"أرجوكي أبعديها عن وجهي، لا أريد النظر إليها "
تلك كانت كلمات أمين وهو يغمض عينيه بشدة، ربما لأنه لا يريد رؤية وجه ابنته المولودة أو لعله يحاول أن يمنع دموعه من الإنهمار، تلك الدموع الحارة التي لم يستطع منعها من السقوط بعدما رأى الممرضة تخرج حاملتا إبنته المولودة في حزن وصمت تمشي بألم وأسف على حاله وهي لا تعلم أتبشره بميلاد إبنته، أو تخبره بوفاة زوجته، ومنذ أن سمع أمين بالخبر وهو لا يكاد يقوى على الوقوف، بعدما فقد التي كانت له الزوجة والحبيبة والصديقة والأم أيضا، فقد أغلى إنسانة على قلبه، فمنال كانت بالنسبة له كل شيئ في الحياة بل هي الحياة كلها، وبعد لحظات رفع أمين رأسه وهو ينظر إلى إبنته نظرة لم يفهم الموجودون معناها، فنظرت إليه شقيقته التي كانت تحملها ، كادت تتكلم لولا أنه منعها وقال " هذه المولودة لا أريد أن أراها، هي السبب في رحيل منال هذه المولودة وجه شؤم "، قالها وهو يشير إلى إبنته والدموع تأبى أن تفارق عينيه ، حاول الجميع أن يهدأ من روعه ويقنعه بأن ما أصاب زوجته هو قدرها وقدره وعليه أن يرضى بما كتب له ويتوقف عن إتهام إبنته بأنها السبب فهي لا ذنب لها، ولكن بلا جدوى فحزن أمين على زوجته أعمى بصيرته و جعله يرفض رفضا قاطعا بأن يربي إبنته ويسمح لها بأن تعيش في حضنه.
بعد مرور شهر على وفاة منال أو لنقل ولادة الطفلة التي سمتها جدتها ملاك وقررت أن تتولى رعايتها بنفسها ،فكل المحاولات التي قام بها الجميع في سبيل إقناع والدها برعاية إبنته لم تنجح وللأسف فإن أمين قد تغير كليا ولم يعد كما كان، فلقد أصبح دائم العزلة و بات يدخن باستمرار غير آبه بصحته التي بدأت بالتدهور وبعد مرور أربع سنوات قرر أن يسافر للعمل خارج البلاد تاركا إبنته تكبر بعيدة عن حضن والديها .
وهكذا مرت الأيام والشهور و انقضت السنوات وكانت ملاك تكبر وترعرع في كنف جدتها التي كانت لها بمثابة الأم والأب وهكذا جاء اليوم الذي بلغت فيه سن الثامنة عشرة ، نعم من بين هذه السطور توالت الأعوام بسرعة حيث كبرت ملاك و أنهت دراستها الثانوية بتفوق وكلما كانت تكبر كان جمالها يكبر معها ، فلقد كانت فاتنة الجمال ببشرتها البيضاء الناعمة وشعرها الطويل الأشقر الذي يشبه خيوط الشمس وعيناها الرائعين اللتان زادهما روعة رموشها الطويلة الكثيفة وأنفها الصغير وشفتيها الزهريتين الممتلئتين وجسمها المتناسق ، لن أطيل الوصف فأقل ما يقال عنها أنها كانت فاتنة الجمال أضافة إلى ذلك فهي تتمتع بذكاء شديد وقوة في الشخصية ،ولم تكن ملاك من أولاءك اللذين يثقون في الناس بسهولة بل كانت حذرة جدا لا تثق إلا بشخص واحد وهو صديقتها نور والتي ستكون لها قصة في ما بعد
(نور فتاة بريئة وطيبة إلى حد السذاجة، لا تبعد عن ملاك في مستوى الجمال فبالرغم من أنها سمراء البشرة إلا أنها كانت غاية في الجمال ،، ولقد كانت طباعها تختلف كليا عن ملاك فكانت فتاة لينة ومن السهل استغلالها)
**************************************************************
كعادتها تستيقظ باكرا وتذهب لإعداد فطور حفيدتها ثم تذهب لايقاضها ويتناولان فطورهما معا، ولكن هذه المرة لم تكن مثل سابقاتها، فالجدة كانت قد تعودت على نوم ملاك الثقيل حتى أنها كانت تجد صعوبة في ايقاضها أما اليوم فلقد استغربت حينما دخلت عليها فوجدتها واقفتا تطل من الشرفة فسألتها :" صغيرتي ما بك ليس من عادتك أن تستيقظي مبكرة؟ "
التفتت ملاك إلى جدتها وملامح الحزن بادية على وجهها، ولكنها رغم حزنها فقد ابتسمت لجدتها وقالت :" لقد مر وقت طويل منذ أن سافر ابي وتركني ،تركني وحيدة دون الأب والأم ، أتعلمين بتت أتمنى أن أراه ولو لمرة واحدة فأرجوه أن يضمني إلى صدره، ويبقيني في حضنه الذي حرمني منه طوال تلك السنوات بتت أرغب في الجلوس معه أحدثه عن نفسي وعن مدرستي وعن السنوات التي قضيتها من دونه " ثم تنهدت وواصلت بألم "ولكنني أعلم بأن أمنيتي لن تتحقق فأبي لا يحبني ، لقد نساني مع أنني لم أنساه يوما ولن أنساه أبدا وسأبقى أحلم به وأحاول تذكر ملامحه ورسم صورة له في مخيلتي "
لم تحتمل الجدة رؤية الحزن على وجه حفيدتها فضمتها إلى صدرها تحاول التخفيف من حزنها :"أرجوكي يا عزيزتي لا تبكي لا أحب رؤية دموعك، ثم من قال بأنك وحيدة فأنا هنا معك وسأبقى بقربك ما حييت أم أنك لم تعودي ترغبين بالبقاء معي " ،فأمسكت ملاك بيد جدتها وقبلتها وهي تقول :" لا يا جدتي أنا أحبك وأرغب في البقاء معك فأنا أشم فيك رائحة أمي التي لا أعرفها و أرى وجهها في وجهك فالجميع يقول بأنها كانت تشبهك و....." قاطعها صوت طرق الباب، فذهبت الجدة لتفتحه فإذا بها نور تدخل البيت مسرعة وتصعد إلى غرفة ملاك وهي تقول :" لقد وافق أبي يا ملاك لقد وافق. ...." ، فتحولت نظرات الحزن على وجه ملاك إلى نظرات ملئها السعادة فإحتضنت صديقتها وهي تريد تأكيدا على ما سمعته " أحقا لا أصدق!؟ هل تحقق حلمنا لا أستطيع أن أعبر عن فرحتي بهذا؟ !"،وفي هذه الأثناء دخلت الجدة مستفسرة عن ما حصل فقالت لها ملاك " اتذكرين عندما أخبرتك بأنني أخطط في السفر إلى لندن لإكمال دراستي ، بصراحة لقد كان من الصعب علي أن أذهب بمفردي لذا طلبت من نور أن تقنع والدها بأن يسمح لها بالسفر معي ولقد كنا خائفتين من أن يرفض ولكنه وافق أخيرا، أتصدقين يا جدتي أكاد أطير من السعادة "، عندما رأت الجدة مدى حماسة ملاك للسفر لم تشأ أن تمنعها خصوصا أن ملاك ومنذ فترة طويلة وهي تطلب من الجدة أن تسمح لها بالسفر ، صحيح بأنها رفضت الفكرة في البداية ولكنها اقتنعت أخيرا ، هي لا تستطيع العيش بعيدا عن حفيدتها ولكنها لا تستطيع أيضا أن تمنعها من تحقيق حلمها.
وهكذا تقرر موعد سفر ملاك ونور بعد أسبوع من الآن وبدأت الصديقتان بحزم أمتعتهما والاستعداد للسفر .
جاء الموعد المنتظر فركبت كل من ملاك ونور الطائرة بعد أن ودعتا اهلهما ورغم سعادتها لم تستطع ملاك منع نفسها من البكاء لحظة وداع جدتها التي اوصتها بالإهتمام بنفسها والمحافظة عليها ولم تكن الجدة تخشى على حفيدتها فهي تعرف بأن ملاك ذكية وفطنة ولا يقلق عليها ، وبعد رحلة دامت ساعات وصلت الطائرة إلى لندن و بعد أن نزلت ملاك ونور استأجرتا سيارة لتوصلهما إلى شقتهما التي استأجرها والد نور مسبقا وهنا تبدأ قصتنا، فكيف ستكون حياة نور وملاك في لندن ؟وماهي الصعوبات التي ستواجهانها ؟
كل هذا سنعرفه في الفصول القادمة من الرواية 😉
أنت تقرأ
ليتني أرحل " الجزء الأول "
Teen Fictionأن أختار الرحيل لايعني بأنني ضعيفة ولست قادرة على المواجهة لكن أحيانا لسنا نحن من نختار بل الظروف هي التي تجبرنا على ذلك 👋