الجزء السادس

13K 371 11
                                    


بقي جامدا في مكانه، زفر بألم عساه يخرج القليل من هذا الوجع الذي يكاد يمزقه من الداخل كلما انهالت عليه تلك الذكريات كالسياط .. ذكريات بشعة من ماض أليم، كلما تجاهله وتناساه وجده أمامه.
التفت الى والدته، وقد بدى التعب والألم جليا عليهما، حتى صوته بدى منكسرا متوسلا "أمي .. أنت أحضرتها الى هنا وهذا حقك، وأنا .. هذا منزلك تفعلين به ما تشائين .. لكن لا تفعلي بي هذا .. انها ليست أختي ولن تكون أبدا، لا أفهم أبدا كيف تقبلينها وتدخليها منزلك بعد كل ما فعله بنا من أجل هذه هي وأمها .. " أحاطت وجهه بيديها وهي تنظر له بتفهم "مهدي .. اهدأ! والدك توفي منذ زمن، وأنت يجب أن تنسى كل هذه الذكريات التي ترهقك لأنها فقط ماض وانتهى، وأماني لا ذنب لها أبدا في كل هذه الدوامة، لطفا يا مهدي، قلبها الصغير لا طاقة له بألم اليتم، ووجع كرهك لها .. "
امتدت يده ليمسك بيد والدته، "حسنا .. افعلي ما تشائين .. وأنا .. أنا لن .. حسنا يا أمي "
تنهد بألم، فوالدته نقطة ضعفه، ولا يستطيع رفض أي طلب لها.
مستلقية على سريرها تتأمل السقف بتذمر، وبين الحين والآخر تلقي نظرة على ساعة يدها "لم يصلني بريد من عنده بعد ! متى سيصلني هذا التمرين الساعة الآن بلغت الحادية عشر؟! "
سمعت صوت ضحكة مألوفة بجانبها، لتستنتج بدون مجهود كثير أنه أخاها "أصبحت تكلمين نفسك حبيبتي الآن؟ كنت أعلم أن تلك الشعبة ستصيبك بالجنون يوما ما "
تنهدت بملل "أنس .. "
كان يحمل كتابا بيده وهو مازال يبتسم "ما الأمر؟"
جلست وقد وضعت رأسها بارهاق بين يديها "لاشيئ"
"ملك "
تأمل وجهها وهي تنظر له بعينيها الجميلتين الللتان أنهكهما التعب والتفكير، "أستاذ جديد .. لا أدري لم لا يطيقني، لا يفوت فرصة لاهانتي .. " ندت منه ضحكة وهو يراقبها "ملاكي .. أنا أعرفك مستفزة جدا، انظري الي .. لاتشعلي حربا الآن .. اهتمي بدراستك فقط، واذا ازعجك أرني اياه بعدها "
قاطعها صوت وصول بريد الكتروني، "اوه قد وصل اخيرا"
فتحت الرسالة بعجل ثم تأملت التمرين لتزفر بغيض بعدها "هل يمزح معي الآن؟"

كان واقفا بجانب مكتبه، يتأمل هاتفه بشرود، بدى غاضبا والتقطيبة تعلو محياه، نظرت له لبرهة من بعيد .. ثم بعد صراع مع نفسها قررت الذهاب اليه.
"سيد مهدي !"
التفت اليها .. بدت نظرته فارغة كأنه لا يراها "نعم " تجمدت يداها وقلبها يضرب بعنف من شدة التوتر "أنا في الواقع .. لم أتمم انجاز التمرين .. لم يكفني الوقت وأنا .." كان ينظر لها وهي محرجة تتلعثم لا تدري من أين تبدأ " هل أنجزت منه شيئا؟" قاطعها سؤاله " استطعت حل سؤال واحد فقط .. اذا كان هناك مانع، فلا مشكلة قل لي الآن، ولن أدخل الحصة "
نظر للأرض طويلا وهو واجم يفكر "حسنا ادخلي "
نظرت له بدهشة "حقا ؟"
اشار لها برأسه أن نعم ..
"شكرا لك " قالتها بابتسامة قبل أن تهم بالذهاب.
جلست مكانها برضى وهي تحس انها قامت بهدنة اخيرا معه ..
ما ان ساد السكون في الفصل ، حتى سمعته يقول "من لم ينجز التمرين فليتفضل خارجا "
تأملت بعض الطلبة يغادرون بابتسامة رضى .. قبل أن تسمعه ينادي باسمها "ملك "
التفتت له بدهشة "نعم ؟"
"اخرجي أنت أيضا .. "
"ماذا؟"

لأنكِ ليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن