لا تعاقبيني

10.9K 289 2
                                    


أغلقت ملك باب غرفتها، لترتمي بجانبه على الأرض بوهن ويأس تذرف من الدموع الكثير ..
تتذكر تلك الكلمات فتتمزق نياط قلبها وجعا، "أنا .. كنت فقط أريد أن أصلح "
أسندت اليها ركبيتها بوحدة، ولأول مرة تحس بغياب والديها وحضنهما الدافئ .. بكت كثيرا، بكت ألم يتمها وألم غبائها ..
سمعت طرق باب غرفتها بلطف .. ثم تعالى صوت أنس "حبيبتي .. ملك، افتحي "
بقيت بمكانها لا تحرك ساكنا، لأنها ولو حاولت لن تستطيع الوقوف .. "أنا آسف صدقا لا أدري كيف صببت عليك جم غضبي، أنا آسف فعلا "
انتظر طويلا أمام بابها لتتجاهل ندائه تماما، لم يدهش لأنه يعرفها .. لن تسامحه بسهولة عما قاله .. سمعت صوت باب البيت يقفل لتعلم أن أنس قد غادر، فوقفت تكاد تهوي أرضا من العجز الذي تحس به برجليها ..
خرج أنس غاضبا يزفر ألما ويحاول كبت غضبه وارهاقه وخصوصا احساسه بالذنب اتجاه أخته ..
أخذ يدخل لرأتيه بعض الهواء لعله يستطيع أن يبعثر هذا الوجع الذي تراكم بصدره، هو لا يستطيع تحمل رؤيتها غاضبة منه، خصوصا ان كان آذاها هكذا ..
"تبا لك يا مريم .. " كان هذا كل ما يتردد بداخله حد الهذيان ..
فتح باب بيتهم بعد وقت طويل أمضاه يمشي لا يدري الى أين، وقد حمل بين يديه أكياسا اشترى بها بضع اشياء لملك .. وضعها على المائدة ..
توجه لغرفتها يطرق مجددا "ملك .. أريد فقط أن أعلم اذا كنت بخير، فرجاء قولي ولو كلمة واحدة "
ضرب قلبه بعنف وهو لا يسمع لهاا صوتا "ملك؟"
فتح باب الغرفة بهلع، لينظر بأنحائها بسرعة لكن لا وجود لملك بها ..
تعالى صوته في البيت يناديها .. لكن لا جواب .. أظلمت عيناه فلم يعد يرى شيئا .. جلس بعجز على كرسي حتى لا يهوي أرضا .. لا يدري بم يفكر، ودماغه يدور كحلقة مفرغة لا تردد الا اسما واحدا هو "ملك "
وقف بسرعة ليتجاوز الباب ويخرج ركضا يلتفت نحوه كالمجنون، "أين هي؟"
وضع يده على صدره ليرى هل مازال قلبه بمكانه لأنه أحس به يهوي بين ضلوعه ..
رن هاتفه فأفزعه وأخرجه مما كان فيه .. أخرجه بيد مرتعشة "ألو "
"أنس أنا خالتك أمل، لا تقلق ملك عندي الآن، وستبيت عندي هذه الليلة "
لم يعلم هل يرتاح أم يغضب أم فقط يصمت ويفكر .. "أنا آت اليكم الآن "
"لا لا تفعل .. انها غاضبة قليلا دعها تبيت معنا هذه الليلة وغدا سأحظرها اليك، "
وضع يده على جبهته بنفاذ صبر يحاول السيطرة على أعصابه "هل هي بخير الآن ؟"
أجابته بفتور "نعم انها بخير .. وأظن أنه يجب أن نتكلم قليلا عما حصل بينكما "
ضرب برجله الأرض غضبا "هذا أمر بيني وبين أختي ولا دخل لك فيه أبدا، غدا صباحا سأمر لآخذها .. هلا أطيتها الهاتف أريد أن أكلمها رجاءً .. ؟"
"لا .. هي لا تريد أن تكلمك "
قطع الاتصال ثم وضع هاتفه بجيبه بغضب وهو يزفر بألم .. لم يكن يطيق خالته تلك كثيرا، وذهاب ملك اليها كان القشة التي قصمت ظهر صبره ..
وقف أنس صباحا أمام بيت خالته، بعينين مثقلتين بالتعب والسهر، وجهه شاحب منهك، وشعره يبدو مبعثرا قليلا .. لابد أنه لم ينم ..
طرق الباب بلطف ليطل وجه صغير عليه من جانب الباب .. كانت ابنة خالته ندى
اغتصب ابتسامة باردة يعلقها على فمه "كيف حالك يا ندى؟ أين ملك؟"
ضحكت ندى وهي تمد ذراعيها اليه تريد ان تعانقه كعادتها، فانحنى اليها يربت على ظهرها بفتور .. ثم اعاد سؤاله "اين ملك؟"
"انها بالداخل .. ادخل " اشارت له بالدخول، لكنه لم يحب الدخول ولهذا البيت خصوصا، نظر حوله باشمئزاز ليلتفت اليها بابتسامة "حسنا شكرا "
ما ان دخل حتى سمع صدى ضحكة خالته ليعض على شفته بغضب .. أطل عليهم بغرفة الجلوس ليرى خالته جالسة بجوار ملك .. يتكلمان ويفطران ..
بقي واقفا وقد وضع يديه على خصره "ملك هيا بنا "
وقفت خالته وهي تضحك وتهش له "اهلا بابن أختي الطبيب الوسيم .. مضى زمن لم أرك فيه ..كيف حالك ؟"
نظر لساعته بنفاذ صبر قبل ان تمد ذراعيها اليه لتعانقه حتى اختنق انفه برائحة عطرها القوية .. ثم دفعها عنه بلطف .. وهو ينظر لملك بتقطيبة اهتمام يتأمل ملامحها وهي معرضة عنه ..
أعاد جملته بصوت ينذر بتصاعد غضبه "ملك .. هيا بنا "
التفتت له خالته "اجلس لتفطر معنا .. انا لن آكل أختك، دعها تغير ملابسها وستأتي معك "
اجابها بلا مبالاة "أنا لست جائعا .. ولا وقت لدي .. " ثم نظر لملك "سأنتظرك بالخارج "
اطل وجه ملك من الباب ليلتفت اليها، ثم يأخذ يديها بين يديه يساعدها على نزول الدرج، وهو يتأملها بقلق "هل أنتِ بخير؟"
نزعت يديها منه وهي تنظر حولها بتجاهل "نعم "
فتح لها الباب لتجلس بجانب مقعده في السيارة ثم استدار يلقي بنفسه على مقعده بانهاك ثم يضع وجهه على المقود بتعب ..
التفت اليها بعد مدة ينظر لها بعينين مرهقتين وصوت متحشرج "لا تفعلي بي هذا مجددا يا ملك .. تستطيعين فعل بي ما تشائين اضربيني اشتميني لكن لا تتركيني، فأنا لا أستطيع العيش بدونك .. وخصوصا لا تأتي لهذه المرأة فأنت تعلمين سمعتها وما فعلته، هل هذا مفهوم ؟"
اشارت له برأسها أن نعم، ، وهي تنظر أمامها بشرود ..

نظرت ملك للشاب اللطيف الذي ينظر لها بابتسامة وهو يجلس وراء مكتبه "بماذا أستطيع مساعدتك يا آنسة ؟"
"أنا ملك الادريسي، بعثت طلبا لأقوم ب 15 يوما بالتدريب في هذه الشركة وتم قبول طلبي أنا طالبة شعبة تكنولوجيا .. واليوم أول يوم لي هنا !"
"اوه .. اجل " بدى كأنه يتذكر "مم يجب أن تذهبي للجناح المخصص للتكنولوجيا، اذهبي من هنا طويلا، ثم ادخلي اول مكتب على يمينك، انه مكتب المكلف بذاك الجناح "
"شكرا لك "
طرقت باب المكتب المذكور لتسمع صوتا بدى لها مألوفا يطالبها بالدخول ..
فتحت الباب لتنظر امامها وترى مهدي جالسا وراء مكتبه وقد استلقى على ظهره مغمضا عينيه بكسل .. ثم فتحهما ليرى من هذا ..
"أنتِ؟"

لأنكِ ليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن