الفصِل الثامِن

2.9K 256 20
                                    

إنتهى الغداء قبل ان اعرف. طمأنتُ ديلان, وقلتُ له بأنَ كل شيئ سوف يكون على ما يرام, ذلكَ بأنهُ من النادر ان تفشل العمليات. لكن هذا الكلام لا يبدو بأنه يشعرهُ بأي تحسن. بعد هذا, جلسنا في صمت, لكن ليسَ صمتاً غريباً. صمت حزين, مقلق و يائِس.

في طريقنا للِصف, إنضمتْ إلينا كيم. قدمتها لِديلان, وقدمتُ ديلان لِكيم, و كانَ علي أن اخبرها بأنه اعمى,  على الرغم من إنني لم اردها ان تعرف. لم اكن أريد اي احد ان يعرف. اردتُ ان يكون هذا سِرنا الصغير, لكن هذا واضِح لِلغاية. بينما كنا نتمشى, كنا ندردش, وبين فترة و اخرى احاول إخفاء حقيقة أن يداي ترتجف قليلاً بينما تمسك بذراع ديلان لِتساعده في المشي. انا مُضطرِبة قليلاً.

ينظر بعض الاولاد في الممرات له, و لي, لكنني اتجاهلهم.

يبدو و بوضوح أنني وديلان لدينا نفس الصف. التاريخ الممل.

"اتمنى إننا سوف نكون بخير" قلتُ له.

"إنه فقط تاريخ" قالَ, كابحاً ضحكته.

"فقط تاريخ, إنه تعذيب."

بعدها هو اطلقَ ضحكة مثيرة, "أنتِ حقاُ تكرهين المدرسة, اليس كذلك؟"

"نعم. نعم هي تفعل. خاصةَ التاريخ, او كا تطلق عليهِ, "التاريخ الممل". او ربما الرياضيات.نعم, هي  تكره الرياضيات كلياً ." كيم أجابتْ عني. لا اعلم حقاَ لماذا هي حتى هنا. اريدُ ان اقولَ لها ان ترحل و تذهب الى صفها, ولكن ليس امام ديلان, سوف يعتقد بأنني واحدة من تلك الفتيات اليائِسات التي تريد ان تبقى لِوحدها معه لِأنها مُعجبة بِه و بلاه بلاه بلاه. لكنني لست مِن هذا النوع مِن الفتيات.

بعدها تذكرتْ, هو لا يستطيع الرؤية!

نظرت الى كيم وعِندما نظرت لي قلت لها بدون صوت (بِمعنى حركت شفتاها فقط) "إذهبي بعيداً" هي فهمتني, إبتسمتْ و رفعتْ حاجباها لي, قمتُ بِدحرجة عيناي فقط. بعدها رفعت إبهامها لِلأعلى لي و قالتْ, "يجب علي الذهاب الان, سأتأخر عن الصف, اراكم لاحقاً!"

غمزتْ لي قبل ان تذهب. هذه الغمزة.

"التاريخ الممل, هاه؟" سألني.

"نعم. العلوم البائِس, الرياضيات الفوضوي, اللغة الفرنسية صعبة النطق. . ."

"ذكية," قال ضاحِكاً. "هذا يعتبر غباء و ذكاء في الوقت نفسه."

عِندما وصلنا, أريتهُ المكان الذي يجلس فيه و جلستُ بِجانبه, في نهايةالصف. وضعتُ كتاب التاريخ العملاق على طاولتي, و قلتُ لديلان بأنه محظوظ لعدم حمله واحداً. لكن مرة اخرى, هو عارضني الرأي. بينما كنتُ احاول الجلوس بوضعٍ مريح على الكرسي الغير مريح بتاتاً, القيتُ نظرة على ديلان.

ينظر لِلأسفل,- بالطبع اين يمكنه النظر؟- يداه على طاولته, يتفحصها. لا اعلم ما الذي يتفحصه حقاً. يحرك يديه بنبل على الطاولة, بإتجاهي. بعدها وجدتْ اصابعه محفظتي. امسكها و حملها, فتحها و بدأ يلعب بالاقلام.

"ماذا تفعل؟" سألته.

"فقط ضجر."

"مُنذ الان؟ الدرس لم يبدأ بعد," قلتْ. اسأله هذا, عارفةً بأنني اسوء منه. لقد كنتُ ضجِرة في طريقي للصف. انا فقط ضجرت عِندما فكرت بهذا (صف التاريخ).

"نعم, حسناَ, لِهذا انا ضجِر," قال, حاملاً قلم من محفظتي و بادئاً بالنقر على النقطة التي تصدر صوتاً مزعجاً للغاية.

"اوقفْ هذا!" اخذتُ القلم من يده و ابتسمَ, جالساً بكسل على كرسيه.

بينما كنا ننتظر المدرس ليأتي,  حدقتُ به. حدقتُ به اليوم كثيراً حتى اصبحَ الامر مخيفاً. و الجزء الاروع بانه لا يستطيع امساكي وانا احدق. شاهدته وهو يتحسس رمز الخط البريدي للمحفظة بيده.

احبُ كيف الاحظ تفاصيل دقيقة عن الاشخاص. خاصة عندما يكون هذا الشخص لا يستطيع الرؤية. الطريقة التي يتحرك بِها, كمثال. الطريقة التي يشعر بها بدلاً من الرؤية. الطريقة التي يمشي, يتحدث, يتصرف, يفكر بها. . . كل هذه الاشياء اجدها جذابة. لغة الجسد و عقل الشخص الذي يرى الحياة بطريقة مختلفة. او لا يراها ابداً. قدرة الاعمى على رؤية ما لا يستطيع الباصر رؤيته.

Bronze || Arabicحيث تعيش القصص. اكتشف الآن