Part 1

1.6K 20 1
                                    

« المقدمة »

ليلاً فى منطقة تتسم بالهدوء الشديد تتساقط الأمطار معلنة عن قدوم فصل الشتاء على قصر كبير يدل على ثراء صاحبه الفاحش، يحرسه العديد من الرجال الذين يتسمون بالبنية القوية والحواس الدقيقة يتحركون كالإنسان الآلى يراقبون ما حولهم بتركيز.

فى صالة كبيرة نائمة على أريكة تكاد تبتلع جسدها الصغير، تلف نفسها بغطاء لتحتمى من برد الشتاء، تستند برأسها على يديها وتحدق فى الباب أمامها..

تبدو كمزهرية زجاجية هشة موضوعة على حافة رف، على بُعد منها باب موارب يدخل منه أشخاص كُثر، بعضهم يتأملونها طويلاً و البعض لا ينتبه لها، كلما صفق أحدهم الباب، ترنحت على الحافة كأنها توشك على السقوط، فى زمن ما تمنت أن يدخل من الباب الذى يشاركها إنتظارها.. شخص ما، أن ينتبه أنها ليست فى مكانها الصحيح، وأن نسمة هواء يمكن أن تهزها و تكسرها، أن يبتسم لها ويحميها ،أن يعثر لها عن مكان أفضل، بعيداً عن تيار الهواء البارد الذى يوشك أن يوقعها، لكن كان هذا منذ زمن .. حين كانت تمتلك جهداً للإنتظار، الآن تبتهل أن تُنبت لها يدان و رجلان، أن تتشبث وحدها و تزحف فى لحظات الوجع و الإستسلام، تفكر فى أن تميل بنفسها و تقتحم طواعية خوفها، كأن تختار أن تكسر نفسها بنفسها..

أفاقت من تحديقها بالباب على يد وُضعت على كتفها تربت عليها برفق، نظرت لصاحب اليد وجدت ملجئها الوحيد فى هذا البيت، إبتسمت لها بتعب تستمع لصوتها الحنون ( سيلين يا حبيبتى، نايمة هنا ليه، إطلعى إرتاحى فوق )

أغمضت عينيها تهز رأسها بالرفض ترد عليها بصوت خافت ( أنا شويه وهمشى كفاية كدا مش كل مرة)

إتسعت عينيها برعب تجلس بجانبها تنظر لها بقلة حيلة ( مينفعش تمشى قبل ما يجى يا بنتى، وكمان الجو برا برد أوى والمطر بيزيد  )

وضعت يديها على وجهها تفركه بغضب، ثم إعتدلت تجلس مواجهة لها تحاول أن تسيطر على غضبها فهى لا ذنب لها( دادة أنا قاعدة مستنياه بقالى أسبوع وسايبه دراستى وهو حتى مكلفش نفسه يتصل يقول إنه هيتأخر، كل مرة يعملها معايا وبرضوا جيت، بس دى أخر مرة ومش جاية تانى أنا تعبت..)

لاحظت يديها ترتعش فمسكتها سريعاً تحتضنها بين كفيها، تمرر نظرها على ملامحها الجميلة وشعرها الذى يحيط وجهها من الجانبين ( إهدى بس يا حبيبتى، هو جاى والله فى الطريق أنا كلمت السواق وقالى إنه جابه من المطار شويه وهيوصلوا)

تنهدت بغضب تهز رأسها بالموافقة قائلة ( ماشى هستناه.. بس خلى حد يوضبلى الشنطة بتاعتى عشان هشوف عاوز إيه وهمشى، أنا كلمت وليد وهيجى يوصلنى الطيارة هتطلع الساعه واحدة )

لم تعرف ماذا تقول لها، كلام الكون بأكمله لم ولن يهدئها، معها حق هذه الصغيرة الجالسة أمامها، تتمنى لو تستطيع أخذ كل ما يؤلمها، دمعت عينيها تنظر لها بشفقة..

عبست سيلين عندما رأت نظراتها وهمست ( متبصليش كدا يا دادة، أنا كويسه )

مسحت دمعة فرت من عينيها تبتسم لها تربت على شعرها، وقبل أن تتحدث وجدت مَن تقفز على رجلها فحملتها برفق تقول وهى تضحك ( إتفضلى خدى بنتك )

نست سيلين غضبها تنظر لقطتها البيضاء الجميلة ذات العيون الزرقاء والشعر الكثيف، أخذتها منها تحتضنها وتقبلها تبتسم بسعادة.
.....................................

فى مكان أخر فوق سطح هذا القصر كان واقفاً بطوله الفارع يصوب نظراته التى تشبه نظرات الصقر على الباب الأمامى للقصر، بعد أن مسح بعينيه المكان من حوله..

شعر بهاتفه يهتز داخل جيبه فأخرجه ينظر لمَن يتصل، تنهد بضيق فهذه المرة المئة يتصل به ولا يستسلم، فتح الخط أخيراً دون أن يرد يستمع لصوت المتصل ( إيه يابنى كل دا طلعت عينى مبتردش ليه.. مشيت بسرعة ليه )

ظل صامتاً، يُبعد الهاتف عن أذنه عندما قام الآخر بتعلية صوته ( ألوووووو.. مازن.. إوعى تكون عملت اللى فى دماغى)

إبتسم بمكر يُقرب الهاتف من أذنه، ورد عليه ببرود ( أيوا.. )
 
سبه خرجت من فمه، عندما سمع الآخر يصرخ عليه ( ينهارك إسود يا مازن.. إنت مجنون)

بهدوء أعاد نظره لباب القصر يرد عليه  ( شريف إنت عارف أنا مستنى اليوم دا من إمتى.. فبلاش كلام كتير عشان أنا مش هرجع فى قرارى، وياريت متقولش لحد عندك )

عندما صمت الأخر قام بإنهاء الإتصال، وفى نفس اللحظة فُتِح باب القصر تدخل منه سيارة.. فوضع الهاتف فى جيبه يتابع دخولها، عينيه على مَن نزل منها، إتسعت إبتسامته يُخرج مسدسه من جانبه متجهاً لعنده..

حنان القاسى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن