وصل بخطى سريعة نحو منزل صديقه رفقة «حمزة»، وقلبه يتآكل من الخوف على «آسر»، خاصةً أنه يعلم أن تعبه شديد وبالتأكيد أتته الحالة التي كانت لديه وهو بمنزله، ظل يردد الأذكار على لسانه وهو يلهث بشكلٍ قوي.
وصل عند المنزل وطرق الباب حتى فتحته «مرام» بدموعها المنهمرة على خديها في حزنٍ جلي، وإبتعدت من أمام الباب ليتجه هو وخلفه «حمزة» نحو «آسر» المُلقى أرضًا ورأسه بين أحضان أمه
_"ارفعه معايا يا حمزة!"
قالها «مروان» بعدما تنهد بحسرة على صديقه المسكين، ورفعوه على الأريكة، جلس جواره «مروان» يمسد على شعره بحنو بالغ، وتحرك «حمزة» سريعًا يجلب له الماء مع نواح أمه ببكاءها:
"ماله يا مروان، آسر ماله يابني، هيبقى كويس صح؟"أومأ لها بأدبٍ وتنهيدة خرجت من أعماقه وهو يُجيبها ليُطمئن قلبها:
"اه يا خالتي، هيكون كويس والله متقلقيش!"
ثم تناول كأس الماء من «حمزة» وبدأ يضع البعض منه على وجه صديقه وهو يقرأ القرآن ليوقظ الذي بداخله إن أراد ذلك، وقد كان حينما بدأ «آسر» يهمهم بتعبٍ، جلس «حمزة» على طرف الأريكة ورفع «آسر» من خصره يسند ظهره عليه، كان جسده يرتجف داخليًا وخارجيًا وفتح عيناه بتعبٍ يطالع «مروان» بنظراتٍ لم يكن بها سوى الحسرة الساخرة على حياته بأكملها، أغمض عيناه واستند على «حمزة» وهو يردد بتعبٍ مقهور:
"حظي في الدنيا قليل يا صاحبي، اللي عشت معاها سنين طلعت السبب في كل حاجة بشوفها، اللي أمنتلها على حياتي وأسراري وعلى كل حاجة تخصني، هي السبب فتعبي ده، هي السبب فأني بموت يوميًا، طلعت السبب في كل حاجة وحشة في حياتي يا مروان، اتخذلت يا مروان بشكل صعب!"صديقه مقهور، ويقال أن قهر الرجال شديد، فالرجل بطباعه قوي من الداخل، يملك قدرة التحمل عكس المرأة التي تمتلك مشاعر رهيفة رقيقة، القهر يعتلي ملامحه، ويغلف قلبه!
ربت «حمزة» على كتفه بتنهيدة قوية وهو يحاول مواساته:
"صلي عالنبي ياصاحبي واستهدى بالله، الحمدلله ربنا ظهرلك حقيقة كل حاجة عشان متفضلش مخدوع كتير، الحمدلله على الحاجات دي عشان نكمل حياتنا إزاي صح، ده ابتلاء واكيد ربنا هيجازيك عليه خير، قوله يامروان!"أمسك «مروان» كفي «آسر» بين راحتيه التي شعت بالدفء الشديد لقلب صديقه، وبدأ يتحدث بينما ينظر نحوه بنبرة دافئة:
"ربنا سبحانه وتعالى بيقول في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم "وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ" يعني إيه؟ يعني ربنا اختارك يحطك في البلاء ده اختار أنه يبتليك بزوجتك بحاجة عظيمة هي عملاها، تعرف اللي هي عملته ده حاجة عظيمة وكبيرة من الكبائر، محتاجة تقعد قدام شيخ وترجع تاني تتشاهد وتدخل المِلة من أول وجديد، ربنا سبحانه وتعالى بيقول يا آسر؛ فاستمع لما يوحى، يعني اسمع للي ربنا عاوز يوصلهولك، وإزاي ربنا عاوز يوجهك، ويحيي جواك روح جديدة خالية من كل حاجة، بلاء يا آسر لعله سبب من تخفيف ذنوب كتير عندك بينك وبين ربنا، وربنا اختارلك إنه يستر عليك في مقابل إنه يبعتلك بلاء زي ده"سحب نفسًا عميقًا وأكمل بصوته الأجش الرخيم:
"مقدرش اقررلك البلاء ده حاصل ليه، بس أقدر أقولك إن كل بلاء بيحصل بتدابير، بشكل دقيق جدًا، وبحكمة إحنا كبشر منقدرش نستوعبها إلا في وقتها، ومهما حاولت أنت عشان تعرف ليه وإزاي، مش هتقدر غير في وقت ربنا عايزه، وهتعرف وقتها إن إختيار ربنا هو أسلم إختيار، وأحسن إختيار ليك"_"طب وبعدين، أنا تعبت؟"
قالها «آسر» بحزنٍ شديد، ليجيبه الآخر بينما يربت بكفه على يد صديقه، صوته يولج لقلب الجالسين جميعًا، ليس لقلب «آسر» فقط:
"وبعد الإختبار في دعاء، في قرآن، ربنا سبحانه وتعالى جعل لنا القرآن والدعاء عشان نرتاح، نعمة كبيرة يغفل عنها كتير والله يا آسر، نعمة وجودهم في حياتنا متتوصفش، ربنا قال «قال ربي أشرح لي صدري، ويسر لي أمري»، أنا عارف إنك تعبان أوي لدرجة أن قلبك مقبوض وواجعك، ومافيش مشكلة إنك تتعب كدا وتبكي حتى لو عاوز، عيط يا آسر لو هيريحك!"اقترب «آسر» يحتضن «مروان» واضعًا رأسه على كتفه مُخبئًا عيناه في صديقه، وللمرة الأولى أمام الجميع، يجهش هكذا باكيًا، منتحبًا، مُتمسكًا بكنزة «مروان» كطفلٍ صغير ضائع!
«ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلي هارون»، طلب الرفقة أمر وواجب على كل إنسان أن يجد رفيقًا يواسي ويُساند، ليشدد به الله أزره، ويشركه في أمره؛
«هارون أخي».ربت «مروان» على ظهر صديقه بحنية بالغة، ونطق بصوته المتلبك لرؤية الآخر في هذا الوضع، من داخله يرتجف هو الأخر، من داخله ينتحب لأجل أخيه:
"عيط يا آسر، عبر عن اللي جواك يا أخويا، مافيش مشكلة إنك تتعب ويضيق بيك الحال، أنت إنسان ليك قدرة على تحمل الصعاب، أنت إنسان ليك مشاعر، أنت إنسان يا آسر"عزيزي الإنسان؛
لا تتجرد من إنسانيتك،
لديك مشاعر تود أن تخرج،
لها الحق عليك بأن ترى منك التعبير عنها،
عزيزي الإنسان؛
لا تحرم نفسك من حق الضعف، البكاء، الخوف،
فما بعد ذلك لن يكون سوى قوة، شجاعة، أمان،
عزيزي الإنسان؛
انهض لتبدأ بروحٍ جديدة مُرممة، نقية،
لتبدأ بقلبٍ يشبه السماء في وسعها،
وروح تشبه البحر في عمقه،
فاسكن لاختيار الله، واستمع لما يوحى.
أنت تقرأ
تشابُك أرواح
Roman d'amourقُلوبهم على جرف الهاوية، مَعقودة خيوطها بين النُور والظَلام، مُتشابكة أرواحهم بشباكٍ قوية؛ ليقعوا جميعًا نحو الهلاك المُغلف بحبٍ. بينهما حرب لن تنتهي، فهل من الممكن أن تتحول لهدنة؟ أم أن تلك المعركة ستظل مستمرة، ومتشابكة الخيوط، ستظل معقودة للأبد كإ...