"روايـة الصِـراع"

{2}

-Lancaster Corporation-

10:00AM

بمكتب إيفان المغلق و حيث كان جالساً يهتم بمراجعة ملفات أعماله و توقيع أوراق الصادرات و الواردات
ناهيك عن تفقد أحوال سير المصانع و تدفق الأرباح المتوقعة و غيرها من الأمور التي تقود صاحبها للجنون
غاص إدراكه في تلك الصفحات بتركيز و إهتمام و لم يشعر قط بمرور الوقت فهو رجل لا يحب المفاجآت الغير مسبوقة
إيان كان يتفقده بأعينه الهادئة  تارة و تارة آخرى يهتم بالعمل الذي بين يديه بصمت
أخذ يبتسم بخفوت حينما لاحظ ملامح إيفان المنزعجة الذي يبدوا بذروة الإنهاك يدلك جبينه و يفرك مقلتا عيناه
هتف بهدوء بينما ما يزال يقلب الملفات
- ما رأيك بأخذ إستراحة, و نذهب لمقابلة رافاييل
قطب الآخر حاجبيه رامياً ظهره للخلف بضجر شاعراً بإنقسام ظهره آلماً من الإنحناء
-فكرة جيدة, إلهي أنا لو أترك العمل لمجرد يوم واحد ماذا سيحدث!, كل هذه الأوراق و الملفات في يوم, إنني أغوص بعقر الجحيم عقلي سينفجر
قهقه إيان منتصباً يعدل هندامه ليشير له برأسه
-لنذهب إذن, لقد حجزتُ موعداً في الكافيه المعتاد, سنعود للعمل بعد لقاء قائد الإنتربول
إفترش إبتسامة مخملية ثم نهض عن الكرسي يسحب سترته ليرتديها متجهاً للخروج
-هيا بنا إيان, قبل أن أخُر صريعاً من شدة التحديق بالحروف, لآنتبه أن لدي مجموعة من الحمقى لديهم إملاء سيء يدفعني للجنون
خرج الإثنين من المكتب متجهين للخارج حيث ركن إيفان سيارته "البوجاتي فيرون"
تسلم مفتاحها من الحارس ليرتدي نظارته حتى تحجب ضوء الشمس عنه حينما سطع شعاعها الذهبي على عيناه
قال محدثاً إيان بينما يكمل سيره لحيث تقبع سيارته
-هل ستصعد معي أم ستذهب بسيارتك؟
أجابه الآخر بإجفال
-أتراني مجنون لأصعد معك!, لا شكرآ فـ أنا لا أزال أرغب بالعيش قطعة واحدة
قهقه بملئ ثغره على تعليقه ليردف بسخرية
كم أنت جبان يا صاحبي, عليك تعلم حب السرعة مني, صدقني إنه لشيء ممتع
رد بتهكم يقف قرب السيارة
-لا أريد, لستُ من محبي هذه التفاهات, و لستً بـ رجل متهور مثلك
فتح إيفان باب سيارته يرسم إبتسامة شقية و ساخرة
لـ يتمتم
-كم أنت ممل, فقط إصعد لسيارتك و إلحق بي, لا نريد أن نتأخر عن ذاك المشتعل, و إلا قام بزجنا داخل السجن بتهمة ترك قائد الإنتربول ينتظر
لم يقدر إيان على عدم الضحك على تعليق إيفان الأخير, لأنه يدرك بأن رافاييل فعلاً سيفعلها
اتجه بعدها لصعود سيارته التي ركنها مقربة من سيارة إيفان,ثم إنطلقا بعدها ذاهبين لحيث الكافيه المعتاد للقائهم.

........

-Cafe Olivia-

جلس أحدهم بالمكان المخصص لكبار الشخصيات حيثُ لا يكون هناك أي سبيل للإزعاج و الموسيقى الكلاسيكية الناعمة تصدح بلطف
المكان حوله أقل ما يُقال عنه فاخر و راقي الملمس, تنتشر روائح القهوة المهدئة للأعصاب عبر جدرانه المطلية بالذهب
اخذ الرجل يحرك ساقيه بضجر ينظر لساعته تارة و يشرب من كأس الماء تارة آخرى
شاب يملك شعراً كهرماني أسود, كثيف و مرتب للخلف بإهمال زادت من حدة ملامحه الرجولية, قزحية بلون الياقوت الأخضر الصارخ
ناهيك عن وسامة تقاسيم وجهه و حدة فكه السفلي, مصحوبة بتجهم تعابيره القوية و الحازمة
كما أنه يملك جسد رياضي مدرب بعناية, و ستلاحظ ذلك من ضخامة عضلات أذرعه الغليظة و المشدودة
شتم و لعن بحنق يتوعد بنفسه بأعصاب تالفة, أكثر ما يكره هذا الرجل هو الإنتظار, يثور بسرعة جنونية
وصل إيفان و إيان للكافيه حيث دخلا بهدوء متجهان للطاولة المحجوزة و المعدة مسبقاً, لينتبها لوجود رافاييل الذي واضح من تعابيره أنه يكاد يهشم الطاولة
تبسم إيفان ليهمس للآخر بصوت خافت
-بئساً..أنظر لوجهه المتجهم, لو كان مسموحاً بإدخال الآسلحة لأرتكب جريمة فينا, بالكاد يحاول إمساك نفسه
قضم إيان شفته بسرعة مانعاً ذاته من الضحك أمام رافاييل الغاضب و إلا فإنه سيقوم بتهشيم المكان فوق رؤوسهم
جلس ايفان بمقعده يفتح آخر زر من سترته حتى لا يتضايق ليقول بهدوء
و إبتسامه طفيفة رسمها بزاويه فمه
-مرحبا يا رافي, كيف حالك اليوم؟, أرجوا أن تكون بخير
إتخذ إيان مجلسه بجانب رافاييل و مقابلاً لإيفان ليهتف الآخر بصوت هامس يرمقه بنظرات نارية
-تتأخر في القدوم و أيضاً تناديني بـ رافي!, إلهي الرحيم أي أحمق أنت؟, ألهذه الدرجة تثق أنني لن أحطم وجهك وسط الطاولة يا إيفان
قهقه الإثنين على عصبيته الحانقة, ليعقب إيفان محاولاً تهدئته رغم ان كلامه لم يكن يخلو من السخرية و الإستخفاف
-بحقكْ ...اهدأ يا رافاييل, لما كل هذا الغضب!, من يراك ثائراً طوال الوقت لا يصدق بأنك شاب في السادسة والعشرون من عمره, ستصيبكً الشيخوخة مبكراً و يملئ وجهك تجاعيد مخيفة, عليك أن تكون وسيع الصدر
رد عليه بسخرية اكبر يرفع حاجبه بإزدراء
-لن يسبب لي الشخوخة و التجاعيد غير برودكما اللعين
صاح بهما مضيفاً بحنق
- لما تأخرتما بالقدوم أيها الفاسقان ؟
رد إيفان فيما يشير للنادل بإصبعه حيث حظر من فوره ليأخذ الطلب
-كان لدينا بعض الأعمال المهمة و ليس كأننا كنا نلهو بالجوار سيد رافاييل, هــمم ماذا تطلبان ؟
قال إيان بتفكير
-لا بأس بالقهوة الفرنسية
تطلع بعدها لرافاييل الذي يعقد يديه بضجر يسأله بحاجب مرفوع
- و ماذا عنك أنت, أنسة رافي
حدق نحوه بصدمة بينما قهقه إيان بهدوء مكتوم خائفاً من أن يلكمه رافاييل بوجهه
إرتسمت عروق السخط بعنقه ليرد بعدما آخذ نفساً قوياً و زفره خارج صدره حتى لا يتهور مبتسماً بشكل خطير
-هممم أي شيء على ذوقك سيد إيفان لانكاستر, آه صحيح سيكون جيداً لو كان بكأس زجاجية حتى أقدر على تحطيمها فوق رأسك عندما أنتهي من الشرب, كما تعرف هذه لزوم الضيافة
هتف ايفان يبتسم بإستهبال
-رباه كم أنت عنيف أيها القائد, على العموم سأطلب لك قهوة فرنسية, و لن أسألك عن رأيك مجدداً عقاباً لك
تأفف رافاييل ملئ ثغره بينما طلب إيفان من النادل ثلاثة أقداح من القهوة الفرنسية و ذهب بعدها لتلبية طلبهم بعد أن إنحنى بلباقة
إقترب إيان يضع منكبيه على الطاولة يتحدث بجدية
-اذن رافاييل, ما السبب الذي جعلك تطلب رؤيتنا
سحب إيفان سيجارة من جيب سترته مضيفاً على كلام الآخر بينما يشعل التبغ
-لقد تركنا كل ما بيدنا من أعمال تشيب شعر الرأس, و قدمنا لرؤيتك عزيزي رافي
إبتسم رفاييل بسخرية لاذعة ينقل بصره بينهما بإستخفاف
-أفهم من كلامكما الآن أنكما تركتما عملكما المهم فقط لأجلي ؟, هه عليكما اللعنة أيها الكاذبين فأنا أخر إهتمامكم, بل قولا لأجل المعلومات و الأخبار التي لدي
إبتسم  كل من إيفان و إيان إبتسامة عريضة بريئة حينما قال تعليقه فهو يعرفهما تمام المعرفة بحكم صداقتهم طويلة الأمد
و هما كـ الكتاب المفتوح أمامه و لا يصعب عليه فهم ما يدور بخلدهم !
تنهد رافاييل و صمت قليلاً عندما قدم النادل واضعاً أكواب القهوة أمامهم ثم غادر
اخذ الثلاثة يرتشفون من قهوتهم قبل أن يهتف إيفان يضع كأسه على الطاولة بإهتمام جاد
-بحق الجحيم قل ما لديك, قلت أن الموضوع ضروري
قلب بصره الثاقب بالمكان حوله للحظات ليتأكد أن لا احد هنا مثير للريبة يتنصت عليهم
أسند مرفقية على الطاولة و هو يقول بجدية
-لقد وردتني معلومات من العميل دانيال, يقول أن هناك صفقة بيع للمخدرات في منزله الواقع بالضاحية, إنهال تمويه ذكي كـ حفلة في حين أنها تغطية لآعمال المافيا, و من سيقوم بها هو أحد القادة التابعين لأندريه الروسي
علق إيفان بأعين تضيقان حزماً و تجهماً
-ونحن علينا إفساد تلك الصفقة و القبض على ذاك الرجل حتى يدلنا على رأس الآفعى أندريه
هز رافاييل رأسه إيجاباً في حين هتف إيان بإنزعاج
-لستُ مرتاحاً قط لكل هذا الهراء, أشعر أن في الموضوع سر ما, فلا أظن بأن زعماء المافيا و كبيرهم أندريه بهذه البلاهه, أظنهم يخططون لكارثة
حدق كلاً من إيفان و رافاييل لبعضهما بصمت غامض دون أن يعلقا على مداخلة إيان, في حين اكمل ايان شرب القهوة ينظر من النافذة للشارع المبتل برذاذات المطر الآسِرة
تطرق رافاييل في حديثه بعدما تذكر أمراً
-صحيح هناك شيء أخر, لقد ذكر أمر تسليمنا شيء مهماً, سي دي ربما أو معلومات يريد منا أخذها
قطب ايفان حاجبه مستنكراً
- سي دي؟!, و ماذا قد يوجد فيه
هز منكبيه العريضين يرتشف من القهوة بروية
-لا عِلمْ لي بعد, لم أستطع التحدث مطولاً معه لقد بدا لي أن الرجل مضطرب و مرتعب لدرجة لا توصف
قال كلمته الأخيرة ليرمق إيفان الإثنين بجدية مضيفاً بينما يحك ذقنه بتفكير شديد
-همم بما أن دانيال طلب منا أن نأخذه, فهو مؤكد شيئاً مهم و سيساعدنا كثيراً في قضيتنا, أنا أثق به بغض النظر عن ماضيه فهو عميل بارع, و لا تنسى أنه بخطر محدق بكونه جاسوس لنا في وسط تلك العصابة الشيطانية
آيده رافاييل
-أجل فهو أحد رجالي الذين أعتز بهم, رغم ماضيه السيء كـ فرد من عصابة الذئاب إلا أنه أثبت جدارته بكل فخر, كما أنه أحد القلائل اللذين كانوا قد عرفوا القائد السابق ريتشارد سانت كلاري بحياتهم
تبسم إيفان بجاذبية هادئة فهو أيضاً يحترم إستيكادو و يعتبره صديقاً مقرباً له حيث يشعر دائماً بالقلق حيال مهمته المرعبة
لآن لو إكتشفت المافيا أنه جاسوس للإنتربول فسوف ينتهي أمره بموت شنيع, سيكون ميتةٌ أسوأ من سانت كلاري
فجأة أضاف رافاييل بحزم
-المهمة الأساسية التي ستقتضي ذهابكما من الأساس, هي لأجل إنتشال دانيال من ذاك المكان, لم أعد مطمئن بـ بقائه أكثر بقعر جهنم, هذا أمر قيادي لا نقاش فيه
أومأ بالإيجاب و كلاهما يعطي نظرة مصممة على تحقيق ذلك مهما كان الثمن.