انتهى كل شيئ

8.3K 242 4
                                    

تراجع مهدي خطوة الى الوراء، كأنه يحاول الهرب من موجة الألم التي اكتسحته بعد سماعه جملة ملك، نظر لها طويلا بذهول، ينتظرها أن تبتسم، أن تقول أن ذلك ليس صحيحا .. !
التفت حوله بتيه، يزفر ورئتيه تتقصلصان كأن أصابهما نصيب من هذا الوجع الذي اندلع بداخله، اندلاع النار بالهشيم.
وقعت عيناه على ملك، فنظر لها طويلا، ثم أدار لها ظهره مبتعدا عنهما، يمشي بخطوات متسارعة يكاد يركض هربا من وحش الماضي هذا الذي يلاحقه، ذاك الوحش الذي طالما أرعبه منذ نعومة أظفاره، وحش اسمه الألم، والسخط، والعجز، والوحدة .. وكل ذاك الخليط من الأحاسيس الذي يتراكم بين الحلق والصدر، مانعا أي نسمة أمل أن تشق طريقها نحو قلبه.
آخر مكان كان يتصور أن تكون به تلك "المرأة " التي كانت زوجة والده، هو بجانب بيت ملك، وما يصيبه بالهذيان هو من بين كل الناس كيف تكون هي خالتها؟
"انها خالتي " بقيت هذه الجملة تتردد بصخب بذهنه، صور كثيرة تتقاذفها ذاكرته، تلك المرأة التي كلما تذكر ملامح وجهها انفجرت براكين الغضب بداخله، قاذفة حمم الألم والسخط بداخله .. لماذا هي بالذات؟
أقفل باب سيارته، ثم مضى ..
كانت ملك ما تزال واقفة بمكانها، لا تعلم ماذا يجري؟ بقيت عيناها عالقتان بالمكان الذي كانت به سيارة مهدي، حاولت أن تقول شيئا، أو تتحرك لكن كل ما بدر منها كان همسا باسمه "مهدي"
تجاهلت نداء خالتها ونظراتها لها، مبتعدة عنها، ثم أخرجت هاتفها بيدين مرتعشتين، تدخل رقم مهدي، تتصل به ..
لم يجبها، لدقائق بقي هاتفه يرن، قبل أن يغلقه، فتجيبها العلبة الصوتية، طالبة منها ترك رسالة صوتية له.
مادت بها الأرض، وهي لا تدري ما الذي حدث؟ ولا ما الأمر؟
ترددت طويلا قبل أن تركب سيارة أجرة وجهتها منزل مهدي.
أطل وجه أم مهدي من وراء باب البيت، فاتسعت عيناها دهشة، وهي تنظر لملك مندهشة "ملك !"
"أهلا خالتي مارية، هل مهدي بالبيت؟"
تنحت الخالة مارية عن باب البيت قليلا، تفسح لملك مجالا لتدخل "لا حبيبتي، هو لم يأت بعد لم؟ هل من جديد؟"
ألقت ملك بنفسها حيث أشارت لها مارية بالجلوس، ثم نظرت لها بحيرة "أنا لم أفهم، عندما رأى خالتي، لا أدري ما الذي أصابه، ركض هاربا بعيدا كأنها وحش سينقض عليه، لم أفهم ما علاقته بها .. ولا لم اعتلى وجهه ذاك الشحوب، واكتست عينيه نظرة الخوف تلك .. صدقا لا أدري "
نظرت لها الخالة مارية بتفكير، "احك لي ما الذي حصل بالتفصيل "
حكت لها ملك ما حدث بكل تفاصيله، فرفعت مارية يدها الى فهمها تكتم شهقة صدمة "ما اسم خالتكِ؟"
" نادية .. اسمها نادية ، لم؟ "
أغمضت مارية عيناها بألم، ثم حكت لملك بعدها عن ماضي مهدي، وكل العذاب الذي تلقاه بسبب غياب والده والذي كان سببه هذه المرأة ..
انتظرت ملك طويلا، آملة أن يفتح مهدي الباب ويدخل بقامته الطويلة، ثم يبتسم لها ويقول "لا بأس، انه ليس أمرا مهما، ولا شيئ سيتغير "
لكنه بقي مختفيا، ولا أثر له، تأخر الوقت فاضطرت ملك أن تستأذن لتذهب الى منزلها خوفا من قلق أخيها.
طمأنتها مارية بعد أن أخذتها بين ذراعيها "لا تخافي حبيبتي فكل شيئ سيكون على ما يرام "
تساقطت الدموع من عيني ملك، وهي تحس بضيق في صدرها، لا تدري لم لا تصدق هذا الكلام .. لكن لعله خير.
كانت الثانية فجرا .. عندما سمعت مارية باب البيت يفتح، ثم يدخل منه مهدي ..
وقفت متجهة نحوه وقد شحب وجهها خوفا تتأمله بقلق "مهدي "
لم ينظر اليها، بدى كأنه يخفي وجهه عنها، مضى مترنحا حتى وقف مقابلا لها، ثم همس بصوت متحشرج "أمي "
" ما هذا الوقت يا مهدي؟ .." ثم صمتت لبرهة "لقد دخنت أليس كذلك؟ عدت تضخ برئتيك ذاك السم الذي وعدتني أن لا تقربه مجددا ! لا أصدق "
تجاهل كلامها، ثم مر بجانبها بصمت باتجاه غرفته، "مهدي"
وقف عند سماعه ندائها، وهو ما يزال مديرا ظهره، " لماذا تركت ملك ومضيت ؟ لم تركتها لوحدها؟ انها خطيبتك، يجب أ.."
قاطعها صوته البارد، " انها لم تعد خطيبتي بعد الآن، ولا علاقة لي بها .. أنا لن أتحمل أي شيئ مشترك له علاقة بتلك "المرأة" وهذا الموضوع ليس للنقاش، تصبحين على خير "

لأنكِ ليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن