الفصل التاسع
انتهت الليلة..
هناك من يقضيها غارقًا في طي ذكرياته
ودفاتر الماضي التي أغلقت منذ زمن!
وهناك من يقضيها سعيدًا
متأملًا أن يصل لمراده وينال محبوبته!
وآخرون يتجرعون مرارة فقد الحبيب وذهابه لشخص آخر
أمام عينيه ولا يستطيع فعل شيء سوى تمني السعادة له بقلب منفطر!
★★★★
انتهى الحفل بإعلان مازن وذهابه برفقة هدير ، فأخذ رامز ميرفت وأسماء ليقلهم إلى المنزل.
كان الصمت هو المهيمن عليهم طوال الطريق ، فميرفت تفكر في ابنها وما حدث اليوم!
هل كانت مخطئة فيما فعلته؟
هل كانت مخطئة عندما وافقته على ما ينوي؟
عادت بذاكرتها لهذا الصباح تتذكر حديثها معه....
-"ناوي على إيه يا مازن؟
قلبي بيقول لي إنك ناوي على حاجة كبيرة"
نظر لأمه بأعين ثابتة وابتسامة جانبية ارتسمت على ثغره تنم بالفعل على ما يدور بعقله ، ليقول :
-"ناوي أكتب كتابي على هدير النهاردة"
اتسعت عينيها من المفاجأة وصمتت قليلًا تحاول استيعاب ما يقوله قبل أن تقول بشرود :
-"كتب كتاب!
وهدير تعرف بكده؟"
ضحك بسخرية مجيبًا :
-"لا مفاجأة ، تفتكري لو تعرف كانت فضلت في بيتها مهربتش؟!
دي عاوزة تخلص مني النهاردة قبل بكرة"
تنهد وقبل رأس أمه يقول بحنان مفاجئ قبل أن تحاول الاعتراض أو إيقافه :
-"متقلقيش يا أمي ، أنا عارف أنا بعمل إيه!
وصدقيني ده كله حماية للكل وخصوصًا ليها..
وبعدين أنا تربية إيدك يعني اطمني"
ربتت على رأسه بحنان تقول :
-"ربنا يهديك ويريح قلبك"
عادت من شرودها تدعو الله أن يهدي ابنها.
أما رامز فكان شاردًا في أكثر من شيء..
غضب صديقه الذي أصابه فجأة مما جعله ينهي الحفل ويأخذ خطيبته ويذهب.
يفكر في القادم وماذا يخبئه الوقت بعد زواجه؟!
يفكر في حبيبته التي ملكت قلبه تجلس صامتة شاردة منذ أن انتهت رقصتهم معًا.
-"لو تعرفي اللي جوايا من عشق ليكِ ، عينك مش هتشوف لمحة حزن ولا ألم..
قلبي معرفش العشق إلا ليكِ ، ومعرفش الغرام إلا لعيونك"
نظر في المرآة إلى التي تجلس شاردة في كل ما حدث الليلة..
بداية من مفاجأة كتب الكتاب ، ومفاجأتها التي لا تقل شيئًا عن مفاجأة هدير عندما علمت بالأمر.
شاردة في غضب أخيها الذي ظهر جليًا على وجهه يجذب هدير خلفه بغضب.
خائفة مما سيحدث ، فهي أعلم الاشخاص بأخيها.
وانتهاءً بصدمتها عندما علمت أن قلب حبيبها ملك لغيرها ، وهناك أخري تسكن روحه وقلبه.
فالحب الذي كان يشع من عينيه لن يخرج إلا من قلب عاشق صادق ، ومغرم ولهان ، وهي لا تملك شيئًا غير أن تدعو الله أن يسعده ويريح قلبها.
"أيها القلب كفى دقًا لقلب لم يصبح من حقك أن تحبه
لقد صار ملًكا لفتاة غيرك ، اخرج حبه من قلبك وعامله كأي شخص آخر تعرفه ، كفاك وجعًا"
تنهدت وظلت تنظر من النافذة صامتة.
أراد رامز أن يضيف بعضًا من المرح فنظر إلى ميرفت قائلًا :
-"مبروك يا ميمي ، عقبال ما تجوزيني أنا كمان"
ابتسمت له بحنان مربتة على وجنته بحب صادق وتقول :
-"الله يبارك فيك يا حبيبي.. يوم المنى لما أشوفك عريس أنت كمان..
أنت مش عارف غلاوتك عندي قد إيه!
شاور أنت بس على أي واحدة وأنا أجوزها ليك على طول"
رفع كفها إلى ثغره ثم طبع قبلة عليه يضحك ويقول :
-"حبيبتي ربنا ميحرمنيش منك..
هي العروسة موجودة بس يا رب توافق"
قالها يلقي نظرة على أسماء الشاردة في الخلف :
-"ومين دي اللي ترفض واحد زيك؟
أنت شاب زي الفل ربنا يحميك"
ثم التفتت إلى ابنتها في الخلف عندما لاحظت صمتها غير المعتاد منها تسألها :
-"مالك يا أسماء؟
ساكتة ليه من ساعة ما خرجنا؟
أنتِ ورامز بتصدعوني من الرغي والنقير لما تتجمعوا"
ابتسمت لها ابتسامة باهتة تقول :
-"مفيش يا ماما ، أنا بس قلقانة على هدير..
منظرهم هي ومازن لما خرجوا بالطريقة دي مش مريحني ، خايفة يعمل فيها حاجة وهو متعصب"
تنهدت والدتها بقلق ونظرت للخارج من النافذة متمتمة :
-"ربنا يستر.. أنا بردو مش مستريحة ، شكله مكنش مطمني"
ثم التفتت لرامز وقالت :
-"جرب تتصل بيه شوفه ماله هو أكيد هيرد عليك"
نظر لها نظرات طمأنينة مبتسمًا :
-"متقلقيش ، مهما كان مازن عصبي مش هيأذي هدير"
بادلت نظراته بنظرات حزن تستدعي منه الطمأنينة ، وتذكرت حديثه أثناء رقصتهما ، فأشاحت برأسها حتى لا يرى دموعها ، لكنه سبقها ورآها..
رأى نظرات الحزن منها ، نظرات عتاب و حب لم يُعترف به سواء من جهتها أو من جهته..
لكن كفى!
سيعترف لها بحبه ، سيصرح لها أنها ملكه ومليكته!
لكن إن غدًا لناظره قريب!
★★★★★
كن منصفًا يا سيدي القاضي
ذنبي أنا رجلٌ له ماضي!
مستكينة في أحضانه ، متشبثة بقميصه لا تشعر بما حولها ، فذكرى ما حدث لها سابقًا ليس بالشيء الهين.
كانت طيلة الثلاث سنوات السابقة تحاول أن تتناسى ما حدث معها.
حاولت أن تتعايش وتقاوم حتى تنهض من جديد ، ونجحت..
صدقًا نجحت لكن عودته فتحت أبواب الماضي من جديد!
أيقنت أنها تعانقه ، فأكتسى وجهها حمرة خجل ، وحاولت أن تبتعد ، إلى أنه شعر بمحاولة ابتعادها فلم يسمح لها ، وشدد من ذراعيه حولها ، فرفعت رأسها تطالعه بأعين دامعة خجولة وقالت بصوت محشرج :
-"أنا بقيت كويسة الحمد لله"
ظل يتأملها دون أن يجيبها
كيف لفتاة أن تدعي القوة وبداخلها ضعف؟
فقناع القوة الذي يتلبسها ما هو إلا قشرة تغطي قلبًا ضعيفًا هينًا لا يتحمل أي وجع.
رفع إبهامه يمسح قطرات الدموع من فوق وجنتيها ،ثم ما لبس أن نطق هامسًا :
-"انسيه ، خلاص أنتٍ بقيتِ مراتي وفي حمايتي ، مفيش حد يقدر يقرب تاني منك ، لا هو ولا غيره"
ارتبكت من كلماته وتلجلجت في كلماتها فدارت برأسها حولها حتى وقعت عيناها على ذراعيه الذين يضماها فقالت بهمس خافت يغلفه الخجل :
-"طب ممكن تسيبني ونروح بقى ، أكيد الكل قلقان"
-"بس قبل ما نمشي ادخلي اغسلي وشك من الدموع دي"
أومأت بطاعة واستدارت تذهب إلى مكان المرحاض حيث أشار لها ، لكنها توقفت فجأة عندما فُتح الباب ودلفت نادين منه!
واجهتها بكامل جسدها ، اتساع عيناها ورفعة حاجبها الأيسر بدهشة ممزوجة بتساؤل كانت ردة فعلها لرؤيتها!
بداية وسوسة شيطانها لها في عقلها عن سبب مجيئها إلى هنا!
نظرت لها بشمول وعيناها تسقط على المفتاح في يدها وهمست:
-"نادين!"
انتبه مازن لهمستها ، ورفع نظره يجدها هي و نادين بمواجهة بعضهما..
اتسعت عينه بصدمة لوجودها هنا!
آخر ما يتمناه في هذه اللحظة بالأخص ذلك اللقاء.
يبدو أن قبر الأسرار مازال معبئ بآخرين على وشك الكشف عنهم!
تقدم منهم يقف بينهما فطالعه زوجان من العيون ، واحدة بنظرات تساؤل ودهشة ، والأخرى تحدي ومكر.
التفت بنظره إلى نادين وقال ببرود واضعًا يديه في جيبي بنطاله مشددًا جسده في وقفته :
"بتعملي إيه هنا؟"
لم تلتفت إلى نبرته الباردة ، ولا وقفته المهيبة وبادلته نظرته بمثيلتها ، بابتسامة جانبية خبيثة ارتسمت على شفتيها :
-"كان فيه شوية لبس ليا هنا من آخر مرة مكنتش أخدتهم ، وكنت معدية من قدام الفيلا خليت السواق يقف ونزلت عشان أخدهم"
لتلتفت ببصرها إلى هدير الواقفة مكتفة ذراعيها بصمت تتابع الحوار ، فأكملت قائلة بتلاعب :
-"بس مكنتش أعرف إنك هنا يا عريس.. سوري قطعت عليكم اللحظة دي"
كاد أن يهم بالرد لكن هدير قاطعته تتقدم منها خطوة تسأل بدهشة:
-"لبس ليكِ هنا من آخر مرة!"
ثم توجهت بنظرها لمازن رافعة حاجبها بسخرية :
-"إيه جاب لبسها هنا؟
وتقصد إيه من كلمة آخر مرة؟"
أسرعت نادين تجيب بدلًا عنه :
-"أصل...."
لكنه قاطعها قائلًا :
-"أصل من فترة قريبة باباها طلب مني يسكنوا هنا على ما التجديد اللي كان بيعمله في ڤيلته يخلص ، فكانوا قاعدين فترة ولسه ماشيين من أسبوعين وكان في شوية حاجات لنادين هنا.
" مش كدا يا نادين؟!
نظر لها نظرة وعيد على أن تقول عكس ما قاله ، فالتقطت نظراته وابتسمت بمكر ثم نظرت لهدير :
-"آه طبعًا يا هدير.. زي ما قال بالضبط"
رفعت حاجبها بعدم اقتناع تام تذم شفتيها بعبوس وتفكير قبل أن توجه حديثها إليه مكتفة ذراعيها أمام صدرها :
-"ولما هو زي ما بتقول ، ليه مفتاح البيت لسه معاها؟
وليه تيجي في الوقت المتأخر ده؟"
جاءها صوت نادين بنبرة خبث التقطتها :
-"الظاهر إنك زعلتِ إني قطعت عليكِ وقتك مع مازن ، حقيقي لو كنت أعرف إنكم هنا مكنتش قطعت عليكم خلوتكم..
لكن أنا جيت على أساس مفيش حد ، مكنتش أعرف إنكم مستعجلين قوي كده"
اتسعت عينيها بذهول وشهقت من وقاحتها وأسلوبها الجريء في الحديث ، فالتمعت عيناها بشراسة تقترب منها متظاهرة أنها تعبث بخاتمها ، وهبطت على أذنها تهمس :
-"مش هدير سالم اللي تبقى بالوقاحة دي ، الحركات دي سبتها لناس غيري"
قالتها بنبرة ذات مغزى أثارت حنق الأخرى ظهر جليًّا في نظراتها التي رمقتها بها بشذر لتكمل :
-"فحسّني أسلوبك يا نادين واعرفي بتقولي إيه ، وبتوجهي كلامك لمين"
ثم اعتدلت هاتفة بنبرة عالية :
-"وبعدين زعلانة ليه؟
واحد ومراته شيء طبيعي يبقوا في مكان واحد وفي أي وقت"
أشارت بيدها نحو الدرج الداخلي للفيلا قائلة ببرود :
-"تقدري تطلعي تجيبي حاجتك اللي نسيتيها عشان متتأخريش"
كانت الأخرى تغلي من الغضب من كلماتها ، ظنت بمجيئها هنا ستثير الشكوك في نفسها..
فعندما رأته يأخذها إلى سيارته وينهي الحفل ، علمت أن هناك شيء قد حدث ، وخمنت أنه سيأخذها إلى الفيلا حيث كانت تلتقيه هنا أثناء زواجهم.
بالفعل وجدت سيارته مصفوفة أمام الباب ، فقررت أن تلقي سمها لكن نظراته لها وكلماته منعتها من تنفيذ ما كانت تنويه ، فقررت أن تستفز أعصابها بطريقة أخرى أكثر خبثًا ، لكن رد فعلها كان لاذع لم تتوقعه.
وجدتها ليست بالشخصية التي ظنتها.. ظنتها ضعيفة طالما أُجبرت على تلك الزيجة ، ولكنها ليست بالخصم الذي يستهان به.
بدلًا من أن تصعد إلى أعلى خرجت من المنزل صافقة الباب خلفها بشدة تحت أنظار هدير الغاضبة.
طالعت الباب بصمت وهدوء يثير القلق قبل أن تلتفت إلى مازن الذي كان يطالع ما يحدث منذ أن ردت على نادين بتلك الكلمات ،
لكنه صمت عندما وجدها تتقدم منها ، وهمست بصوت خافت لكي لا يسمعها ، لكنه التقط كلماتها التي تعبر عن ثقتها بنفسها ،
وما أدهشه هو جرأتها عندما قالت أنه زوجها وما المانع من وجودها معه في نفس المكان وفي أي وقت؟
لم يعلم ما تلك المشاعر التي أثارتها الهاء في كلمة
"مراته"
وكأنها توثق ملكيته لها!
اشتعل بداخله إحساس مزدوج من الفرحة والإعجاب..
أراد أن يجذبها إليه ويقبلها قبلة يوثق بها صك ملكيته لها.
أخرجه من تأملاته نبرتها الغاضبة تقول مكتفة ذراعيها أمام صدرها :
-"ممكن تفهمني ايه اللي حصل من شوية؟"
فتح فمه ليتكلم فقاطعته مشيرة سبابتها أمامها بتحذير :
-"ومتقولش كانت ساكنة هنا والكلمتين اللي سكتها بيهم ، نظرتك ليها بعد كلامك كأنك بتقولها حذارِ تقولي غير اللي أنا قولته ، أكدت لي إن في حاجة تانية بتحصل"
ابتسم بانبهار من ذكائها ، يعلم أنها ليست من النوع الذي يصدق هذه الكلمات فهي صحفية وتتمتع بذكاء عالٍ ، لكنه أراد أن يخبرها بنفسه ، نظر لها وقال :
-"عايزة تعرفي إيه؟"
-"عايزة أعرف اللي أنت مخبيه يا مازن؟
إيه اللي جاب دي هنا في وقت زي ده بعد نص الليل؟
وإيه يخليها محتفظة بمفتاح بيتك لو زي ما بتقول كانت هنا مع أهلها ومشيوا من أسبوعين؟
كلامك مع الواقع مش منطقي يا مازن"
كشف عن ساعديه ، فظهرت عروق يده النافرة ، كأنه يأخذ وضع الهجوم لما سيهم بقوله ، أخرج سيجارته المعتادة وأشعلها يستنشق منها دخانها ثم نفثه لأعلى ، ونظر لها بعيون ثابتة قائلًا: –"نادين كانت مراتي"
لحظة!
زوجته؟
كيف ذلك؟
نظرت إليه باستنكار وعدم تصديق ، فكيف له أن يتزوج ويريد الارتباط بها؟
بل كيف لم تعلم بأمر زواجه من أخرى؟
تراه.....!!
اتسعت حدقتيها في ذهول مما استنتجته ، وسريعًا وضعت شكوكها أمامه في عبارات حادة قاطعة تهتف بغضب مكتوم :
-"مراتك أزاي مش فاهمة؟
معقولة مازن السيوفي يتجوز ومحدش يعرف ، إلا إذا كنت أتجوزتها ..."
صمتت ثانيتين قبل أن تردف بعدها ببطء تميل برأسها للجانب تناظره من أسفل أهدابها بحذر :
-"في السر!"
ثم ارتفع صوتها وهو يقابلها بنظرات غامضة ساكنة يراقب خلجاتها وردود فعلها بهدوء أثار غضبها بقوة :
-"عُرفي يا مازن صح؟"
ابتسم باتساع وهبط يطفئ سيجارته التي أنهاها في المنفضة ، ثم تقدم منها حتى صار على بعد خطوة واحدة ، ونظر لها يهبط إلى أذنها هامسًا بإعجاب :
-"أشهد لك إنك مش بس جميلة ، ل.. وذكية كمان"
تطالعه بذهول ، بأعين متسعة ، وفم مفتوح وهو يتحدث بهذه اللامبالاة..
مجروحة ليس لأنها تحبه فهي تمقته.. لم تبالغ إذا قالت أنها تكرهه ، لكنها مجروحة لأنها خُدعت بهذه الطريقة ، أخفى عليها أمرًا مهمًا مثل ذلك!
مجروحة أن واحدة مثل نادين تقف أمامها بتحدي ونظرة التشفي التي لاحظتها دون أن تعرف سببها ، لكن الآن أصبحت على علم بكل شيء!
قبل خمس دقائق أخبرته أنها تكره الكذب ، تسامح بأي شيء إلا هذا.. لتكتشف أنه كذب عليها!
لم تشعر بنفسها إلا وهي قافزة ماحية المسافة بينهما ، مسقطة بكل قبضاتها على صدره تصرخ به :
-"أنت إيه ، مجنون؟
ايه اللامبالاة اللي أنت بتتكلم بيها دي؟
قد كده بنات الناس رخيصة عندك ، تتجوز وتطلق زي ما بتغير بدلة من بدلك؟
كنت هتفضل تخبي عليا لحد امتى؟
لو ماكنتش جت هنا كنت هفضل مش عارفة حاجة صح؟"
أمسك بقبضتيها في يد واحدة ، وكفه الآخر وضعه خلف عنقها ، فكور شعرها بيده يجذب رأسها إليه يوقفها عن الحركة.
ينظر لعينيها التي اشتعلت من الغضب وتحولت إلى بركة عسلية وسط جمرة حمراء مشتعلة ، ووجهها شديد الاحمرار.
اشتعلت أنفاسه هو الآخر يعلم جيدًا الذي أتى في عقلها في تلك اللحظة.
لفحت أنفاسه وجهها وشفاه تحولت لخط مستقيم ثم همس بجدية :
-"اهدي يا هدير واسمعي ، اللي عايزك تعرفيه إني مش ملاك نازل من السما ، وفي نفس الوقت مش شيطان..
اعرفي أن عمري ما لمست واحدة في الحرام ، ونادين كانت مراتي ، سواء عرفي أو رسمي كانت مراتي..
لا عمري وعدت بنت بحاجة ، ولا أجبرت بنت على حاجة"
ظلت تنتفض بين بيديه حتى يتركها تحرك كتفيها في كلا الاتجاهين ، فقالت تضغط على أسنانها بغيظ :
-"أنت بتضحك عليا ولا على نفسك؟
أنت كلك غلط ، تصرفاتك غلط ، مبرراتك غلط ، كلامك غلط..
عمرك ما أجبرت بنت على حاجة؟
وجوازي منك ايه.. مش إجبار!
استغلالك للي كنت فيه لصالحك وغرورك مش إجبار"
صمتت تتنفس بقوة صدرها يرتفع ويهبط بسرعة ، ثم أكملت بصوت محشرج ونظرات عيون مليئة بالألم واليأس ولكن في نفس الوقت نبرة واثقة من نفسها لتحافظ على كرامتها :
-"طلقني يا مازن.. حياتك غير حياتي ، والعالم بتاعك غير بتاعي ، مبادئك غير مبادئي.
أنا في الشرق وأنت في الغرب.. فطلقني وروح لحياتك وسبني لحياتي"
ظل ينظر لها وهي تتحدث ، حتى نطقت بسيرة الطلاق اشتعلت عيناه غضبًا وغيظًا ، ظل ينظر لها فترة أراد أن يضربها عقابًا على نطقها لتلك الكلمات ، ولكنه بدلًا من ذلك تركها وعاد خطوة للخلف يضع يده في جيب بنطاله ، يشرف عليها من أعلاه ؛ بالكاد تصل إلى صدره..
عاد إلى بروده وكبريائه قائلًا :
-"حياتي من قبل ما تدخلي فيها ملكيش أنك تجادليني ولا تحاسبيني عليها طالما مش هتأثر على حياتنا..
إنما حتة الطلاق دي فالأفضل إنك تلغي الكلمة دي من قاموسك معايا لأني مش هطلقك"
انحنى يلتقط سترته يقول بنبرة آمرة ممسكًا برسغها ويتجه نحو الباب :
-"يلا عشان أوصلك"
سحبت يدها بعنف من يده وتقدمت منه تزغره شذرًا بعينيها وهمست :
-"ماشي يا مازن ، أنا هخليك تندم على الساعة اللي فكرت فيها إنك تدخل حياتي.. ماشي"
ثم أمسكت بذيل ثوبها وذهبت من أمامه بثورة إلى أن وصلت لسيارته ودلفت إليها تحت أنظاره.
أسند ذراعه على سقف سيارته واضعًا اليد الأخرى في خصره ينظر لها بحاجب مرتفع وشعور الغيظ يتملكه منها يعض على شفته السفلى بغيظ ، لتنظر له ببرود تشير بسبابتها له ثم إلى مكان السائق بجانبها قائلة :
"اتفضل يلا عشان تروحني"
ابتعدت للجانب قليلًا بنوع من الخوف عندما هبط بقبضته بقوة على سقف السيارة.. مقتنعة بشيء واحد
"إذا أردت معالجة برود شخص تعامل معه بنفس بروده"
جلس بجانبها صافعًا الباب بغضب ، فنظرت له نظرة باردة ولم تعره اهتمامًا وأشاحت برأسها تنظر من النافذة.
غرقت بتفكيرها فيما حدث ، ودار حوار بين عقلها وقلبها.
سأل العقل باستنكار :
-"مالك مستغرب كده ليه؟
تفرق معاك إذا كان متجوز ولا لا"
فأجابه القلب بحزن :
-"مش عارف.. بس حاسس بحزن ومخنوق ، ماكنتش أتوقع منه كده"
شهق الآخر بدهشة من حديث صديقه يسأله بحذر :
-"إيه ، أنت حبيته؟"
أجابه باستنكار عاقدًا حاجبيه بدهشة :
-"أنت بتقول إيه؟
حب إيه بس.. الحكاية حكاية كرامة مش أكتر"
رفع حاجبه بتعجب وقال بسخرية :
-"ياريت ميكنش غير كده ، وافتكر انه أجبرك على الجوازة دي"
أنهى قلبها الحوار يشير بيده له ليصمت :
-"خلاص اسكت اسكت مش كل شوية تفكرني"
تأففت فجأة فنظر لها بدهشة فلم تلتفت له حتى وصلا إلى المنزل ، وبدون أي كلمة هبطت من السيارة وصفقت الباب خلفها .
كادت أن تذهب لكن وسوس لها شيطانها إثاره غيظه أكثر ، فعادت إليه مرة أخرى ببسمة ماكرة ، تفتح الباب تحت نظراته المندهشة ظنًا أنها ستتحدث بشيء ما لكنها فاجأته بصفعها للباب بقوة تردد صداها بداخل السيارة والتفتت إلى المنزل بخطوات أنثوية منتصرة.
قبل أن تدلف جذبها من خصرها بعدما هبط من سيارته يلحق بها ، يدفعها إلى الشجرة القابعة هناك..
أحاط خصرها بيد ، والأخرى تخلل بأصابعه بين طيات شعرها جاعلًا إياه خلف أذنها نزولًا لأسفل عنقها ، يلعب على أعصابها لأقصى حد وهبط لأذنها يهمس بخبث :
-"ينفع تدخلي من غير ما أقولك مبروك"
كانت تنظر له بارتباك وتوتر من قربه ، فيده على خصرها تثير في عمودها الفقري رعشة لا تعرف سرها ، لمساته على وجنتيها وعنقها تجعلها مرتبكة ومتوترة ، نظراته لها لا تنم عن خير لكن إن فعل ما تفكر فيه فلن تتمهل عن إعطائه الصفعة التي تأمل لها.
نظرت له بغضب يخفي خلفه توتر كبير من قربه تهتف :
-"سبني يا مازن وامشي ، مش ناقصة هزار ، أنا مش طيقاك أصلًا"
يتابع تعابير وجهها بين الارتباك ، والتوتر ، والتفكير بابتسامة أثارت غيظها ، عينيه مسلطة على عينيها وشفتيها بلون الكرز
ظل يهبط ببطء مربك ، أراد أن يزيد توترها ، فلاحظ ازدياد أنفاسها وعلو صدرها وهبوطه ، ظل يهبط حتى صار على بعد سنتيمتر واحد من شفتيها..
تحولت ابتسامته إلى ابتسامة شيطانية عندما وجدها مغمضة الأعين ، ففاجئها وغيَّر اتجاه شفتيه يلثم وجنتيها بقبلة طويلة جعلتها تفتح عيناها بصدمة غير متوقعة ، وغيظ من التلاعب بها.
اشتعل وجهها من الخجل ومن ملمس شفتيه على وجنتيها قبل أن يهمس لها بنبرة عبث وتلاعب :
-"مبروك يا حرمي المصون"
تركها فجأة مثلما أمسك بها وسار أمامها باستعلاء وثقة ، أخذ سيارته وانطلق دون أن يرفع نظره لها.
ظلت على وضعها تحاول لملمة شتات أنفاسها ، فهذا الرجل بارع في التلاعب بأعصابها.
زفرت بغيظ لسكوتها وعدم الرد عليه فأمسكت ذيل ثوبها بغضب تزفر أنفاسًا حانقة ، ثم اتجهت لداخل المنزل وصعدت لغرفتها بخطوات تكاد تحفر خندقًا في الأرض
لينتهي ذلك اليوم بكل ما حدث فيه.
قــالت حبيبي دع الماضي وقبلني
قبلني بين ذراعـيك..
أنا الكل
فأنا لي الحاضر والآتي
★★★★★
أخبرونا سابقًا إذا سمعت شيئًا فلا تصدق دون أن ترى
لكن تعلم حتى لو رأيت وسمعت
لا تصدق طالما لم تبحث وتتأكد بنفسك
فدائمًا ما تراه وتسمعه ليس سوى قشرة تخفي الحقيقة
بعد مرور يومين في الشركة كانت ياسمين تقف في زاوية غير مرئية تلتفت حولها تطمئن ألا يوجد من يراقبها أو يستمع إليها.
رفعت هاتفها تضرب عدة أرقام لشخص تحفظها عن ظهر قلب ليجيبها الآخر بعد عدة ثوانٍ فتقول :
-"ألو.. أيوه أنا أتأكدت إن كل حاجة تمام ، والشحنة على حسب ما عرفت وعرفتك إنها هتوصل عن قريب"
جاءها الصوت من الجهة الأخرى محذرًا :
-"كويس قوي ، بس فتحِ عينك وخلي بالك"
ضحكت بهدوء تقول بثقة :
"اطمن أنا عارفة هتعامل في الموقف ازاي؟"
انتهت المكالمة وارتسمت على محدثها ابتسامة ثقة.. لتغلق هي الأخرى هاتفها والتفتت نحو مكتبها تباشر عملها.
لم تنتبه إلى الذي يتابع الحديث منذ بدايته والشك يساوره تجاهها بين الحين والآخر ، حك ذقنه بتفكير يكتف ذراعيه أمامه وعيناه عليها يحاول معرفة ما يدور خلفها!
★★★★★
ليت الزمن ساعة
عقاربها أنا وأنت
كلما نفترق ساعة
نتقابل في نهايتها
جالسة في الحديقة على الأرجوحة التي تعشقها ، ترتدي بنطال أبيض وفوقة كنزة وردية مرسوم عليها رسمة تويتي الرقيقة.
ترفع شعرها بمشبك شعر وبضع خصلات تهبط على جبهتها أعطتها مظهر طفولي ، وهالة ملائكية.. كانت تضع سماعات الأذن تقرأ في كتاب ومندمجة كثيرًا بأحداثه.
فجأة وجدت من يخطفه من بين يديها ويخرج سماعات الأذن من أذنها ، فالتفتت تجده رامز واقفًا خلفها مستندًا بذراعيه إلى ظهر الأرجوحة مبتسمًا ابتسامته المعهودة التي خطفت لبها.
نظرت له بدهشة لظهوره المفاجئ قائلة :
-"رامز أنت جيت امتى؟"
-"لسه جاي ، بس أنتِ اللي سرحانة ومش هنا"
وقفت بمواجهته بابتسامة متوترة تقول :
-"كنت لابسة الهاند فري وبقرأ في الكتاب مخدتش بالي"
حاولت أخذ الكتاب منها لكنه أبعده عنها ، ظل يلاعبها على هذا النحو حتى ابتعدت عنه مكتفة ذراعيها أمام صدرها بغضب وأشاحت برأسها قائلة :
-"خلاص مش عايزاه ، خليه ليك"
تقدم منها بأعين مليئة بالحنان لا تفارق محبوبته ، وقال بصوت ملئ بالمشاعر يمد لها يده بالكتاب :
-"خلاص متزعليش بهزر معاكِ..
قولي لي بقى مالك؟
بقالي فترة حاسس أنك متغيرة مش عارف ليه؟"
ارتبكت وأدعت أنها ترتب شعرها ونظراتها زائغة بجميع أرجاء الحديقة هروبًا من نظراته ثم ضمت الكتاب لصدرها في حركة دفاعية كأنه يحميها قائلة :
-"مليش ولا حاجة أنا كويسة..
المهم قولي أنت جاي لمازن ولا إيه؟"
لم يجبها مسرعًا بل ظل ينظر لها بغموض وصمت يستند إلى أحد أعمدة الأرجوحة بكتفه واضعًا كفيه بجيوبه ثم قال :
-"لا مكنتش جاي لمازن ولا حاجة ، أنا كنت جاي عايز أخد رأيك في موضوع"
-"موضوع إيه!؟"
تساءلت بدهشة وحاجبين معقودين ليجيب بنبرة متلاعبة آملًا أن تفهم :
-"كنت عايز أجيب هدية لحبيبتي ، أصل عيد ميلادها قرب وعايز أعملها حاجة مميزة..
وأنتِ عارفة أنا فاشل في الحاجات دي ، ومفيش أحسن منك يساعدني"
ماذا!؟
أيطلب منها الذهاب معه لانتقاء هدية لحبيبته؟
ألم يكفه كم الجراح التي أصابني بها حتى يغرز خنجر آخر في قلبي؟!
لم أعد أتحمل الوجع ، لابد أن أخرج هذا الحب اليائس منك ، لابد أن أعود لطبيعتي ولا أضع أمل لهذا الحب.
فأمام هذه المشاعر التي تشع من عينيه لها قضيّ على كل الآمال لدي أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه بحبي ، لكن يبدو أن مكانتي لديه لم تتعدَ مكانة الأخوة.
أغمضت عينيها لحظات تستعيد تركيزها ، وحاولت أن تبدو طبيعية في ردها ، ثم نظرت إليه قائلة :
-"معنديش مانع يا رامز ، شوف أنت عايز تروح تجيب الهدية امتى وقولي ، بس دلوقتي مش هينفع لأن ورايا مشوار مع واحدة صاحبتي"
-"تمام يا سمسمة ، هظبط ميعاد وأقولك..
همشي أنا لأن ورايا مشوار مهم ، وسلمي لي على طنط كتير"
-"تمام في رعاية الله"
غادر ووصل إلى سيارته ، لكنه قبل أن ينطلق بها ألقى نظرة على جنيته الصغيرة التي توليه ظهرها وابتسم ابتسامة ذات معنى ثم انطلق بسيارته.
أما هي ظلت واقفة في مكانها بضع لحظات تشعر وكأنها استنفذت كل طاقتها كي تبقى بكل هذا الثبات أمامه ، شعرت بقطرات تبلل وجنتيها فما كانت إلا دموعها.
تحاملت على نفسها حتى صعدت إلى غرفتها ، وألقت بجسدها على الفراش ، تبكي قلبها وحبها الذي لم يظهر إلى النور.
كففت دموعها و نهضت ترتدي ملابسها وذهبت إلى وجهتها.
★★★★★
على الصعيد الآخر..
في مقر الجريدة ، كانت هدير تجلس مع نادر ومنار يتحدثون في العمل ، ولم يخل حديثهم من الضحك والمزاح.
التفتت هدير بنظرها إلى نادر ترتشف من قهوتها وقالت :
-"قولي صحيح اتفقت مع عمو حسين هتروح تزورهم امتى؟"
-"بكرة إن شاء الله الساعة 8"
قالها بابتسامة محببة وأمل كبير ، ثم نظر إلى منار بحب قائلًا بغمزة عشق مقترب برأسه منها :
-"حتى أنا بفكر نوفر وقت وأخليه كتب كتاب بدل الخطوبة..
إحنا بقالنا أكتر من عشر سنين سوا يعني حافظين بعض"
اكتسى وجه منار بحمرة الخجل ، وانتفضت من مجلسها بعيون متسعة هاتفة بصوت متقطع :
-"أنت بتقول إيه؟!
لا لا طبعًا ، كتب كتاب إيه اللي بتقول عليه؟
إحنا متفقناش على كده"
نظرت لها هدير بتعجب من ردة فعلها، وأردفت بنبرة سخرية ترفع فنجان قهوتها ترتشف منه بتلذذ :
-"قال يعني أنا اللي كنت اتفقت!
استهدي بالله يا بنتي ، يا ترى أنتٍ مش عارفة هزار نادر"
نظر لها الآخر بغيظ فهو ليس بحاجتها لتخبرها بهذا الشيء ، فإن لم تقل ما سيساعده فأولى لها أن تصمت أفضل ، فقال من بين أسنانه :
-"ما تستهدي أنتِ بالله وتقعدي في حتة!
شيفاها مستنية كلامك يعني.. ما هي إشعال ذاتي لوحدها"
نظرت له من أسفل عدستي نظارتها بحاجب مرتفع بسخرية قائلة تعبث بالورقات أمامها :
-"اقعد وبطل هزار ، وقولي عملت ايه في المعلومات اللي طلبتها منك عن نادين عاصم؟"
رفع سبابتيه للسماء محاذاة مع رأسه في دعاء "ربنا على الظالم" ، قبل أن يزجرها بنظرة غيظ يقف متظاهرًا بأنه يعدل من وضع نظارة وهمية ، ثم قال بنبرة فخورة وكأنه حصل على معلومات غاية السرية :
-"نادين عاصم الأسيوطي ، أبوها صاحب شركة الاسيوطي للاستيراد والتصدير ، وأمها من سيدات المجتمع..
مغرورة جدًا وقمة التكبر"
ألقى نظرة ماكرة لمنار الجالسة منتبهة لحديثه قبل أن يتابع :
-"بس إيه بقى زي ما شوفتيها في الخطوبة كده..
مش تخينة ولا رفيعة.. ولا طويلة ولا قصيرة ، يعني عود فرنسي كده ، شعر أسود ، وعيون خضرة ، وبشرة بيضة ، متقوليش مصري مخلط على تركي"
قال جملته الأخيرة مغمض العينين رافعًا رأسه لأعلى في حلم ، لكن قبل أن يكمل حديثه وجد من يقذفه بملف اصطدم بكتفه ، فالتفت وجدها منار تنظر له شذرًا وملامح الغيرة والغضب بادية على وجهها ، ثم هتفت به قائلة :
-"هو البيه رايح يتغزل فيها ولا إيه يا سي نادر؟
عود فرنسي وعرق تركي وواخد راحتك أوي"
اقترب فجأة من مكتبها واستند بكفيه على سطحه ، مقتربًا برأسه ينحني اتجاهها يغمز هامسًا بغزل وحب :
-"هو أنا أقدر بردو ، بعدين أنا بشجع صناعة بلدي مليش في التقليد.. البلدي يوكل يا جميل"
أسدلت أهدابها ، واكتسى وجها باللون الأحمر خجلًا من غزله المبهم ومن نظراته التي تحتويها.
ليغمز لها ثانيةً هاتفًا :
-"والله عسل مصفى"
وضعت كفيها على وجهها تخفيه بخجل من حديثه ، فلقد استطاع احتواء غيرتها وغضبها ببضعة كلمات بثوا الأمان لها.. فأفاقوا على صوت هدير الهادر بسخرية من خلفهما :
"أخرج أنا أحسن؟
حاسة إني عزول بصراحة!
واشغل ليكم عمرو دياب وأجيب ليكم اتنين ليمون ونعمل جو رومانسي ، حتى الصحافة مش جايبة همها"
ثم صاحت بنادر بغضب منه قائلة :
- وبعدين هو أنا طالبة منك شكلها ، أنا عايزة أعرف علاقتها بمازن إيه؟"
غمز لها مازحًا :
-" إيه احنا بدأنا نغير ولا إيه؟"
قذفته بالقلم الذي كانت تثبت به شعرها هاتفة :
-"انجز يا نادر متخلنيش أتعصب أكتر"
لوى فمه بتهجم ثم جلس واضعًا ساق فوق الأخرى مضجعًا بجسده براحة على الكرسي وقال :
-"أنتِ فصيلة يا شيخة والله!
المهم أبوها وأبو مازن كان في بينهم شغل مستمر لحد دلوقتي من زمان قوي ، وبحكم الشغل العيلتين بقوا أصدقاء"
نظر لها بمكر يرفع كأس العصير الخاص بمنار يشرب منه وتابع :
-"واللي أعرفه إن نادين بتحاول تلفت مازن ليها ، فحرصي على جوزك بقى"
ضغطت على أسنانها بغيظ منه وأرادت الانقضاض عليه لكن وجدوا من يطرق الباب ، فرفعوا أنظارهم وجدوها أسماء تقف بارتباك ظاهر عليها.
نهضت هدير ومنار وتقدما منها بسعادة لهذه الزيارة غير المتوقعة ، فبادرتها هدير بالاحتضان وهي تقول :
-"إيه المفاجأة الحلوة دي!
وحشتيني يا سمسمة"
بادلتها أسماء الاحتضان بقوة وقالت :
-"أنتِ كمان وحشتيني"
دفعت منار هدير بعيدًا ، وقالت بمرح وهي تحتضنها :
-"الجريدة كلها نورت يا سمسمة والله"
ضحكت على خفة ظلها وبادلتها المرح ثم ألتفتت إلى هدير وقالت بهمس :
-"عاوزة أقعد معاكِ شوية ، في موضوع محتاجاكِ فيه"
التقطت ملامح الحزن البادية على وجهها وآثار البكاء في عينيها فقالت :
-"بس كده عيوني.. يلا نروح نقعد في أي مكان غير هنا"
خرجت الفتاتان بعدما أخذت هدير الإذن من مديرها بالانصراف .
ذهبوا إلى مكان هادئ يقع على النيل ، وجلستا على طاولة في مكان بعيد عن الأنظار حتى لا يزعجهما أحد.
نظرت هدير إلى تلك المرتبكة تحيد بنظرها في أرجاء المكان بتوتر ، فوضعت كفها فوق يدها وقالت بحنان :
-"مالك يا أسماء؟
باين عليكِ قلقانة ومتوترة ، ايه اللي حصل؟"
بادلتها نظراتها بنظرات شاردة ، فشجعتها أن تخبرها بكل ما يعتمر قلبها ، فتنهدت قائلة :
-"مش عارفة يا هدير ، حاسة إني تعبانة ، وملقتش غيرك أثق فيه وأحكي له يمكن تساعديني"
شددت على يدها وقالت بنبرة مشجعة :
-"احكي يا أسماء إيه اللي حصل؟"
قصت لها أمر حبها لرامز ، عندما رأته في تلك الليلة منذ أربع سنوات في المشفى ، عندما وصلها أمر تعرض أخيها لحادثة وهناك من أنقذه..
منذ ذلك الحين صار صديق أخيها المقرب ، ومرة تلو الأخرى أصبح شخص مهم في حياتها
فأمها اعتبرته ابنها الآخر وأصبح صديقها المقرب..
ومع مرور الأيام تحولت الصداقة إلى حب في قلبها ينمو مع مرور الأيام ، ويروى باهتمامه وخوفه عليها.
يهتم بدراستها ويدرس لها ما لم تفهمه ، كان أول من يأتي لها بتقديرها..
لم يخلف موعد معرض للرسومات لها لم يحضره ويقف يشجعها.
إلى تلك الليلة في خطبة أخيها ، عندما اعترف لها بحبه لأخرى وعشقه لها ، نظراته كانت تتحدث عنه واليوم أتى يطلب منها أن تساعده في عمل مفاجأة لحبيبته.
تابعت أسماء ولم تشعر بدموعها التي تسللت إلى وجنتيها :
-"تعبت يا هدير ، طول الأيام اللي فاتت بحاول أأقلم نفسي على حبه لواحدة تانية ، يقوم يجي النهاردة ويرجعني تاني لنقطة الصفر"
اقتربت منها وأحاطتها بذراعيها ممسدة عليه بحنان لتضمها أسماء بقوة تدفن وجهها في كتفها ، فقالت :
-"اهدي طيب عشان نعرف نتكلم بهدوء ونشوف حل.
أنتِ بتقولي كان مهتم بيكِ طول السنين دي ومش بيفوت فرصة ولا مناسبة خاصة بيكِ صح؟"
أومأت برأسها تؤكد كلماتها ، فتابعت وقد تلبسها روح المحقق كونان وحركت حسها الصحفي :
-"وفجأة كده في يوم الخطوبة اعترف ليكِ أنه بيحب واحدة وشاغلة تفكيره ، والنهاردة عايز يعملها مفاجأة"
اومأت برأسها مؤكدة مرة أخرى تنظر لها بتساؤل لما تحاول الوصول إليه وسألتها :
-"أنتِ عايزة توصلي لإيه يا هدير؟"
سألتها فجأة :
-"أنتِ عيد ميلادك امتى؟"
- "كمان أسبوع"
أسندت ظهرها إلى كرسيها ، ووضعت سبابتها وإبهامها على ذقنها تفكر فيما قيل ، ثم نظرت لأسماء وقالت مفكرة بصوت عالٍ :
-"بصي من الكلام اللي قولتيه ، ومن تصرفات رامز معاكِ وكلامه في الفترة الأخيرة دي ، مش عارفة ليه حاسة البنت دي تبقى أنتِ وهو عايز يعملك مفاجأة ، بمعنى أصح بيتقل وعايز يشوف ردة فعلك"
عقدت حاجبيها بعدم فهم لحديثها وتساءلت :
-"ازاي يعني؟
أنتِ عاوزة توصلي لإيه يا بنتي مش فهماكِ"
ضربت هدير على جبهتها بيأس ثم هتفت بغضب مصطنع :
-"يعني عايزك تغيري ويشوف ردة فعلك ، واللي أنا متأكدة منه إنه عرف إنك زعلتِ.. بدليل تعاملك معاه بحذر من بعد الخطوبة"
نظرت لها بدهشة وتساؤل
هل يمكن أن يكون رامز يقصدها بكلامه؟
هل هي الفتاة التي يحبها؟
يا الله ليت كلامك حقيقة هدير!
عضت على شفتيها تحك رأسها قائلة :
-"تفتكري يا هدير؟"
-"بصي كله مجرد تخمين ، بس ده ميمنعش أننا نتأكد بردو"
-"ازاي!"
-"نمشي بنفس المبدأ ، يعني خليه يغير"
ربتت على يدها عندما لاحظت نظرات التساؤل في عينها وعدم الفهم وقالت بهدوء :
-"الفرق بين البنت والولد في الغيرة ، إن البنات نوعين نوع زي الخفاش يمسك في البنت اللي قربت من حبيبها وتندمها على اليوم اللي فكرت فيه تقرب منه..
ونوع تاني شبه حضرتك يكتم في قلبه ويبعد.
أنما الراجل وقت ما يحس بالغيرة يقتل اللي قرب من حبيبته.. فهمتيني؟"
أنهت حديثها و وجدت أسماء ترتمي في أحضانها تقول :
- ربنا يخليكِ ليا يا دودو ، كلامك أداني أمل..
حتى لما فكرت فيها معاكِ دلوقتي لاقيت حاجات كتير وقعت مني..
بس خليكِ جمبي ماشي"
ابتسمت لبراءتها وبادلتها الاحتضان وقالت بمرح :
- "طب بس ليشكوا فينا ، ويلا هروح معاكِ نشوف طنط ، كانت كلمتني وقالت لي عيزاني"
صاحت أسماء بمرح وقالت :
-"يعني جاية معايا البيت ، كويس أوي يلا بينا"
غادرت الفتاتان وحالة أسماء تختلف اختلاف جذري عما كانت عليه قبل ساعة ، والفضل يعود لهدير ، فهي لم تتردد لحظة أن تحكي لها.
★★★★★
الخطأ لحظة والندم عمر بأكمله
كالغفوة لا تدري كيف ومتى حدث؟
والثمن ضياع الغالي والنفيس
واقفًا بشرفة مكتبه يدخن سيجارته يتابع السيارات تسير بسرعات متفاوتة فوقعت عيناه على شاب يحاول مراضاة فتاته التي تشيح بوجهها عنه ، يرفع كفها إليه يقبل ظاهره في مبادرة اعتذار منه.
فأخذه عقله إلى ذكرى مر عليها ثلاث سنوات..
يهرول خلفها بسيارته كي يلحق بها بعدما تركته وذهبت غاضبة لأنه تركها تنتظر قرابة الساعتين بمفردها بسبب عمله ، وعندما أتى زجرته بنظرة صامتة غاضبة وأخذت حقيبتها وذهبت.
حاول إيقافها لكنها لم تعطه أي فرصة!
دلفت من باب منزلها ليدلف خلفها بعد ثانيتين ، صفعت الباب بقوة وكادت أن تركض إلى الداخل لولا قبضته التي جذبتها بقوة هاتفًا :
-"هدير استني واسمعيني.. خليني أشرح لك"
حاولت الإفلات من قبضته وفشلت ، لتهتف من بين أسنانها :
-"سيبني يا كريم وروح شوف شغلك"
جذبها إليه يمسكها من عضديها يرفع كفه إلى وجنتها بحنان :
-"حبيبتي والله الشغل كان كتير ، والاجتماع أول ما خلص جيت لك على طول.. والله غصب عني"
ناظرته بعتاب ولوت فمها بسخرية قائلة :
-"فيه اختراع اسمه تليفون يا باشمهندس"
قهقه باستمتاع وأحاط رأسها بكفيه يعيد خصلاتها للخلف هامسًا بأعين محببة :
-"خلاص حقك عليا ، متكشريش بقى واضحكي"
أفاق يطفئ سيجارته بأنامله بغيظ وغضب على غباءه وضياعه لهدير من بين يده!؟
ندم جعله يقسم على استردادها من جديد.
لكنه نسى أن
ما خُسر بسبب الغباء لا يمكن استرداده
ولو أصبح يملك ذكاء العالم أجمع
فالخائن لا رحمة له
أنت تقرأ
الحب سبق صحفي " مكتملة "
Romanceهي :- أنا فتاة عشت لـ نفسي , لـ حريتي , أعيش في مملكتي , ارفض القيود , أحب الحياة, أعشق الحرية , ولكني لن أنسى أني شرقية , ابنة رجل الرجال , وأخت فرسان , وحبيبة رجل ليس ككل الرجال .... أنا امرأة لا أنحنى إلا في صلاتي .. و لا أصمت إلا عندما ينعدم كلا...