٢٤: عروسُ البحرِ الأحمرِ.

1.6K 68 310
                                    







بحر/...


"كذّاب!" صرختُ،
كسُجاد يُنفض غُباره،
برقَت ساطِعةً مُهجتِي،
وهي تُصافِح فِي لوحَةٍ ارض عودتِي..
مهد حُلمِي وملامح كابوسِي.

يربُت على صدر ثوبه الكُحلِي، ماردُ هاربُ
من مصباحِ،
مِن غُبار الأُمنياتِ ودياجيرِ مقابرِ الذهبِ
وسحر الحكاياتِ "ماقلت لك ازهلها؟".

بئرُ من عطشِ،
عينايِ مريرَة العسلِ..
تتجرّع المبانِي بِلهفة وتشققُ،
على ماذا امسيتِي يامدينة ميلادِي ووجه سنواتِي؟
طال ياجِدة غيابي،
طال مشوارِي،
وماجاء زمانِي ياعروسُ على قدر استعدادي..
ابكتني شوارعِك وبحثت عنِي وما وجدتنِي؟
ايّتها المباني المُسنة المكتاتِفة على ظهرِ الأرصِفة..
ياغالبة جبروت الأزمنة بوقفةِ تواضِع مُسترخِية،
ياحبيبةً راسِخةً فِي ذاكرتي..
أسمعتِ اخبار الجرائد عنّي
وبالخيانة ايضًا
وصمتنِي؟.

ياعنوانِي..
ما ألفني حقًا ضياعِي،
حتى كففتِ عن كونِك مكانِي،
خرائط الأرض احتارتنِي..
ضاعت فِي تشرّدي،
حين يادياري اقصيتني و نفيتنِي.

"اشوى ماغرقت الشوارع بالسيول "
يُردف
رائحة المطرِ والبحرِ تتوغل غامرة فِي مسامِي،
تُنقِّعُ الهواء عبقًا ساحليًا مالحًا وتتخمّر فِي فمِي،
ياملُوحة رطِبة ترسُم جلدِي ودمِي..
ماعبرنِي هواءٌ
منذ عبرني هواكِ.

"كان نحنا الي غرقنا!"
هذه المدينة لاتُمطر لهوًا.

"ماعندهم دوامات ذول؟" يعلّق،
نعبُر جوارِ حدائقِ ومطاعِم،
ثمّة عدة سيّاراتِ تصطفُ،
قليلةٌ ومعدودةٌ،
شبابُ وعائلاتُ يجلسون بالمقاعد الداخلية او الخارجية، لافتاتُ مطاعم ومقاهِي لمّاعة ساطِعة على طولِ اقصائِي،
"جدّة ماتنام بالشتاء، نسيت؟" اردُ،
اراجيحُ بحديقة وصغار راكضين،
أضواءُ،
بشرُ عاديّين،
حدّقت فيهم مذهولًا،
حدّقت حسدًا وغبطةً بمالديهم..

"ايش بتاكل ياوحش؟" اسألُ قيسُ السّارِح بدورِه فِي
ملامحِ المدِينة البحرِيّة النائِمة فِي بردِ رطِب،
لا اريدُ ان آكل حقًا،
ولكنني ايضًا لم اتذوّق وجبة سريعة
منذُ..كم مضى؟
اشعرُ انني رجُل كهفِ يقذفونهُ الاف
السنينِ الضوئِية للأمام.

"مابعد قررت"
يرُد فاركًا يديهِ بتقليب مُتمعنِ للخيارات..
بعيدُ، مأخوذِ في النافذة،
المدينة تُصافح بملامحها ملامِحهُ،
تتخمّر فِي لسانهِ ووجههِ وجوارِحه،
يتآلفانِ فِي تمهُّل وحنينِ باللقاءِ..
لاغربة ولاغريبُ، دارُ ويعود لها قريبُ..
عذُوبة كُله صارَ العذابُ
فِي رِحاب بلادِ الملحِ والحُورِ،
تُعمينا بشوقنا لنا فيها،
تخدعُنا وتنسينا..
ثمن بريق الذهبِ،
كم دفعنا لهُ في مُضيّنا وماضِينا.

قيسٌ بِلا ليلى. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن