصص. اكتشف الآن