{17}

5.1K 241 57
                                    










Bradford
7:00pm



داخل جدران منزل قائد الإنتربول, جلس الجميع خلف مائدة الطعام يتناولون وجبة العشاء التي قامت هارلين بإعداده
فلم يتوانى كلاً من رافاييل و تونيو في مساعدتها بالأخص راف الماهر في تحضير الأطعمة
كان العشاء عبارة عن سباغيتي بالصلصة الإيطالية البيضاء الشهية مع شرائح لحم مطهوة بشكل ساحر
و كـ طبق لابد منه في كل وجبة, هي السلطة الخضراء اللذيذة و ختامها نبيذ أحمر ما عاد هارلين شربت العصير
طوقت جلستهم أجواء أسرية حميمية تعبق كأريج الحقول, فامتلأ بها فراغ تلك الجدران الإسمنتية المحيطة بهم
تطرقت هارلين تحكي عن مغامراتها بميلانو بلمعة الحماس فيما بات رافاييل يستمع بكل جوارحه يفرج عن بسمة لطيفة
أخبرته حول لحظة سقوط تونيو من الزورق حينما ذهبوا للتنزه عبر الممر المائي بالبندقية
كما تطلعت بإخباره حول الغناء و الرقص مع سكان حيهم المليئين بالحيوية و الألفة
شارك تونيو بالتحدث عن رحلة التزلج في الجبال حيث إنتهت ليلتها بضياع مرعب لهارلين بالغابة المتجمدة لكونها تجهل الطريق
وجدها بعد بحث مضني مشبع بالهلع والذعر, فـ بقي كلاهما بالعراء يراقبان النجوم كلاهما يحتضن الأخر حتى شروق شمس اليوم التالي
ثرثر الزوجين حول الكثير و رافاييل إكتفى بأخذ جانب المستمع, سعادته الغير قابلة للوصف تكاد تنبعج من تلك الأعين المتوهجة
تكلمت هارلين بتساؤل فيما تقطع من شريحة اللحم أمامها بلباقة
-ما بالك صامتاً راف؟, لما لا تشاركنا الحديث؟
وضع الشوكة و السكين جانباً, ثم مسح فمه بالمنديل بينما يجيب بهدوء
-ليس لدي ما يثير الإهتمام, حياتي كلها عبارة عن المنزل و العمل و أحياناً أخرى لقصر إيفان, مجرد روتين و حياة مملة لا طائل منها ولا تستحق حتى التحدث فيها
حملق تونيو بطرف بصره للجالسة بجانبه و التي بدورها قد تجهمت تقاطيع وجهها بضيق و استياء
لكنها حاولت بأن تحافظ على رونق بابتسامتها العفوية الجذابة
تمتم يحدث رافاييل مشيراً لصحنه الممتلئ باستغراب
-لم تنهي صحنك بعد, هذا ليس من عادتك
أكملت بارتباك تقوس فمها
-ألم يروق لك الطعام حبيبي؟
مال بجذعه للأمام متكئ على مرفقيه و هو يقول برقة
-إنه لذيذ جداً يا أميرة روحي سلمت يداكِ, لكنني قد شبعت بالفعل و لا ينبغي لي تناول الكثير, فلا تنسي أنني رجل أمن و علي الركض كثيراً
أصدرت همهمة طفيفة تنم عن التفهم ثم ما لبثت أن صرحت بحماس بين ضحكات ناعمة
-إذن ما رأيك بتناول بعض التحلية؟, لقد صنعت كعكة الشوكولا التي تحبها راف
اتسعت أعين تونيو إجفالاً و دهشة مما قالت بينما زفر راف متنهداً بعمق تصاحبها ضحكات خفيفة
-لا أعلم هل تفهمين ما قلته أم تتعمدين عدم الفهم يا هارلين
ثم استطرد بلطف يغمز لها بعفوية
-حسناً إياً يكن, لن أدعها بخاطركِ, سوف أتناول قطعة منها
قهقهت بامتنان لـ يبتسم شدقيها بينما ترمقه بحب قد هام بها لحد الجنون و الهذيان
فجأة توقف تونيو عن الأكل يزم شفته بعبوس مليء بالحسرة و الغيرة
قامت بلكزة بمرفقها تسأله هامسة بتقطيبة
-ما بك يا حبيبي؟, لما عبست هكذا
عقد ذراعيه باستياء ثم هتف يشيح بوجهه بعيداً بحنق
-إسألي نفسكِ عن السبب, أنتِ أدرى
حملقت فيه مصدومة للنخاع فيما انفجر رافاييل مقهقهاً ثم علق بنبرة ساخرة يعطيه نصف نظره
-يبدو أن الطفل الإيطالي يشعر بالغيرة مني, رباه أي عقل يملك داخل تجويف رأسه هذا
أعطاه نظرة من طرف بصره بعدم إهتمام بينما علقت زوجته بدورها محاولة كتم ضحكاتها
-بحق الله عليك يا تونيو, لا داعي لكل هذه الغيرة, أنا زوجتك و طفلتنا قادمة بالطريق
لانت شفته تفرج عن إبتسامة عريضة مبهرة عند ذكر وقع إسم إبنته على مسامعه
استدار لزوجته المبتسمة
-معكِ حق, لا يوجد ما يدعو للغيرة من أخوكِ الأحمق, أنتِ ملكِ و شريكة العمر كله
اتسعت قزحية رافاييل دهشة فباتت تلك العروق الساخطة بجبينه تنبعج في حين قام تونيو بضم زوجته بحب يتجاهل وجوده
غمزت هارلين لآخاها من خلف ظهر زوجها لـ تخبره بأن لا يهتم, فما كان من راف إلا أن إبتسم ساخراً  يهز رأسه بقلة حيلة
فجأة إهتز الهاتف بجانب راف الذي ما لبث أن تلقى المكالمة يبتعد عن طاولة العشاء
هتف بصوته الجاد القوي
-ما الأمر يا ميكي؟
قالت من الطرف الأخر بعد أخذها شهيق عميق
-أعتذر عن الأتصال أيها القائد, لكن هناك أمر طارئ
قطب حاجبيه باستغراب من نبرة الاضطراب و القلق بصوتها ثم تسائل بأعصاب باتت تنقبض تدريجياً
-أنا أستمع, أفصحي بما لديكِ
جلست القرفصاء قرب تلك الجثة المغطاة بكيس بلاستيكي أسود لتجيب بهدوء غريب
-أظن أنه يستحسن أن ترى ذلك بنفسك, سأرسل لك الموقع أيها القائد
قطعت الخط فأخذ رافاييل يحملق بالهاتف بشرود مهيب كأنه لم يلحظ بكونها قد أغلقت و تلاشى صوتها
لمحت هارلين سكونه المخيف فهتفت بقلق تنتشله من حالة الغفلة التي اعتلته
-راف!, هل كل شيء على ما يرام؟, لما تصلبت هكذا
إستدار يلتهم المسافة يقوم بجذب معطفه وهو يقول بتجهم
-لا أعلم لكنهم قاموا بإستدعائي, علي تلبية نداء الواجب أراكما لاحقاً
إقترب من أخته برزانة يطبع قبلة ناعمة على خدها ثم ما لبث أن غادر المنزل يسابق خطواته
ما أن إختفى حتى تنهدت بضيق تتكدس ملامحها الكآبة و الحزن
-إنه لا يرحم نفسه مطلقاً, كل حياته غارقة بالعمل, لا اعرف متى يفكر بالاستقرار وبناء أسرة يعود لأحضانها
حاوطها زوجها بذراعه يمسح على شعرها بلطف بينما تمتم بجدية عابثاً بشعرها
-مهما طال الزمن أو قصر سيفعل ذلك, لا أحد يعيش وحيداً مدى العمر, حينما يطرق الحب أبوابه سيضطر للتفكير لما بعده, الزواج و الإنجاب
لفت وجهها إليه تحملق بأعينه العميقة التي لطالما غاصت في غياهبها, بينما هو تأملها مواسياً يمدها بالثقة و الأمل
تبسم كلاهما نحو الأخر بعفوية جميلة, لينتهيا بتبادل قبلة رقيقة معبرة عن حبهما المكتسح و المشبع بالشغف و العنفوان
قال و هو يمرر أنامله على خدها بلطف
-لنكمل تناول طعامنا, ثم لننل قسطاً من الراحة, فأنتِ تحتاجين للنوم و الإسترخاء
همهمت مجيبة بهدوء حيث تطرقا لإكمال الطعام, فأخذ كلاهما يطعم الاخر في جو رومانسي لا يخلو من الغزل و الحب الهائم.

"روايـة الصِـراع"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن