~ ذهاب بلا اياب ~

7.4K 612 363
                                    

(رنا)

كانت رحلة طويلة وصعبة علينا جميعاً.. ساد الصمت طوال الطريق من حدود العراق حتى حدود ايران.. الدولة الوحيدة التي من الممكن أن تستقبلنا إن كنا فاريين من صدام بسبب كرهها له!

لم يكن أي أحد يملك شيئاً ليقوله بعد كل ما قالته السيدة عفاف.. ربما كان حقيقياً كل ما قالته ولكن لم يكن صحيحاً أن تقوله وبتلك الطريقة بالأخص... لقد قتلت لوجين!

كنت أجلس على مقربة منها ولكنها لم تكن على مقربة مني - أو من أي أحد منا - لقد كانت تبدو بعالم اخر بعيد عنا جميعاً.. كان بكائها بتلك الطريقة الصامتة مؤلم حقاً وأنا اشاهدها تضم شفتيها بقوة تخاف أن يخرج صوتها!

لم اكن ادرك في الماضي أن لوجين بتلك القوة.. لطالما كانت تلك الفتاة الرقيقة والحساسة والتي تنهار من أكثر الاشياء سخافة.. لم أكن أتوقع أن تتحمل كل هذا وتصمت!
كان جسدها يبدو مشوهاً من التعذيب وتلك الحروق التي تغطي يديها بشكل صليب والكدمات التي تغطي وجهها.. كل هذا وكانت تبدو غير مبالية به.. كل ما كانت تبالي به هو رسلان...
بقيت طوال الوقت تحدق من تلك الفتحة الصغيرة بالستار المسدل على السيارة نحو الطريق خلفنا.. وكأنها تنتظر ظهوره فجأة أمامها!

تنهدت بحسرة والتفتُ نحو يزن الذي يجلس أمامي ورحت أغوص بعالم اخر أنا ايضاً... هذا الأحمق ضحّى بكل شيء من أجلي.. اسرته وعمله ووطنه.. أكنت أستحق هذا منه؟..
في لحظتها كان أكثر ما يثير خوفي هو ماذا أن ندم على هذا لاحقاً وكرهني؟!.. ربما سيجد إني لم أكن أستحق كل هذه التضحية بعد فوات الاوان وأنه تورط بالهورب معنا!

- سنتوقف قليلاً..

قالها سائق السيارة بصوت مرتفع فنظر العم عادل والسيد أحمد بقلق نحو بعضهما وقال العم عادل فوراً:

-لماذا سيفعل ذلك؟!.. بالكاد عبرنا حدود العراق لتونا!

نزلا هما اولنا فور توقف السيارة وأسرعا اليه... لحظات وعادا الينا بملامح شبه مطمئنة وقال السيد أحمد:

- السيارة تحتاج لبعض الراحة والتزود بالماء.. سنبقى لعشر دقائق ثم نواصل المسير.. أنزلوا لتريحوا أجسادكم قليلاً!

لمست كتف لوجين برفق وقلت لها بهدوء:

- حبيبتي؟.. هل تنزلين قليلاً ليرتاح جسدكِ؟!

لم تنظر الي ولم ترد بشيء.. نظرت نحو الخالة سهير التي لم تجف دموعها بعد فأشارت ألي أن أتركها معها وأنزل.. رضخت للأمر على مضض ونزلت مع البقية فجسدي قد تهالك من هذا الجلوس الطويل والغير مريح..

كان السيد أحمد يقف مع أسرته والعم عادل مع أمي يتناقشان حول شيء ما.. وكان يزن يقف بعيداً عن هؤلاء جميعهم يحدق بالافق البعيد الذي بدأت الظلمة تنقشع منه وبدأت السماء تتلون باللون الازرق الباهت الممزوج مع القاتم تستعد لأشراقة صباح جديدة!

1999 (مكتملة) الاسم السابق لها(حب في الزمن البائد)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن