الفصل الثامن
الشموخ لا يهان عند الانكسار
بل يزداد قوة ليبدأ في سرد قصته
والنخل إن طاح تمره لا يطال النخل شيئًا
الصمت يلي الصدمة
في لحظة حزينة تبحر في عالم الهمس
لكن يتبعه صياح يملأ العالم ويكاد يؤدي للصمم
فالشمس إذا سقطت يومًا ستعود وتنجب ألف نهار
شهقات وهمهمات جانبية!
صدمة من البعض وتحديق بعد تصريحه!
نظرات غامضة من الأصدقاء لما يخطط له!
الفتيات ترمق هدير بنظرات تشفي وشماتة ، والرجال يحدقون فيما بينهم بتعجب لما يحدث!
أما هي ظلت تنظر بصدمة إلى ما صرح به!
لا يوجد خطبة ولا ارتباط!
ماذا يقصد بجملته؟
هو ليس من النوع الذي يرضخ بسهولة بعد كل ذلك!
ضيقت عينيها تغوص في نظراته تريد سبر أغوارها ، فوجدتها كمن تخبرها أن مازال هناك بقية وحتمًا لن تعجبها.
استمتاع ورضا انتابه وهو ينظر إلى تعابير وجهها التي تخلط بين الصدمة والدهشة ، عيناه تسير على كامل وجهها يشبع غروره من تضارب أفكارها وصراعها الذي وضعها فيهما.
يريد أن يقضي على الجزء الباقي من تماسكها حتى يلقي قنبلته القادمة دون أي مقاومة.
انتفضت من لمسته على كفها يجذبها برفق إلى طاولة أخرى لتنساق خلفه بتيه.
اتسعت عيناها بصدمة أكبر وتسارعت أنفاسها عندما رأت من يجلس عليها!
عادت خطوتين للخلف وكادت أن تلتفت تنوي الركض ، تريد إنقاذ نفسها بعدما علمت ما ينوي عليه ، فهزت رأسها بعنف ، وقبل أن تتحرك وجدته يضغط على كفها يكمل حديثه قائلًا :
-"مفيش خطوبة ، النهاردة كتب كتابي على هدير"
اتسعت الأعين وارتفعت الهمهمات أكثر ، بعد أن ارتفعت طموحات الفتيات في إلغاء الخطبة وعودة الفرصة لهن مرة أخرى بكلمته أسقط ذلك الطموح للأرض السابعة.
شدد على كفها بين قبضته يجذبها إلى جانبه أكثر لكنه لم ينظر إليها ، بل أكمل حديثه بشيء اعتيادي :
-"الخطوبة عشان نتعرف على بعض أكتر ، بس أظن مفيش حد ميعرفش مين هو مازن السيوفي !
وهدير صحفية مشهورة وأنا عارفها كويس ، فأنا شايف إن الخطوبة ملهاش لازمة ، خصوصًا إني مش ناوي أستغنى عنها"
ثم قربها منه ينظر لها بتحدي أن ترفض أو تعترض على ما قاله :
-"موافقة؟"
استحالت بنظرها بين الحاضرين تتأملهم بدهشة وعدم استيعاب لما يحدث!
والدها يقف بجانب الطاولة يومئ لها بالموافقة..
كيف يضعها في هذا الموقف؟!
أيستغلها للمرة الثانية أنها لن تستطيع أن ترفض وتصيبه بالخزي أمام هذا الجمع!
والدتها تبكي من صدمة ابنتها وقلة حيلتها.. فماذا تفعل؟!
زوجها لم يعطها أي فرصة لإبداء رأيها.. أخبرها فقط في بداية الحفل مشددًا عليها التزام الهدوء حتى لا تشعر هدير بوجود خطب ما فهي أعلم الناس بابنتها ، وما أغلق الأبواب لإنقاذ ابنتها أن مازن اصطحبها إلى المكان المخصص لهما فلم تستطع الانفراد بها!
أسماء ترسل لها نظرات اعتذار لما فعله أخاها!
منار التي كانت آثار الصدمة ظاهرة على وجهها بصدق ، فوجئت بما يحدث مثل هدير تمامًا!
لتنظر إلى أسماء بأعين متسعة هامسة :
-"أنتِ كنتِ تعرفي باللي أخوكِ ناوي عليه؟!"
اتسعت حدقتيها تهز رأسها بالنفي مرسلة نظرات بريئة صادقة رافقت بها كلماتها :
-"والله أبدًا أنا تفاجئت زيي زيكم ، هو مقالش لحد حاجة على اللي ناويه"
رمقتها منار بقلق وتطلعت لصديقتها بأسى ، تعلم ما يعيث في أعماقها الآن من غضب وثورة ، لترفع رأسها إلى نادر الذي يضع كفيه في جيبي بنطاله وملامح الجمود تكسو وجهه فلم تستطع معرفة ما يفكر به ، يرمق هذان الاثنان وما يحدث بصمت مطلق.
تقدمت أسماء نحو رامز الجالس بأريحية على حافة الطاولة ، ينظر لصديقه الذي ألقى قنبلته بدم بارد واستمتاع أكبر ، ينتظر الزجاجة أو ألة حادة التي ستلقيها هدير فوق رأسه انتقامًا منه.
التفت لصاحبة اليد التي وضعت على كتفه ليجدها أسماء التي ألقت سؤالها بوجهه :
-"طبعًا كنت عارف باللي هيعمله مش كده؟
وإياك تكذب يا رامز ، مازن استحالة يعمل كده إلا لو كان قالك على كل حاجة"
ذم شفتيه للجانب ونظر لأسفل قبل أن يرفع نظره إليها مرة أخرى ولم يتحدث ، ففطنت أنه بالفعل على علم مسبق بكل هذا ، لتتسع عيناها بدهشة هاتفة :
-"كنت عارف!
طب ليه مقولتيش؟!
حرام عليكم اللي بتعملوه في البنت ده ، ليه موقفتوش يا رامز؟
مكنش ليه لازمة كتب الكتاب ، ثم لو كان ناوي على كده ليه متفقش من الأول؟"
طال صمته وهو مازال يرمقها بغموض ، ليعلو معدل غضبها منه ، فألقت نظرة ساخطة عليه والتفتت تذهب لكن صوته أوقفها :
-"تفتكري سواء قولت أو لا كان فيه حاجة تقدر توقف اللي عاوز يعمله؟
وحتة ليه متفقش من الأول لأن أنا وأنتِ عارفين إن هدير كانت استحالة توافق"
نظرت له من فوق كتفها ولم تتخلَ عن سخطها منه ثم ذهبت حيث منار ونادر تقف معهما مرة أخرى غير عابئة به.
تطلعت هدير إلى ميرفت التي تقدمت منها وطلبت من ابنها أن تتحدث معها خمس دقائق ، فالمفاجأة صعبة عليها ولابد أن تهدأ حتى تستطيع الرد.
أخذتها إلى حجرة مكتب والدها وجلستا ، نظرت إليها وتابعت تغير تعابير وجهها من الصدمة إلى العصبية ثم إلى الغضب ، وجهها استحال لونه للون الاحمر ، تضغط على قبضتها حتى أبيضت مفاصلها ، فأيقنت أنها تحاول التحكم في غضبها.
ربتت على يدها بهدوء وقالت بنوع من الحزم :
-"اسمعي يا هدير ، أنا عارفة أن مازن حطك قدام الأمر الواقع ، بس هقولك حاجة..
مازن أتربى في وَسط إن الكلمة اللي يقولها تتنفذ ، وبيئة البنات فيها بترمي نفسها تحت رجليه من غير حساب ، ودي غلطتي أنا وأبوه الله يرحمه..
بس عاوزة أفهمك حاجة ، أنا مترددتش لحظة لما مازن قالي أنه عاوز يتجوزك مع العلم إني فاهمة تفكيره ، بس لأني عارفة إنك الوحيدة اللي تقدري تعوضيه"
نظرت لها بحاجبين معقودين بحيرة ، وقالت بصوت محشرج يكاد يُسمع :
-"أعوضه عن إيه مش فاهمة؟"
تنهدت ميرفت وقد عادت لها ذكريات مضت عليها سنوات طوال لكنه نفضتها عن عقلها وقالت بغموض :
-"كل حاجة هتعرفيها في وقتها ومش مني لا ، هو اللي هيحكيها بنفسه.. المهم تعملِ اللي هقولك عليه"
بعد مرور بعض الوقت ، خرجتا إلى الجميع وتقدمت باتجاه مازن بخطوات واثقة غير التائهة التي كانت منذ قليل ، وبأعين ثابتة غامضة أخذت منه الميكروفون متلفتة للجمع المنتظر قرارها قائلة:
-"عندك حق الخطوبة عشان نتعرف على بعض ، بس أنا كمان عرفاك كويس يا مازن ، وعشان كده أنا موافقة على كتب الكتاب"
رمقها بهدوء وشعور بالنصر يجابهه شعور بالترقب والتساؤل يتصارعان بداخله بعد ردة فعلها الهادئة ، لكنه أرجعها إلى شخصيتها الباردة في أغلب الأحيان التي تخفي خلفها إعصار في بداية دورانه.
تم عقد القران في صمت ، يمسك بيد سالم ونظراته مثبتة عليها ، إلى أن نطق :
"قبلت زواجها"
أعادها مرة أخرى ضاغطًا على حروفها ونطقها هامسة ، ومازالت نظراته متعلقة بمفتونته الحمراء ؛ وكأنه يؤكد لها أنها صارت زوجته شرعًا و قانونًا.
ليقف الكلام على حافة الصمت فينتهي
فللصمت هيبة في حضرة ما لا يستحق الكلام!
أخذها إلى ساحة الرقص ، وبجانبهم كان رامز قد جذب أسماء يراقصها بعد رفض منها أن تتحدث معه هذه الليلة.
تأمل صغيرته الحانقة من أعلى رأسها ، فحلمه ومعشوقته الصغيرة تظهر بشكل فاتن ، يريد أخذها بعيدًا عن العيون المحلقة بها.
وهي بين شعورين ، حزينة على الموقف الذي وضعت فيه هدير ، وشعور حانق يشوبه الخجل وهي بين ذراعه.
أما حان الوقت اعتراف العاشقين ليرتاح العقل ، ويطيب الفؤاد!
نظر لعينيها التي تحاول النظر لكل مكان إلا هو ، شفتيها المذمومة بسخط يعلم سببه ، فابتسم قائلًا :
-"تعرفِ إنك طالعة جميلة في الفستان ده؟"
اكتسى اللون الأحمر وجهها بخجل ، لكن مازالت ملامحها عابسة لتقول بجمود ولم تنظر إليه :
-"شكرًا ، عقبالك"
أجابها بخبث أكثر :
-"قريب إن شاء الله"
عقدت حاجبيها بتساؤل ورفعت عينيها إليه :
-"أنت قررت ترتبط ولا إيه؟"
قرر التلاعب بأعصابها ، فابتسم ابتسامة جانبية وهو يديرها حول نفسها قبل أن يجذبها برفق إليه مكملًا رقصتهم الهادئة :
-"حاجة زي كده ، بصراحة هي زي القمر ، ورقيقة قوي معاها بنسى صنف حواء كله ، وحاطتها دايمًا في قلبي قبل عيني"
غاص بنظراته في عينيها لترى فيهما الصدق والعشق لفتاته المجهولة ، ونبرته الهامسة تغلغلت بأعماقها :
-"عارفة يا أسماء بحبها قوي ، وبدعي ربنا يجمعني بيها"
مع كل كلمة يتحطم قلبها إلى أشلاء صغيرة
فحبيبها الذي خطف قلبها منذ أن رأته في المشفى وصار مقربًا منهم ، يحب أخرى!
الشاب الذي أقتحم حياتها منذ سنين وصار صديقهم المقرب والأقرب لها خاصة.
كانت تقضي معه أغلب أوقاتها ، تعلقت به و بغيرته التي كانت تستشعرها منه عندما تخبره عن مدح أحد زملائها لرسوماتها ، أو عن مجاملة قالها دكتورها في الجامعة .
تذكرت عندما كانت تتحدث مع إحدى صديقاتها في الشركة ، وكانت تضحك ضحكتها التي تأخذ العقل ، فوجدت من يجذب الهاتف منها ويغلقه ، لتلتفت وجدته مشتعل الغضب بعينيه هاتفًا :
-"ضحكتك دي في البيت مش هنا ، الموظفين كلهم بيبصوا عليكِ
فإيه رأيك نتلم وندخل جوه ، مش لازم نعمل رحلة في الشركة"
ليجذبها خلفه بنوع من الشدة إلى مكتب أخيها.
حبيبها الذي لم يدق قلبها إلا له ، يحب أخرى!
لا بل العشق الذي يظهر بعينيه يغنيه عن كل ما قيل.
حاولت أن تمنع دموعها من الهبوط ، حاولت منع نزف قلبها ، وابتسمت ابتسامة باهتة :
-"أكيد تبقى أسعد واحدة يا رامز لما تلاقي حد بيحبها الحب اللي في عيونك ده كله"
يا الله ألم تفهمي بعد أن هذا العشق لكِ أنتِ؟!
ألم تسمعي دقاتي لكِ تناديكِ؟!
أراد أن يريحها ويقول لها أنها حبيبته ، ولكن فضل الانتظار ليهمس وهو يضمها إليه :
-"ادعِ هي كمان تكون بتبادلني نفس الشعور أنا من غيرها ولا حاجة"
-"تريد مني الدعاء لك مع أخرى!
أرجوك كفى.. كْفّ عن وجع قلبي أكثر ، أدعوك ربي بالصبر"
فهمست قائلة بتيه و تومئ برأسها :
-"هدعيلك يا رامز.. هدعيلك"
أكملا رقصتهما وكل منهم شارد في قلبه ، هو سعيد أنه أعترف ولكنه حزين لحزنها ، يعلم أنها موجوعة ولكن كل شيء بأوانه أفضل.
وهي موجوعة على حبها الذي لم يظهر للنور.
★★★★★
جالسة تنظر لصديقتها بملامح حزينة على الصدمة التي تعرضت لها ووضعها أمام الأمر الواقع
وما أدهشها أكثر موافقتها بكل هذا الكم من الهدوء ، كيف ذلك؟!
تنهدت بيأس لتجد من يضع أمامها كأس من العصير ويجلس بجانبها ، فنظرت له وجدته نادر يقول بمرح كعادته يرفع كأسه يتجرع منه القليل :
-"عجباني حركة الجنان دي ، هدير مش هتيجي إلا كده
تتجاب من دماغها ويقولها هتجوزك يعني هتجوزك ، لسه هيقعد خطوبة وهدايا ودباديب والكلام الفاضي ده"
نظرت له منار بغضب ورغبة في سكب الكأس فوق رأسه ، تهتف به :
-"أنت بتقول إيه يا نادر؟
ده أجبرها وحطها قدام الأمر الواقع و..."
قاطعها واضعًا سبابته على شفتيه علامة على الصمت يتساءل :
-"و أنتِ شايفة أن شخصية هدير تسمح إن حد يحطها قدام الأمر الواقع؟!
اللي يخليها تنزل مقالات بالشكل ده ، وتقتحم مكتب مازن السيوفي بنفسه وتقول لا في وشه ، مش ترفض الاستغلال ده قدام الناس كلها!
اعقليها يا منار وركزي"
صمتت تفكر في حديثه ، نعم شخصية هدير ليست ضعيفة ليجبرها أحد على فعل شيء ، تكاد تجزم لولا وجودها بجانبها اليوم هي وأسماء كانت ستهرب ، وموافقتها بملأ إرادتها
فوجئت بسؤال نادر لها :
-"أنتِ محبتيش قبل كده يا منار؟"
رفعت حاجبيها بدهشة "ماذا يقول؟" ، ثم ابتسمت ببرود مكتفة ذراعيها على الطاولة أمامها تجيبه بسخرية :
-"حبيت!
حبيت فين يا نادر وإحنا في وش بعض أكتر من 15 ساعة في اليوم ، وبنروح على النوم!
ثم لو أنا حبيت هخبي عنك أو عن هدير؟
أنت مجنون!"
ضحك على جملتها واقترب منها بغمزة ماكرة ونظرات مشاكسة :
-"طب إيه رأيك نقضي التسع ساعات الباقيين مع بعض في البيت؟!"
اتسعت عيناها جراء حديثه وهتفت بصدمة :
-"نــعــم!"
-"اهدي يا مجنونة ، أصلي قررت أكسب فيكِ ثواب وأتجوزك وأهو أتلم بقى وأستقر"
رمشت عدة مرات تحاول استيعاب ما يهذي به ، ليمسك كفها فجأة هاتفًا بنبرة باكية :
-"تعبت من أكل بره يا منار"
قلبها يكاد يخرج من صدرها من شدة قرعه بين أضلعها
ماذا حدث للتو؟
أيطلب يدها للزواج؟
ولكن كيف فهو طوال الوقت لم تلحظ عليه أي شيء تجاهها غير أنه يراها أخته؟
ضحك نادر على تعابيرها ، بعيونها المتسعة وفمها المفتوح والدهشة عليه وقال :
-"منار ، بسم الله الرحمن الرحيم أنا معرفش أنك تنصدمي كده"
هزت رأسها عدة مرات واضعة كفيها على جانبي رأسها لتعود إلى رشدها مرة أخرى هامسة :
-"أنا مش فاهمة إيه اللي بيحصل "
ضحك بقوة لم يتوقع ردة الفعل هذه ، ليربت على كفها برفق واقترب منها برأسه هامسًا :
-"أنا روحت لباباكِ وخطبتك منه وهو وافق ، و طلبت إنه ميقولكيش حاجة ويخليني أنا أحكي لك..
عاوز أشوف أول تعبير يظهر عليكِ لما تعرفي!
عاوز تكون اللحظة دي خاصة بينا إحنا"
نظراته مليئة بالعشق الغريب عليها ، يراها أجمل نساء الكون في نظره.. خصلاتها القصيرة المموجة تخطفه
عيناها البنية المشربة بخيوط من ذهب تجذبه لتأملها دون ملل
فرك كفيها عندما تتوتر ، حركة أهدابها السريعة ونظراتها الحائرة في كل مكان عندما لا تجد ما تقول ، احمرار وجنتيها ورفع كفيها تدلكهما بين الحين والآخر تواري خجلها!
كل هذا يحفظه ويعشقه منها!
نظرت له غير مدركة كيف ذلك؟
كيف لم ترَ اهتمامه بها؟
كيف لم تلحظ حبه؟
لتتذكر عندما كان يحكي لها عن فتاة أحلامه وكانت مواصفاتها تتشكل بها هي.
تذكرت عندما كانت تقف مع زميل لهم تضحك على مرحه ، فوجدته يناديها وعلى وجهه الغضب لتدلف إلى مكتبهم المشترك ، وظل طوال اليوم لم يوجه لها حديث!
تذكرت عندما كان مديرها يعطيها عمل يتطلب خروجها إلى أماكن بعيدة كان يصر على الذهاب معها!
كيف لم تلحظ كل هذا؟
كيف ظنت كل ذلك يفعله جراء الأخوة والصداقة ، ليتضح أنه حب؟!
كانت تظن أنه يكن مشاعر لهدير ، لكنها كانت خاطئة ، فهو يحبها هي!!
بدأت الموسيقي فقال لها :
-"ترقصِ معايا؟"
نظرت نحو والدها ثم له مرة أخرى ففهمها ، لينهض نحوه تاركًا إياها تنظر في أثره عاقدة حاجبيها بتعجب فالتفتت نحو والدها وجدته بالفعل يتحدث معه ، ظلت تنظر لهم بقلب يكاد ينفجر من قوة ضرباته ، ثم وجدته يتقدم منها مبتسمًا ، ومن غير حديث أمسك يدها وذهب إلى ساحة الرقص وبدأ تمايلهما ، فقالت له :
-"نادر أنا مش فاهمة حاجة ، أنت أخدتني في دوامة كبيرة ، توهتني منك.. فهمني طيب"
ضحك بقوة وهو يقول :
-"إيه اللي مش مفهوم؟
قولت لك عايز اتجوزك ، وفاتحت والدك في الموضوع ، جهزي نفسك بقى هاجي أشرب عندكم عصير البرتقال بتاعي"
تنهدت بقلة حيلة من مزاحه تهمس :
-"تتجوزني أزاي يا نادر وأنت طول الوقت معتبرني أختك؟"
رفع حاجبًا ماكرًا ونظراته استحالت إلى الخبث يميل برأسه على أذنها هامسًا :
-"أتجوزك إزاي مش هعرف أفهمها لك دلوقتي ، بس خلينا نبدأ الدروس بعد كتب الكتاب.. وساعتها نشوف حتة أختي ومش أختي دي"
صمتت قليلًا تقلب حديثه في رأسها حتى فطنت للوقاحة خلف كلماته ، لتنظر له بأعين متسعة وشهقة خجولة صدرت منها ، كانت أن تستدير وتتركه لكنه تمسك بها أكثر يهمس مقربًا إياها منه وأسند جبينه على خاصتها :
-"لو مش فاهمة يبقى عامية..
مشوفتيش اهتمامي بيكِ؟
إني أشوفك بتضحكي.. وإني ابسطك!
غيرتي عليكِ لما حد من الجريدة يكلمك ، لدرجة إني مخلتش حد يقرب منك وأي حد يحتاجك يقولك اللي عايزه عن طريقي؟!
كنتِ تستغربي بس مجربتيش تسألي ، مشوفتيش حبي ليكِ يا غبية؟"
لم تعد تتحمل ، تشعر أن قدميها لم تعد لديها القدرة على حملها!
فتحت عينها لتفاجئ بكم المشاعر المطلة من عينيه
حب ، حنان ، خوف ، غيرة.
بحثت بداخلها عن مسمى لمشاعرها تجاهه حتى لا تظلمه ولا تجرحه ، هي معجبة به نعم ، فهو شخص مهم في حياتها ، من الممكن ألا يكون حبًا ولكن قربه منها سيحدد مشاعرها وحبها له.
فابتسمت وقالت بمرح تخفي خلفه خجلها :
-"خليك ماسكني أحسن مش حاسة برجلي يا بني ، ولو وقعت يبقى منظرنا مسخرة ، والبت كتب كتابها يبوظ وهي ما تصدق"
ضحك بصوت عالٍ يديرها حول نفسها ليلتصق ظهرها بصدره ، فهمس لها بوعد :
-"عمري ما هسيبك"
★★★★★
النساء كالغصن الرطب
تميل إلى كل جانب مع الريح
لكنها لا تنكسر في العاصفة
يدها اليمنى في كفه الايسر..
ذراعه الايمن يلتف حول خصرها مقربًا إياها منه حد الالتصاق
يتمايلان على الأنغام الهادئة ، وحديث العيون بينهم مشتعل
انتصار من جهته وغضب من جهتها!
عينيه ترسل لها نظرات امتلاك وعبث ، وعينيها ترسل نظرات تحدي ووعيد.
قطع الاتصال عندما أدراها جاعلًا ظهرها يلتصق بصدره وهمس لها :
-"مبروك يا حياتي"
لتجيبه بشراسة ناظرة له بجانب عينها :
-"هتيجي منين البركة"
أدارها مرة أخرى لتحيط عنقه بيدها اليمنى تنظر له
، فرفعها من خصرها ثم دار بها ينظر بعمق لعينيها ، أنزلها ودفعها على مسافة ذراعه ممسكاً بكفها ، فأدارت نفسها مرتين ليلتف ذراعه حول خصرها مرة أخرى وظهرها له وقال :
-"مش فارقة ، المهم أنك بقيتِ مراتي ، وحلالي"
أدارها تواجهه بنفس وضعهم الأول فابتسمت بسخرية :
-"خيالك عاجبني يا مازن ، بس افتكر دايمًا أنه خيال"
رفع ذراعها الأيمن تدور حول نفسها عدة مرات ثم جذبها إليه :
-"لا المبدأ ده خلاص انتهى ، دلوقتي أنتِ هدير مازن السيوفي"
جذبها منحنيًا بجسدها على ذراعه فلامس شعرها الأرض وتابع يدقق النظر بعسل عينيها :
-"مراتي"
ظلوا على هذا الوضع بضع ثوان
مشاعر متضاربة من الطرفين ، هو لم يستطع تحديد مشاعره تجاهها ، خائف أن يسمي شعوره حتى لا يضعف.
وهي تشعر بشيء غريب يتسلل إليها ، على قدر غضبها من نبرته التملكية إلى أن جزء منها سعيد ويعتبره إرضاء لأنوثتها.
لم ينتبها إلا على تصفيق الحاضرين الحار بسبب جمال الرقصة التي أظهرتهما كأنهم عاشقان ، ولكن ما خفي كان أعظم.
بعد انتهاء الرقصة ، وقف مازن بجانبها يستقبلان التهاني ممسكًا كفها كمن يخاف أن تهرب منه.
كان يتحدث مع أحد المهنئين الذي جاء لمباركته ، لينظر من خلف كتفه ، فوجد نادين تتقدم نحوه بردائها الأسود اللامع ذو الكتف الواحد ، قصير للغاية يكاد يظهر أكثر ما يخفي ، يعتبر كجلد ثانِ عليها ، تضع كثير من المساحيق.
تقدمت بابتسامة مكر تخفي كثير من الحقد والكره لهدير ، تهمس لنفسها وخطواتها تقترب منهما :
-"متفرحيش كتير يا هدير صدقيني مش هسيبك تتهني"
وصلت إليهما تمد يدها لهدير قائلة :
-"مبروك يا هدير ، قدرتِ تعملي اللي محدش قدر يعمله في سنين وتخلي مازن يتجوز"
بادلتها التهنئة بعيون متفحصة ، لكنها تلقت نظرة السخرية والنبرة المستهزئة لتقول :
-"الله يبارك فيكِ يا......
سوري مش فاكرة اسمك ، بس عقبالك"
ضحكت ضحكة باردة وقالت :
-"نادين ، نادين عاصم افتكريه كويس.. لأني أنا ومازن أكتر من أصحاب وأكيد هتشوفيني كتير"
ثم ألتفتت إلى مازن الذي يتابع الحوار بصمت مدروس وقبلته على وجنتيه بحركة مفاجئة قائلة :
-"ألف مبروك يا مازن ، متتخيلش فرحت لك قد إيه"
أبتعد بجسده عنها وأمسك كفها يضغط عليه برفق يحييها ، وذراعه الآخر ألتف حول خصر هدير ، ثم قال :
-"الله يبارك فيكِ يا نادين"
أومئت برأسها ونظرت مرة أخرى إلى غريمتها تسألها بدهشة مصطنعة ونظراتها يحول بها المكر :
-"بس غريبة إنك توافقي يا هدير ، يعني مازن بحكم إنه شخصية كبيرة ومعروفة بس حياته الشخصية غامضة ، ازاي وافقتِ بالسرعة دي؟
مش يمكن فيه أسرار متعرفيهاش؟!"
ناظرتها بدهشة وحاجبين معقودين بنوع من التفكير ، تنظر إلى مازن الذي تلبسه الجمود يرمق الفتاة بنظرات ثاقبة غير مفهومة بالنسبة لها.. لتتنهد راسمة ابتسامة صغيرة على ثغرها :
-"مفيش حد مش مخبي أسرار يا أنسة نادين ، الفرق إن فيه ناس بتعرف تتعامل معاها وناس لا..
ثم لو فيه أسرار فدي أكيد ماضي متخصنيش في شيء إلا لو كانت هتأثر على حياتي"
-"ولو فيه احتمال تأثر على حياتك؟!"
-"ساعتها أنا هعرف أتعامل معاها كويس عشان التأثير ده يبقى إيجابي"
ضغطت على أسنانها بغيظ ، ليست بالهينة وليس من السهل إدخال الشك لها.
لكن مازن علم أنها لن تمرر هذا الحدث مرور الكرام ، فنظر إلى هدير بابتسامة صغيرة ممسدًا على ظهرها قبل أن يمسك بيد الأخرى وخرج باتجاه البوابة تحت أنظارها المندهشة مما يحدث منذ أن رأتها موجودة بالحفل.
سارا معًا بخطوات سريعة حاول ألا يجعلها مثيرة للانتباه ، ثم أوقفها أمامه في مكان بعيد عن الأنظار نوعًا ما ينظر لاشتعالها الذي بدأ في الظهور قبل أن يقول ببرود :
-"إيه جابك هنا يا نادين؟"
أسقطت قناع البرود الذي كانت ترتديه وصرخت به قائلة :
-"بقى أنا يا مازن تسيبني وتروح تتجوز واحدة زي دي؟
أنا بقالي سنتين بحاول أرضيك بكل حاجة ، وافقت أكون مراتك بالسر بس عشان بحبك ، بعد كل ده يكون جزائي كده؟"
أمسكها من ذراعها بشدة جعلها تتألم لترى نظرة لم تتمنى رؤيتها في أسوء أحلامها ، ثم جذبها إليه حتى لفحت أنفاسه صفحة وجهها هامسًا بحدة :
-"فوقي يا نادين واعرفِ بتكلمي مين!
مش أنتِ اللي تقولي لي أعمل إيه ، فاهمة!"
لم تجذب ذراعها منه بل اقتربت واضعة كفها فوق وجنته والأخرى ممسكة بسترته بوله :
-"مازن ، حبيبي.. بلاش كل اللي بيحصل ده ، أنا مقدرش أستغنى عنك"
أمسك كفها يزيحه من فوق وجهه ، ثم رمقها بنظرة غامضة ولم يعلق على حديثها ، ليتركها واقفة تغلي من الغضب..
فبعد أن اقتربت أن تمتلكه يضيع كل شيء من يدها بهذا الشكل!
لن تكون نادين إذا لم تفسد هذا الزواج!
رمقت الحفل بغضب قبل أن تخرج متوعدة لهم.
دلف إلى الحفل مرة أخرى وحال بنظره باحثًا عنها حتى وجدها تقف مع أصدقائها برفقة أسماء ورامز ، تضحك بمرح حتى أحمرت وجنتيها ، ترفع يدها تمسح دمعاتها التي هبطت بذلك المنديل.. للمرة الأولى يراها تضحك هكذا ، لم تكن الجادة الغاضبة التي يراها كلما تقابلا.
وقف لحظة واضعًا يديه في جيبي بنطاله يتأملها تضحك وتحتضن منار بقوة ، ابتسم بعفوية عندما رأى سعادتها ولكن سرعان ما تلاشت وهو يراها تضحك مع نادر ويلمس يدها بيده ، احتقن وجهه من الغضب لاعتقاده أنها ملكه الآن ولا يحق لأحد أن يمس ممتلكاته غيره..
فوجئت بمن يحيط خصرها ويقربها منه كمن يقول أنتِ ملكي ، نظرت فوجدته مازن ينظر لها ويقول :
-"يا ترى بتضحكوا على إيه؟"
هتفت أسماء بمرح ، تحيط كتفي منار بسعادة :
-"أصل نادر خطب منار ، وهدير عمالة تغيظ فيهم ، يا خبر هنموت من الضحك"
نظر رامز لمازن بتلاعب ، فقد لاحظ دخول نادين ووقوفها معهما ، كاد أن يتدخل لكنه تراجع عندما رآه يجذبها للخارج فترك له زمام الأمور.
أراد إثارة غيرته فألتفت إلى هدير الواقفة تحاول إزاحة يده من عليها دون إثارة الانتباه ، ألتقت عيناها بعينيه فغمز لها أن تسايره في قوله فقال لصديقه :
-"بما إنك مشغول يا مازن بضيوفك ، تسمح لي آخد هدير في رقصة"
ابتسمت بمكر تهتف بعد أن نجحت في التحرر من ضمه لها :
-"أكيد هكون مبسوطة جدًا لو رقصت معاك ، يلا"
كاد أن يأخذها ويتوجه إلى ساحة الرقص ، لكنها شعرت بنفسها تعود للخلف عندما جذبها مازن من ذراعها وراء ظهره ثم أمسك الآخر من ذراعه وقال بابتسامة شر :
- تعالى معايا وأنا هبسطك يا ظريف"
أخده يكاد يخنقه من الغيظ ، ليضحك الآخر بقوة على هيئته ، يهتف بعبوس مصطنع :
-"ليه كده يا مازن ضيعت الفرصة ، فيها إيه لما أرقص مع هدير رقصة بريئة"
ليضيق عينيه وأقترب من وجهه :
-"ولا أنت بتغير؟"
ضغط على أسنانه بغيظ ولسانه يسب ذلك المستفز الذي لا ينجح غيره باستخراج أسوء ما به ، فكور قبضته بشدة وهمس في أذنه بعد أن سبه بوضوح :
-"أنا صابر عليك بس عشان الناس اللي موجودة ، متخلنيش أنسى أن في حد وتبات في المستشفى النهاردة فاهم؟"
ليغمض عينيه يومئ برأسه عدة مرات يقول بفم مذموم :
-"شكرًا يا مؤدب ، شكرًا يا محترم ، شكرًا يا بن الناس الكويسة"
رمقه الآخر بصمت واشمئزاز ورغبة دك عنقه تزداد بداخله لكنه أثرها في نفسه وتركه يعود إلى الجمع.
ليتأمل رامز ذهابه مبتسمًا بمكر يهمس لنفسه بتشفي :
-"يلا خليك تتربى"
وفي الجانب الآخر ألتفتت هدير لأسماء قائلة :
-"قولي لي يا أسماء ، هي مين أبلة سردين دي؟!"
رفعت أسماء حاجبيها بدهشة ، و ما لبست أن ارتفع صوتها بالضحك هاتفة من بين ضحكاتها :
-"سردين!!
يخرب عقلك إيه الوصف ده!"
لوت فمها باشمئزاز وجسدها يهتز بقشعريرة عندما تذكرت مظهرها وقالت :
-"والله شبهه متفرقش عنه كتير ، المهم جاوبيني"
-"مفيش يا ستي أنا هقولك ، كان بين والدها وبابا شغل ، هي على طول دلوعة و شايفة نفسها وعاوزة دايمًا يكون الكل مهتم بيها ، بس من زمان وهي عينها على مازن"
هزت رأسها بتفكير ثم تساءلت :
-"وموقف مازن إيه؟"
-"مازن عارف كل ألاعيبها دي ، بالنسبة ليه واحدة زيها زي غيرها"
فتاة كغيرها وتتعامل معه بتلك الأريحية تصل إلى تقبيله أمام الجميع!
فتاة كغيرها يجذبها للخارج فجأة ويعود من غيرها ، يبدو أنها غادرت الحفل بعد حديثهما!
تنهدت بعنق وكل تلك الأفكار تدور في عقلها ، تشعر بوجود شيء خفي يجمعهم.
بينما هي شاردة وجدت النادل يتقدم منها حاملًا باقة الورود المفضلة لديها يقول :
-"آنسة هدير بوكيه الورد ده جه لحضرتك"
أخذت باقة الزهور ناظرة لها بحيرة ، فتحت الكارت تقرأ ما فيه :
"تقول الوردة وتعبّر لك عن مدى شوقي وحنيني..
أنتِ أجمل من الأزهار
وعيناكِ أنقى من ماء البحار
ولد حبنا مع نمو الأزهار
و كبر بعدد حبات الأمطار"
رفعت نظرها تلقائيًا إلى مازن وجدته ينظر لها ويغمز ثم عاد لحديثه مع الرجل ، ظنت أنه من قام بإحضارها ، كادت أن تقترب منه فوجدت النادل مرة أخرى يقدم لها كارت آخر على صينية من الفضة ، فتحته تقرأ :
"سأجمع اليوم الورد لكن لمن أهديه؟
عينكِ ، أم خديك؟
لا تخجل فالورد أنت
وحدائق الورد في خديك
والشمس تشرق عندي من محياك
فكف الخجل إن كتبت اليوم قصيدة في وصف عينيك أو جداول الليل في خصلاتك"
عقدت حاجبيها بدهشة وحيرة من هذه الكلمات ، فمازن مهما كان لن يلجأ لهذه الأساليب فهو من النوع الصريح الذي لا يخجل.
ألتفتت حولها علها تجد صاحبها لكن لم تجد أحد فالكل منهمك بالحديث سواء بالعمل أو أحاديث السيدات عن الموضة والتسوق.
وجدت آخر وصلها فزفرت بحنق
"ألم نكتفِ بعد؟!"
فتحته بغضب :
"هل أهديك شعرًا أم أهديك باقات من الورد
ولو أنّ الورد سيغار من جمالك ويخجل أن ينظر إليك
إذا أردتِ معرفتي ستجديني عند منشأ الزهور"
فكرت ماذا يعني بمنشأ الزهور؟!
تذكرت مكانها المفضل عند أحواض أزهارها ، فوضعت باقة الورد بين يدي النادل وتقدمت تخطو إلى حيث هو.
ابتعدت عن الحضور وجدته يقف موليًا ظهره لها ، فتقدمت ببطيء تقول بحذر :
-"أنت مين؟"
التفت لها مبتسمًا فشهقت بفزع تعود خطوتين إلى الخلف تضع كفيها علي فمها وقالت :
-"كـريـم!"
وضع يديه في جيب بنطاله يتأملها من خصلاتها حتى نهاية ثوبها ، يبتسم بغموض وهو يقول :
-"مكنش لازم أفوت مناسبة زي دي من غير ما أبارك ليكِ ، وأبعت لك وردك المفضل ، شوفتِ لسه فاكر كل تفاصيلك"
هتفت به بشراسة وغضب من جراءته التي تكاد تتحول إلى وقاحة :
-"عايز ايه يا كريم ؟
جاي ليه؟"
تقدم منها بخطى ثابتة إلى أن أصبح على بعد خطوة واحدة منها ليهمس بأذنها بنبرة تملكية أنفاسه تلفح عنقها فتشعر بالبرودة والجمود تلفح جسدها ليس تأثرًا بل اشمئزازًا :
-"عايزك ، هدير أنتِ بتاعتي من زمان.. مش عشان غلطة بسيطة تنهي كل اللي بينا ، أنا غلطت وأنتِ غلطتِ لما مسمعتنيش"
دفعته بقوة للخلف وقد تمكن الغضب منها ، أنفاسها تعالت ووجها احتقن بالدماء ، نظراتها قست و صرخت بوجهه قائلة :
- "غلطة!
اللي عملته غلطة ونرجع!
أنت خلاص أتجننت يا كريم"
تركته وكادت أن تعود للداخل ، فأمسك ذراعيها يديرها إليه فاصطدمت بصدره بقوة لتشهق بفزع يصرخ بها يهز كتفيها :
-"أتجننت!
وبتسألي عايز ايه؟
مش السبب اللي سبتيني عشانه هو الخيانة!"
رفع كفها الأيمن الحامل لخاتم خطبتها من مازن في بنصرها يضغط عليه بقوة حتى كادت تتأوه من الألم هاتفًا :
-"رميتِ دبلتي اللي كانت في إيدك بدل الدبلة دي ،
وقبلتِ تتجوزي واحد البلد كلها عارفة هو مين بالضبط؟!
ردي إيه الفرق بيني وبينه؟"
كان مع كل عبارة له يضغط على ذراعها بألم ويهزها ، نظراته السوداء اشتعلت من الغضب في ذكرى قديمة حضرت بينهما الآن ، زاد سواد حدقتيه لمعةً عندما فطن أنها ستكون لغيره
ولمن؟
لغريمه الأول والأخير!
لكنها لم تفطن أنه رجل ما ان سقطت عيناه على شيء وأراده لم يتوانَ في فعل المشروع وغير المشروع في سبيل أخذه!
كادت تهم بالرد لكن وجدت من يجذبها من خصرها تلاها سقوط كريم على الأرض أثر لكمة جاءت من جانبها أصابت فكه.
استدارت بصدمة واضعة كفها على فمها تمنع شهقة تريد الخروج من جوفها ، وجدته مازن يصرخ به وهو ينحني نحوه :
-"هدير مراتي ، عايز تتكلم يبقى تكلمني راجل لراجل مش تستخبي في الضلمة.
عايز تعرف الفرق بيني وبينك؟!
إني مخدعتهاش ، زي ما قولت الناس عارفة أنا مين ، لكن أنت كنت قدامها الملاك البريء ومن وراها شيطان"
ضحك كريم وهو يقف يعدل من هندامه ، ثم فاجأ مازن بلكمة جعلته يفقد توازنه ويعود للخلف لولا جسد هدير التي سندته بيدها ، اضطربت خوفًا عليه ولم تشعر بنفسها إلا وهي ترفع كفها المرتعش تتحسس فكه تقول بقلق وتوتر :
-"مازن أنت كويس.. حصلك حاجة؟"
ثم نظرت إلى كريم صارخة بذهول :
-"أنت مش طبيعي؟
أنت إيه اللي عملته ده؟"
نظر لها بسخرية وابتسامة جانبية يميل رأسه للجانب :
-"خايفة عليه يا حلوة"
ولاح بنظراته لمازن متهكمًا :
-"أنت متأكد إنها تعرف عنك كل حاجة!
متعملش أنت الملاك البريء يا سيوفي ، هدير من زمان وهي ليا وهتفضل ليا"
جذبها مازن خلفه أكثر حتى التصقت بظهره يحميها ونظر له قائلًا بتشفي وسخرية أشعلت جنون الآخر :
-"ويا ترى تعرف أنك ورا أزمة أبوها؟
إنك أنت اللي اتفقت مع سكرتيرة أبوها تبدل أوراق مهمة بأوراق مزورة وكده يخسر كل أسهمه في البورصة!
ولا مقولتلهاش كمان أنك اتفقت مع السكرتيرة بردو تحط له حبوب في القهوة تسبب له جلطة"
شهقت من خلف ظهره بصدمة وتمسكت بسترته أكثر ، تعلم أنه خلف ما حدث لأبيها من خسارة ولكن أن يحاول قتل أبيها؟
هل وصل به الحقد إلى هذه الدرجة؟
همست من خلف مازن بأعين غائرة مليئة بنظرات الصدمة :
-"حاولت تقتل بابا!
هي خلاص وصلت بيك لكده؟"
مال كريم برأسه بابتسامة خبيثة ما لبست أن تحولت إلى قهقهة عالية يجيبها :
-"في حاجات كتير أنتِ متعرفيهاش ، أنتِ اللي طيبة وبتدوري على العالم المثالي في زمن انعدمت فيها المثالية"
ضغط مازن على كفها يبثها الطمأنينة والأمان ، ليوجه حديثه له :
-"لآخر مرة يا كريم أشوفك تقرب من مراتي أنت فاهم؟
هدير خط أحمر ، قبل ما تفكر تقرب منها فكر قبلها ألف مرة لأن أنا اللي هقف ليك"
أنهى حديثه وجذبها معه برفق إلى الداخل تاركًا إياه ينظر في أثرهما في صمت.
لم تكن النيران بحاجة سوى لبضعة قطرات من الوقود كي تزداد اشتعالًا!
بكلمتين فقط أعلن انتهاء الحفل ، ثم أخذها للخارج متجهًا إلى سيارته ، أجلسها بها ثم انطلق بسرعة وغضب ، كل هذا وهي صامتة شاردة ، أسئلة كثيرة تدور بعقلها
لماذا حاول كريم قتل أبيها؟
ماذا يقصد بأن هناك الكثير خفي عنها لا تعرفه؟
بل كيف علم مازن بكل هذه التفاصيل؟
نظرت إليه تتأمله يظهر على ملامحه الغضب والقسوة ، تشعر بشدة نظراته التي تحولت الى سواد بئر عميق قاسٍ ، يقبض على مقود السيارة في حرمة يحاول بها التحكم بغضبه.
حاولت أن تحث ذلك الصامت أمامها على النطق ، فالتفتت تنظر إليه وتقول :
-"ممكن تقولي أنت واخدني على فين؟"
نظر إليها بجانب عينه ثم انتبه إلى الطريق أمامه ولم يعرها اهتمام ، فأنتابها الغيظ من أسلوبه وصرخت بغضب :
-"مازن رد عليا ، رجعني على البيت دلوقتي ، أنا مش عايزة أروح معاك في حتة"
استمر في صمته وتجاهله ، فوصل غضبها إلى منتهاه وأمسكت بمقبض السيارة تريد فتحه وقالت له بتهديد :
- والله يا مازن لو ما رديت عليا ورجعتني دلوقتي حالًا البيت هفتح الباب وأنزل ، وأنت عارف إني أقدر أعملها"
أمسكها من ذراعها فجأة وجذبها نحوه فاصطدمت بذراعه وتمسكت به بقوة حتى تستعيد توازنها ، ليغلق باب السيارة من الداخل وانحنى لها بهمس مخيف :
-"اتقِ غضبي دلوقتي يا هدير ومتتكلميش لحد ما نوصل"
نظرت له بغضب وصمتت بعد أن دفعته بعنف مغتاظ مكتفة ذراعيها أمام صدرها وأشاحت بوجهها عنه تنظر من نافذة السيارة.
وبعد قليل
وقف بسيارته أمام فيلا صغيرة مكونة من طابقين فقط.. فُتحت البوابة إلكترونيًا بمجرد وقوف السيارة أمامها ، فدلف إلى الداخل بسرعة كبيرة.
حالت بنظرها تتأمل المكان من حولها ، الحديقة منسقة وجميلة وكأن هناك من يعتني بها كل يوم ، بها أنواع كثيرة من الاشجار والورود الجميلة ، تتابع الممر التي تسير بها السيارة بتلك الأحجار المرصوصة على جانبيه ، حتى وقفت السيارة أمام سلم يؤدي إلى الداخل.
هبط يفتح لها الباب ، وأنزلها يجذبها خلفه إلى الداخل دون أن ينبس بكلمة ، وما أن دلف إلى الداخل حتى تركها وجلس يدخن سيجارته يهز رجليه بغضب وتوتر يفكر
كيف لهذا الشخص أن يأتي إلى الحفل وهو يعلم أنه خطيبها السابق!
تذكر عندما ألتفت حوله بحثًا عنها فلم يجدها ، سأل الجميع عليها قالوا أنهم لم يروها ، رأي النادل يحمل في يده باقة الزهور التي رآها معها فأستوقفه وقرأ الكارت الذي كان يحمله فعلم أنها اتجهت إلى الحديقة الخلفية ، فذهب خلفها حتى يرى لماذا ذهبت إلى هناك؟!
فوجئ عندما وجد كريم يمسكها بهذه الطريقة يعترف لها بحبه ، شعر بالدماء تغلي في عروقه فلا أحد له الحق في لمسها غيره ، فهي صارت ملكه ، زوجته ، وحقه.
لم يشعر بنفسه إلا وهو يجذبها نحوه لاكمًا وجه كريم لأنه وضع يده عليها وصراخه عليها ، ثم أخذها وأعلن انتهاء الحفل حتى يستطيع أن ينفس عن غضبه ويعرف سبب مجيئه إلى الحفل .
ظلت تتطلع حولها بدهشة من المكان ، ردهة واسعة بصالون من الخشب الزان القوي بلونين الأحمر والبني ، وكثير من التحف الفنية واللوحات التي تزينها ، وسلم طويل يؤدي إلى الطابق الثاني ، فكرت
ترى لمَ يمتلك بيت ثان غير الذي يعيش فيه مع والدته وأخته؟!
توجهت بنظرها إلى الجالس أمامها يدخن بشراهة لم يتحدث بشيء منذ أن أخذها وخرج ، أنتابها الغيظ من سكوته والهدوء فاقتربت تأخذ السيجارة من يده تطفئها في المنفضة الموضوعة على الطاولة أمامها ونظرت له قائلة بغضب :
-"ممكن تبطل سجاير عشان اتخنقت ، وتقولي أنت جايبني هنا ليه؟"
ظل يطالعها وهو جالس بنظرات ثابتة تخفي كثير من الغيظ ، ثم وقف فجأة ووضع يده في جيب بنطاله يقول بهدوء مخيف :
-"ممكن تفهميني أنتِ إيه اللي حصل؟
إيه جاب كريم على الحفلة؟"
رفعت حاجبها الأيسر بدهشة وسخرية وكتفت ذراعيها أمامها وبنبرة برود قالت :
-"وليه عايز تعرف؟!
أظن أنا مسألتكش ايه اللي جاب أنسة سردين ولا أنت روحت معاها تعمل إيه!"
-"سردين!"
قالها بدهشة وتعجب :
-"أيوه اللي شبه السحلية دي ، يبقى مش من حقك تسأل"
أمسكها بقوة من ذراعيها وقربها منه حتى لفحت أنفاسه الحارة صفحة وجهها ، ظهرت علامات الألم عليها ولكنها أخفتها بسرعة حتى لا يلاحظها ، تسمعه يهمس ببطء مخيف :
-"مش من حقي إيه؟
مش من حقي أسأل!
إذا كان أنتِ نفسك بقيتِ حقي!"
قربها منه أكثر فتلامس الجبينان وتابع بهمسه :
-"متحاوليش تستفزي أعصابي لأنها هايجة لوحدها ، كريم منصور كان بيعمل إيه معاكِ يا هدير"
كانت تراقب تعابير وجهه ، وجهه شديد الاحمرار ، عينيه اشتدت زرقتهما، أصابعه ستخترق جلدها من شدة قبضته عليها
أهذه غيرة؟
لا لا كيف تكون غيرة ولا يوجد حب؟
كلاهما يعلم سبب الزيجة ، هو أرادها ليرضي غروره بامتلاك فتاة رفضته ، وهي وافقت كي تنقذ والدها!
صرخ باسمها حتى تجيبه ، ليأخذها عقلها لتلك الذكريات التي كانت بها خطيبة كريم ، تتذكر كل ما حدث وسبب هذا الكره والحقد بينهما؟
صراخه كان يشبه نفخة هواء هادئة فوق قبر الذكريات تنفض الأتربة الكثيفة من فوقه!
إصراره كان المفتاح لهذا الصندوق كي يُفتح وتخرج من دفنته بيدها إلى النور!
شعرت أنها على وشك الانهيار خاصة بعد إصراره على معرفته بما يحدث ، فدفعته عنها تفرك ذراعيها وتقول :
-"معرفش ، معرفش إيه رجعه على حياتي تاني؟
كل اللي أعرفه إني لاقيته قدامي بيعاتبني على حاجة مش من حقه"
نظرت له وابتسمت ابتسامة سخرية هاتفة بشراسة :
-"عاوز تعرف السبب؟
السبب إن كلكم شبه بعض ، تدوروا على متعة نفسكم وبس ، وقدامها عد كام قلب بنت بتكسروه؟
كام بنت قبلت ترخص نفسها عشان تنول شرف نظرة من واحد زي مازن السيوفي ولا كريم منصور؟"
نظر لها بذهول من ثورتها وحديثها ، يبدو أنها تلقت الكثير ، مما جعلها تتحدث بتلك الطريقة الغاضبة فقال بهدوء مرتقب :
- "إيه اللي حصل؟"
-"مفيش حاجة ، من فضلك مش عاوزة أفتكر حاجة من اللي فات ، وكمان دي حاجة شخصية مش عاوزة أتكلم فيها"
قالتها تدير له ظهرها تريد الهرب ، فكادت تذهب إلا أنه أمسكها من ذراعيها وجذبها نحوه يهمس :
-"طالما اللي فات موجود وأنتِ بقيتِ على ذمتي يبقى يهمني.. تقدري تقولي لما أشوف واحد يقولك إنه بيحبك ويقارن نفسه بيا المفروض أعمل إيه؟
بس اللي أنا متأكد منه إنه آذاكِ ، قولي لي عمل ايه؟"
نظرت له نظرات شاردة متمسكة بكتفيه متطلعة إلى عينيه التي تبثها التشجيع لإخراج ما ؤدته بداخلها ، فأخذ عقلها ذاكرتها إلى ثلاث سنوات مضت....
أضواء جميلة هادئة
حديقة مزينة بطريقة تخطف الأنفاس
ببالونات ملونة وورود
أقامت الحفل كي تحتفل بعيد ميلاد والدها بالرغم من رفضه ولكنها أصرت ، كان يقف بجانب رأفت منصور وابنه يتحدثون بخصوص العمل ، نظر كريم وجدها قادمة تتهادي في مشيتها.
كحورية صغيرة تتهادى على ممر من زجاج ترتدي حذاء عالٍ خشية من السقوط ، لكن في ذات الوقت خطوات مليئة بالثقة والأنوثة تسرق الأنفاس!
راقبها تقترب منهم بابتسامة جميلة ووضعت يدها على كتف والدها وقالت :
-"أنت هنا وأنا عمالة أدور عليك ، يلا عشان نطفي الشمع"
أحاطها سالم بذراعه وقال بابتسامة :
-"عيوني حاضر بس تعالي أعرفك..
رأفت منصور صاحب شركة من كبار شركات المقاولات في مصر وده ابنه كريم"
ثم ألتفت إلى رأفت قائلًا :
-"ودي هدير بنتي يا رأفت"
مد يده إليها يسلم عليها يقول :
-"ما شاء الله يا سالم بنتك زي القمر ولا إيه يا كريم؟"
أخذ كفها من يد والده يقبل ظاهره ينظر لعينيها هامسًا :
-"أكيد طبعًا ، الجمال اتخلق ليها"
طويل الهيئة.. ضخم البنية ، ذو ذقن كثيفة لكنها مهذبة ، يظهر على ملامحه الشراسة والعبث ونظراته يشوبها الخبث.
صمتت قليلًا قبل أن تومئ برأسها وابتسامة صغيرة على شفتيها :
-"ميرسي علي المجاملة دي"
جذبت يدها من كفه والتفتت لوالدها قائلة :
-"يلا يا بابا نطفي الشمع كده هنتأخر"
ذهبا تحت أنظار كريم الذي رفع كوبه إلى فمه يتجرع مشروبه وهو يتفحصها وعلى فمه ابتسامة خبث وعبث.
مر يومان ، كانت خارجة من جامعتها في آخر سنواتها الدراسية في كلية الإعلام ، فوجئت بإطارات سيارتها فارغة فوقفت تراقبها بغيظ "فكيف ستعود الآن؟!"
فجأة ظهر كريم بسيارته ، هبط منها ورفع نظارته عن عينه متقدماً منها يقول بابتسامة :
-"صباح الخير ، إيه اللي حصل؟"
نظرت له بدهشة من ظهوره المفاجئ!
من أين ظهر الآن؟
-"أنت بتعمل إيه هنا؟"
-"ليا واحد صاحبي معيد في الكلية كنت بزوره ، وأنا خارج شوفتك واقفة وعجل العربية نايم ، تفضلي أوصلك ونبقي نبعت حد يجيب العربية"
نظرت لإطارات سيارتها بصمت ثم رفعت أنظارها إليه بحيرة فوجدته يشير لها أن تتقدمه ، فاضطرت الركوب معه.
وفي الطريق تعرفا على بعضهما البعض وتحدثا في أمور عدة. مرت الأيام وصارا أصدقاء مقربين ، إلى أن جاء اليوم وكانا يجلسان سويًا في قرية والدها السياحية بالغردقة ، وجدته يقول لها دون مقدمات :
-"هدير أنا بحبك"
سعلت بشدة وهي تشرب عصيرها ثم نظرت له بذهول و
ضحكت بقوة وهي تنهض من مكانها قائلة :
-"كريم بطل هزار وقوم خلينا نشوفهم راحوا فين"
أمسك كفها يمنعها من التحرك ، فنظرت له بدهشة ونظرتها تحيل بينه وبين كفه ، ملامحه ثابتة ونظراته بعيدة كل البعد عن العبث :
-"ومين قالك إني بهزر؟
هدير أنا بحبك من أول يوم شوفتك فيه في حفلة باباكِ ، خطفتيني برقتك ، لما قربت منك حبيتك أكتر ومش متخيل حياتي من غيرك"
نهض من كرسيه وأمسكها من ذراعيها يقربها نحوه ببطيء وقال ينظر في عينيها :
-"وأنتِ كمان بتحبيني متنكريش ، قولي أنك بتحبيني"
أسدلت جفنيها وتنفست ببطيء واللون الأحمر يتمكن ببطء من وجنتيها ثم قالت :
-"معرفش ، معرفش يا كريم مشاعري دي إيه!
خايفة تكون تعّود أنك في حياتي وممكن يكون إعجاب ، أنت دخلت حياتي فجأة ، عمري ما جربت مشاعر الحب وخايفة منها"
-"متخافيش لأن عمري ما هجرحك ، هما مش عملوا الخطوبة عشان الاتنين يتعودوا على بعض خلينا نجرب وصدقيني مش هتندمي"
★★★★★
نظرت هدير لمازن الواقف أنامها ينصت لحديثها باهتمام يجدها تبتسم بسخرية قائلة :
-"وندمت.. ندمت على ثقة أديتها لشخص أبسط اللي يتقال عنه إنه شيطان في صورة إنسان ، ندمت إني سلمت قلبي ليه"
-"عمل إيه؟"
قالها بهمس مرتقب لما ستجيبه وشعور كبير ينتابه أنه لن يسره ما سيسمعه.
تمت خطبتهما ، قضت أجمل أيام حياتها كما كانت ترى من معاملته وحبه لها ، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
يجلس في ملهي ليلي في أحد الفنادق المعروفة مع أحد أصدقائه ، يتناول المحرمات وينظر إلى الفتيات بملابسهن تكشف أكثر من أن تستر ، يتراقصن على الأنغام الصاخبة يتمايلن بأجسادهم وهن يترنحن من أثر الشراب ، كان يتابعهم بعين ذئب يختار فريسته لهذه الليلة.
ألتفت له صديقه يغمز :
-"وأنا اللي قولت أنك خلاص توبت بعد ما خطبت ، إيه اللي جابك هنا تاني يا دنجوان!؟"
تجرع كريم كأسه مرة واحدة يتابع إحدى الفتيات التي كانت تنظر له هي الأخرى نظرات مغرية وقال :
-"ومن امتى الدنچوان بيتوب؟!
هدير دي واجهة بس ، أبوها صاحب أكبر شركات السياحة في مصر ، غير أن هي جمالها دخل دماغي ، وسكتها الحب والجواز ، لكن إني أكتفي بواحدة وأسيب الجمال اللي هنا ده كله لا أتعب ، وأنت أكيد ميرضكش صاحبك يتعب"
ضحك الآخر بشدة حتى أدمعت عينيه وقال :
-"أنت شيطان"
غمز له كريم واتجه إلى الفتاة التي كانت تغويه بنظراتها وحركاتها المغرية فألتقط الطعم ، أخذها وخرج من الملهي متجهًا إلى سيارته ومنه إلى بيته.
وفي ذات اللحظة كانت هدير تخرج من قاعة المؤتمرات بالفندق حيث كانت تحضر مؤتمرًا صحفيًا يخص دراستها وعملها ، فرأته يتجه لسيارته وتلك الفتاة يحاوطها من خصرها تضحك ضحكات ماجنة ثم انطلق بها.
وقفت في مكانها يعتلي وجهها صدمة لما رأته
كريم يخونها؟
لا.. لابد أنها تتخيل ، عليها أن تتأكد بنفسها!
أخرجت هاتفها تتصل به ولكنه لم يجب ، فأسرعت لسيارتها واتجهت بها لبيته.. أخبرها أنه يمتلك منزلًا خاص به بعيدًا عن منزل والده ، فبالتأكيد سيذهب إلى هناك.
طوال الطريق تحاول أن تبث لنفسها أن ما رأته تخيلات ، فكريم من المستحيل أن يخونها ، هو في كل حركة يعبر لها عن حبه وتمسّكه بها إلى النهاية.
وصلت إلى العمارة الموجود بها بيته ، فوجدت سيارته بالأسفل ، أسرعت تصعد الدرج راكضة ، وقفت أمام باب الشقة وكادت أن تطرق الباب سمعت أصوات ضحكات ماجنة تأتي من الداخل فأخذت ترن الجرس.
سمع رنين الجرس فزفر بضيق وشتم صديقه في سره لمجيئه في تلك اللحظة ومقاطعته عما يفعله فهو الوحيد الذي يعلم بوجوده هنا.
فتح الباب وهو يرتدي بنطاله فقط وصدره عارِ.
أعتلت الصدمة وجهه لرؤية هدير أمامه ، فهي آخر الاشخاص الذين من الممكن أن يأتوا إلى هنا
همس بصدمة :
-"هدير!"
اندفعت إلى الداخل ورأت الفتاة نائمة في سريره تغطي نفسها بالفراش ، فشهقت بصدمة تشعر بالغثيان لما رأته.
ظلت تعود للخلف ويدها على فمها من هول الصدمة ، وكادت أن تركض وجدت من يجذبها من يدها وقال :
-"هدير استني ...!!"
لم تدعه يكمل حديثه حتى هبطت بكفها الصغير على وجنته بصفعة جعلت وجهه يميل إلى الجهة الأخرى من قوتها ، نظرت له باشمئزاز وغضب لحقيقته التي رأتها للتو :
-"جرب بس أنك تلمسني مرة تانية ، وأنا قسمًا بالله لأخليك تندم ندم عمرك كله ، أنت إنسان سافل وحقير وأنا مش عايزة أشوف خلقتك دي تاني"
خلعت دبلته ورمتها في وجهه ، لكن قبل أن تذهب وجدته يغلق الباب ينظر لها نظرات خبيثة وعلى فمه ابتسامة شر :
-"رايحة فين يا حلوة؟
هو دخول الحمام زي خروجه ، حيث بقى إنك عرفتِ الحقيقة خليني أقولك الباقي"
أخرج سيجارته من علبته الموضوعة على الطاولة خلفه يشعلها يستنشق دخانها بقوة ثم يزفره لأعلى ، اقترب منها وابتسامته المثيرة للاشمئزاز مازالت مرتسمة على ثغره وتابع :
-"من أول ما شوفتك دخلتِ دماغي ، عجبتيني في كل حاجة شكلك ، جمالك ، جسمك ، لبسك ، كل حاجة.
مكنش في سكة ليكِ غير الجواز والحب وده تمثيله مفيش أسهل منه"
أشاحت بوجهها للجانب وتعابيرها تعبر عن مدى اشمئزازها من هذا الحديث ، ليقهقه قليلًا من ردة فعلها وتابع :
-"أنا اللي هويت لك عجل عربيتك ، واحدة واحدة بدأت أدخل حياتك.. وكنت ناوي أكمل بس أعمل إيه؟
أنتِ جيتِ فجأة وشوفتِ اللي شوفتيه"
تستمع إلى كل كلمة وقلبها يتساقط قطعة قطعة معها ، أحبته بصدق لا تعلم متى وكيف؟
لكنها أحبته.. وبمقدار الحب كان الندم!
ندم على ثقة أعطتها لشيطان في صورة إنسان..
ندم على قلب أحب ذلك الحقير بصدق..
ندمت على لحظة فرحة وسعادة أعطتها له.
نظرت له بأعين ضائعة وهمست بصوت يكاد يسمع وهي تتجه لتخرج :
-"أنت أحقر بني آدم أنا شوفته في حياتي ، ابعد من وشي"
لم يتركها تتخطاه بسهولة ، بل أحاط خصرها بيده يضمها لصدره بقوة يضحك ضحكة أشمئز جسدها منها يترنح جسده بها من أثر ثمالته :
-"أسيبك!؟
بما أنك ضيعتِ الليلة عليا فلازم تعوضيني"
بدأت في مقاومته وإكالة الضربات على صدره ، تصرخ به ليبتعد عنها ويتركها وهو يحاول تقبيلها ويديه تتلمس جسدها بحقارة.
استطاعت التخلص منه ودفعته بقوة جعلته يسقط أرضًا ، وكادت أن تهرب أمسكها من قدمها جاذبًا إياها بقوة حتى سقطت بجانبه ، فجثى بجسده فوقها رافعًا ذراعيها لأعلى مثبتًا إياهم ويمنعها من الهرب.
أخذت يديه تعبث بأزرار كنزتها يكشف عن جسدها ورقبتها ثم هبط ينهال عليها بالقبلات ، وهي تصرخ به محاولة فك ذراعيها من قبضته ، تنتفض من أسفله تحاول دفعه عنها.
استطاعت أن تحرر يدها من يده ونظرت جانبها وجدت مزهرية موضوعة على الطاولة ، حاولت الوصول إليها ونجحت.
أمسكت بها وانهالت على رأسه مرتين حتى سقط بجانبها يتأوه من الألم ، فلملمت شتات نفسها وقامت راكضة من ذلك المكان.
هبطت للأسفل واستقلت سيارتها تقودها بأعين باكية ، دموعها تهبط بكثرة وشهقات عالية ، تضرب المقود بين الحين والآخر بحرقة قلب تعصف بكيانها.
صفت سيارتها على جانب الطريق تستند برأسها على المقود جسدها ينتفض بشدة ، تحاول أن تهدأ حتى تستطيع الوصول إلى المنزل.. ظلت هكذا بضعة دقائق قبل أن ترفع رأسها شاردة محدقة في الفراغ وعلامات الشراسة والإصرار على وجهها لفعل شيء ما.
قررت أن تنتقم لنفسها في وقتها وقبل أن تصل لبيتها ، أخرجت هاتفها تتصل بالشرطة تخبرهم عنوان شقته وقيام أعمال مخلة بالآداب من قبل ابن رجل الأعمال رأفت منصور.
وصلت منزلها وصعدت لغرفتها دون أن ينتبه لها أحد فلقد كانت حالتها مزرية.
دلفت للداخل ملقية حقيبتها بإهمال لتسقط على الارض ثم اتجهت إلى المرحاض تقف تحت المياه بملابسها ترجوها أن تزيل أثار لمساته من على جسدها ودموعها تحرق وجنتيها
وجع قلبها أقوى من وجع جسدها!
بكت وبكت حتى جفت الدموع من عينيها ، فخرجت تبدل ملابسها وألقت الأخرى في سلة المهملات ، تكورت على نفسها في وضع الجنين على سريرها وظلت محدقة في نقطة ما في الفراغ وكأنها لا تشعر بما يحدث حولها.
كانت الخيانة والغدر خطيئته
وكان الكبرياء والقسوة خطيئتها
وحين التحمت الخطيئتان
كان الفراق مولودهما
★★★★★
عادت لأرض الواقع تحاول التنفس ، ودموعها تنزل بغزارة ، ابتلعت لعابها بصعوبة تلتفت لمازن الواقف خلفها فاصطدمت به ليحيطها بذراعيه وأسندت كفيها على صدره تقول منتحبة :
-"فضحته.. فضحته بنفسي يا مازن
كرهته وكرهت اسمه وكرهت حاجة اسمها حب"
هزت رأسها بيأس تستند برأسها على كتفه ، جسدها ينتفض بقوة من أثر الذكرى هامسة تقبض بشدة على قميصه :
-"أكتر حاجة بكرهها الخيانة والكذب..
أنا ممكن أسامح أي حاجة غير كده"
يده تغلغلت في خصلاتها يضمها إلى أحضانه بقوة.
قوة خارجة عن إرادته أراد بها إدخالها بين ضلوعه ولا يعرف السبب!
يضمها إليه يشعر بكثير من المشاعر بداخله..
غضب وحنق مما حدث لها ، كيف لحقير مثله أن يفعل بها هكذا؟!
غيرة أنها كانت ملك لغيره ، أعطت قلبها ومشاعرها وحبها لذلك الشخص الذي أستغلهم.
فخر ممزوج بدهشة من قوتها وقدرتها على الأخذ بحقها ولم تتهاون به ، لم تكتفِ بالإبلاغ عنه لا بل فضحته بنفسها في الجريدة التي تعمل بها ، فكانت ضربة قوية له أن يتم هذا على يد خطيبته.
قلق عابر من كلماتها الأخيرة وهي كرهها للخيانة والكذب ، ليتذكر نادين واليوم السابق ليوم ذهابه لطلب يدها.
فتأكد أن طلاقه لها أفضل شيء حدث.
أنت تقرأ
الحب سبق صحفي " مكتملة "
Romanceهي :- أنا فتاة عشت لـ نفسي , لـ حريتي , أعيش في مملكتي , ارفض القيود , أحب الحياة, أعشق الحرية , ولكني لن أنسى أني شرقية , ابنة رجل الرجال , وأخت فرسان , وحبيبة رجل ليس ككل الرجال .... أنا امرأة لا أنحنى إلا في صلاتي .. و لا أصمت إلا عندما ينعدم كلا...