part 1

5.9K 128 6
                                    

الفصل الأول.

إذا كان الأمس ضاع فبين يديك اليوم
وإذا كان اليوم يجمع أوراقه ينوي الرحيل فلديك الغد
لا تحزن على الأمس فهو لن يعود
ولا تأسف على اليوم فهو راحل
واحلم بشمس مضيئة في غد جميل
فالنجاح لن يأتي إلى بابك
والفشل وحده من يقرع الأبواب
فلا عذر لك إن لم تنجح
وابذل المزيد وأحسن ستجد قصر النجاح في النهاية
ولن يجرؤ الفشل على قرع باب النجاح أبدًا

"معلومات جديدة نشرت عن رجل الأعمال الشهير ر.م مالك إحدى شركات المقاولات ، حول اشتراكه في كثير من الصفقات المشبوهة ، واستيراد مواد بناء غير صالحة.
مما أدى إلى انهيار كثير من المباني والمنشئات ، وموت العديد من الأهالي والأطفال.
نتج عنه انهيار أسهمه في البورصة ومن ثَم استدعائه للتحقيق في الاتهامات الموجهة إليه.
والجدير بالذكر أن المتهم هو شريك رجل الأعمال المشهور مازن السيوفي ، برأس المال وبعض الصفقات تخص عمله في مجال البناء..
ترى!!
هل لديه علاقة بما حدث؟
أم هناك شيء خفي لا نعلمه ستوضحه لنا الأيام!"
(بقلم هدير سالم)

أنهت منار قراءة الخبر بأعين متسعة من المفاجأة والانبهار ، لا تصدق أن صديقتها تجرأت وكتبت هذا السبق!
ستفتح أبواب من الجحيم التي لن تنغلق بسهولة ، لقد عبثت مع من لا يجوز العبث معهم!
والتفتت لها تشهر الورقة أمامها ونظراتها تحيل بينها وبين صديقتها الجالسة تتأرجح بكرسيها تتلاعب بقلمها :
-"يخرب عقلك ، إيه اللي أنتِ كتباه ده؟
أنتِ مش هتهدي إلا أما يغتالوكِ؟"
ضحكت هدير على هيئتها المصدومة واعتدلت تستند على المكتب بساعديها تجيبها بنبرة ثقة :
-"أنا ربنا خلقني عشان أفضحهم ، ما يمشوا في السليم وإحنا نبعد عنهم ، ونشكرهم كمان"
دارت منار برأسها حولها ترى هل هناك أحد بالقرب منهم ، ثم اقتربت برأسها غامزةً لها بابتسامة ماكرة :
-"ألا قوليلي.. أنتِ وقعتِ على المعلومات دي منين؟"
-"لا ده سر المهنة ، ليا مصادري الخاصة"
-"ربنا يسترها عليكِ ، والله مش يهدك إلا واحد يكسر دماغك دي بسبب سبق من بتوعك ، وإن شاء الله قريب أوي"
غمزت بعينها بمشاكسة تقرب وجهها منها قائلة بمكر :
-"إيه عندك عريس ولا إيه؟"
شهقت بفزع مزيف ، تعود للخلف واضعة كفيها فوق صدرها :
-"ولو عندي أنا مش مستغنية عن حد من معارفي خالص"
قهقهت هدير بضحكة عالية ، ورمشت بعينها مدعية الخجل :
-"ليه كده طيب!
ده أنا طيبة خالص ، وسنجل ، وعنيا عسلي كمان ، عاوزة إيه أكتر من كدا؟"
أدعت الأخرى الإغماء قائلة :
-"ثواني كده عشان بضعف"
ثم اعتدلت فجأة مما جعل الأخرى تعود بجسدها قليلًا للخلف بحاجب مرتفع تسمعها تقول بجدية :
-"بجد تعالي هنا قوليلي إشمعنا رأفت منصور بالذات؟"
رفعت حاجبها بغموض ومالت بجسدها للأمام تناظرها بجمود :
-"نبرة صوتك مش عجباني ، عاوزة توصلي لإيه بالضبط؟!"
أغمضت عينيها بيأس لثواني ونظرت لها بشذر هاتفة بنفاذ صبر :
-"هديــر عاوزة تفهميني أن الموضوع ملوش علاقة بكريم وإن..."
-"منار قفلي على الحكاية دي ، كريم إيه وزفت إيه؟
إيه دخل كريم في شغلنا؟"
هتفت بها بغضب وانفعال لكرهها تلك الذكرى ، فحاولت الأخرى تهدئتها من ثورتها ، فهي تعرف حساسيتها من هذا الآمر :
-"طب اهدي وبلاش تتعصبي.. إيه حد يتعصب من مونمون!"
خف غضب الأخرى قليلًا ودلكت وجهها بكفيها :
-"خلاص مفيش حاجة يلا نكمل شغل"
قاسية هي لا ترحم ولا تجامل
ليست دمية جميلة خرساء ولا فتاة سخية
فتاة غير اعتيادية
طموحة وأميرة على نفسها
ملكة على عرش ذاتها
أثناء حديثهم دلف نادر صديقهم ، فاستدارت له الفتاتان..
شاب طويل بجسد رياضي ، عيون رمادية ، وشعر ناعم بني ، صحفي معهما في نفس الجريدة بجانب عمل والده!
أصدقاء جمعتهم الطفولة وسنوات العمر
مهما كانوا أقوياء وكلٌ منهما يملك من الثقة والعزم ما يثبت به نفسه ، فلن يستطيعوا حمل حقائب الحياة وحدهم!
هم بحاجة دائمًا لبعضهم ، يحمل كلٌ منهم عن الآخر شيئًا من أيامها.
بلهاث سريع ووجه محتقن باحمرار بسبب ركضه هتف بصوت متقطع الأنفاس :
-"عملوا ضبط وإحضار لرأفت ، وهيبدأوا التحقيق معاه"
قفزت هدير من مكانها بفرحة وأعين متسعة تستند بكفيها على مكتبها هاتفة بعدم تصديق :
-"بتتكلم جد؟!"
أجابها بتأكيد :
-"أومال يا بنتي أنتِ مقالك مكسر الدنيا ، والمعلومات اللي نشرتيها مش سهلة"
صفقت بيديها بسعادة وعادت إلى كرسيها مرة أخرى :
-"يلا عقبال الباقي"
غمز مشاكسًا يستند بكفيه على المكتب يميل بجسده أمامها :
-"لا ده إحنا طلعنا جامدين قوي ، إدتيه أنتِ ضربة يحلف بيها طول حياته"
ضحكت الفتاتان على تعبيره ، وبادرت هدير بالقول تنهض من موضعها جاذبة حقيبتها :
-"طب يلا أنا عزماكم على الغدا بالمناسبة دي"
وقف وتظاهر برفع ياقته قائلًا بغرور مزيف :
-"أنا منعزمش في مكان أقل من خمس نجوم"
قبل أن يكمل حديثه ، كورت منار ورقة كانت بيدها وقذفته بها هاتفة بغيظ :
-"اخرس يا نادر أنت تتشرط كمان ، أنت محسوب علينا غلط أصلًا"
مازحها غامزًا وقال نبرة مغرورة :
-"يا بنتي أنتو من غيري متقدروش تتصرفوا"
ضحكت هدير على تصرفاتهم الطفولية ، وتأبطت الفتاتان ذراعيه ، وذهبوا جميعهم للاحتفال بنجاح المقال وتأثيره على الجميع .





رجل يعشق الكبرياء ولا يتحـدث أبدًا فـي هراء
يفكر جيدًا بكلامه قبل الإلقاء
لا شيء يبهره ولا حتى جمال النساء
يترك مـن هجره ولا يلتفت للوراء
رأسه مرفوع لا يعرف الانحناء
هناك من آذاه حد الامتلاء
من يهـاجمه سيندم حد البكاء
لأنه لم يعلم ما فيَه من كبرياء
هو فوق القانون
لا يؤمن إلا بقانونه
فلسفته
شخصيته
كلماته

على طاولة الاجتماعات ، يجلس مجموعة من المهندسين يرأسهم هو
"مازن السيوفي"
على صعيد العمل اسمه يقف له كبار الرجال في مصر ، على الرغم من صغر سنه لكنه صنع مكانة كبيرة في السوق ، جعلت الجميع يفكر مرتين قبل أن يجابهه.
أما على الصعيد الشخصي.. فالنساء عنده كما يقول مثل الفاكهة لابد من تذوقها ، غبي أن يرزقك الله بنعمة كهذه وتتركها!
لكن لم يجعل هذا يؤثر على عمله ، فعمل مازن السيوفي خط أحمر!
صدح صوته بنبرة متريثة تثير التوتر والرهبة في نفوس الجالسين أمامه :
-"أنا عايز نتائج دراسة المشروع ده تبقى قدامي في ظرف أربعة أيام"
-"بس يا مازن بيه أربعة أيام قليلين قوي على مشروع كبير زي ده"
قالها أحد المهندسين بتوتر وارتباك من نظراته ، فنظر له نظرة أقل ما يقال عنها دبت الرعب في أوصاله جعلته يرتعد في مكانه :
-"مسمعتش اللي أنت قولته ، ممكن تعيد تاني"
توتر الشاب ولم يستطع الرد عليه فسبقه صديقه بابتسامة مترددة ونبرة متقطعة :
-"لا يا فندم ، إن شاء الله الدراسة تبقى جاهزة وقدام حضرتك في الميعاد"
-"كويس ، تفضلوا كل واحد على مكتبه"
أنهى الاجتماع بنبرته الباردة ، وعاد لمكتبه لكنه استدار لسكرتيرته يقول :
-"ياسمين لما رامز يوصل خليه يجي لي"
أومأت بطواعية وصوت يحمل نبرة رسمية :
-"حاضر يا فندم"








أنيق في تعامله
صريح في عباراته
يعتبر أكبر فخر للناس أنه بينهم
وأكبر فخر للأرض أن عليها خطواته
ليس غرورًا ، ولا تكبرًا ما تعنيه كلماته
لكنه منهجه للجميع
أن يمشوا بين الناس ملوكًا ما داموا واثقين الخطى
يعيش لنفسه
يستمتع بأيامه
مرحه يخفي جدية مهلكة
وثرثرته مغلفة بالغموض
حين يصمت فاعلم أن العاصفة قادمة
دلف إلى الشركة بمرحه المعتاد ، يلقي التحية على الجميع فيلفت نظر الفتيات إليه في إعجاب.. ذلك الشاب الأقل ما يقال عنه وسيم بعينيه البينة ، وخصلاته العسلية اللامعة ، خفيف الظل مبتسم دائمًا.
يكره الرسميات.. لم يرتدي في حياته بذلة رسمية وهذا ما يثير حنق مازن منه.
-"صباح الخير"
هتف بها بمرح وهو يدلف إلى داخل المكتب ، فنظر له مازن يجده يرتدي بنطال من الجينز وقميص أبيض ، فتنهد بيأس يهز رأسه بقلة حيلة :
-"ارحمني وفاجئني مرة وتعالى الشركة ببدلة ، خليك محترم ولو لمرة.. وبعدين متأخر ليه يا باشا؟"
قهقه رامز وعدّل من ياقته ، ثم تقدم يجلس أمامه يضع ساق فوق الأخرى قائلًا :
-"ما أنت عارف جو البدل ده مش بتاعي ، وبعدين التأخير بسببك وبسبب سهراتك..
كل مرة بتأخر وكل مرة بتقولي نفس الكلام ، اتعود بقى"
ضحك الآخر ملئ شدقيه حتى ظهرت غمازتيه ، وغمز له يدور بكرسيه يمينًا ويسارًا :
-"عيش حياتك ، البنات دول زي الفاكهة ، والفاكهة اتخلقت عشان تتآكل ، وبعدين الحمد لله مدخلناش في الحرام يبقى خلاص"
رفع كفيه بآخر حديثه علامةً على إنه لم يفعل ما هو محظور ، فاقترب رامز يستند على المكتب بمرفقه يناظره بمكر من أسفل أهدابه هامسًا بخبث :
-"طب ونادين؟"
-"نادين وأنت عارف إنها مراتي بمزاجها ، هي اللي طلبت أنا مأجبرتهاش على حاجة.
وبعدين نادين أنا عارف دماغها ماشية ازاي"
تنهد منهيًا الموضوع ثم ارتكز على مكتبه بمرفقيه ، وأبدل مجرى الحديث :
-"المهم عملت إيه في ملف الصفقة الجديدة"
-"كله تمام متقلقش ، أنا راجعته بنفسي وخلاص هنبدأ تنفيذ فيه الأسبوع الجاي"
في هذه اللحظة دخلت ياسمين تلهث يبدو على وجهها الاضطراب والتوتر ، تبتلع لعابها بصعوبة تحاول تجميع كلماتها :
-"ألحق يا مازن بيه.. مصيبة!"
نظر لها بعدم فهم وحاجبين مرفوعين ينهض من موضعه :
-"مصيبة!
مصيبة إيه؟"
أعطته الجريدة التي كانت تحملها في يدها يقرأ المقال الذي نشرته هدير ، عيناه هبطت على السطور يقرأها علامات الغضب بدأت تنتشر رويدًا على ملامحه.
غضبه كالشعلة.. إن اقتربوا يلمسوها احترق الجميع بنارها
وإن حاولوا إطفائها سيعم الظلام المقيت
فما الحل!؟
قرأه أكثر من مرة وبالأخص اسم من تجرأت وذكرته في إشارة كمن تلقي الاتهام عليه أيضًا.
لم يجرأ أحد على فعلها فكيف تحدث الآن؟
كور الجريدة في يده.. وجهه يحتقن بدماء الغضب وعيناه تهتاج بأمارات الغيظ!
هو شريك في الصفقة الأخيرة ، لكنه لم يكن على علم بنواياه الخبيثة.. كل ما يشغل تفكيره الآن هو أن اكتشاف تلك الصفقة والقبض على رأفت سيضر بسمعته التي لم يخلق بعد من يمسها بسوء.
لا ينكر أن اكتشاف فساده في صالحه ولكن كشفه بهذه الطريقة خطر عليه.
التفت إلى ياسمين بنظرات مخيفة ووجه مكفهر قائلًا :
-"خلي أستاذ أشرف المحامي يجي حالًا"
زفر رامز بغضب والتفت له بنظرات متسائلة :
-"هي الصحفية دي مش هتتهد بقى ، شغالة فضايح وضرب في الكل"
نظر له الآخر بعيون مخيفة وتعابير وجه لا تنم بخير :
-"تسيب كل اللي في أيدك وتجيب لي كل المعلومات عن الصحفية دي ، تكون عندي النهاردة أنت فاهم ، وكمان أعرف ليا مين الضابط المسئول عن القضية دي؟"
يعلم تلك النظرة جيدًا ، طالما ظهرت فنهاية هذه الفتاة أوشكت فاقترب بهدوء يقف أمامه متسائلًا :
-"اهدى بس وقولي هتعمل إيه؟
أنت عارف إننا شركاء لرأفت بحكم الصفقات اللي بينا ، يعني لو هيحققوا معاه يبقى أكيد هيتم استدعائك أنت كمان"
-"متشغلش بالك ، المهم أعمل اللي قولت لك عليه"
ذهب رامز كي ينفذ ما قاله مازن ، وجاء أشرف محامي الشركة كي يتناقش معه في المشكلة التي حلت عليه!
وبعد مرور عدة ساعات جاءه بالمعلومات المطلوبة عن هدير ، وما سهل مهمته أنها ابنة رجل أعمال معروف ، تعمل في جريدة الخبر المشهورة.
هدير سالم الابنة الوحيدة لسالم خطاب رجل الأعمال المشهور ، خريجة إعلام ، ذات ثلاثة وعشرين عامًا ، غير متزوجة لكنها كانت خطيبة ابن رأفت منصور وأنهت الخطبة لأسباب غير معلومة.
أكمل قراءة الملف ثم وضعه أمامه ، مشبكًا أنامله أسفل ذقنه وبنظرة غامضة وكأنه يحادث شخصًا ما :
-"مشكلتك أنك وقعتِ في سكتي.. الظاهر أنك مسمعتيش عن مازن السيوفي !
جه الوقت تعرفيه"
قالها بنظرة مخيفة يشوبها الغموض ينظر إلى الفراغ أمامه ، ثم أخذ سترته ، وطلب من سكرتيرته إلغاء كافة مواعيده لباقي اليوم ، و أخذ سيارته وذهب.
**********
في هذه اللحظة كانت هدير برفقة أصدقائها في أحد المقاهي المطلة على النيل والذي يُعد مكانهم المفضل منذ أيام الجامعة ، كانت تتحدث في الهاتف مع أحد معارفها من كبار المحاميين تستشيره فيما حدث حتى ترى مصير رأفت بعد ما قُدم للنيابة من أوراق تؤكد فساده.
أتاها صوته مؤكدًا لها :
-"اطمني يا هدير.. الأوراق اللي تقدمت للنيابة مش سهل خالص إنه يطلع بسببها"
حكت جبهتها بتفكير وذمت شفتيها قبل أن تسأله :
-"يعني تقريبًا كدا فيها قد إيه سجن؟"
ضحك المحامي على سؤالها ، فكل مرة تقوم بكشف أحد الفاسدين في البلد تريد أن تعلم كم سيبقى في السجن.
هي على تمام الاقتناع أن هذه أمثل طريقة لكبح فساده ، فأجابها بهدوء :
-"هقولك اللي بقوله ليكِ كل مرة يا هدير ، السجن مش مقياس عشان أحّد من الفساد ، لأن كل فاسد فيه وراه مية يساندوه"
عقدت حاجبيها ونظرت لأصدقائها الذين يتابعون الحديث بصمت وتساءلت :
-"يعني إيه؟
يعني ممكن رأفت بعد كل ده يخرج؟"
وصلتها تنهيدة عميقة من الهاتف قبل أن تصلها إجابته :
-"يا ستي لو على رأفت بالورق اللي أتقدم للنيابة فيها مش أقل من عشر سنين حبس ، بس ده لو محدش من اللي وراه أتدخل في الموضوع"
زفرت بضيق ، تعلم أنه بالتأكيد ليس بمفرده ويوجد من هم أعلى منه يساندوه ، فأومأت بحركة واهية ثم قالت :
-"لا إن شاء الله المرة دي مفيش حاجة هتحصل"
طمأنها المحامي بنبرة هادئة :
-"متشغليش بالك اللي جاي شغل النيابة والمحكمة يا هدير..
أنتِ دلوقتي احتفلِ بنجاح مقالك ، ألف مبروك يا أستاذة"
ابتسمت بحبور تجيبه :
-"الله يبارك فيك"
أنهت المكالمة وسردت لهم ما قاله المحامي ، ليستند نادر على كرسيه واضعًا أنامله أسفل ذقنه مفكرًا قبل أن يرفع نظراته لهدير قائلًا :
-"المحامي معاه حق.. المشكلة مش في المجهولين اللي وراه لا ، المشكلة الأكبر في الشريك الظاهر للكل.. مازن السيوفي"
تبادلت هدير ومنار النظرات المتسائلة فقالت منار بحاجبين معقودين وجبين متغضن :
-"مش فاهمة هو يقدر يعمل إيه؟
بالعكس أنا شايفة أنه في نفس موقف رأفت والمسئولية عليه"
مال برأسه نحوها وابتسامة مائلة ساخرة ارتسمت على محياه قبل أن يجيبها :
-"حتى لو هو المتهم الأول عنده الاستعداد يطلع زي الشعرة من العجين بسهولة"
جاء السؤال هذه المرة من هدير التي استندت على الطاولة بذراعيها وعيناها تتسع بتساؤل حذر ودهشة :
-"إيه ده هو ممكن رأفت يخرج منها؟"
أومئ نادر بثقة :
-"احتمال مينفعش نتغاضى عنه.. مازن ممكن يخرجه من الموضوع بس عشان سمعته"
زفرت هدير بانفعال وعضت على شفتيها بتوتر ، فهتفت منار بنبرة قاطعة منهية الحديث ، ترفع كفيها أمام نادر وهدير كي يصمتا :
-"ممكن كفاية بقى.. ده أولًا مش شغلنا إحنا شغلنا بس نكشف اللي بيحصل والباقي شغل النيابة.. خرجوا منها أو اتسجنوا مش شغلنا إحنا.
ثانيًا إحنا خارجين عشان نستمتع بنجاح مقالك مش عشان نقضيها تليفونات ونشوف هيحصل إيه؟!"
تنهدت بعمق ومالت بجسدها تربت على كفها باطمئنان :
-"سيبي كل حاجة تمشي لوحدها ونفكر في المقالات اللي مطلوبة مننا الفترة الجاية.. خلاص"
شبكت أناملها بأحضانها واستندت برأسها للخلف مفكرة فيما قاله المحامي ، وما يقوله أصدقائها تبتسم بسخرية ، تتذكر مقولة الأديب الراحل نجيب محفوظ..
إننا نستنشق الفساد مع الهواء
فكيف تأمل أن يخرج من المستنقع أمل حقيقي لنا؟!

الحب سبق صحفي " مكتملة "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن