{40}

5.8K 266 244
                                    














اقتادت أقدامها تدخل من سوق لآخر وهي بقمة سعادتها بينما تبتاع ما يروق لها, تناست كلياً وجود الحارس الروسي حيث بات يتتبع خطواتها بضجر و صبر لا يمكن تخيله
بالنسبة إليه كيتي كثيرة الحركة ونشيطة لأبعد الحدود وتحب عيش حياتها الطفولية على عكسه تماما, فهو رجل جدي و بارد, يكره العبث فـ منذ صغره وهو يتعامل مع الأسلحة و القتال
لا يسعه تحمل هذا النوع من الأمور قط لذلك يحاول كبح نيرانه المتأججه بصدره قدر المستطاع, فلا يسعه تناسي كونه تابع إيفان الذي أمره بالإهتمام بحراسة عائلة سانت كلاري
بعد مرور ساعتين قضتها كيتي في التسوق والتبضع, لم تتنبه لإجلاء المهلة التي حددها لها أورلوف سلفاً و بقيت تسير وهي تحمل الأكياس بين يديها بإبتسامة مشرقة
حملق ناحية ساعة معصمه بهدوء ثم ضاقت عينيه ما أن لمحها تشير ناحية الثانية ظهراً, طفح الكيل به و لم يحتمل هذه المهزلة التي اقتيد رجل مثله إليها
لذلك توجه إليها بخطوات سريعة و ثابته ثم ما لبث أن وقف أمامها يعترض طريقها بجسد الضخم أمام ضآلة حجمها الصغير و قصر قامتها
تطلعت عيناها العسلية ناحيته بدهشة في بادئ الأمر من ظهوره المفاجئ كـ العفريت بينما هتف الأخر بغلاظة حازمة
-لقد إنتهت الساعتين يا أنسة, حان موعد العودة للمنزل
تنهدت بقوة ثم رمقته ببرود حيث قامت بهز كتفيها بعدم إهتمام تجيب بعبوس
-بإمكانك الذهاب إذا أردت, أما أنا فلا رغبة لدي بالعود إطلاقاً
رفع حاجبيه مستنكراً ردها بينما قال كـ من لم يرق له ما تفوهت به و يحاول إعطائها مجالاً لتغييره
-ماذا تفضلتِ أيتها الأنسة؟
أعادت كلامها ببطء و هي تقوم بتعديل وضع حقيبتها بضجر
-قلتُ أنني لن أعود معك, لهذا إذا لم يكن لديك مانع, هلا أفسحت الطريق أريد العبور
هز رأسه متفهماً ثم همهم ببرود كاسح و نصف جفنيه مغلقة بطريقة مريبة
تمتم بهدوء شديد
- قلتِ أنكِ لن تعودي إذن!, همم لقد فهمت, آه صحيح تريدين العبور؟, بالطبع تفضلي و أعتذر عن سد طريقكِ
أزاح جسده جانباً فيما أضاف وهو يحرك يده بطريقة ساخرة أثارت الرعب بنفس الواقفة إلا أنها لم توضح ذلك
-تفضلي بالعبور, لقد إبتعدت
كانت تنظر إليه تارة و تارة أخرى تنظر للطريق بتوتر و ارتباك فهي غير مرتاحة بتاتاً للهجته الغريبة و المظللة
أخذ أورلوف يرمقها بتحدي عاقداً يديه حول صدره منتظراً منها التحرك من مكانها
قال بعدها مستفسراً ببرود عميق حينما لم تتحرك و بقيت متخشبة
-ما بالكِ؟, ألن تتحركِ من مكانك !
تجهمت تقاطيعها ثم أشاحت بوجهها غير مبالية به لآنه لن يكون قادراً على فعل شيء لها, علاوة على ذلك هو لا يحق له التحكم بتصرفاتها
تحركت قليلاً و سارت متخطية إياه و ما هي إلا ثوان غير مستوعبة منها حتى وجدت نفسها في الهواء محمولة فوق أكتاف قوية
صاحت بفزع لـ تتناثر الأكياس التي تحملها
-رباه آه أنزلني!, ما الذي تظن نفسك فاعلاً أيها الضخم الروسي, أنزلني حالاً
لم يبالي قط بصراخها و إنفعالاتها بل ثبتها على كتفه بيد محكمة و باليد الأخرى إلتقط الأكياس عن الأرض
تمتم بهدوء و بحة عميقة
-لو تركتكِ على هواكِ, لـ جعلتيني أحفر الأرض سيراً خلفكِ, لستُ بذاك الرجل الصبور على تفاهات النسوة, واجبي الإهتمام بكن و هذا ما سيحدث
سار خارجاً بينما باتت كيتي تصرخ و تضرب ظهره بقبضتها الصغيرة, أخذت تهز ساقيها بالهواء بهستيريا مما أزعج أورلوف لكنه لم ينبس بحرف و تابع طريقه
خرج من السوق يحملها فـ لات المارة يحدقون نحوهما بإضطراب و البعض أخذ يتهامس فيما بينهم مما أحرج كيتي بشدة و دفعها ذلك لآن تحشر وجهها بظهره لكي لا يلمحها أحد تعرفه
أما الآخر اكتفى بأن رمقهم بنظرة جامدة جعلتهم يزيحون أبصارهم سريعاً بخوف, كانوا مرعوبين من تقاسيم وجهه الغير سارة أما هو أكمل متوجهاً للمنزل بصمت
بعد سير إستمر بضع دقائق حيث كان مشبع بأنواع لا تحصى من الشتائم و الضرب من قبل كيتي الحانقة وصلا أخيراً للمنزل
قام بإنزالها على الأرض بكل هدوء أمام باب المنزل الذي يحيط به رجاله من كل الجهات, الذين لم يتجرأ واحد منهم لآن يحول بصره و ينظر ناحيتهما كما لو كانوا محنطين
بعد أن أنزلها على قدميها قام بإزاحة الأكياس عن يده, باللحظة التي مدها لـ يعطيها شعر بلسعة هوت على خده بشكل مفاجئ
صفعته كيتي بكل قوتها بينما أخذت تتنفس بغيظ و الدموع تجمعت بمحجرها فلقد أحرجها بدة أمام الناس
لم يتأثر أورلوف قط بل بقي يرمقها ببرود و سكون رغم أن رجاله شعروا بالغضب العارم من فعلتها الشنعاء بحق قائدهم, و حينما شعر هو بذلك إكتفى بأن أعطاهم نظرة جعلتهم يهدئون
صرخت به بجنون قائلة بين فيض دموعها الحارقة
-أنت فعلاً كائن بغيض, لقد جعلتني أضحوكة أمام الجميع, كيف تجرؤ على حملي بهذا الشكل!, من تظن نفسك لتحرجني بحق خالق الجحيم
لم يرد عليها بل بقي على هدوئه و ثباته كما لو كان رجل نحت من جبل جليدي, أما الأخرى فـ كانت ترمقه بغضب و كراهية وسط ذروة نحيبها
مدر يده بصمت يمسك يدها حيث وضع الأكياس فيها و بعدها إلتفت و غادر تاركاً إياها
مسحت دموعها بحدة لـ تتمتم بإزدراء
-عديم المشاعر, أشك بكونه إنسان حتى, تباً لذلك
ضغطت على ما تحمله بين يديها ثم ولجت للداخل بخطوات سريعة صافعة الباب من خلفها بغضب
ما أن سمع ارتطام الباب حتى قام بلكم الجدار قرب البوابة الخارجية بقبضته الوحشية جاعلاً الطبقة العلوية تتفتت بهدوء
رسم تعابير خاوية ذات تجهم ظلامي ثم أكمل سيره بصمت إلى أن وقف بجانب أحد الرجال
كان ذاك الرجل طويل القامة وعريض المنكبين ذو بنية عضلية رياضية, يملك زوج أعين سوداء كهرمانية و شعر بني محروق ذو طول متوسط
تحدث بهدوء فيما ظلت أعينه الجامدة تتطلع للأمام
-كيف سمحت لها بفعل ذلك؟, لو كان شخص أخر, لوجد يده قد بترت من مكمنها
حرك أورلوف حدقة عينه ناحية الحراس رايدر و هو أحد رجاله و صديقه المقرب منذ الصغر
قال مجيباً
-تدرك ملياً بأنني لا أمد يدي على النسوة, و خاصة فتاة مثلها لا تفقه شيئاً مما يجري حولها, أنا رجل بالغ لن أضع عقلي بعقل طفلة
تنهد رايدر بسخط يقطب حاجبيه بإنزعاج
-و هل في كل مرة ستسمح لها بإهانتك بهذا الشكل؟, حتى السيد إيفان ذاته لم يعالمنا بهذه الطريقة الدنيئة, رغم أننا بالماضي كنا نستحق إحتقاره و توجسه
زفر بحدة منزعجة يعيد شعره للخلف بينما يهتف بأعين ضيقة
-لا تقارن أحد بالسيد إيفان, و لآنه طلب مني حمايتهم, أنا سأفعل ذلك لأجله فقط, لا كرامتي و لا أي هراء أخر سيمنعني يا رايدر
تبسم الأخر شبح إبتسامة لم تكد تلحظ ليهتف بخفوت
-نعم صحيح, فـ نحن لن نتبع سواه لآنه من ساعدنا و أوجد لنا مكاناً بقصره, بعد أن تم نبذنا و إزدرائنا من الحياة
أصابت كلماته وتراً حساس في أعماق الواقف بجانبه مما دفعه لأن يشتم بداخله, تنهد بحدة يزيح الفكرة التي جالت بباله بعد هذا الحديث
إستطرد قائلاً بجدية
-لنتوقف عن الثرثرة, أبقوا أعينكم مفتوحة و راقبوا المنزل, سأخذ جولة حول المنطقة و أعود
إكتفى رايدر بأن أومأ بالإيجاب ثم غادر الأخر بهدوء لكي يقوم بجولته كما صرح
امتدت يده تتحسس خده ليحدث نفسه بخفوت
-أظنني سأتعامل مع قطة متوحشة تخدش بشراسة, إنها فتاة تثير الجنون بحق, اللعنة لا أعرف كيف قبضتُ أعصابي, لو لم أقم بذلك لكنتُ بالفعل كسرت رسغها الصغير
قال ما قاله بسخرية ثم قام بتعديل سترته الطويلة, باتت عيناه الثاقبة تتربص بالشارع حوله و إذا ما يوجد فيها شخص مثير للريبة
عقله كان منشغل بـ سيده إيفان فهو قد تركه و عاد لبرادفورد أن تأكد بأنه بخير و حالته في تحسن و بأن كلاً من راف و إيان معه, لكن هناك نظرة خفية باتت تعتليه بشكل غامض.

"روايـة الصِـراع"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن