last part

2.5K 50 3
                                    

الفصل الثلاثون

لا تمنح قلبك لمن لا يُقدر قربك
لا تتعجب إذا بحثت عن قلبك ولم تجده
وبحثت عن مشاعرك وأحلامك فلم تجدهما
ثم اكتشفت أن السارق هو من أصبح أقرب الناس إليك.
سارق قدمت له الفرصة على طبق من ذهب واستغلها بأروع الطرق ، وعندما التفت وجدته يعصر قلبك بقبضتيه يرسم ابتسامة ساخرة كمن يتشفى بك

ثواني مرت عليهما كالدهر!
لم تتخيل أن يوم اعترافه بحبه لها ودق قلبها دفوف السعادة متقبلًا هذا العشق يكون كل هذا كذب!
كل هذا فقط استغلال لها في طريق انتقامه من مازن!
شعرت أنها كمن كانت تطير في سماء السعادة منذ لحظات ولكن هناك يد امتدت وأسقطتها لسابع أرض!
كانت آتية تعطيه كنزته بعدما استفاقت من ثورة مشاعرها التي أججها باعترافه وقبلته ، فصدمها حديثه مع مازن وسقطت كلمته بأنها زوجته على رأسها كالمطرقة!
زوجته؟
كيف حدث؟
كيف تزوجته ومتى؟
أهكذا استطاع إخراجها من البلاد بسهولة؟
تساؤلات واستفسارات حلقت كالطير فوق رأسها وظهرت جليًا في نظراتها المتسمرة عليه تترجى إجابة واضحة.
لم تهرب ، لم تختفِ من أمامه بل اقتربت بتأني تنحني قليلًا في سيرها تضع الكنزة فوق الفراش ولم تقطع التواصل البصري معه حتى وقفت أمامه تحيل عينها بين عينيه الثابتة ، الغامضة ، التي لم تفلح يومًا في قرائتها وتفسيرها تهمس بصوت ظهر ثابتًا لكن يخفي تذبذبًا وتوترًا كبيرين :
-"أنت كنت واخدني وسيلة عشان تأذي مازن؟
خطفتني وجبتني هنا بس عشان تحرق قلبه؟
وكمان تكذب عليه وتقوله إني مراتك!
أنت إزاي كده؟"
-"مكذبتش عليه في حاجة"
جملة ثابتة ، واثقة قطعت الشك باليقين عندها ، فرمقته بحاجبين معقودين بدهشة وجبين متغضن بتساؤل حذر ترجمه صوتها المهزوز الخافت :
-"مكذبتش في إيه بالضبط؟"
اقترب خطوة واحدة كانت كفيلة لالتصاقه بها ، انحنى برأسه حتى لامست جبهته خاصتها فلفحت أنفاسه الحاملة لتوتره من ردة فعلها وجراء الحقائق التي أصبح متيقن أنه حان وقت كشفها :
-"مكذبتش في إنك مراتي"
رفرفت بأهدابها عدة مرات تحاول استيعاب ما نطق به للتو لكنها لم تفلح ، ابتعدت خطوة للخلف تهز رأسها بنفي تحك جبهتها بتوتر تدور حول نفسها متخصرة تهزي بكلمات غير مرتبة تعارض ما نطق به يتخلل صوتها ضحكات مهتزّة:
-"لا لا لا أنت أكيد بتهزر ، أنت بتقول كده بس عشان المنافسة اللي بينك وبينه لكن أكيد مش هتوصل معاك تتجوزني بس عشان تكسره..
أنا ممكن أغض النظر عن كل اللي سمعته بس قولي إن مفيش جواز ولا حاجة ، أكيد..."
قاطع هذيانها جذبه لمرفقها متحكمًا في حركتها وإشهار ورقة بيضاء أمام وجهها بصمت ، حالت بعينها بينه وبينها قبل أن تقع عينها على الكلمتين في منتصف السطر الأول عقد زواج""
رفعت أناملها تمسكها بوهن ، نظراتها تركض بين الأسطر تقرأها بهمس داخلي حتى وقعت على أسمائهما بالأسفل...
اسم الزوج/كريم رأفت منصور
اسم الزوجة/ياسمين محمد الوكيل
شعرت بالعالم من حولها يدور فعادت خطوة للخلف بعدم توازن لكنها ثبتت أقدامها بالأرض تعيد قرائتها من جديد وعقلها رافض التصديق!
رفعت يدها المرتعشة بها أمامه تبتلع لعابها بصعوبة سائلة بهمس :
-"إزاي ده حصل؟"
ثم أعادتها أمام عينها الجاحظة تطبق عليها بقوة حتى كادت تتمزق ورأسها يهتز بعدم تصديق ، تكمل بصوت بدأ يتعالى صداه :
-"أنت عملت كده إزاي فهمني؟"
تلك النظرات التي تلاقت ستترجم الكثير مما يدور في الذهن ، ما هو مكبوت في القلب وما هو ساكن بجوف الروح!
تلك النظرات ما كان يجب أن تتلاقى كي لا يكون ألم الحقيقة غائر وعميق!
بصوت أجش وجسد مشدود يخفي قبضتيه المضمومتين بقوة في جيبي بنطاله ، وشعور بالكره يجتاحه نحو هذا القلق الذي يعصف به جراء ما سيجيبها به ، أخبرها بما حدث منذ أسبوعين :
-"لما وافقتِ على طلبي كنت عارف أنه من المستحيل إنك توافقي على فكرة السفر برا مصر ، وفي نفس الوقت أي مكان في مصر سهل جدًا مازن يوصلك"
صمت للحظات يستمع لأنفاسها المتلاحقة تنتظر جملته الآتية :
-"مكنش قدامي غير إني أسفرك من غير علمك"
رفع أنظاره إليها مصرحًا :
-"خدرتك"
جحظت عيناها بذهول من فعلته ورددت خلفه بتيه :
-"خدرتني"
فجأة أضاء بعقلها طيفه عندما دلفت معه إلى الكوخ بعد تصريحها بالموافقة على قضاء إجازة معه وتقديمه كأسًا من العصير البارد كي يخفف حدة التوتر المحيط بهما ، بعدها لم تشعر بشيء حتى إفاقتها اليوم التالي هنا.
يتأمل تغير ملامحها بغموض وصمت!
تغضن جبينها بالتفكير ثم لمعة عيناها التي توسعت شيئًا فشيئًا دليل على توصلها إلى حل اللغز ، تنفس بعمق يراها تشير لعقد زواجهما متسائلة :
-"أنت خدرتني وخليتني أمضي على عقد الجواز ده!"
كانت جملة تقريرية تملأها الصدمة والذهول أكثر من مجرد سؤال!
صدمتها لم تكن لأنه خدرها بل لأنه اتجه له كي يفعل ما خطط له؟
بالرغم أنه متأكد أنها لن تتقبل هذا الزواج.. فعلها
وبدون وعيها.
اقترب منها ببطء وهي لم تحرك ساكنًا ، رفع كفيه بحذر يلامس عضديها فشعر بارتجافها وشبه نفور سيطر عليه بضغطته القوية مقربًا إياها منه يهمس أمام وجهها :
-"منكرش إني كنت مخطط لحكاية الجواز دي لما نيجي هنا ، الإعجاب وشرارة الحب كانت موجودة بينا مكنتش محتاجة غير شوية حطب عشان النار تزيد وساعتها مفيش رجعة"
رفع كفًّا واحدًا إلى وجنتها يرفع وجهها إليه مكملًا :
-"بس اللي كنت متأكد منه إنك مكنتيش هتوافقي و هتتعبيني ، فقررت أضمن الموضوع وساعتها في لحظات تيهك بعد ما شربتي العصير أخدت إمضتك وبصمتك على العقد وخليت المحامي بتاعي يكمل الإجراءات"
تلامست أرنبة أنفيهما ، أجبر عينيها اللاتي اشتد لمعتهما على الغوص في عينيه يختم كلماته بحزم وبلا جدال :
-"جواز رسمي موثق شرعًا وقانونًا"
شعر برجة جسدها بين يده كمن أصابتها صعقة كهربية ، أنفاسها تسارعت تصفع صفحة وجهه بقوة ، رأسها يهتز بعدم تصديق وحدقتيها تدور في فلك عينيه تبحث عن مؤشر كذب لما قاله لكن لم تلقَ غير الثبات والثقة المغلفة بالغموض!
لاح أمامها عندما استيقظت من غيبوبتها فلاحظت أثار الحبر الأزرق على إبهامها لكن وقتها لم تلتفت إليه وفكرة وجودها في بلاد أخرى كانت لها السيطرة الكبرى عليها!
رفعت كفيها تقبض على تلابيب ملابسه تقربه إليها أكثر حتى كادت أن تدلف لداخله وقد اشتعلت عيناها كمن استفاقت للتو من حلقة التيه التي وضعها فيها!
سمع صوت اصطكاك أسنانها وصوتها خرج محشرج ، خافت لكنه مليء بالعنفوان والشراسة :
-"أنت إيه؟
بني آدم عندك قلب ولا شيطان في هيئة بشر؟
مين قدم ليك الحق إنك تعمل فيا كده؟
مين سمح ليك تربطني بيك بدون موافقتي ومن غير ما أكون في وعيي؟"
مع كل سؤال تلفظه يتعالى صوتها تدريجيًا حتى صاحت بالنهاية بصراخ مذبذب تهزه بين يديها وهو ثابت يستمع لها ، يعطيها كامل فرصتها للتنفيس عما يجيش بصدرها :
-"مين قدم ليك الحق تتجوزني؟
مين قالك إني موافقة أرتبط بيك؟
بتحلل مشاعري وتآخد القرارات عني بأي وجه حق قولي؟"
دفعته للخلف بعنف وتحررت من محيط ذراعيه ترفع يديها تعيد خصلاتها التي تبعثرت حول وجهها المحتقن بانفعال ، تقبض عليها حتى شعرت أنها ستخرج من جذورها ، تدور حول نفسها كلبؤة شرسة أوشكت على الانقضاض فوق فريستها تنهشها تتمتم :
-"وكل ده ليه؟
عشان منافسة بينك وبين مازن؟
عشان كرهك ليه ومحاولاتك إنك تأذيه تقوم تستغلني؟"
طفح به الكيل منها ومن تحليلاتها التي لا أساس لها من الصحة ، جذبها من مرفقها فاصطدمت بصدره بقوة ليضع كفه فوق فمها يخرسه عن التفوه بهذه الترهات بالنسبة له وهتف بصوت أجش صارم :
-"كفاية تحليلات فارغة من وهم دماغك..
فيه مليون طريقة تانية آذي بيها مازن من غير ما أدخلك في اللعبة ، جوازي منك يكسره ليه؟
كنتِ أخته ، ولا من باقي عيلته؟
أنتِ السكرتيرة بتاعته وبس"
رائحة الغيرة تضرب أنفها بقوة من كلماته ، هي ليست بالحمقاء حتى لا تستشعر غيرته وغضبه بين أحرفه فدفعت كفه عن فمها ورفعت أنفها تجذب فتيل الغضب لديه :
-"مازن مكانته عندي اللي زيك ميقدرش يتخيلها..
مازن بالنسبة ليا سفينة إنقاذ من ضياع كنت هروح فيه"
لم يكن بحاجة إلى شيء كي يزداد حقده على غريمه الأوحد لتأتي من استطاعت من بين جميع نساء عالمه وتمكنت من احتلال عرش قلبه تتغنى بخصاله مصرحة أنه كالوطن والأرض لها!
أخطأت.. أخطأت ومن يخطئ في دستوره فعقابه يتولاه هو بنفسه!
لكن للعجب يقف صامتًا مستمعًا بصمت غريب عليه!
دفعته مرة أخرى بعنف لكن تلك المرة هبطت بقبضتيها على صدره تضربه بكامل قوتها التي تعلم أنها لن تؤثر فيه تصرخ بلا وعي بكلمات غير مرتبة :
-"ظهرت في حياتي فجأة ، فرضت نفسك فيها غصب عني وقولت مش مشكلة كلها شوية وقت ويسيبني في حالي..
بعت ليا هدايا قذرة وكلام أقذر وبرده قولت الموضوع وقت ويبعد لوحده"
لم تشعر بدموعها التي هبطت على وجنتيها فشوشت الرؤية أمامها ليتداخل بكائها يهز صوتها بأنين لامس قلبه فخرجت أول نبضة تلتها الأخرى حتى تسارعت بقوة بشعور جديد لم يعرفه من سنوات طوال وهو الحزن :
-"حاصرتني واستغليت وحدتي وإني مليش حد ودخلت حياتي"
سكنت فجأة تقبض على كنزته بوهن واستندت بجبهتها على صدره فاستشعرت ثورة نبضاته تهمس بضعف :
-"خلتني أحبك غصب عني يا كريم..
برغم كل اللي حصل واللي عملته خلتني أحبك.
وفي الآخر يطلع ده كله وهم..!
ليه؟"
همست بالأخيرة بصوت يحمل كافة ألوان العتاب والحزن.
لا تعلم أتعاتبه على حبها له أم على استغلاله هذا الحب؟
أتعاتبه هو أم تعاتب نفسها؟
ضغطت على عينيها بقوة تمنع شهقات بكائها من الخروج.
شعرت بكفيه تقبض على كتفيها..
فرفعت عينيها الدامعتين بضعف وتيه تضربه بوهن على صدره وخرج صوتها بالكاد يُسمع :
-"ليه يا كريم؟"
أحاط وجهها بين كفيه يمسح دموعها بإبهاميه ، يعيد خصلاتها للخلف متغلغلا بأنامله بينهما يدلك رأسها بحركات دائرية يجيب عتابها ، سؤالها وحيرتها بكلمات تُحفر بداخل عقله قبلها :
-"يمكن اللي بتقوليه صح بس أول ما عرفت إنك سكرتيرته بعد موقف محطة البنزين ، ساعتها فعلًا فكرت استغلك لصالحي في منافستي مع مازن وساعتها بعتلك الهدية"
رفرفت بأهدابها وشعور الخجل يجتاحها من ذكرى هديته فأحاط خصرها يزرعها في أحضانه وأكمل :
-"ردود فعلك كانت بالنسبة ليا طبيعية ، قولت لنفسي مع الوقت هتضعف عشان كده حاصرتك اتصالات ، هدايا ، وظهرت لك يوم المول في الأسانسير"
صمت قليلًا يتبلع لعابه ببطء يتأمل قسمات وجهها ، يشعر بأنفاسها المتقطعة بفعل شهقات بكائها ، يتابع نظراتها المتلهفة لتكملة حديثه :
-"اليوم ده بالذات عرفت فيه حقيقة ميتحملهاش حد"
عقدت حاجبيها بعدم فهم :
-"حقيقة إيه؟"
ابتعد عنها فشعرت بالبرودة تجتاحها بعدما خرجت من دفء ذراعيه فأحاطت نفسها بقوة ترمق ظهره الذي أولاه إياه ينظر لنقطة التقاء السماء والأرض ، يرفع ذراعه أعلى رأسه مستندًا على حافة الشرفة وقال بنوع من السخرية المريرة :
-"حقيقة النبذ..
إنك تكون منبوذ من أقرب الأشخاص ليك بالدم ،
منبوذ ، ومكروه من أخوك"
سمع صوتها المندهش يفصح عن عدم فهمها لما يقوله :
-"أخوك!"
رأت حركة رأسه تميل للجانب قليلًا كأنه يرمقها بجانب عينه لكنه لم يلتفت إليها :
-"رامز منتصر"
شهقتها المصدومة أثارت ضحكاته التي لا يعلم بأي شعور خرجت.. أهي ضحكات ساخرة أم تحمل في طياتها مرارة النبذ والفقد؟
شعور أشبه بالرمال المتحركة لا يترك مجالًا للثرثرة.. هو فقط يبتلعه!
أكمل غير ملتفتًا إلى صدمتها :
-"أيوه أنا ورامز أخوات من نفس الأم..
أبويا اتجوز أمه بعد طلاقها..
اتجوز واحدة سابت ابنها عنده أربع سنين وجريت ورا الفلوس ، ومفكرش إن اللي تسيب مرة تسيب التانية ، واللي تجري ورا الفلوس لما السعر يزيد هتتخلى تاني"
صمت للحظات لم تلحظ عينيه اللتين اشتد سوادهما فأصبحا كنقطتين سوداويتين وسط بركتي ثلج يتخللها خطوط حمراء متشابكة.. عظمتي فكه كادتا أن تخترقا وجهه من شدة ضغطه على أسنانه يكتم انفعالاته وسيل الذكريات التي يحملها قلبه منذ سنوات.
وبصوت مليء بسواد مرارته أكمل :
-"حاولت تكرر اللي عملته بس الموت كان له رأي تاني..
وفي اليوم اللي سيبتك فيه في المول عرفت إن رامز أخويا ، وعرفت برده أنه رفض وكاره الأخوة دي"
التفت ينظر لها فلم يستطع رؤية ملامحها من كثرة الدموع التي تغرقها فابتسم بسخرية واقترب منها يمسح وجنتيها سائلًا :
-"حاسة بالشفقة مش كده!"
عقدت حاجبيها من تفكيره وابتعدت للخلف تبتلع لعابها بصعوبة تمسح عينها بأناملها بانفعال ولم تجبه فلم يرضَ بهذا البعد فأعاد الاقتراب يجذبها برفق من مرفقيها هامسًا :
-"رغم الرفض اللي لاقيته منه بس لما عرفت بالمشكلة اللي وقع فيها والقبض عليه ساعدته ، أنا اللي جبت رجالة الجمارك وخرجته منها"
يعلم أنه حينها لم يفعل ذلك سوى لكسب نقطة في صالحه ضد مازن ، لكن لا مانع أن يستغل كافة الفرص كي يرق قلبها إليه!
أليس كل شيء مبارح في الحب والحرب!
وفي حربه معها مباحة كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة حتى تسقط الراء لديها.
أمسك ذقنها بين سبابته وإبهامه يرفعه إليه ثم أحاط جانب عنقها يستشعر نبض عرقها النافر أسفل كفه ، زارعًا عيناه في بؤبؤيها هامسًا :
-"ساعتها لاقيتني جايلك أنتِ ، كنت في أكتر لحظات ضعفي اللي استحالة أظهرها لحد فكنتِ أنتِ أول واحدة أجري عليها"
لامس فكها بأرنبة أنفه مغمضًا عينيه يستنشق عبقها صعودًا إلى وجنتيها يرسم دوائر متداخلة يلامسها بشفتيه دون أن يقبلها فشعر بكفيها يقبضان على عضديه وأنفاسها تتثاقل من تأثيره عليها ، فاقترب من أذنها هامسًا بصوت تقيل منفعل :
-"أول واحدة أبقى عاوز أكون معاها من غير أي رغبة أو غرض..
أول واخدة أبقى عاوز أرمي نفسي جواها من غير أذى"
التقط حلمة أذنها بين شفتيه فوصله شهقتها وشعر بارتعاش جسدها فلم يرفق بها وأكمل يجذبها داخل أحضانه أكثر :
-"أول وآخر واحدة خلتني أحبها ، الوحيدة اللي تليق أنها تبقى مراتي..
مش ندمان ولا عمري هأندم إني عملت كده"
أعاد عينيه لخاصتها وقد ازداد انفعال مشاعره في عيناه ، مشاعر صعقتها قوتها وقال بصوت لا مجال للجدال به :
-"اتجوزتك عشان بحبك ، مازن ملوش أي دخل فيه..
دايرتي مع مازن عمرك ما هتكوني جزء منها"
اتسعت عيناها تنظر له متعجبة ، مصدومة ، مأخوذة بحديثه!
إن كذب اللسان فالعين مرآة الحقيقة!
إن كذبت كلماته فنظراته المحملة بصدق مشاعره تزيح ترددها بثقة وثبات!
فرقّت بين شفتيها تنوي الحديث لكنه لم يمهلها وقد داهمها بشفتيه منحنيًا يستبيح شفتيها ، ببطء وتريث يعزف فوقهما سمفونيته الخاصة وبدأت أنفاسهما بالتلاحق..
يبتعد عنها قليلًا كأنه يتذوق شيئًا تجهله ثم يعود يكمل ما بدأه ، فرفعت يدها بتردد وشيء بداخلها يدفعها لتلقي المزيد منه ، أحاطت عنقه تقربه منها ليجن جنونه حينها وتلك القبلات التي بدأت بشكل حانٍ وخجول ازدادت وتحولت لأكثر عنفًا وتملكًا من ذي قبل!
الأمر الذي أرهقها بلذة ، أغرقها بمشاعر لم تكن على علم بها سابقًا.. وللأسف لم تجد قاربًا للنجاة سواه.
**************
الحياة كمفاتيح البيانو
البيضاء منها ترمز للحظات السعادة والمرح التي نعيشها والسوداء هي صفعاتها إلينا!
كلتاهما تتلاعبان لتعطي لحن العيش وسيمفونية الاستمرار ، لا يكتمل نغماته بمفاتيحه البيضاء فقط فلابد من لمسة حنونة للسوداء.
فالحياة قصيدة أبياتها أعمارنا..
الحزن فيها قافية والسعادة فيها مغزى.

دقات رتيبة بالقلم على سطح مكتبها تزامن حركة عقارب الساعة!
كرسيها يتحرك بجسدها على كلا الجانبين تستند برأسها للخلف تطالع السقف وعقلها يبحر فيما حدث!
تتذكر هذيانه ، ثورته ، عاصفة غضبه عندما علم بما فعله كريم ، تعترف لنفسها أنها للمرة الأولى يرتعد قلبها من مظهره الشرس كمن تلبسه الشيطان فأصبح شخصًا لا تعرفه.
قسمه ووعيده يتردد في أذنها بصوته الهادر كمن يريد إيصاله إلى مسامع الآخر :
-"ورحمة أبويا لأخليك تتمنى الموت ، تتمنى الرحمة ومتنولهاش يا كريم.. حسابك على كل غلطة قرب ، قرب قوي"
لم تهدأ ثورته غير باحتضانها له تشاركه ألمه ، غضبه ، تبثه أنها بجانبه لن تتركه.
لم تصدق أنه فعلها!
تزوج ياسمين!
أغمضت عينها تفكر في الغرض خلف ما فعله!
هي أكثر من يعرف كريم لا يفعل شيئًا إلا كان خلفه هدف ما ، فماذا سيستفيد من ذلك في معركته مع مازن؟
هناك حلقة مفقودة لا تستطيع الوصول لها!
فاقت من دائرة أفكارها على رنين هاتفها بنغمته الخاصة فأسرعت بالإجابة عليه بلهفة :
-"مازن أنت كويس؟"
بصوت غريب لم تتعرف عن كينونته ، ظاهريًا هو صوت زوجها لكن يغلفه شعور بالغموض يجعل القلق يدب في أوصالها من القادم أجابها :
-"أنا كويس ، اسمعيني كمان عشر دقايق بالضبط هيوصلك ورق مهم ، الورق ده بكرة عاوزه يبقى صفحة أولى في الجريدة يا هدير"
اعتدلت في جلستها تقترب بالكرسي إلى مكتبها حتى لامست حافته صدرها ، وابتلعت لعابها بصعوبة تسأله بحذر :
-"ورق إيه يا مازن؟
أنت ناوي على إيه؟"
-"ناوي أخط خط النهاية لكل حاجة بتحصل"
بنبرة لا حياة فيها ، يملأها الوعيد والغضب أجابها فشهقت بخوف وانتفضت واقفة من مكانها تدور حول مكتبها ترفع كفها تحك جبهتها تصرخ به بقلق وتوتر ::
-"مازن الله يخليك قولي ناوي تعمل إيه؟
أنا مش مطمنة"
-"اطمني وخلي بالك على نفسك وعلى مصطفى واللي في بطنك لحد ما أرجع لك"
-"ترجع لي!"
همستها بتيه وعدم فهم تنظر للفراغ بنظرات زائغة ، حينها علمت أن دفوف الغضب قد اقرعت ، وخرج الأسد من عرينه متربصًا بفريسته!
قرر وحان موعد التنفيذ!
حانت المواجهة التي تتمناها وتخشاها في آن واحد!
تتمناه كي تتخلص من هذا الكابوس ، كي يضع آخر حجر في حائط ترميمها ، لكن تخشى على مازن فكريم ليس بالسهل!
كادت أن تصرخ تنهيه عما يريد فعله لكن ما قابلها سوى إشارة الهاتف دليل على إنهاء الاتصال ، حاولت إعادة مهاتفته لكن لم يصلها غير الجملة المسجلة
"هذا الرقم غير متاح حاليًا"
أعادته مرة تلو الأخرى فلم يصلها سوى تلك الجملة ، فقذفت الهاتف على سطح مكتبها وتخصرت بيد والأخرى ارتفعت تحك رأسها تدور حول نفسها بعنف لا تعلم ماذا عليها أن تفعل؟
تترك كل شيء وتهرول إليه أم تنتظر تنفذ ما طلبه منها؟
فركت وجهها تبتلع لعابها ببطء تحاول التنفس بعمق حتى تهدأ فالانفعال خطر عليها لكن ما باليد حيلة!
استدارت نحو الباب الذي فُتح ودخل محمد منه حاملًا ملف أزرق ولأول مرة لا ترى تعابير المرح والتلاعب عليه بل كان جدّي للغاية مما أثار رعبها أكثر ، أخذت منه الأوراق ولسان حالها ينطق باسم الله قبل أن تفتحه تقرأ ما به.
عيناها تتسع شيئًا فشيئًا ، ونظراتها تتحول من عدم الفهم إلى الذهول ثم صدمة الاستيعاب بتلك القنبلة الموقوتة بين يدها!
أغلقت الملف تقبض عليه بقوة وأنفاسها تتسارع تسابق ضربات قلبها القارعة برعب بعدما قرأته للمرة الثانية.. مازن أشعل جمرة الانتقام وفتح بوابة الجحيم على الجميع.
آن أوان كشف الستار ونفخ الغبار عما خلفه الماضي وتناسى.. ما قرأته لتوها أجج بداخلها نيران مشابهة للتي في قلب شريكها ، حولت القلق بداخلها لتمني ورجاء أن ينهي ما ينوي ويعود لها سريعًا.
***********
امنح الحزن كلمات..
فالفجيعة التي تُكتم تهامس القلب الفائض بالألم ، وتأمره بأن يتحرك.
العالم في وقت ما يحتاج إلى الغضب
عادة ما يسمح باستمرار الشر لأنه ليس غاضبًا بما يكفي
والآن هو في أوج اشتعاله وثورته..
هيئته أشبه بالشيطان في قمة جحيمه..
نظراته أحلك من سواد الليل وقد اشتد اشتعال أمواجها!
ملامحه الوجه الآخر من الشر المتجسد1
يجلس أمامها بعدما أنهى هاتفه يستند بمرفقيه على قدمه مشبكًا أنامله أمامه ، تخلى عن سترته ورابطة عنقه وظل بقميصه الأسود محررًا أعلى أزراره كاشفًا عن صدره الذي يعلو ويهبط بتريث أنفاسه.
جالسة أمامه ينتفض جسدها من الرعب ، تستند بكفيها على الأرض تحاول السيطرة على جسدها كي لا ينهار ساقطًا ، لا تعلم كيف وصل إليها؟
لا تعلم كيف عرف هذا المكان؟
أحضرها كريم إلى هنا كي تختفي عن أنظاره فاطمأنت أنه مهما فعل لن يصل لها ، لكنها نسيت أنها لا تتعامل مع أي أحد ، بل هو مازن السيوفي.
أنين خافت يصدر منها بين الفينة والأخرى يظهر ألمها الذي يعصف بوجهها ورأسها جراء صفعاته وجذبه خصلاتها متوعدًا لها بعدم الرحمة.
أغمضت عينها برعب تضغط على أسنانها عندنا جذبها من ذراعها يجرها نحوها بقوة ، وجهه اقترب من الاحتقان من تدفق الدماء به ، حدقتاه تهتزان من غضبه وصوته العميق يصلها :
-"نهايتك أنتِ والشيطان اللي اسمه كريم آن أوانها يا نادين ، أوعي تفكري إني مش عارف أنك السبب وره اللي حصل لرامز في الصفقة اللي فاتت ، ولا تفكري إني مش فاهم أنتِ مين وعاوزة إيه؟
مشكلتك أنتِ وخالك اللي مرمي في روسيا أنكم بتتعاملوا معايا على إني غبي"
هزها بين يدها فارتد جسدها بقوة وأعادها إليه هاتفًا بشراسة:
-"عيل صغير تعرفوا تضحكوا عليه"
ترك يدها وأمسك بمؤخرة رأسها يجذبها للخلف وهبط يستند على ركبة واحدة ممسكًا بفكها بقوة حتى كاد ينكسر بين أنامله يهمس من بين أسنانه بصوت تمنت أن يصرخ بها أهون :
-"أحاسبك على إيه يا نادين؟
أحاسبك على حصل في مراتي ، ولا اللي عملتيه في رامز؟
أحاسبك على سبب وجودك أصلًا في حياتي؟"
رسم ابتسامة جانبية على شفتيه فهوى قلبها صريعًا ، وتعالت أنفاسها بالخوف ليدير وجهها بين يده للجانب يهبط إلى أذنها:
-"ولا أحاسبك على قتل أبوكِ لأبويا!"
أمسكت رسغه تضغط عليه بوهن علّه يخفف من قسوته قليلًا لكن لا شيء سوى اشتداد قبضته جعلتها تتأوه بألم وملامحها لا تكاد تُرى من كثرة دموعها تهتف بصوت متقطع ترجو رحمته :
-"اللي حصل لهدير أنا مليش ذنب فيه ، كله بسبب كريم ، كل اللي حصل بسببه حتى قضية رامز كل ده تخطيطه"
ابتلعت لعابها بصعوبة وأنفاسها تلهث تنظر له بجانب عينها ولا تستطيع الحراك كي لا يشتد الألم بها :
-"وحكاية القتل دي أنا معرفش عنها حاجة اتحاسب ليه عليها"
صرخة عالية رجّ صداها في جدران الشقة بسبب صفعته التي هبط بها على وجنتها جاذبًا إياها مرة أخرى إليه وقد اتسعت فتحتي أنفه لخروج أنفاسه الملتهبة ، يضم شفتيه حتى صارا كالخط المستقيم ، يراقب خط الدماء الرفيع الهابط من جرح شفتيها مبتسمًا بتشفي لم يقوَ على إخماد نيرانه :
-"لسه مصممة تتعاملي معايا على إني غبي يا نادين!
أنا هخليكِ أنتِ وكريم وخالك تشوفوا نار جهنم على الأرض"
هزت رأسها بالنفي سريعًا تتمسك بقميصه في وهن ، فأومأ بغموض وسألها مباشرة :
-"كريم فين؟"
-"معرفش"
أجابته بصدق فهي لم تره منذ أن زارها بعد ما حدث لرامز لكنه أعاد سؤاله ثانيةً بشراسة :
-"كريم أخد ياسمين واختفى فين يا نادين؟"
عقدت حاجبيها بعدم فهم وتوقفت أنفاسها للحظات تستوعب كلماته!
كريم وياسمين!
ماذا يفعل برفقتها؟
هزت رأسها بعدم معرفة حقيقية تقسم أنها لا تعرف مكانه ، قذفها بعنف لتسقط على الأرض لولا كفها الذي تحاملت عليه والآخر يدلك رأسها عسى الألم أن يخفْ ، ألقى هاتفها عند قدمها ثم جلس القرفصاء أمامها قائلًا بسخرية :
-"بس أكيد تعرفي توصلي لخالك مش كده"
رفعت أنظارها إليه بصدمة تبتلع لعابها بصعوبة كأنها جمرات تدلف لجوفها ، فارتد جسدها للخلف من حِلكة نظراته فمدت كفها المرتعش ترفع الهاتف تضغط أرقامًا تحفظها عن ظهر قلب وانتظرت الرنين حتى فتح الجانب الآخر يجيبها بلكنة إنجليزية بارعة :
-"نادين أين أنتِ؟
وما سبب هذا الاختفاء؟"
تطلعت للجالس أمامها فأشار لها أن تجيبه وتحاول ألا توضح له شيئًا فسعلت قليلًا تجلي حنجرتها وقالت بصوت خافت :
-"أنا بخير خالي ، فقط في مكان بعيد عن أنظار مازن كي لا يستطيع الوصول إليّ بعد ما حدث"
وصلها سؤاله الحذر :
-"ما به صوتك؟
هل أنتِ بخير؟"
أومأت كأنه يراها وأنظارها على مازن الصامت يستمع لذلك الصوت الكريه وبداخله يقطع ملايين الأقسام أن يذيقه الأمريّن ، أجابته هي :
-"أنا بخير خالي فقط اسمعني..
أريدك أن ترسل لي عنوانك فأنا سآتي إليك ، لم أعد أستطيع البقاء هنا أكثر.. أشعر أن..."
قطعت حديثها ترمق مازن بقلق وخوف قبل أن تكمل :
-"أشعر أن مازن سيجدني في أي لحظة ووقتها لن يرحمني"
وصلتها استجابته السريعة :
-"حسنًا سأرسل لكِ رسالة بها العنوان ما أن تقرأيها قومي بمسحها على الفور ، سأنتظر قدومك"
أغلقت الهاتف فجذبه منها سريعًا لينتفض جسدها بعنف وعادت للخلف قليلًا فرمقها الآخر بسخرية يرسم ابتسامة عابثة على ثغره قبل أن ينظر للهاتف الذي صدح برسالته فحواها مكان إقامته.
استقام يجذبها معه بقوة حتى اصطدمت بصدره فهمس بغموض وحدة أمام وجهها :
-"جه وقت زيارة خالك اللي اتأخر عشرين سنة"

قد لا يُمْكنُ لي أن أمنعَ عَثْرَةَ قدَمِكْ
لكنْ يُمْكنُ لي مَدُّ يَدِي كَي لا تَهْوي
قد لا تجمَعُنا أَحلامٌ أو آمالٌ
لكنّي أَسقي آمالَكَ كي لا تذوي
قد لا يَحْلو لي طَعْمُ شَرابٍ تَشْرَبُهُ
لكنّي أَرجو أَنْ تنهَلَ مِمّا يُرْوِي
مستوحاة من قصيدة الشاعر
جورج جريس
*******************
أوشكت رحلة الانتقام على الاقلاع من مطار قلبه إلى أرض عدوه ، سيعود منها إما آخذًا بثأره وراحة أرواح من سبقوه للقبور غدرًا ، أو يدفن معهم متكفنًا بثوب الخزي!
طائرته الخاصة بانتظار صعوده كي تتحرك ، كاد أن يضع قدمه على أولى درجات درجها لكن صوت احتكاك إطارات سيارة خلفه على الأرض المصقولة جعلته يعيدها لجانب أختها مستديرًا بتعجب من القادم!
اتسعت عيناه بصدمة وعدم فهم وهو يرى رامز يهبط منها صافعًا الباب بقوة يقترب منه بملامح لا تنم عن خير ليكون أول شيء يفعله ما أن وصل أمامه رفع قبضته لاكمًا فكه بقوة جعلت مازن يرتد خطوة للخلف بفعل الصدمة!
لتزداد أكثر عندما جذبه من سترته هاتفًا بغيظ من بين أسنانه :
-"لحد امتى هتفضل تتصرف من دماغك وكأني مش موجود؟
عاوز تسافر روسيا لكريم وجورج لوحدك!
أنت بتفكر إزاي فهمني؟"
دفعه للخلف في نهاية حديثه ، جسده ينتفض من الغيظ ، أنفاسه تتسارع بعنف يرفع كفه يقبض على خصلاته بقوة يدور حول نفسه يحاول السيطرة على نفسه.
اعتدل الآخر بهدوء ممسكًا بطرفي سترته ينفضها يعدل هندامه ، نظر له يسأله بدهشة ظهرت جليًا في صوته :
-"عرفت منين؟
ووصلت ليا إزاي؟"
رمقه الآخر بصمت فسؤاله بتلك الطريقة أثار غضبه أكثر ولم يجبه ، فعقد مازن حاجبيه بفطنة قبل ان يجيب نفسه بقلة حيلة :
-"هدير"
أعطاه رامز ابتسامة ساخرة واقترب منه يهز رأسه بيأس من تفكيره قائلًا :
-"هدير ملهاش أي ذنب يا مازن..
هي مكنتش عاوزة تقولي إيه اللي حصل إلا لما شوفت الملف اللي أنت بعته ليها لما روحت لها أنا وأسماء الجريدة نسلم عليها قبل السفر..
ساعتها عرفت باللي عمله كريم وعرفت أنك مش هتسكت"
رفع كفه يربت على صدر مازن مرتين بقوة يشوبها السخرية لاحظها من بسمته الجانبية مكملًا :
-"أنما وصلت ليك إزاي فالسؤال ده عيب تقوله ليا ، أنت لو في بطن الأرض أعرف أوصل ليك يا مازن"
استدار ينوي الصعود إلى الطائرة فجذبه مازن من مرفقه يستوقفه ، مصرحًا بنبرة قاطعة لا تقبل النقاش :
-"أنا هسافر لوحدي يا رامز ، أنت لازم تخليك هنا عشان الكل.. مينفعش أنا وأنت نسيب كل حاجة أنا مش ضامن كريم ممكن يعمل إيه؟
عشان كده لازم تكون هنا"
حال بنظراته بين عينيه وقبضته على ذراعه بصمت قبل أن يرفع يده الأخرى يزيح كفه ثم أشهر سبابته في وجهه بتحذير وجواب قاطع :
-"سفر لوحدك ليهم مش هيحصل يا مازن ، رجلي على رجلك.. متخافش على الكل كريم مش هيقرب منهم طول ما نادر معاهم"
-"نادر..!"
هتف بها بدهشة أكبر من معرفة نادر هو الآخر بما سيفعله.
شعور بالندم والذنب أن يتركوا زوجاتهما وحياتهما التي لم تبدأ بعد ليشاركوه في رحلة انتقامه يضرب قلبه في مقتل!
لهذا السبب لم يخبر هدير ما ينوي ، لم يخبر أحد قد بأمر سفره وبداية رحلة ثأره.
لكنه نسي أن في حياته أصدقاء كرامز ونادر إن شعرا بذرات الخطر تحوط به وبأحد من عائلته سيحرقون الأخضر واليابس.
استفاق على كف رامز الممسك بمرفقه يضغط عليه بتآزر وقوة يحثه على الصعود قائلًا :
-"يلا بينا يا صاحبي نخلص اللي باقي من اللي فات عشان نبدأ على نضافة زي ما بيقولوا"

الخاتمة

اقلعت الطائرة أرض الوطن إلى مصير مجهول في طيات القدر لا يعلمه غير الله ، وفي نفس التوقيت جالسة على مكتبها تستند بمرفقها على سطحه تمسك برأسها واليد الأخرى تدلك فوق قلبها النابض بقوة كمن يشعر بمفارقه نصفه ، تدعو أن تتخلص من هذا الكابوس سريعًا ، تتمنى أن يكون رامز وصل له ليأتيها شارة الاطمئنان برسالة على هاتفها منه يطمئنها أنه الآن برفقته سيعودان في أقرب وقت ، يطلب منها أن تكون قوية كما عاهدها الجميع فكل ما يفعله مازن الآن مقترن بها وحدها.
أعادت خصلاتها للخلف ممسكة بقلم تثبتها به تعيد غرتها للخلف ثم أمسكت الملف تقرأه هذه المرة بتأني وعقلها يسطر كلمات مقالها الذي سيلحق بهما ، تقسم أنها ستجعله سبقًا صحفيًا لا مثيل له.. سيكون السبق الأهم في حياتها.
استغرق الأمر منها ما يقرب من الست ساعات تكتب وتكتب ، تمسح وتضيف حتى يرضى عقلها عما سيُنشر ، ظلت هكذا إلى أن خطت آخر سطورها باحترافية لا تخرج إلا منها..
"وبهذا سيكون قد دُق أول مسمار في نعش هؤلاء المجرمين الذين سيظنون أنهم محلقين فوق القانون ، لا مانع ولا كاسر لهم!
حمقى إن ظنوا أنفسهم أذكياء ، جميعنا نعرف جيدًا الغبي هو من يتعامل مع من حوله أنهم أغبياء ، وهم لم يرتقوا حتى لخانة الغباء"
خطت اسمها باللون الأحمر أسفل كلماتها بنفس عميق ونظرات ثابتة ، وأوشكت عل بارسال نسخة منه برفقة الملف إلى المطبعة كي يكون مقالها في الصفحة الأولى غدًا ، لكن قاطعها دخول محمد بلهفة يكاد يأخذ أنفاسه من الركض ، يدور حول مكتبها يغلق حاسوبها المحمول يضعه في حقيبته ورفعها ثم جذبها برفق من كفها لتستقيم من مقعدها جاذبًا حقيبتها باليد الأخرى وسترتها الزرقاء وخرج من المكتب كل هذا تحت عينيها المتسعتين تفغر فاها ببلاهة لا تعي ما يحدث لتصرخ به بدهشة وهي تهبط الدرج معه :
-"يا مجنون بتشدني كده ليه بالمنظر ده وواخدني على فين؟"
لم يلتفت لها واستمر في سيره يجذبها خلفه هاتفًا :
-"نادر لسه مكلمني لازم نسافر الاسكندرية حالًا ، فيه حاجة كبيرة حصلت هتساعدك في المقال اللي هتنشريه بكرة"
عقدت حاجبيها بدهشة تحاول فهم ما يحدث ، جلست بجانبه في السيارة ليصعد أمام عجلة القيادة يديرها وانطلق سريعًا جعلت الاطارات تصدر احتكاكًا قويًا بالأرض.
بعد مرور ساعتين ونصف كان يسير على المدخل الخاص بالميناء ، لتتأمل المكان فوقع نظرها على الشمس تحتضن البحر بحميمية.
فبعد أن كانت تنير الأرض ، ها هي تجرّ ثوبها الجميل تلملم نورها وتمشي نحو الأفق البعيد ، تعلن انتهاء وجودها قي لحظة غياب قسرية.
أغمضت عينها تتذكر رحيله المشابه لرحيلها ، غاب عنها دفئه ونوره في رحلة لابد منها منذ زمن بعيد آن أوانها!
وجوده دافيء لكن دفئه مطعم بالثلوج المتراكمة على قلبه!
هو كالنور أضاء طريقها إليه لكنه طريقه نحو نفسه مازال موشح بالسواد!
فتحت عيناها تراقب الشمس التي اختفت نصفها في المياه.. هي لا تخلف موعدها ، وما من أحدٍ في الكون  يستطيع إجبارها على البقاء ، تختار الرحيل كل يومٍ ، لكنها تملك من الوفاء ما يجعلها تعود مرة أخرى لتشرق من جديد.
تعلم أن وفائه مثلها.. سيعود إليها مجددًا ، سيعود عندما ينقشع الظلام المحيط بقلبه سامحًا لقبسات النور بالانتشار.
انتشلها من أفكارها وقوف السيارة أمام جمع كبير من رجال الشرطة المدنية والبحرية برفقة رجال كُثر من رجال الميناء العاملين به ، هبطا سويًا تقترب من الجمع عاقدة حاجبيها باستنكار خاصةً عندما تعرفت على بعض الحراس الخاصيين بزوجها يحاوطون أشرف المحامي الذي يتحدث مع رجال الشرطة ، والذين ما إن رأوها حتى تسارعوا إليها يحاوطونها بحماية فوقفت باضطراب فأشد ما تكرهه هو وضعها هذا محاطة بالحراسة وكأنهم يخافون عليها من الكسر!
لم تلقِ بالًا على وضعها وكافة تركيزها في الهدف من وجودها هنا.
سارت وسط الجمع وقد أفسح الجميع المجال لها بمساعدة الحراس لتقف فجأة وارتد جسدها خطوة للخلف شاهقة بصدمة تضع كفها على فمها ترى كمية الأسلحة والقنابل الموضوعة أمامها ممتدة على مساحة واسعة من الأرض ، يجاورها ما على حسب تقديرها أطنانًا من المخدرات ، نظرت إلى المحامي الذي اقترب منها تنتظر تفسيرًا لما يحدث :
-"الشحنة دي كريم منصور كان ناوي يدخلها مصر ويوزعها ، والقضية اللي حصلت لرامز كانت ستارة علشان مازن ينشغل بيها فيقدر يشتغل براحته"
طالعته ببلاهة لا تفهم شيئًا مما يقال ، تحيل بنظراتها بينه وبين الملقى أمامها على الأرض ثم وقعت عيناها على بعض الرجال المقبوض عليهم مقيدين بالأغلال ، فهزت رأسها بعدم استيعاب قائلة :
-"أستاذ أشرف أنا مش فاهمة حاجة ، حضرتك عاوز تقولي إن اللي ورا الصفقة دي كريم!
طب إيه علاقة مازن؟"
-"مازن السبب إن الصفقة دي تتمسك قبل ما تدخل البلد ، كريم زور أوراق بإمضاء مازن عليها أخدها من ورق الصفقة اللي رامز اتقبض عليه فيها ، يعني كان عاوز يوهم مازن إن ضربته كانت هي اللي فاتت بس كان بيخطط للصفقة دي من الناحية التانية.. مازن أوهمه أنه بلع الطعم علشان يقدر يوصل للمعاد المظبوط"
رمشت بأهدابها عدة مرات وعقلها بدأ يستوعب كم المعلومات والأخبار التي تتلقاها كالحمم في رأسها ، وضعت يدها في جيبي سترتها ونظرت مرة أخرى إلى الأسلحة والمخدرات أسفل قدمها متسائلة :
-"ومازن عرف المعاد منين؟
كريم مش بالسهل يسيب وراه دليل"
-"من نادين"
جاءتها الإجابة من شخص ما وسط الحشد ، فالتفتت نحو الصوت تزيح خصلاتها عن عينها كي تضح الرؤية لها فوجدته نادر يقترب منها فاتسعت عيناها بدهشة من وجوده لكنها لم تنصدم فقد كانت متوقعة عندما أخبرها محمد أنه هاتفه.
هزت رأسها بعدم فهم مستفسرة :
-"نادين!
نادين كانت عارفة بالصفقة دي ومعادها؟"
أومأ لها بتأكيد مكملًا :
-"وهي السبب في اللي حصل لرامز"
لن تنصدم مما تسمعه فبعد أن أخبرها مازن عن هويتها الحقيقة أصبحت تتوقع منها أي شيء.
أعطاها التصريح الخاص بالنشر والتصوير كي تباشر عملها وتضيف ما حدث هنا في مقالها بالغد كما خطط مازن ، فأخذته وتقدمت تفعل ما هي بارعة فيه تطلب من محمد أخذ العديد من الصور حتى تسأل رجال الشرطة والميناء عن القصة كاملةً ، ثم جلست في السيارة بجانب محمد تنهي ما تود إضافته على المقال قبل أن ترسله إلى المطبعة ، وبالخارج يتواصل نادر مع رئيسها بأنه يود أن يكون هذا الخبر في الصفحة الأولى بالجريدة في الغد.
***************
تتشوه الألوان ويبقى اللون الأسود متربعًا على عرشها!
وحده اللون الذي لا يتغير ، مهما طغت عليه كافة الألوان يبقى محتفظًا برونقه!
يخالطه الأبيض فيبهت لكنه يظل معتمًا ، مشوه!
لون الحقيقة ، لون الغضب ، لون الانتقام بل كي يصح التعبير.. لون ما هو صادق!

كل ما يخطط له يسير بدقة عالية ، وضع ثقته في أُناسٍ يعلم جيدًا أنهم لن يخذلوه وعلى رأسهم زوجته.
أقسى ما يحتمله قلبه أن يقحمها في لعبته ، يعرضها للخطر لكن لن يثق في غيرها ، لن يعتمد على سواها.. هي فقط من تفهمه والوحيدة التي تستطيع أن تفعل ما يرغب بعنفوانها الطاغي.
منذ قليل رأى الأوراق والمستندات التي أرسلها لها في الصفحة الأولى من جريدتها بالفعل مصحوبة بصور الأسلحة والمخدرات ، أسفلها كلمات وتعبيرات أججت قوة مقالها.
عهدها قوية ، شرسة ، نمرة مفترسة إن اقترب أحد من أملاكها ، أرادها هكذا ولبّت ندائه.
أغلق هاتفه ونظر للطريق المليء بالثلوج تخترقه السيارة بسرعتها الكبيرة والذي يرتفع إلى تلة عالية تتفرق بها البيوت الخشبية الكبيرة إلى أن لاح بيت مميز يفوق ما حوله حجمًا يقترب من هيئة قصر ، علم منه أنه هو المقصود..!
ابتسم بشراسة وقد اقترب من هدفه!
وبالداخل.. تحديدًا في غرفة ما يجلس جورج على كرسيه الكبير الشبيه بالعرش خلف مكتب كبير تعلوه صورة كبيرة له واقفًا بكبرياء وغرور لا حد له مستندًا على عصاه ذات الرأس الزمردية الخضراء واضعًا يده الأخرى خلف ظهره يرفع أنفه في أُنفة ، أمامه على الكرسي المقابل يجلس رأفت يحاول أن يصل لأي شخص في مصر كي يطمئن على الصفقة.
هرج ومرج وصرخة أنثوية قرعت في المكان ، وصوت طلقات الرصاص التي انطلقت فجأة جعلتهما ينتفضان في مجلسهما مهرولين للخارج يستكشفان ما يحدث!
تسمرا في مكانهما عندما رأوا مازن يجلس بفرعونية جمّة على الكرسي الخاص بجورج يضع ساقًا فوق الأخرى يستند بمرفقه على حافته يحك ذقنه بسبابته.. نظراته سوداء تدب الرعب في أوصال أعتى الرجال ، يرمقهما بصمت وغموض.. يرمق قاتل أبيه والمخطط الأول بكل هدوء الكون.
هدوءه كالذي يسبق العاصفة
صمته يحوي الصخب الذي يعلن بدء الحرب.
وشروده ينبئ بالانهيار.
تحت قدمه تقبع نادين بعد أن انهار جسدها من الألم تمد ذراعًا تستند برأسها عليه والأخرى تستند على الأرض بوهن لا تقوى على النهوض ، يصدر أنين خافت عنها تتلوى بضعف في مكانها.
بجانبها يستند رامز على الحائط مكتفًا ذراعيه يرفع قدم واحدة خلفه يبتسم بسخرية لزوج أمه كأنه يخبره أن نهايته اقتربت.
دقات العصا على الأرض الخشبية مرافقة لقهقهة عالية صدرت من الأول وهو ينظر لذلك الأسد الذي طالما أراد جذبه إليه والعمل معه لقوته وعنفوانه كأبيه بل فاقه أيضًا وقال بلكنته الانجليزية :
-"أخيرًا وصلت إليّ يا بن عز الدين"
ابتسم الآخر بغموض وقال من مجلسه كأنه ملك على عرشه :
-"أنت تعلم أنه إذا أردت الوصول إليك لا أحد سيمنعني وأولهم أنت"
ثم نهض من مكانه مقتربًا منه حتى وصل أمامه ينظر لعينيه بقوة هامسًا بنبرة ذات مغزى :
-"لكن لكل شيء وقت ، ووقتك قد أتى سيد.. جورج"
ابتسم بعبثية يهز يده الممسكة بعصاه واقترب بوجهه قليلًا يهمس له بمغزى :
-"وهل للقائي أن ينتظر كل تلك السنوات؟"
سار من جانبه يتجه نحو نادين المتألمة يجلس القرفصاء أمامها يزيح خصلاتها عن وجهها يتأمله ليجدها مغمضة العينين ، وجهها شاحب ، أنفاسها بطيئة لا دليل على وعيها سوى الأنين الخافت الظاهر منها ، فاستقام مرة أخرى يضع كفيه فوق بعضهما على رأس عصاه ناظرًا لمازن مرة أخرى يكمل بسخرية :
-"ظننتك ما إن ينكشف كل شيء لك ستأتيني تطالب بثأر أبيك"
ضحك الآخر باستهزاء ورفع كفيه يتخلى عن سترته ملقيًا إياها على الأرض ، كاشفًا عن ساعديه والتفتت لرأفت يرمقه بنظرة غامضة سوداء لكن ثغره مبتسم ، يجيب جورج لكنه لم ينظر إليه :
-"أحيانًا بعض الثأر يتطلب سنوات طوال كي يؤخذ ، فإن تم في وقتها يكون رحمة"
ثم اقترب يقف خلف رأفت ينظر لعيني جورج يكمل بصوت في ظاهره ساخر لكن نظراته متشحة بالسواد والغضب :
-"وأنا في الحقيقة لا أنوي أن أرحمكم"
جاءه الرد من رأفت الذي التفت له يحدثه بالعربية بسخرية :
-"الظاهر إنك مش واخد بالك يا بن عز أنت واقف فين وقدام مين؟
حتى لو قادر تفرض سيطرتك هنا ، أنت مش في مصر أنت في أرض اللي واقف هناك ده"
أشار بإبهامه إلى جورج الواقف بثقة وغرور دون أن ينظر له ، فصدحت قهقهة ساخرة من رامز جعلت الأنظار تلتفت له بتعجب ، اقترب من رأفت يمسك كتفه مربتًا عليه :
-"عاجبني الثقة اللي أنت بتتكلم بيها يا رأفت ، بس تفتكر إننا لما نوصل هنا هنكون سايبين ورانا أي شيء خطر علينا!"
كانت جملة موثوقة أكثر من كونها سؤال ، جعلت وجه رأفت يحتقن بالغيظ خاصةً عندما استمع إلى مازن :
-"كل الأماكن التابعة ليكم بقت تحت إيد الانتربول ، وأنت واللي وراك بقيتوا تحت إيدي"
ضحكة عالية صدرت من جورج الذي جلس على كرسيه يستند بمرفقه على حافته يحك ذقنه وإبهامه الآخر يرسم حركات دائرية على رأس عصاه يرمق مازن بسخرية من أسفل أهدابه قائلًا :
-"أنت تبخس من قدري كثيرًا مازن ، تجعلني في عين نفسي غرّ صغير وأنت تقف أمامي تتحدث بكل هذه الثقة"
شاركه رأفت السخرية ضاربًا على صدر مازن عدة مرات بنظرات ماكرة :
-"بس كويس إنك جيت هنا ، لأن زمان البوليس المصري بيدور عليك"
ليقترب من أذنه مبتسمًا بعبث هامسًا بتشفي :
-"أصل الصفقة الجديدة داخلة البلد باسمك"
قهقه مازن بتروي ثم تعالت ضحكاته شيئًا فشيئًا قبل أن يهمس وعيناه تغوص في عيني جورج بقسوة :
-"الظاهر الأخبار لسه موصلتش ليك بأن الصفقة اتمسكت وخبر القبض عليها بقى في الصفحة الأولى في كل الجرايد"
ارتد رأفت للخلف بذهول وصدمة تلبسته بالكامل ، يحيل نظراته إلى رئيسه بتساؤل فوجده يبتسم بإعجاب على تفكيره ، سحب مسدسه من خلف ظهره يرفعه بتهديد ونظرات مليئة بالكره والحقد في وجه مازن الثابت يناظره بسخرية ، فقال بنبرة باردة لا تصدر سوى من شخص خسر كل شيء :
-"بما أن مبقاش حاجة أخسرها إيه رأيك نروح سوا نطمن على أبوك!"
مال برأسه للجانب قليلًا يضحك بشر وأكمل :
-"عز كان مثالي لأبعد حد ، متمسك بمبادئ وأخلاق فارغة متنفعش في العالم بتاعنا ، كان لازم يموت"
لاحظ اشتعال عيناه واحتقانها بالدماء ، ذكرى ذلك اليوم تمر أمامه كأنها حدثت بالأمس ، والده المدرج بالدماء على فراشه بعد أن تلقى رصاصتين في قلبه لا تفارقه طوال السنوات الماضية!
عيناه اللامعة بانتصار أسفل قناعه الأسود تهاجم أحلامه باستمرار ساخرة أنه مازال حر طليق.
عبث بذيل الأسد فليتحمل شراسة أنيابه.
ابتسم مازن بغموض واقترب خطوة واحدة هامسًا من بين أسنانه بصوت ارتعشت له أوصال الآخر :
-"استعجلت على نهايتك يا رأفت"
ختم جملته بلكمة بظاهر قبضته على فكه جعلت صرخاته تتعالى ليجذبه من تلابيب ملابسه يكيل له اللكمات بقوة حتى أصبح وجهه لا يرى من كثرة الدماء فدفعه بعنف ساقطًا على الأرض ، يتناول مسدسه ولم يعد يرى شيئًا سوى قتله والأخذ بثأر أبيه ، لكن قاطعه طلقات رصاص دوت في الهواء ودخول كريم وسط مجموعة كبيرة من الرجال.
الصمت حل المكان إلا من أنفاس مازن اللاهثة وأنين رأفت أسفل قدميه.
استدار له وقد أصبح قميصه ملتصقًا بجسده من شدة العرق فأصبحا في مواجهة بعضهما يبتلعان حبيبات الهواء التي تنضوي إلى صدرهما كالجمر.
مازن صدره يرتفع وينخفض دلالة على صبره الذي بدأ يتبخر كالسراب ، يرمق عيني كريم التي تفرج عن نظرات مليئة بالشر بأخرى شيطانية همجية ، شرسة ، يود تحطيم كل ما هو أمامه.
غاضبان غضب أسود يتخلله هالات حمراء ، غضب سيحرق الأخضر واليابس إن تلاقت طرقهما.
عيني كريم قطعت التواصل معه ناظرًا إلى جسد والده المنهك يهز رأسه بيأس ثم نظر له ثانيةً قائلًا باستهزاء :
-"مكنتش أعرف إنك هتوصلي بالسرعة دي"
استدار برأسه إلى رامز يرمقه بصمت غامض مكملًا بصوت غريب :
-"لا ومعاك أخويا كمان"
-"كريــــم"
هتف بها رامز محذرًا من بين أسنانه بغضب فرمقه الآخر بابتسامة هازئة ولم يلتفت لزعقته.
وقع نظره على جسد نادين فتحولت إلى الشراسة واقترب بخطوات ثابتة يجلس القرفصاء أمامها ممسكًا بذقنها يدير وجهها يتأملها بشفاه مذمومة بسخرية ثم نظر لمازن من موضعه مشيرًا إليها :
-"طول عمرها غبية ، ضعيفة مبتعرفش تتصرف"
ثم نظر إلى جورج الساكن يتابع الأجواء بصمت مبهم وهو يرى نهاية كل شيء يسطر أمامه :
-"أخبرتك أن تجعل ابنة أختك معك ولا تزجها في عملك ، ستخط نهايتك بيدها لكنك لم تصدقني"
رمقه بصمت رافعًا أنفه لأعلى فوقف كريم يناظرها تمد له كفها كي يساعدها فابتسم باستهزاء وأشار لأحد رجاله بأخذها يأمره أنه يعلم جيدًا ماذا سيفعل بها؟
اقترب من مازن حتى أصبحا لا يفصلهما سوى خطوة واحدة ، يضع عينه في خاصته بقوة يشهر ذراعيه إلى جانبه مشيرًا أنه المسيطر الوحيد هنا قائلًا :
-"قولي إيه اللي يمنعني أقتلك هنا؟
إيه يمنعني أحسر قلب عيلتك ومراتك عليك وأرتاح يا مازن؟"
زرع الآخر نظراته بقوة في عينيه مبتسمًا بشر يهمس أمام وجهه :
-"عمرك ما هترتاح يا كريم ، هكون دايمًا أسوأ كوابيسك ، العقبة الوحيدة في حياتك واللي بتفكرك بفشلك"
-"فشلي أنا ولا فشلك أنك لحد دلوقتي مأخدتش حق أبوك ، وحق مراتك.."
تمتم بخبث مشيرًا إلى ما فعله بها سابقًا ليثور الآخر فاقدًا ما تبقى من تعقله وقد أشعل فتيل ثورته التي ستصب فوق رأسه.
شعر كريم بضربات أعلى كتفه فالتفت لرامز الذي واجهه بغضب ، يملأه الحقد تجاهه أنه يربطه به علاقة دم جعلته يكاد يكره نفسه وقال من بين أسنانه :
-"عمرك ما هتوصل للي أنت عاوزه يا كريم عارف ليه؟"
رأى التساؤل وعدم الفهم يلوح في نظراته ليجيبه يهوى على فكه بلكمة أطاحت بجسده للخلف بعدم اتزان :
-"علشان عمرك ما هتفهم يعني إيه صاحب"
عندها صاح مازن بعنف نيران قلبه تشتعل ، نيران لاسعة تتقد في دمائه.. زرقة عينيه تتحول إلى أمواج سوداء تبث الذعر في القلوب يهبط بلكماته على وجهه فيردها الآخر بقوة وثبات لا تقل عنه شيئًا.
أمسكه مازن من تلابيب ثيابه هابطًا على جبهته بقوة صارخًا كالليث المأسور :
-"هخليك تندم على كل حاجة عملتها ، هخليك تتمنى الرحمة يا كريم على أغلى ما ليك"
دفعه بغضب فسقط جسده على بقوة متدحرجًا على الأرض حتى استند بكفيه عليه جاثمًا على بطنه يتنفس بعنف ولهاثه يتعالى أكثر وكاد أن يستقيم لكن صوت رصاصة خرجت من فوهة مسدس مازن تعرف طريقها جيدًا أوقفته عن نية النهوض وعيناه تسقط على والده الذي انهار جسده غارقًا في دمائه وقد اخترقت الرصاصة صدره.
عيناه جحظت بصدمة ، يستقيم ببطء يرتفع صدره وينخفض من عمق أنفاسه ، يرفع كفه يمسح دماء وجهه بظاهره واتسعت فتحتي أنفه بغضب يسمع صوت مازن خلفه :
-"إحساس صعب وأنت شايف أبوك بيموت قدامك مش كده؟
تخيل تعيش الاحساس ده عشرين سنة وأنت شايف القاتل عايش حياته!"
اقترب بخطواته منه وصوته ملئ بمرارة الحقد الذي يغلف قلبه سنوات طوال ، موشح بسواد أيامه التي قضاها في رغبة انتقامه!
داخله ثائر هائج ولا شيء يستطيع إخماد ثورته سوى الدم:
-"دي اللحظة اللي خلتني استنى سنين يا كريم ، أنت تدوق اللي أنا دوقته.
تشوف أبوك بيتقتل قدامك وتحس باللي أنا حسيته"
لم يجبه سوى بلكمة عنيفة مصاحبة لزمجرة شرسة خرجت من جوف وحش شرس عاش في الظلام وخرج للنور فجأة ، انهال عليه بالضربات التي ترد إليه أضعاف.
صوت طلقتي رصاص صدحا في المكان أوقفت القتال بينهما في لحظة.
نظر الاثنان إلى مصدرها فرأوا رامز جاثيًا على ركبة واحدة ممسكًا بكتفه وقد اخترقته رصاصة ، وجورج المنهار على كرسيه ميتًا بعدما اخترقت رصاصة رامز رأسه عندما رآه يرفع مسدسه ينوي قتل صديقه ، فأعاق طريقه يتلقاها عوضًا عنه.
دفع مازن كريم من أمامه وركض نحو صديقه بروح ترتجف خوفًا من فقده ، يجثو بجانبه يستكشف جسده يطمئن عليه بقلب وجل ونظرات مضطربة.
أراد كريم استغلال هذه اللحظة وجذب مسدس والده الملقى عند قدمه ووقف بعدم اتزان يشهر فوهته نحو مازن ينوي قتله ، لكن صرخة أنثوية باسمه عند الباب أوقفته ، جعلته يلتفت لها بصدمة من حضورها هنا!
ارتعشت يده الممسكة بالسلاح يقابل عيناها الجاحظة وهي تقترب منه ببطء تلتفت حولها بارتعاش وصدمة من كم العنف الذي تراه والجسدين المقتولين وسط بركة كبيرة من الدماء!
وجهه يختفي خلف الدماء واللكمات ومازن لا يختلف عنه بشيء!
دارت حول نفسها بحاجبين معقودين تهز رأسها بعدم تصديق أنها يومًا ما سترى هذا المشهد!
استمعت لسؤاله المصدوم :
-"ياسمين!
أنتِ وصلتِ هنا إزاي؟"
وصولها إلى هنا كان من تخطيط مازن ، فلقد وضع في سلسالها التي ترتديه باستمرار عندما قدمه لها كهدية جهاز تتبع بدأ بالعمل مباشرة ما أن دلف إلى البلاد ، حينها علم مكانها وأرسل رجاله للإتيان بها حتى ترى بنفسها حقيقته.
حالت بنظرها بينهم ببلاهة ولم تلتفت لسؤاله هامسة :
-"إيه اللي بيحصل هنا؟
كل ده علشان منافسة بينكم؟
كل الدم والقتل ده علشان منافسة شغل زي ما فهمتني يا كريم؟"
اقترب منها وقلبه يقرع بالخوف من كشف حقيقته البشعة ، يتمنى الموت في تلك اللحظة على أن تعلم شيئًا عن شخصيته الحقيقية!
سيتقبل أي خسارة دونها!
أمسكها من مرفقها يجذبها إليه ممسكًا بعضديها يهز رأسه بنفي :
-"أنتِ وصلتِ هنا إزاي؟
لازم تخرجي من هنا ، مش لازم تفضلي هنا؟"
-"ليه يا كريم؟
خايف تكتشف حقيقتك!"
صوت رامز صدح من خلفها بسخرية يحاول الوقوف بمساعدة مازن ممسكًا كتفه يكز على أسنانه بألم ، جسده ينحني قليلًا وأنفاسه تتسارع من حرارة جسده التي بدأت ترتفع وأكمل :
-"خايف تعرف أنك تاجر مخدرات وسلاح"
شهقة مصدومة تضع كفها فوق فمها وعيناها تكاد تخرج من محجريها وهي تستمع لما يُقال ، فجذبها كريم بحماية أسفل ظهره هاتفًا بغضب يشوبه الرجاء :
-"اخرس يا رامز متتكلمش"
اقتربت ياسمين من رامز تهز رأسها باستنكار تبتسم بتوتر وحذر :
-"لالالا أنت أكيد غلطان يا رامز ، بتقول كده بس علشان مش متقبل أن كريم أخوك"
قهقهة بطريقة متقطعة يضغط على جرحه أكثر يحاول السيطرة على نزيفه وقال بشراسة ناظرًا إليه :
-"ولا عمري هقبل بقاتل ومغتصب أخ..
عمري ما هقبل واحد طريقه كله أسود معملش حاجة صح في حياته"
-"أيـــوه"
كانت زعقة تخرج من قلب ظن أنه مات منذ زمن ، صرخة متألمة ولدت من رحم روح سوداء لم ترَ النور إلا قريبًا يدور حول نفسه :
-"أيوه أنا قاتل ، تاجر سلاح ومخدرات!
واحد عاش حياته كلها في عالم أسود مفيهوش النور ، أب فاسد وأم خاينة وطريق مفيهوش حاجة صح"
نظر إلى أخيه يبتسم بسخرية لكن نظراته توضح كم الألم الذي عبث به :
-"أنا ملقتش الفرصة اللي جت ليك.. ملقتش الايد اللي اتمدت ليك..
فمتجيش تحاسبني والفرص مش متكافئة يا.. ياخويا"
وقع نظره عليها يقابل نظراتها المصدومة به بأخرى تترجى سماحها ، يترجاها أن تسمعه ، تتفهمه ، تغفر له!
يقسم لها بعينيه وصوت قلبه أنه يحبها.
من الذي يقابل براءة عينيها ولم يسلم كل حصونه؟
رأى خيبة الأمل في عينها ، علم من نظراتها أنها النهاية ، علم أنها ستتركه ، لكنه سيكون ملعونًا إذا تركها تخرج من حياته ، هي من فرضت نفسها عليه فلن يسمح لها بالخروج!
إذا كانت كتبت البداية فالنهاية له ، وهو من سيكتبها!
لم تتحدث ، ولم تعاتب ، بل أكتفت بنظراتها المنكسرة ، تشعر أن كل شيء تحول فجأة من قطعة من الجنة ، لسجن خالي من كل شيء حتى من منفذ للهواء.
اقترب منها يحيط وجهها بين كفيه تحت أنظار مازن الصامتة ، يراقب ما يفعله بتشفي قبل أن يخط بنفسه كلمة النهاية لكل ما حدث ، تحدث بصوت يملأه الرجاء :
-"كل ده قبل ما أشوفك ، قبل ما أحبك وتدخلي حياتي!
أنتِ الحاجة الحلوة وسط ده كله.. أنتِ النور وسط الضلمة اللي عايش فيها..
بلاش نخسر كل حاجة"
على عكس ما تخيل ، لم تحاول الفكاك منه ولا إبعاده ، بل كانت هادئة للغاية ، وأكثر ما يقلقه منها هو ذلك الهدوء.. رفعت عيناها له وغشاوة رقيقة من الدموع تغطي حدقتيها ولكنها منعتها بقوة من الهبوط ، كالطفل أمامها الذي يرجو سماح والدته ، كادت أن تتحدث لكن جذب مازن مرفقها يديرها إليه يشهر هاتفه أمامها بذلك الفيديو الذي أرسله إليه عندما حاول الاعتداء على زوجته!
من تراه ليس إنسانًا!
من تراه ليس كريم الذي كان يملك حنان الكون والرقة وهو يأخذها في هذا اليوم جارفًا إياها في بحور عشقه!
فطنت الآن أنها سلمت نفسها لشيطان بهيئة بشر!
ضحكته ، نظراته ، هيئته التي تراه لم تثر سوى اشمئزازها.
سقط قلبه صريعًا يراقب ملامحها المصدومة ، أيقن الآن أنه يجني ما زرعه بيده.
الفيديو الذي أراد به حرق قلب غريمه ، أصبح هو حجر الأساس لقبر قلبه.
حينها تأكد أنه خسر.. خسر كل شيء فجذب مازن من تلابيبه ينهال عليه باللكمات مزمجرًا بألم روحه ولسانه يلقي بأفظع الشتائم عليه وسؤال واحد فقط يردده :
-"ليـــه؟"
ركله مازن بقدمه في منتصف بطنه فتقهقر الآخر للخلف بألم يستمع لهتاف مازن المرير :
-"بتسأل ليه؟
لسه بتسأل ليه؟
أنت فاكر أنك كده اتعاقبت!
أومال لما تعرف إن موت أبوها أبوك السبب فيه"
حينها رفع كريم أنظاره المصدومة إليه مستنكرًا لما يسمعه.
يهز رأسه بعدم فهم.. كيف يكون والده قاتل أبيها؟
لا يفهم أي شيء مما يقوله ليقترب مازن من سترته الملقاة أرضًا يخرج بضعة أوراق مماثلة للتي بعثها لزوجته كي تنشرها يلقيها بوجهه هاتفًا بتشفي :
-"ثابت الوكيل الشريك التالت لأبوك وأبويا ، واللي أبوك كان السبب في قتله قبل موت أبويا بفترة"
ثم وقف بجانب ياسمين الواقفة كالتمثال لم تحرك ساكنًا تتابع كل ما يحدث بصمت والحقائق تسقط على رأسها كطير أبابيل تحرقها ، يشير لها :
-"أحب أقدملك يقين ثابت الوكيل يا أستاذ كريم"
كور الأوراق في يده يقذفها بعنف ، يهز رأسه برفض لكل هذا وعيناه تتأملها بوجع وكل شيء يُهدم فوق رأسه :
-"ياسمين بصي لي أنا مليش ذنب بموت أبوكِ"
أراد لمسها لكن مازن حال بينه وبينها لاكمًا إياه بقوة وأضحى يكيل له الواحدة تلو الأخرى يعدد جرائمه ، لمح كريم سلاحه على الأرض فالتقطه ينوي قتله لكن صرخته القوية التي تلت طلقات النيران رجت أرجاء المنزل وجسده ينهار على الأرض فنظر خلفه لينصدم أنها من فعلت هذا!
ارتعش كفيها وسقط السلاح من يدها بصدمة ، غير مصدقة أنها فعلتها!
لم تعِ كيف رفعته ووجهته نحوه!
لم تعِ كيف استطاعت إطلاق النار عليه؟
شعورها بالقهر ، الخيانة ، اليتم هو ما دفعها لذلك!
الجميع يرمقها بذهول وصمت خاصةً عندما اقتربت منه ببطء ساقطة على ركبتيها أمام وجهه ترمقه بنظرات فارغة ، جليدية لا شعور فيها ، ونبرة باردة :
-"قولي يا كريم أنت إزاي قادر تعيش وكل السواد ده جواك؟
إزاي قادر تنام مرتاح وأنت بتعمل كل ده؟
قولي إزاي بتقتل وتأذي وتغتصب وترجع مرتاح؟"
-"ياسمين"
همس بها بوله يرفع كفه يريد لمس وجهها لكنها صفعته بعنف وعيناها تتقد بالشراسة والغضب هاتفة من بين أسنانها بقلب وجل محمل بعبق الخيانة :
-"قولي إزاي قدرت تعمل فيا كده؟
تخدعني بالطريقة دي؟"
جذبته من تلابيب ملابسه تجذبه نحوها وصوتها أضحى هامسًا محشرجًا ، ملئ بالألم :
-"اللي زيك ميستحقش الموت يا كريم ولا حتى السجن ، الاتنين راحة ليك وأنت مينفعش ترتاح..
اللي زيك لازم يعيشوا متكفنين بذنبهم"
صمت تأخذ أنفاسها باهتزاز ، ينتفض جسدها بانفعال وغضب ، تهمس بتشفي له :
-"اللي متأكدة منك إن الحاجة الوحيدة الصح في حياتك هي أنك حبتني ، بس بحق جرح قلبي ووجع روحي من صدمتي فيك يا كريم لأخليك تتحسر على كل حاجة عملتها وأنت عارف أن فيه حتة منك مش قادر تطولها"
عقد حاجبيه بعدم فهم ثم اتسعت عينيه بفطنة ويقين يبتلع لعابه بصعوبة هامسًا بحذر :
-"أنتِ حامل"
دفعته بقوة واستقامت تنظر لمازن بمغزى ما في نفسها ، تطلب شيئًا يرافقه رجاء أن يحققه لها فأومأ لها بصمت.
انهار جسد كريم على الأرض ناظرًا في الفراغ بأنفاس لاهثة وشعور بالخواء يجتاح قلبه ، ووعدها يتردد صداه في مسامعه.
رفع رأسه بضعف يراقبها تتقدم مازن ورامز للخارج لتقف تلتفت إليه في نظرة أخيرة خائبة حزينة ، ليرفع كفه المرتعش ولسانه يهمس اسمها برجاء قبل أن تأخذه دوامة الظلام فاقدًا وعيه.
تنفست بعمق تراقب انهياره الأخير قبل أن تختفي للأبد.

لم يكن يجب على دروبهما أن تتقاطع
كانت في دربها هائمة و هو منه راجع.
كانت فراشة محلقة
و كان حلقة النار المشتعلة
جذبها إليه و جذبته إليها
التقيا و لم يكن ينبغي عليهما اللقاء.
احترقا سويًا و كانت لحظة أن اجتمعا
هي نقطة الفراق


تــــمت بحمد الله

الحب سبق صحفي " مكتملة "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن