١٩

914 44 16
                                    

صوتها كان بمثابة رشفة الماء لرجل تائه عطش بالصحراء
ترك كل شيء و ذهب إليها....
الماكرة كانت طوال تلك المدة بالإسكندرية!
و رغم الغضب و الرغبة في العقاب إلا أن لهفته و حبه تغلبوا عليه عندما علم أنها بالمشفى تحتاجه!
وقف أمام الغرفة التي أبلغوه أنها بها، بقلب وجل، ملهوف، عاشق و غاضب أخذ يردد سرّا...
اللهم الثبات
اللهم الرأفة بقلب عبدك العاشق
فعشقها أرهقني يا الله....
أخذ نفس عميق و بجسد متحفز و يده يجاهد ليخفي رعشتها من فرط تحفزه، فتح الغرفة و كانت نائمة. اقترب أكثر بعدما أغلق الباب خلفه بهدوء و أخذ ينظر إليها، و تعجدت جبهته و انعقد حاجبيه و هو يرى بروز بطنها من أسفل الفراش و وزنها الزائد بعض الشيء!
اشتغل الغضب و حل محل اللهفة بلحظة لمجرد الفكرة التي خطرت بعقله، حامل و لم تخبر أحد!

_ليلتك طين!

خرجت منه الجملة بحدة و هو يضرب بكفه الكومود الموجود بجانب الفراش بعنفه لتستيقظ بفزع لتأخذ نفس عميق عند رؤيته أمامها بوجهه الغاضب الواجم ليخرج صوتها بنبرة منخفضة تحمل كل مشاعرها ناحيته :
_عزيز...

لم يجيبها بل ظل يتطلع إليها بوجوم و غضب كمن يفكر بإمساكها من شعرها و يعاقبها على تركه و يزيد من العقاب بالضرب على حملها دون إخباره و على تركه أيضاً بتلك الطريقة، لكنه يصمت. و هي تتفهم بل أنها أخذت القرار أنها ستتحمل أي رد فعل يصدر منه، ستستقبل كلماته و صياحه و غضبه بهدوء حتى لو أنها مازالت تحمل ناحيته مشاعر سلبية من الغضب و الحزن لما أجيرها على فعله بتصرفاته. لكن قطع حرب النظرات و الصمت بينهما دخول الطبيبة المسؤلة عن حالتها لتتفاجئ بوجود عزيز لتنظر بعدها لمُهرة سائلة:
_ دا جوزك!

لتومئ لها مُهرة بصمت لتلتفت بعدها لعزيز زاجرة:
_ازاي حضرتك مش مهتم بيها و لا بالبيبي بالشكل دا! مراتك جابوها في حالة وحشة أوي، و لولا ستر ربنا و لطفه كان حصلها هي والبيبي لا قدر الله حاجة

و رغم خوفه من ما سمعه عن حالتها و ما أوصلت نفسها إليها فهي قررت الانعزال عن الجميع و عنه لتصبح بمفردها و هي بهذا الوضع دون أن يشاركها كل لحظة و كل خطوة، لكنه لم يظهر ذلك بل رد بصلافة و برود:
_ خليكِ في حالك يا دكتورة

اتسعت أعين الطبيبة من قلة زوقه و عدم إظهار أي تعاطف مع حالة مريضتها و كادت أن تصيح بغضب لكن أوقفتها مُهرة قائلة:
_ أنا ممكن أخرج دلوقتي مش كدا!

نظرت لها الطبيبة بيأس و فكرت أنها مغلوبة على أمرها مع زوجها و أجبرت ذاتها على الصمت أمام استسلام الأخرى و قالت:
_بكرة إن شاء الله عشان اطمن عليكِ أكتر و يكون التحاليل طلعت

خرجت الدكتورة بعد فحصها و بعد أن نظرت لعزيز شزراً و ببغض لتعود بمفردها في مواجهة معه. جلس على كرسي مقابلها بهدوء قاتل و قال:
_ عرفتي امتى؟

لتبتلع ريقها بتردد و بعدها جاوبت ببسالة كعادتها:
_ يوم ما بلغتني بخبر جوازك

قبض كفه و جز على أسنانه بغضب بينما هي كانت تنظر لعيناه و كل ما تفكر به أن يعانقها ألا يدخلا في جدال و أن ينسى كل شيء دون عتاب أو غضب من كلاهما، فهي تعترف أنها أخطأت كخطأه في حقها...

شارع حُبنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن