{43}

5K 247 218
                                    








-بريطانيا/ لندن-



سارت بضع خطوات هادئة و رزينة, بينما تتشبث يداها بتلك المظلة العتيقة ذات الطراز الفكتوري الأنيق, إبتسم ثغرها بروية فيما تتأمل ذاك البناء الخاص برعاية الأيتام
كانت امرأة يافعة تبدوا في عقدها الثالث, ذات قوام ممشوق ومتناسق مرتدية فستاناً بتصاميم عصرية ذات رونق باهر, انسدل شعرها الأسود الطويل حول كتفيها  بانسيابية
لم تكن معالمها واضحة بسبب حجب المظلة لتقاسيم وجهها, ما لبثت أن تحركت داخلة للبناء تخطوا في رقي لا يوصف
حينما دخلت طلبت من موظفة الإستقبال رؤية الشخص المسؤول عن دار الأيتام الضخمة هذه, حملقت الموظفة ناحيتها لبرهة من الزمن قبل أن تغادر قاصدة مكتب المسؤولة
طرقت الباب ثم دخلت لتجد السيدة سمارا تتخاطب مع شخص ما عبر الهاتف, إنتظرتها بصمت حتى فرغت ثم سألتها سمارا باهتمام
-هل من خطب ما؟
تحدثت الموظفة بهدوء
-توجد سيدة ترغب بمقابلتكِ
استنكرت الأخرى فهي لا تتذكر بأن هناك شخص تنتظر وصوله اليوم خاصة و أنها موجودة لآجل بعض الأمور الهامة و ستغادر لبرادفورد
مع ذلك طلبت منها السماح لها بالدخول, عادت الموظفة لتطلب من السيدة التي حضرت أن تتفضل بالدخول للمكتب
ما أن عبرت تتخطى عتبة الباب و أغلاق الموظفة للباب حتى أنزلت مظلتها بكل هدوء و طولتها ثم علقتها على معصمها
تطلعت سمارا ناحية زائرتها وهي تقف بكل إحترام و لكن سرعان ما توسعت عيناها إجفالاً ليس لجمال المرأة المميز مع سواد شعرها الحالك
بل لأن لها زوح أعين حمراء بلون القرمز الصارخ, جفلت سمارا لدرجة التصلب وهي ترمق تلك الأعين الواسعة و الساحرة
إبتسمت الأخرى بلطف ومودة ثم قدمت نفسها برقة ترفع طرف فستانها بخفة
-أعتذر عن هذه الزيارة الغير موعودة, لكنني وجدت نفسي أنصاغ للدخول بينما كنتُ مارة بالصدفة عبر شوارع لندن
رغم ارتباكها و إضطراب هواجسها إثر رؤية عيناها الغير مسبوقة
ردت سمارا بلباقة فذة
-لا داعي للإعتذار سيدتي الفاضلة, مرحب بكِ في أي وقت
تطلعت المرأة بوجهها بعمق شديد بينما ابتسامتها لازالت ترتسم على شفتيها
قالت بهدوء لأنها تدرك بأن التي أمامها مضطربة لأبعد الحدود
-إذن دعيني أعرف بنفسي, أنا هانا سبارتك, تشرفتُ برؤيتكِ سيدة سمارا هيوجو
قطبت سمارا من معرفة زائرتها باسمها الكامل وأردفت الأخرى موضحة
-لا تظني أنني حضرت لزيارة بجهل كلي, أعرف كل شيء فلا ترتابي
فهمت ما تعنيه بكلماتها الحاذقة ثم ما لبثت أن دعتها للراحة على المقعد ثم طلبت الشاي الإنجليزي العتيق بعدما أعربت ضيفتها عن محبتها له
سكبت كأس لها لتقدمه أمامها, و ما أن خلا الجو بهما حتى تحدثت السيدة هانا وهي ترتشف من الشاي
-أدرك جيداً عدم شعوركِ بالراحة, لهذا دعيني أصرح بالسبب الذي قادني إليكِ, بالواقع أرغب بالمساهمة في هذا الدار و تقديم الخدمات سواءً كانت المالية أو النفسية
قطبت سمارا حاجبيها موضحة
-عذراً منكِ, لكن نحن لا نأخذ أي دعم من هذا النوع, إنها مؤسسة شخصية و الداعم لها يدفع من حر ماله
تبسمت هانا في زهو راقي ثم صرحت
-أعرف ذلك و لهذا جئت, أنا إمرأة متحيزة للنخاع, ليس لدي الرغبة بأن أسلم أموالي لأشخاص أدرك ملياً أنهم لن يسدوا بها رمق الأيتام أكثر من أنفسهم القذرة, لهذا أنا أعرف مع من أريد أن أتعامل شخصياً, سبق و أن إلتقيتُ بفتاكِ الثري
طرفت سمارا بأهدابها بضع مرات ثم تمتمت باستنكار
-إذن, هل تخبريني بأنكِ تعرفين إيفان؟
أومأت إيجاباً معلقة
-سبق و إن تلاقت دروبنا خلال مرور القدر, لربما لا يتذكرني و لعله يفعل, لكن أنا يصعب علي نسيانه و نسيان رفاقه مهما دارت تروس الزمن, إنها ميزة مخيفة أبتليت بها
تبسمت بهدوء حيث بادلتها سمارا البسمة بدورها لحديث الضيفة هانا, راقت لها في أسلوب حديثها الراقي و المخملي و المذهل أنها تعرف إيفان بالمثل
قالت تحدث ضيفتها التي تستمتع بشرب الشاي
-هل لي بالسؤال كيف تعرفان بعضكما؟
قهقهت هانا حينما لاح لها ما حصل و سرعان ما ردت برد متذاكي يتسم بالحنكة
-لنقل أنني وبخته قليلاً, الأمر ليس بتلك الأهمية, لكنني فخورة برؤية إنجازاته, لم أشك لوهلة بأنه قادر على تحطيم توقعاته, أبلى بلاءً حسناً ذاك الفتى
هزت الأخرى رأسها متفهمة ثم ما لبثت أن انخرطت الإمرأتين في الحديث عن أمور الميتم و غيرها من أمور النسوة
أحست سمارا بنوع من الألفة برفقتها كما لو أنها تعرفها جيداً منذ أمد الدهر, لعل هانا لديها تلك الروح التي تجعلك ترمي حصونك و تنخرط بإنسيابية في تبعات الحديث
أخبرتها بأنها ستتحدث مع إيفان حول ما تطرقا له, و بالتالي وافقت على طلبها بـ فكرة المساهمة في مشاريعها هي و  إيفان الخيرية لهذا
أدركت ملياً بأن هانا سبارتك لديها بالمثل الكثير من المشاريع الخيرية في أنحاء العالم, و كم أذهلها معرفة ذلك و أحست بالسعادة لوجود إمرأة ذات إنسانية طاغية مثلها
حدثتها قليلاً عن نفسها وعن عائلتها النبيلة سبارتك المرموقة و تحفظت عن الكثير من الأمور, كذلك فعلت سمارا وهي تراقب تلك الزوجين من الياقوت الأحمر
لعلها ليست مجرد عابرة سبيل بسيطة, تلاقي الدروب الذي أعربت عنه سلفاً لربما هو أمر حتمي و مقدر.

"روايـة الصِـراع"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن