الفصل الرابع عشر
حبيبتي
إليكِ أسطر حروف الحب من دماء قلبي
حبيبتي
حققت كل ما أتمناه فاجتزت الصعاب ووصلت إلى المستحيل بدافع حبك بعد توفيق ربي
حبيبتي
سمعت بأن الحب عذاب ولوعة وحرمان فكنت أخافه
وبعد أن أحببتك تمنيت لو يجمع عذاب المحبين ويصبح من نصيبي بشرط أن تكوني بجانبي
حبيبتي
أحمل في قلبي تصور كلّ إنسان ، فلو استجمع شاعر قريحته وكاتب إلهامه لوقفوا عاجزين عن وصف عشقي
حبيبتي
لو سطرت لك أجمل الكلمات لم أوفيك حق حبي لكِ
حبيبتي
أرى أن كلمة أحبك قليلة في حقك وتعبر عن شيء قليل ممّا في قلبي
فاسمحي لي بأن أخبرك بأنّي لا أحبك لأنّي أرى في تلك الكلمة إنقاصًا لما أحمل لك من عشقي وغرامي
فأنتِ لي روحي وحياتي وأملي
★★★★★
يوم الخطبة في المساء كانت الفتيات على أتم استعداد..
منار ترتدي ثوبًا باللون الكريمي يصل طوله إلى كاحليها ، بأكمام طويلة ، يزينه حزام فضي من الخصر وطبقة من الدانتيل على الصدر ، ورفعت شعرها إلى الأعلى إلا من بضعة خصلات تمردت وهبطت على وجنتها مع القليل من مستحضرات التجميل.
كأي عروس.. بدت كملكة حقًا بجمالها الهادئ الذي خطف قلب نادر.
أما أسماء ارتدت ثوب من اللون السماوي ، يصل طوله لما بعد ركبتيها ، بأكمام قصيرة يزينه فراشة من الماس على كتفها الأيمن وحزام أبيض بفصوص ماسية على الخصر.. وتركت لشعرها العنان .
لكن هدير ارتدت ثوب من اللون الزيتوني ، ضيق حتى خصرها وينتهي باتساع حتى كاحليها ، أكمامه من الدانتيل تصل لساعديها.. فصوص ماسية تزين منطقة الصدر.. وأنزلت شعرها على هيئة تموجات ، ولم تضع غير الكحل في عينيها ، جعلها تظهر بشكل متمرد رغم بساطتها.
كان التوتر سيد الموقف!
انتهت منار من زينتها لكنها جلست تفرك بيديها.. الجو حولها لم يخل من مرح هدير التي كانت تحاول إغاظتها واللعب بأعصابها كما كانت تفعل معها ، بينما أسماء أخذت تهدأ من روعها!
جاء والدها ليأخذهم إلى القاعة التي ستتم بها الخطبة ، حيث ينتظرها نادر بناءً على طلبها وإصرارها على ذلك.
هبطت منار متأبطة زراع والدها شاردة بهذه الليلة التي لم تخطر على بالها قط!
فآخر شيء كانت تفكر به أن تكن يومًا عروسًا لنادر !
ذلك الشاب الذي طالما اعتبرته أخًا وصديقًا لها!
لكن للقلب رأي أخر .. و أمام القلب ليس هناك اختيار!
أفاقت من شرودها على صوت تعرفه جيدًا فوجدته يقف أمامها يرتدي حلة سوداء أنيقة زادت من وسامته ، يتقدم منها يصافح والدها قبل أن يلتفت إليها مبتسمًا غامزًا بعينيه .
نظرت له بغضب و كأن نظرتها تقول :
-"أهذاما اتفقنا عليه!!"
مد يده يلتقط كفها الصغير بين يديه يرفعه لاثمًا إياه بقبلة رقيقة هامسًا بنبرة تحمل حبًا وجد فرصته حتى يخرج :
-"مبروك يا مون مون ، أنا النهاردة أسعد واحد في الدنيا"
حاولت سحب كفها من أسر قبضته لكنه لم يمهلها الفرصة ؛ بل شدّد على قبضتها أكثر ، فزمت شفتيها بحنق :
-"بقى ده اللي اتفقنا عليه يا نادر؟
مش متفقين أنك تستناني في القاعة؟"
عقد بين حاجبيه بتذمر يضغط على أسنانه بقوة من غبائها ، يذم شفتيه بغيظ قبل أن ينطق :
-"أعتقد إني هخطب مرة واحدة بس في حياتي!
عايزة تحرميني من إني آخد عروستي لحد القاعة!"
صمت لحظة ثم أكمل بخبث يقول بنصف عين ينحني برأسه لأذنها هامسًا :
-"لو عندك رأي تاني ، أنا ممكن أغير رأيي و أخطب كمان مرة و...."
لكمته بقبضتها الأخرى في صدره قبل أن يواصل حديثه فتأوه بتصنع واضعًا كفه موضع لكمتها :
-"إيدك تقلت قوي يا منار ، أنتم البنات كده قبل الخطوبة قطط وديعة وبعدها تقلبوا على طول"
-"نـــــــــادر"
صرخت به بدهشة ممزوجة بخجل ضحك لها الجميع ، فانتبهت لهم وقد نست أن أسماء و هدير و والدها معهما.
جال بخاطرها فكرة فباحت بها في التو ، تنظر لهم في تهديد صريح مشيرة لهم بسبابتها :
-"أنتم كنتم عارفين أن نادر جاي صح!"
نظرت الفتاتان لبعضهما بخفية ، ثم رفعت هدير كتفيها ببراءة:
-"أنا مليش دعوة"
رمقها بنصف عين ونظرة خبيثة لفحها بها قبل أن يصطحب منار لسيارته يهتف ببراءة مشابهة لبراءة حديثها :
-"على أساس الرسالة اللي لسه بعتاها من شوية دي كانت إيه؟"
استدار برأسه لها غامزًا بمكر :
-"معلش بقى يا هدير بس مش بخبي على حرمي المستقبلية حاجة"
اتسعت عيناها من اعترافه باتفاقهما وهو من أصر عليها يومًا كاملًا ألا تعرف منار شيئًا ليبوح بكل شيء بهذه السهولة!
صاحت به تدور حول نفسها تبحث عن شيء حديدي تلقيه به:
-"يخرب بيت اللي يساعدك في حاجة تاني يا أخي..
صحيح الطيور على أشكالها تقع..
هي الصبح و أنت بالليل"
عقدت أسماء يديها أمامها ، تضرب الأرض بقدمها متذمرة تهز رأسها باعتراض بعد أن ضربت جبهتها بكفها بقلة حيلة :
-"الظاهر أننا هنقضي الليلة كلها هنا في الكلام ومش هنحضر الخطوبة"
تحدث حسين أخيرًا ينهي الأمر ، فطالما بدأ جدالهم لن ينتهوا في ليلتهم :
-"يلا يا هدير أنتِ و أسماء معايا فالعربية.. ونادر هيآخد عروسته ويحصلنا على القاعة"
عقد ذراع هدير بذراعه يدفعها برفق إلى سيارته ، فسارت معه لكنها مازالت تنظر لنادر بحنق و حدة تريد جذب خصلاته بأناملها ، ليرمقها بغمزة يثير غيظها أكثر قبل أن يدلف بجانب منار.
انطلق الجميع وفي الطريق لم يخل الجو من مرح نادر وتزمر منار لأنه أخفى عليها أمر حضوره ، رفع حاجبه بغيظ من موقفها فوضع يده خلف عنقها يجذب رأسها إليه هامسًا من بين أسنانه يضغط بها على شفته السفلى :
-"مضايقة عشان جيت أخدتك وعوزاني استنى في القاعة؟
أومال يوم الفرح أعمل إيه؟
أقعد استناكِ في البيت؟
أنتِ هبلة من امتى عاوز أفهم؟!"
تسارعت أنفاسها بحنق واتسعت فتحتي أنفها..
ثم أزاحت يده من فوق رأسها بغيظ ورغبة عارمة بعضّه تجتاحها بشدة حتى تنفس فيه عن غيظها!
بدلًا أن يغرقها بالكلمات الرومانسية في مثل هذه الليلة ، يتعامل معها كما يتعامل مع أحد أصدقائه الذكور!
وصلا للقاعة أخيرًا وقبل أن تهم بفتح الباب ، فاجئها صوته الآمر وذراعه أمسك بعضديها :
-"استني عندك"
التفتت له فوجدته يقترب منها فجأة ثم انحنى بجذعه يلتقط كفها يقبله :
-"تعرفي أنك جميلة جدًا النهاردة!
و مش النهاردة بس أنتِ دايمًا في عيني أجمل البنات..
أنتِ مش بس هتكوني مراتي ، أنتِ أختي وصاحبتي وكل حاجة ليا يا منار.. ربنا يقدرني واسعدك"
احتقن وجهها باحمرار طفيف من فرط الخجل ، وتسارعت ضربات قلبها بشدة..
حديثه مس قلبها بل و روحها..
كادت دمعة فرح أن تهبط من عينها لحديثه ، وردت عليه بصوت مرتعش خافت :
-"ربنا يخليك ليا يا نادر"
ابتسم لها برقة و هبط قبلها يفتح باب السيارة ، وقبل أن يدلفا للقاعة وجدته يعطيها باقة من الورود الجميلة الحمراء يتوسطهن وردة بيضاء.. ابتسمت له فمازحها :
-"مجتش فرصة أقدمه لك من شوية ، ما أنتِ كنتِ ماسكة في خناقي"
سمعا صوتًا من خلفهما يعنفهما ، والملل والغيظ يملأه من الرومانسية المفرطة التي ستصيبها بالغثيان عما قليل..
لم يكن إلا صوت هدير التي صاحت بهم :
-"مش كفاية الوقت اللي ضيعناه ، هتحبوا في بعض هنا كمان"
ضحكت منار على حنقها ، بينما نادر رمقها برفعة حاجب باردة من أعلى لأسفل قبل أن يميل إلى أذن منار هامسًا بتمني:
-"أه لو مازن يطلع من أي مكان دلوقتي ويخلصنا منها"
صاحت به هدير تجذبه من مرفقه :
-"بتقول إيه يا نادر !!"
ضحك وهم بالابتعاد من أمامها بصحبه عروسه :
-"مبقولش"
دلفا للحفل وطلت منار بهيئتها الجميلة متأبطة ذراعه ، بينما تسير هدير وأسماء خلفهما.
كانت الأولى سعيدة للغاية لرؤية صديقة عمرها تزف لعريسها..
كانت تعلم بمشاعر منار تجاه نادر ، فكثيرًا ما تحدثت معها عما تشعر به نحوه غير متأكدة من مشاعره نحوها!
الغبية كانت تظن أنها مجرد أخت له حتى تطلب منها المساعدة أكثر من مرة كي تتخلص من هذا الحب الذي ينمو كي لا تخسره كأخ وصديق ، وغافلة عن مدى الحب والعشق المطل من عينه لها والواضحة وضوح الشمس للجميع إلا هي!
حقًا غبية!!
والآن تحمد الله أنها شعرت به ولم تستخدم عقلها الجميل!
هبطت دمعة فرح من عينها سارعت تمسحها فشعرت بيد تجذبها جانبًا ، رفعت عينيها بذهول وجدته مازن يقف أمامها مبتسمًا برقة جعلتها تتوتر بشدة ، وقبل أن يتركها تستوعب وجوده أمامها يرفع يده يمسح الدمعة التي هربت على وجنتها.
رمشت بعينيها عدة مرات وقد عادت لوعيها من مفاجأة رؤيته مرة أخرى وهمست بخفوت :
-"مازن"
ابتسم لها بحنان للمشاعر التي تجيش بداخلها نحو أصدقائها في هذه اللحظة ، وحلم للطريقة التي نطقت بها اسمه.. ليهمس بنبرة بدت غريبة عليها :
-"عيون مازن"
نظرت له بذهول.. أهذا هو؟!
يا الله ما به هذه الأيام لا تعلم؟!
ما هذه الطريقة الجديدة التي يتعامل معها بها؟
رفعت حاجبها بدهشة ترمش بأهدابها عدة مرات :
-"أنت بتطلع منين!"
ضغط على أسنانه بغيظ ، و لسان حاله يقول
(ضيعتِ عليا اللحظة)
-"طلعت من مكان ما طلعت يا هدير ، هو ده كل اللي همك"
لوت شفتيها ترمقه بجانب عينها ولم تجبه ، ضغط على وجنتها بين سبابتها وإبهامها بمشاكسة لها فضربته على كفه لكرهها هذه الحركة ، ثم شعرت بأنفاسه على عنقها من قرب وجهه منها وهمسه في أذنها :
-"على فكرة أنتِ زي القمر في اللون ده ، وكويس إنك سيبتِ شعرك مرفعتيهوش كده أحلى بكتير"
ابتسمت بخجل ويدها تعيد خصلة من شعرها خلف أذنها ولا تنظر له ، لتتسع عيناها فجأة وشهقة طفيفة خرجت منها ، تلتفت له بنظرة حانقة وحاجبين مرفوعين ومعقودين عندما أكمل بنبرة لامبالية واضعًا يديه بجيب بنطاله :
-"بس الميكب مش قوي ، مش لايق حاسه تقيل.. بس مش مشكلة فرح بردو "
نظر لها غامزًا بتلاعب فعلمت أنه يثير غيظها ليس إلا..
هزت رأسها بيأس وقلة حيلة و التفتت تبحث بعينها عن أسماء التي اختفت هي الأخرى بمجرد ما جذبها زوجها.
وجدتها تجلس بجوار رامز الذي ينحني يهمس لها بشيء فتضحك بشدة ، لم تكن وحدها من رأتهم على هذا الحال بل مازن أيضًا فجذبها خلفه متجهًا إليهما .
انتفض رامز من كرسيه على كف مازن التي وضعت على كتفه فجأة بقوة وصوته الذي يعنفه بغيرة على أخته :
-"ما تخف شوية يا عم رامز"
عقد الآخر حاجبيه وتمتم بغضب دون أن يصل صوته له :
-"يعني حلال ليك وحرام عليا!"
حدجه بتهديد وحاجب مرفوع ببرود :
-"بتقول حاجة؟"
نظر له بجانب عينه يذم شفتيه بغيظ ، يقبض على يده يضرب بها على فخذه من أسفل الطاولة :
-"لا هقول إيه؟
ربنا على الظالم"
ضحكت الفتاتان عليهما بمرح ، ونهضتا للذهاب إلى منار التي كانت ترتدي الخواتم هي و نادر بهذه اللحظة.
وقف مازن بعيدًا يراقبها تقف مع أخته بجوار العروس ، تنظر إليها بفرحة وحب ، فابتسم بدوره لا يعلم كيف تبدل شعوره هكذا؟
كل ما يعلمه أنه بات لا يقوى على فراقها ولن يتخلى عنها حتى ولو أرادت ذلك!
يحبها!
لا يعلم إن كان يحبها أم لا؟!
لكنه بات متيقنًا أنها أصبحت أهم ما يملك.
أحبها وحبها قد تملكّه ، فأصبح لديها رهنًا ولقلبها سجينًا.
دعا منظم الحفل العروسين للرقص فنهض نادر ملتقطًا كفها بين يديه ، ورقصا معًا على أنغام الموسيقى الهادئة.
تشعر بفرحة عارمة ، حتى الآن لا تصدق ما يحدث معها!
تشعر بالخجل الشديد بالرغم من أنه نادر المتواجد أمامها منذ سنين!
رفع ذقنها بيده لتقابله عينيها التي يبدو بها الحب جليًا :
-"هتخليكِ سرحانة كده"
ابتسمت له برقة ولم تجبه ، فقدّر خجلها ضاحكًا :
-"طيب خلاص ده أنتِ طلعتِ بتتكسفي"
وجد ملامحها تتحول للنقيض.. نظرة الخجل تحولت لنظرة وعيد ، الحاجبان المعقودان بخجل أصبحا مرفوعين باستنكار ، والثغر المبتسم بحب أصبح مبتسمًا بغيظ :
-"نعم يا أستاذ نادر.. هو أنا مكنتش بتكسف ولا إيه!"
ضحك بشدة يقربها منه برفق يتمايل معها :
-"أيوه كده ارجعي لطبيعتك تاني"
بينما بمكان ليس ببعيد اقترب رامز من أسماء ودعاها للرقص فنهضت معه بسعادة ، شردت قليلًا ليلاحظها :
-"مالك سرحانة في إيه؟"
-"ها.. لا مفيش"
ابتسم لها هامسًا :
-"بتفكري لما رقصنا سوا يوم كتب كتاب مازن صح؟"
اندهشت من معرفته فيما تفكر!!
فهي بالفعل تذكرت تلك الليلة عندما انقبض قلبها بشدة لمجرد اعتقادها بأنه يحب أخرى ، لا تتخيل أن يكون لغيرها.
تحبه منذ أول مرة رأته بها ، وكلما جال بخاطرها فكرة أن يكون مع أخرى تشعر بأن الموت أهون لها ، تحبه مثلما يحبها بل و أكثر.
-"عرفت منين؟"
ضحك بخفة :
-"لأني أنا كمان بفكر في نفس اللي بتفكري فيه"
جذبها إليه أكثر يهمس بجوار أذنها :
-"أنتِ كنتِ هبلة قوي!!
ازاي فكرتِ إني ممكن ارتبط أو أحب حد غيرك!"
لكمته بكتفه بقبضتها ، تذم شفتيها ببرود :
-"أنا كنت أعرف منين و أنت طول الوقت تقول زي أختك"
ابتسم لها ولم يعلق ، فهي بالفعل أخته و صديقته وحبيبته وكل شيء له.
وهناك في مكان بعيد عن الأعين في حديقة الفندق المقام به الخطبة ، مظلم نوعًا ما إلا من أنوار طفيفة..
تقف غاضبة ، تنظر له بثورة مكتفة ذراعيها أمامها تعيد ظهرها إلى ظهر الكرسي خلفها تهز قدمها بانفعال.
وهو لم يختلف شعوره عنها بل كان غاضبًا أكثر منها ، يستند بمرفقه إلى حافة الكرسي بجانبها واضعًا أنامله على شفتيه التي يضغط عليها بأسنانه ، ثم يرفعها يعيد خصلاته للخلف بانفعال.
ظل على حاله لعدة دقائق لم يتحدث ، فتحركت من أمامه بخطوات سريعة تنوي الدلوف مرة أخرى إلى القاعة ، وفي الحقيقة تهرب من أمامه لا تريد الحديث معه.
انطلق خلفها يجذبها من معصمها يديرها إليه بنوع من الحدة :
-"استني هنا كلامنا لسه مخلصش ، ومرة تانية يا هدير لما أكلمك تستني وتسمعيني ومتمشيش ، أنتِ فاهمة!"
هزت رأسها بياس وزفرت بضيق قبل أن تصيح بغضب :
-"إيه يا مازن.. لسه فيه حاجة عاوز تقولها؟"
ضغط بلا وعي على قبضته فوق معصمها فحاولت جذب يدها من يده تكز على أسنانها بألم :
-"مازن سيب إيدي لو سمحت عاوزة أمشي"
-"لا يا هدير مش هتمشي غير لما كلامنا يخلص"
حاولت التحكم بأعصابها حتى تتحدث بهدوء :
-"تمام مش همشي بس تقدر تقولي إيه اللي حصل لكل ده؟!
فجأة تشدني بالطريقة دي من وسط الناس وتجيبني هنا من غير ما أفهم أي حاجة!"
جذبها إليه أكثر حتى كادت جبهته تلامس خاصتها ، أنفاسه تلفح جانب وجهها بغضب ، همسه يندفع بأذنها بفحيح شرس:
-"والله لما ألاقي واحد قرب على مراتي يسلم عليها بابتسامة لزجة شبهه ، ويتجرأ يطلب منها الرقص معاه وهو عارف إني موجود معاكِ يبقى حاجة من اتنين
إما مستغني عن عمره.. أو أنا كيس جوافة موجود!"
اتسعت عيناها من السبب وراء كل هذا؟
فقط لأن أحد زملائها جاء يلقي التحية عليها ولم يعلم بأمر زواجها لسفره في هذا الوقت يحدث كل هذا!
إن كان ذلك الزواج عن حب كانت تيقنت أن هذه غيرة عليها ، لكنهما يعلمان أنهما بعيدان كل البعد عن مسمى الحب!
ابتعدت برأسها للخلف تنظر له بذهول وحاجبين معقودين ، رأسها يهتز بعدم استيعاب :
-"نعم!
ده صديق لينا من أيام الجامعة ، كان مسافر ولسه راجع وميعرفش إنه اتكتب كتابي ، محصلش حاجة إنه يجي يسلم عليا يعني !"
تحدث ببرود ونظرة غامضة :
-"اللي قولت عليه تسمعيه يا هدير ، زميل أو لا كل واحد يعرف حدوده معاكِ كويس"
-"مفيش فايدة اللي في دماغك في دماغك ، وبصراحة أنا تعبت من الأسلوب والمعاملة دي بجد.. إيه مبتتعبش!!"
صرخت به بعدما جذبت نفسها من بين ذراعيه تشيح بها بحنق في وجهه ، ثم التفتت تنوي الذهاب وبداخلها يقسم أنها لن تتحدث معه مطلقًا حتى يغير من طريقته.
لم يجبها ولم يجعلها تذهب ، بل جذبها من مرفقها إليه مرة أخرى يحيط خصرها واليد الأخرى تتخلل خصلاتها تثبت رأسها ، ثم مال عليها بقبلة بث بها غضبه وغيرته التي لم يشعر هو بها.. حبه الذي بات واضحًا لا يستطيع أحد إنكاره إلا هو وهي فقط!
تفاجأت بما فعله من اقتحام شفتيه لها ، فقد كان آخر رد فعل تتوقعه منه.. وقبل أن تأخذ أي حركة هناك صوت صدر من مكان ما جعلها تعود إلى رشدها مرة أخرى لتدفعه بيدها.. لكنه رفض ابتعادها و أسند جبهته فوق جبهتها ناظرًا لها فوجدها مغمضة لا تريد النظر إليه ، ابتسم دون أن يشعر وأحاط وجنتيها بين كفيه يهمس لها :
-"لا أحمد ولا محمد ولا صنف مخلوق له الحق أنه يلمسك طالما على اسمي ومرتبطة بيا"
كلماته كفيلة كي تعود شراستها من جديد ، تزفر بغضب وغيظ كما يحب أن يراها عليه ، فدفعته في صدره تبتعد عنه هاتفة:
-"مازن.. أنت أكتر واحد عارف إني حاطة حدود لنفسي وللناس مفيش مخلوق يقدر يتعداها..
مش هبقى عايشة طول حياتي بمبادئ وأنت تيجي تغيرها ليا"
فرك وجهه بصبر يتنفس بقوة وعمق يبث الهدوء لنفسه وقلبه ، اقترب منها بروية يضع يده على عضديها :
-"بصي يا هدير.. أنا أكتر واحد يساعدك إنك تفضلي محتفظة بمبادئك دي ، بس اللي عايزك تفهميه أن اللي بطلبه أو اللي بقوله ملوش دعوة لا بحدود ولا بمبادئ!"
هتفت في وجهه بقوة ولا وعي :
-"أومال ليــــه؟!"
-"عشان بحـ........."
قاطعه صوت الهاتف ليجدها أسماء تسأله عن اختفاءه هو وهدير ، فمنار تسأل عليها منذ زمن.
لم تنتظر أن يغلق الهاتف فتركته ودلفت مرة أخرى إلى الحفل يتبعها بخطوات متريثة.
ظلت قابعة بجانب أسماء لا تفارقها وعقلها يفكر فيما حدث منذ قليل تريد إيجاد تفسير لكل ما يحدث ، وكل أفكارها تصب في طريق واحد.. طريق لا تريد الاعتراف به لظنها أنه من المستحيل أن يحدث!
انتهت حفلة الخطبة
بسعادة للبعض.
وأماني للبعض الآخر .
ومشاعر جديدة لآخرين.
★★★★★★
خيط رفيع بين الكراهية والحب
احذر جيدًا أن يُقطع أو يتشوش وعيك عنه
فتسقط وقلبك في شرك الحب ولا مناص ولا عزاء
فالحب فخ ملون
الحب مشاعر متضاربة متفاوتة من القلق ، الخوف ، التوقع ، والترقب .
فاحترس جيدًا!
وإلا ستجد نفسك سقطت سهوًا رغمًا عنك في وحل الحب دون أن تدري!
جالساً على الأريكة في مكتبه ينظر إلى الأوراق المنثورة أمامه على الطاولة القصيرة ، يصب كافة تركيزه عليها ممسكًا بإحداهن في يد والأخرى ممسكة بقلمه الفضي المزين بفصوص ماسية كان هدية من هدير عندما فاز بإحدى صفقاته الصعبة والكبيرة ، يضعها أسفل ذقنه ، يرتدي قميصه الأسود رافعًا أكمامه حتى مرفقيه ، وبين الحين والآخر تبرز عضلة فكه أثر ضغطه على أسنانه في حركة مصاحبة له أثناء استغراقه في التفكير .
أخرجه من عمق تركيزه صوت هاتفه الذي عَلَى برقم مجهول ، أجاب مباشرة وعينه مازالت في الملف الذي بيده :
-"ألو.. مين معايا"
وصله صوت غريب عنه يقول له بلهفة :
-"باش مهندس مازن السيوفي؟"
أجاب بنعم ليكمل الرجل حديثه :
-"الآنسة هدير مرات حضرتك عملت حادثة ونقلوها على مستشفى......"
لم يكد يكمل حديثه حتى انتفض من فوق كرسيه ملقيًا هاتفه على الأرض وأخذ مفاتيحه مندفعًا خارجًا من الشركة بأكملها آخذًا سيارته لينطلق إليها.
بين الحين والآخر يضرب على مقود سيارته بكفه عدة مرات وعقله يسرد له كثير من المشاهد التي من الممكن أن تكون تعرضت لها!
كيف تعرضت لذلك الحادث وما مدى الخطورة التي بها؟
لماذا لم يهاتفه أيًا من حراسه الموكلين بحمايتها ، كيف لم يفعلوا شيئًا؟
جذب خصلاته يقبض عليها بشدة ، يدق على زامور السيارة بقوة حتى تفسح له السيارات أمامه الطريق يفكر
هل حدث لها شيئًا مروعًا يستدعي ذهابها للمشفى؟!
جاء بفكره كريم أن يكون السبب خلف الحادثة ، فتغيرت النظرة في عينيه لأخرى يلوح بها التهديد والوعيد إن كان له يد فلن يتردد في قتله بيده!
هتف بقوة يقبض على المقود بشدة حتى ابيضت مفاصله ، نبضات قلبه تدوي في السيارة من جم قلقه وتوتره :
-"يا رب تكون بخير بس ، مش عاوز حاجة تاني"
يقود بأقصى سرعة له يحاول تفادي السيارات من حوله ، حاول أن يبطئ فتفاجأ بأن مكابح سيارته لا تعمل!
عقد حاجبيه بدهشة وعدم استيعاب لما يحدث!
لا لا لا ليس الآن ، ليس وقته أن تتوقف ، دعس عليها عدة مرات ونظراته تحول بينها وبين الطريق أمامه لكن لا نتيجة!
أيقن حينها أنها مكيدة للإيقاع به ، فحاول السيطرة على السيارة وبالأخص أن السرعة كانت كبيرة جدًا.. كاد أن يصطدم بأكثر من سيارة ويشعر أن تلك النهاية ، الموت على مقربة خطوة واحدة منه!
لسان حاله يدعو الله إن كان اليوم آخر يوم له فلا اعتراض لكن يطمئن قلبه عليها أولاً ، لتظهر تلك الشجرة على جانب الطريق جعلته ينحرف بسيارته نحوها ، فبضعة كسور أهون بكثير من الموت!
********
ما بين شد وجذب يعلن الكامن خلف الضلوع تحرك بعض النبضات دون رغبة منا
شيئًا فشيئًا تفلت نبضة هاربة من القلب نحاول بكل قوتنا منع ذلك أو عدم التفكير فيها لكنها تأبي إلا الخروج!
يصارع العقل القلب في معركة دامية
ففي عرف الحب لم ينجو و لا يخرج أحد سالمًا
السقوط حتمي ما بين الغيرة والحقد
وما خفي خلف الكواليس يتحرك له القلب رغم كل شيء!
نائمة لا تعلم شيء عما حدث إلى أن سمعت رنين هاتفها المتواصل ، أغلقته مرة لكن مهاتفها مصّرٌ على إيقاظها.. نظرت للشاشة بنصف عين فوجدتها أسماء ، أجابتها بنعاس قاتل :
-"أيوه يا أسماء.. صاحية بدري ليه ومصحياني معاكِ؟"
استعرت شهقاتها انتباهها فنهضت فزعة من فراشها تهتف بقلق أرعد أوصالها :
-"صوتك شكله معيط.. إيه اللي حصل؟
كل حاجة تمام صح؟"
أجابتها بصوت متحشرج من البكاء :
-"هدير تعالي حالًا مستشفى....."
انقبض قلبها لفكرة أن يكون أحد قد أصابه مكروه
تكره المستشفيات بعد حادثة أبيها وتمقت الأخبار الكريهة الميتة!
تريد أن ترتاح ولو قليلًا ألا تستحق؟!
أعادت خصلاتها للخلف من فوق عينيها تزيح الفراش من فوقها تهمس بحذر :
-"ليه المستشفى يا أسماء؟"
لم تستطع أن تسمع الرد نظرت إلى هاتفها فوجدت بطاريته قد نفذت ، ألقته بغيظ خلفها ونهضت مسرعة إلى خزانة الملابس تأخذ ما تطاله يدها ترتديه في عجل ، ثم أخذت مفاتيح سيارتها وخرجت مسرعة تسارع كل قدم الأخرى مهرولة على الدرج ، يدها تحاول لملمة خصلاتها في كعكة عشوائية فوق رأسها تثبتها بمشبك رقيق ، قلبها تتسارع نبضاته بقوة حتى شعرت به يضرب في رأسها ، وجهها يتغضن بقلق واحمرار طفيف انتشر به ، شفتيها تتحرك بكافة الأدعية التي تحفظها حتى يكون كل شيء بخير .
ألتقت بكريمة في الأسفل التي أوقفتها قائلة :
-"مالك بتجري ليه؟"
حاولت التقاط أنفاسها تجيبها بتلخيص :
-"لازم أروح المستشفى حالًا.. أسماء كلمتني أروح على هناك معرفش إيه حصل؟"
تركتها لتخرج تستمع لهتافها خلفها :
-"طب أبقي طمنيني"
قادت بأقصى سرعة وقلبها يدعو ألا يكون أحد قد أصابه مكروه شديد حتى وصلت لوجهتها ، وقفت أمام الاستعلامات لا تعرف عما ستسأل!
غارقة في فوضى الخوف ، لم تستطع الإلمام بمغزى المهاتفة من أسماء ولا تستطيع الوصول لها!
تلتفت بجزع يمينًا ويسارًا تبحث عن منارة تدلها إليها حتى انتشلها صوت رامز من حيرتها يقول باندهاش :
-"هدير !!
أنتِ جيتِ هنا ازاي؟!"
أجابته بقلق وكلمات متقطعة :
-"معرفش.. أسماء اتصلت.. والخط قطع من غير ما أعرف.."
رفع كفيه أمامه علامة على الهدوء والصمت يبتسم لها باطمئنان :
-"اهدي وخدي نفسك مفيش حاجة تستدعي القلق ده كله.. مازن بس...."
قاطعته شهقتها واضعة كفيها على صدره ممسكة بثيابه :
-"مازن!!
إيه اللي حصل؟"
أمسك كفها بين كفيه يربت عليه بهدوء كي تهدأ لكنها استمرت تطرح أسئلتها الجزعة سؤال خلف الآخر حتى هتف بها بغضب مصطنع كي يتحكم بقلقها :
-"اهدي قولت.. كل الحكاية حادثة بسيطة وهو كويس ، تعالي معايا علشان تطمني"
ذهبت معه صامتة بعد صراخه عليها تقدم قدم وتؤخر الأخرى ، وقفت أمام الغرفة مترددة ليلتفت لها رافعًا حاجبه بتساؤل لوقوفها!
قرأ التردد على وجهها فدفعها برفق يدخلها الغرفة ، وقفت تدير نظرها تجد والدته جالسة على يمينه وأسماء إلى يساره.. أما هو بالمنتصف يجلس بشموخه المعتاد لتتأمله بصمت وبدون حركة..
عينيها تشمله كله من أعلى رأسه لأخمص قدمه تتأكد من كم الإصابات التي تلقاها!
وقعت عيناها على جبينه الملتف بضمادة بيضاء ، ثم قدمه بجبيرتها الملتفة حولها حتى منتصف ساقه..
تنفست بعمق تحمد الله أن النتائج وصلت إلى هذا الحد.
تقدمت منها ميرفت محتضنة إياها بحنان عندما رأت مدى القلق على وجهها :
-"معلش حبيبتي.. البنت أسماء قلقتك بالشكل ده"
نظرت بتلقائية لأسماء التي غمزت لها بابتسامة معاكسة تمامًا عن البكاء التي كانت تحدثها به ، فرمقتها بغيظ لتخفي رأسها بكتف أخيها هامسة بمشاغبة :
-"المفروض تشكرني يا حبيبي ، لولايا مكنتش هتعرف غلاوتك عندها"
رمقها برفعة حاجب مستفزة منه مبتسمًا ببرود هامسًا مثلها :
-"ازاي يا ذكية؟"
أجابته بغرور وراثي في هذه العائلة ، تمسح على ضمادته برفق:
-"لو مش غالي عندها مكنتش جت تجري ، ولا كان ظهر عليها القلق اللي دخلت بيه ده ، ولما شافت أنك كويس ارتاحت"
نظر لوجهها مرة أخرى يتذكر حالها عندما دلفت عيونها تشمله تتأكد كم من الاصابات التي تلقاها!
ليرى كيف تحول من القلق إلى الراحة بعد أن تيقنت أن لا مكروه أصابه ، فغمز لأخته ضاحكًا :
-"لا بتفهمي صحيح"
التفتت إلى صوت والدتها التي نادت عليها تقطع حديثهما :
-"يلا يا أسماء تعالي معايا نجيب لبس لأخوكِ من البيت"
نهضت تأخذ حقيبتها ، فكادت هدير أن تنهض هي الأخرى لتمنعها يد أسماء التي أوقفتها بسرعة :
-"إيه على فين؟
خليكِ مع مازن لحد ما نرجع ، هما ساعتين ونرجع"
التفتت إلى مازن الذي يرمقها بمكر مستمتعًا بحركات أخته ، فقالت بتردد تبتلع لعابها بصعوبة :
-"بس رامز موجود معاه"
فهتف رامز بدوره ينظر بساعته :
-"بصراحة يا هدير بما أن مازن مش هيقدر يروح الشركة فأنا لازم أروح لأن فيه شغل مهم لازم يخلص دلوقتي حالًا"
ثم ألتفت لأسماء ووالدتها قائلًا يفتح الباب لهن :
-"يلا عشان أوصلكم وألحق أنا أروح الشركة"
خرج الجميع يغلقون الباب خلفهم تاركين إياها تنظر في أثرهم بغموض وحاجبين معقودين لفهم ما يحدث ، التفتت لصوت مازن من خلفها الذي جذب انتباهها :
-"مش تطمني عليا ولا هتفضلي تبصي للباب كتير!"
حمحمت وتقدمت نحوه تهم بالجلوس على الكرسي القريب من فراشه ، لكنه جذب يدها تجلس على حافة الفراش بالقرب منه..
تأمل وجهها المحمر من القلق.. التقط نظرات القلق والحزن في عينيها التي تتأمل صدره المليء بالخدوش ولاصقة كبيرة تغطي جرح على كتفه لم تنتبه لها إلا الآن ، لاحظ عيناها تلتمع بطبقة من الدموع التي تأبى الهبوط ، فرفعت يدها ترسم هذه الخدوش بالهواء بدون أن تلمسها وصوتها الهامس يصله متسائلة :
-"إيه اللي حصل؟"
أجابها بمزاح لا يليق مع الموقف :
-"ولا حاجة كنت هموت"
رفعت نظراتها إليه وجد الدموع متجمعة بها ، فأحاط وجهها بكفه والذراع الآخر جذبها يحتضنها محاولاً السيطرة على قلقها ، ولدهشته أحاطته هي الأخرى بذراعيها فشعر بدمعات دافئة تهبط على كتفه ، مسد ظهرها برفق وشعور من السعادة يجتاح قلبه بتسلل.. ثم همس بصوت رقيق يدفن أنفاسه في خصلاتها :
-"اهدي كل حاجة تمام.. كل الموضوع حادثة بسيطة وجت سليمة"
سألته بصوت متحشرج ولم تخرج من أحضانه كمن تخاف أن يرى أحد ضعفها :
-"حادثة؟
إيه اللي حصل يا مازن.. مش معقول بعد ده كله طلعت مش بتعرف تسوق"
ضغط على أسنانه بغيظ من لسانها هذا يحاول أن يتحكم بنفسه ، ضربها بخفة خلف رأسها :
-"لا بعرف يا مستفزة.. بس جالي تليفون الصبح إنك عملتِ حادثة وفي المستشفى ، بس تفاجئت أن فرامل العربية مفكوكة فحصل اللي حصل"
عقدت حاجبيها بدهشة مما تسمعه ، رفعت رأسها من أحضانه لكنه مازال متشبثًا بها :
-"تقصد أنها بفعل فاعل!"
هز مازن رأسه بتجاهل ورأسه يفكر في أكثر من اتجاه فسألته مرة أخرى :
-"مازن أنت شاكك في حد؟"
رفع كفه إلى خصلاتها يمسدها مبتسمًا ، ثم لمس وجنتها بظاهر يده بحنان :
-"متقلقيش كل حاجة هتبقى تمام وبخير ، مقصودة أو لا المهم الغرض من ورا ده محصلش"
نظرت لكفيها التي تفركهما فوق قدميها بتفكير ، ثم رفعت عينيها له مرة أخرى تسأله :
-"طب إيه اللي حصل بالضبط؟!"
على الرغم أنه سرد لها ما حدث لكنه راعى قلقها وتوترها ، فأخذ يدها بين كفيه يضغط عليهما برفق وأعاد عليها ما قاله منذ قليل من الهاتف الذي تلقاه ثم هرولته حتى يلحق بها ، لينتهي الأمر به اكتشافه أن مكابح سيارته لا تعمل ، فعلم أنه المقصود وليس هي.
انتهى من حديثه يطالع نظراتها المتوترة تتأمله تحاول معرفة الهدف وراء ما حدث :
-"وتفتكر دي حاجة تطمن"
كاد أن يجيبها لكن طرقات الباب قاطعتهم ، حاولت النهوض لكن ذراعه أحاطت بها من جديد منعتها ، فنظرت له بأعين متسعة يصدر منها الدهشة وحاولت الفكاك منه لكنه منعها وأمر الطارق بالدلوف.
دخلت الممرضة حاملة صينية الطعام ووضعتها بجانب الفراش قائلة بابتسامة إعجاب :
-"ياريت تأكل أكلك كله يا باش مهندس علشان ميعاد علاجك"
أعطاها ابتسامة جذابة لتخجل وتخرج مغلقة الباب خلفها ، يرمقها بنظراته حتى خرجت ، ثم استدار إلى هدير الناظرة له بحاجب مرفوع بغموض فقلد نظرتها باستفزاز .
ابتسمت بغيظ لا تعرف مصدره وقالت مربتة على ذراعه بنوع من الحدة :
-"كل يا حبيبي علشان علاجك"
★★★★★★★
في الحب خطابات نبعث بها وأخرى نمزقها
وأجمل الخطابات التي لا نكتبها
خطابات تسرد محتواها النظرات
نبضات القلب
وغيرة العاشق
أوصلهم رامز إلى المنزل وأخبرهم أنه بعد ساعتين سيأتي ليقلهما إلى المشفى مرة أخرى ، هبطت ميرفت تتحدث بالهاتف مع صديقتها التي كانت بانتظارها بالداخل بعد أن ودعت رامز.
ثم نظر إلى أسماء التي انتقلت بجانبه مكان والدتها بصمت قبل أن يسألها بتعجب :
-"خير!"
أجابته ببراءة خلفها مكر ترفع كتفيها لأعلى بإقرار :
-"هروح معاك الشركة"
كاد أن يعترض لكنها أوقفته بإشارة من يدها التي ضمتهم إلى صدرها في قبضة واحدة هاتفة بتوسل :
-"عشان خاطري يا رامز.. أنا مش بحب صاحبة ماما دي وهفضل محبوسة في أوضتي ساعتين على ما تمشي أو أنت تيجي ، هروح معاك ومش هعمل حاجة ، هبقى طيبة"
رمقها بنظرات غامضة قبل أن يعيد تشغيل سيارته هامسًا بسره :
-"ما المشكلة أنك هتبقى طيبة.. ربنا يقويني"
وصلا إلى المقر الرئيسي فقالت له وعيناها تحوم في المكان كأنه جاء بها إلى مدينة الألعاب ، فأشاحت له بيدها دون أن تلتفت وكادت تذهب :
-"روح أنت شوف شغلك وأنا هلف هنا شوية"
لكن قبل أن تذهب جذبها من يدها بنوع من الشدة وجعلها تسير أمامه إلى مكتبه يقول من بين أسنانه بدهشة من طفولتها :
-"تلفي هنا فين إحنا في الملاهي!
تعالي معايا اقعدي في المكتب على ما أخلص الشغل مش هنتأخر"
سارت معه محاولة كتم ضحكاتها بشدة حتى لا يغضب ، تعلم أنه سيرفض فلم تفعل هذا إلا لإثارته فقط!
دلفت إلى المكتب وجلست على الأريكة المقابلة لمكتبه ، وجلس ممسكًا بأحد الملفات يصب تركيزه عليه .
مر القليل من الوقت كانت جالسة تؤرجح ساقها تارة ، وتلعب بخصلاتها تارة ، ثم تعبث بهاتفها تارة أخرى أو تقرأ في إحدى المجلات الموضوعة على الطاولة.. وبين الحين والآخر تراقبه يعمل بجدية ويقوم باتصالاته يناقش بها سير العمل.
اكتشفت جانب آخر منه وهو الجدية في العمل.
تشعر أنها أمام شخص غير رامز الذي تعرفه!
بداية من تغير نظراته يحاول الوصول لحل تلك الثغرة في الملف حتى يكون كاملًا!
عقدة حاجبيه ، تحرك شفتيه المذمومة في كلا الجانبين كأنه يلوك طعام في فمه كحركة يفعلها عندما ينشغل عقله بشيء!!
تخلى عن سترته وفك رابطة عنقه ، يرتشف من فنجان قهوته بين الحين والآخر !!
قطع تأملها دلوف سكرتيرته تخبره أن نادين بانتظاره عندما لم تجد مازن في مكتبه ، فأمرها بالدخول ليلتفت على صوت أسماء تقترب منه وتسأله :
-"نادين!"
-"مشروع جديد لشركتها وطلبت شركتنا اللي تنفذه"
وجدتها تدلف إلى الغرفة بمشيتها الطاووسية المعتادة تجلس تضع ساق فوق الأخرى فظهر من ساقها أكثر مما يجب ، رمقتها أسماء بنصف عين قبل أن تسمعها تقول :
-"أسماء.. بتعملي إيه هنا؟"
ابتسمت لها بتكلف ودارت تجلس أمامها :
-"ده من حسن حظي علشان أشوفك"
أومأت لها ثم ألتفتت لرامز وسألته :
-"أومال فين مازن؟
سكرتيرته قالت أنه كان موجود ومشي.. وهو عارف أنه عنده ميعاد معايا"
ابتسم لها وأستند بمرفقه على مكتبه مقتربًا بجسده منه ووضع يده أسفل ذقنه يحكه ثم أجابها :
-"مازن عنده معاد مهم فالمرة دي الاجتماع معايا أنا"
عقدت حاجبيها بتساؤل.. فأي شيء مهم يجعل مازن يترك عمله الذي لم يكن يستطيع أي كان أن يمنعه عنه؟!
حتمًا يتعلق بتلك الفتاة التي تزوجها فمن سيكون غيرها!
قرأت أسماء تعبيرات وجهها المندهشة فوضعت ساق فوق الأخرى تشبك أصابعها أمامها وقالت بتشفي :
-"معلش يا نادين يا حبيبتي ، أنتِ عارفة فرحه قرب فلازم يخلص المطلوب هو ومراته"
رمقتها بغيظ وغضب ، وهتاف خرج منها بدون إرادة :
-"يعني سايب الاجتماع معايا علشان يروح لهدير"
ضحكت بقوة قبل أن تجيبها قائلة تتأمل هيئتها بتلك الكنزة المحددة لجسدها ، والجيب القصيرة للغاية ، وكم مساحيق التجميل التي تضعها على وجهها :
-"عارفة أنك كلفتِ نفسك على الفاضي بس نعمل إيه؟!
واحد ومراته نعترض يعني؟"
ضغطت نادين على أسنانها بقوة ثم التفتت إلى رامز المتابع للحوار بتسلية ، يرى صغيرته مستمتعة بإثارة غيظها وقالت:
-"تمام خلينا نشوف اللي جاية عشانه يا رامز"
جلسا يعملان لوقت ليس بالقصير ، حتى نهضت حاملة حقيبتها :
-"كده تمام ، الشغل حلو قوي"
ثم نظرت لأسماء التي انتقلت لمكانها على الأريكة تقرأ في المجلة هاتفة حتى تستعر انتباهها :
-"مبسوطة إني شوفتك يا أسماء أكيد هنتقابل تاني"
ابتسمت لها بتكلف تردد :
-"أكيد قريب قوي"
خرجت تتبعها نظراتها الحانقة من أسلوبها ، ثم هزت رأسها بيأس من حركاتها المكشوفة أمام الجميع لتقع عيناها بعين رامز الذي يراقبها بتسلية ، فأشارت له برأسها بتساؤل دون أن تتحدث ، فضحك بقوة يهز رأسه بقلة حيلة من تلك الطفلة ، ثم نهض حاملًا مفاتيح سيارته ونظارته :
-"يلا أنا كده خلصت شغلي"
نهضت واضعة يديها بخصرها وتعبيرات حانق على وجهها وهتفت به ضاغطة على أسنانها :
-"جيت مخصوص عشان اجتماع سردين دي!"
كتم ضحكاته بصعوبة وتحدث يلوح بذراعيه على جانبيه :
-"الشغل شغل يا أسماء سواء مع سردين ولا حوت بقى مش قضيتي"
أخذت حقيبتها وسارت بخطوات غاضبة تخرج من المكتب هاتفة بنزق :
-"لو كنت أعرف مكنتش جيت.. مالها صاحبة ماما أحسن من علبة السردين اللي اتفتحت مرة واحدة دي"
لم يتمالك نفسه وترك العنان لضحكاته تخرج ، ثم تبعها متجهين إلى المنزل ثم إلى المشفى.
★★★★★
كلنا كالقمر..
لنا جانب مظلم
كلٌ له أسراره
أسرار تخصه وحده لا يستطيع البوح بها
لكن تأتي لحظة يتيقن أنه لابد من الإفصاح عن مكنون قلبه
ترتاح.. تستكين.. تطمئن
خاصةً إن أفصحت لشخص هو العالم بالنسبة لك.
خرجت وعقلها مازال مشغولاً في عدم مجيئه؟
قلبها يحترق منذ طلاقه منها وزواجه من أخرى!
أقسمت أن تأخذ حقها منه ولن تنكث قسمها أبدًا.
من تكون هذه حتى تنافسها عما تعتبره ملكها؟
انتشلها من تفكيرها الهاتف الذي أخبرها أن مازن تعرض لحادث وهو الآن في المشفى برفقة هدير فقط ثم أغلق!
نظرت إلى شاشته بحاجب مرتفع وصمت رهيب خيم عليها ، ثم التمعت عينها بمكر وخبث ولاحت ابتسامة جانبية على ثغرها ، وأمرت السائق أن يتجه نحو المشفى .
فزيارة المريض واجبة!
وخاصة لو كان هذا المريض زوجها... السابق!
دلفت بكبرياء وغرور تسأل في الاستقبال عن رقم غرفته فأخبرتها الممرضة التي نظرت لها من أعلى لأسفل بإعجاب من ملابسها وهيئتها ، وطالعتها تسير كعارضات الأزياء وصوت كعبها يدوي على الأرض السيراميكية.
وصلت أمام باب الغرفة المغلق فابتسمت بمكر تضغط على شفتها السفلى بخبث ترسم بخيالاتها كثير من السيناريوهات التي ستظهر بها حتى تثير غضب وحنق التي تسمع صوتها بالداخل.. رفعت أناملها تدق مرتين عليه ودخلت بعد أن سمعت صوت غريمتها يسمح لها بالدلوف.
-"مساء الخير"
استدارا لها بذهول من وجودها!
ما هذه الجراءة التي تملكها للقدوم هنا!
رمقتها هدير متعجبة من وقوفها بكل ثقة ، رمقتها من أعلى لأسفل بحاجبين مرفوعين ثم نظرت لمازن بتساؤل غاضب الذي رفع لها كتفيه بعدم معرفة ، لينظر إلى زائرته بغموض حانق.
أخبرها ألا تظهر أمامه مرة أخرى خصوصًا مع هدير وها هي تلقي بتحذيره عرض الحائط!
ماذا يفعل معها حتى تبتعد بإرادتها فلا يريد التدخل حتى لا يجعلها تكره حياتها؟
كاد أن يتحدث لكن هدير التي كتفت ذراعيها أمام صدرها ، تميل برأسها قليلًا تتأمل تلك التنورة السوداء تصل حتى ركبتيها ، تعلوها كنزة حمراء حريرية تكاد تنفجر من شدة التصاقها بجسدها ، تضع سترة سوداء على ذراعها.. وقفت أمامها قائلة :
-"خير يا أنسة نادين!
بتعملي إيه هنا إن شاء الله؟"
استشعرت الحنق الذي يظهر مليًا في نبرتها لها ، فاتسع ثغرها المطلي بأحمر شفاه قاتم بابتسامة متشفية أنها أثارتها ، واقتربت منها خطوة تمد يدها تربت على كتفها ، وأجابت ببراءة بعيدة كل البعد عنها :
-"إيه يا هدير؟!
أنا قولت مينفعش أعرف أن مازن عمل حادثة وفي المستشفى ومجيش أزوره!"
ثم نظرت لمازن بحاجب مرتفع وهمسة ماكرة :
-"اللي بينا مش قليل بردو ولا إيه؟"
-"نـــادين"
هتف بها بصرامة وحدة يرمقها بوعيد استقبلته بضحكة طفيفة كمن وصلت لهدفها ، ثم اقتربت منه تنحني قليلًا أمامه تربت على ظاهر كفه ، تنظر له بقوة كمن تخبره أنها لن تخرج من حياته بهذه السهولة!
هي من بدأت اللعبة وهي من ستنهيها!
هكذا تعتقد وهكذا تصدق!
همست له بتلاعب :
-"الحمد لله على السلامة يا حوت ، إن شاء الله تبقى بخير وتخرج من هنا أحسن..
كان نفسي أبقى أنا اللي جمبك ، بس ااا....."
صمتت تنظر بخبث لهدير التي ترمقهما بغموض ترى ردة فعله ، ثم استقامت بتريث والتفتت تقف أمامها مرة أخرى تبتسم :
-"فرصة سعيدة إني شوفتك يا هدير ، والحمد لله على سلامة.. مازن"
خرجت دون أي كلمة أخرى تاركة خلفها فتاة تتطلع إليها بغموض وغضب من ظهورها من جديد وهي بالأساس لم تنس أنها في يوم كانت زوجته في الخفاء.
أخبرها أن هناك هدف وسر من هذا الزواج وسيخبرها في الوقت المناسب ، لكنها استدارت تواجهه وما زالت تكتف ذراعيها تتطلع له بصمت ، حاجب مرفوع ، شفاه مذمومة ، ونظرات غامضة مستفسرة.
علم أنها لن تمرر الأمر مرور الكرام فحاول أن يشتت تفكيرها لكنها سبقته بصوتها الهادئ المتأني بين كل كلمة والأخرى ، يعلم أنه يخفي خلفه غضب جم :
-"دلوقتي.. وحالًا عاوزة أعرف كل حاجة أنت مخبيها بخصوص البنت دي!
كل حاجة يا مازن ، من غير كذب.. من غير أسرار.. ومتخبيش أي حاجة"
حاول ادعاء التعب وعاد بظهره للخلف يمسك بكتفه المصاب بألم مصطنع هاتفًا :
-"ده وقته يا هدير!
يعني شايفة ده المكان والوقت المناسب اللي نتكلم فيه في موضوع زي ده؟!"
لم يتلق أي إجابة فرفع رأسه ينظر إليها فوجدها ما زالت على حالها ترمقه بصمت تنتظر الإجابة على سؤالها ، بل لم يجد أي إشارة على التأثر بحديثه أو بألمه ، فاعتدل في جلسته وقد اختفى عبثه واستحال وجهه للجدية فنظر لها بجمود قائلًا بتوتر خفي :
-"لو حكيت هتصدقيني؟!"
نبضة ظهرت بداخلها تختلف عن أخواتها بعد سؤاله بتلك الطريقة كمن يترجاها أن تقول نعم!
هل الثقة بينهما عالية كي تصدق ما سيقوله؟
عندما أخبرته أنها تثق به وتركت له زمام الأمور يتعامل معها بطريقته ، هل كانت تعنيها حقًا؟!
هل ما فعله معها الفترة الماضية ووقوفه بجانبها وحمايته لها كفيل أن يجعل الصدق والثقة مكتملان بداخلها أم البداية بينهما ستقف عائق أمام قراراتها وقلبها؟
نظرت له كمن تريد سبر أغواره.. قراءة أفكاره.. معرفة هل سيخيب ظنها أم لا؟
وكأن نظرته أخبرتها أن تجعل كلماتها بالثقة حقيقة!
لا يوجد شيء يجعله يكذب عليها ، فلقد كان واضحًا معها منذ البداية.
تحركت حدقتيها في الأرجاء ، ترمش بأهدابها عدة مرات ثم تنهدت بقوة وقد علمت بما ستجيبه :
-"هصدقك يا مازن .. هصدقك.
أنا وثقت فيك وأنا قد كلمتي ، فياريت تقدر الثقة دي وتقولي الحقيقة"
انتشاء وسعادة عارمة عصفت بقلبه.. في كل الأحوال لم يكن سيكذب عليها وسيخبرها الحقيقة كاملة ، لكن هيهات من شعور السرد ومن أمامك يثق بك.. وشعور أنه ينتابه الشك نحوك!
ابتسم لها ومد ذراعه لها حتى تقترب منه ، فأمسكت بكفه وجلست بجانبه على الفراش.. تناول هاتفه من فوق الطاولة يبحث عن أحد الملفات الذي يحتفظ به دائمًا يفتحه وأعطاه لها حتى تقرأ ما به.
ابتلعت لعابها ببطء تأخذ الهاتف من يده وبدأت تقرأ.. اتسعت عينها مع كل سطر تمر عليه ، شهقت بقوة واضعة يدها المرتعشة فوق فمها ، ثم نظرت له بدهشة وحاجبين معقودين بعدم تصديق ، تهمس بصوت متقطع وأنفاس بطيئة:
-"يعني.. يعني إيه الكلام ده؟
نادين.. نادين تبقى...
لا لا الكلام ده غلط أكيد"
صمتت ولم تكمل ، فأخذ الهاتف من يدها وضمهما بين كفيه يضغط عليهما بقوة ، يدقق النظر في عينيها يومئ برأسه أن ما قرأته صحيحًا :
-"لا مش غلط ، اللي قرأتيه صح..
جورج رئيس المنظمة في روسيا واللي مسئول عن كل البلاوي اللي بتحصل دي من قتل أبويا ، مشاكل أبوكِ ، وجود كريم نفسه.. يبقى خال نادين!
كريم يبقى الدراع اليمين ليه زي ما قولتك ، ونادين تبقى الدراع التاني.
الراجل اللي قتل أبويا قدام عيني يبقى عاصم أبوها بتخطيط من رأفت أبو كريم"
شهقت بقوة واضعة يدها على فمها من المفاجأة ، و اتسعت عيناها بذهول مما تسمعه ، في حين تسارعت أنفاسها بشدة من كم الصدمات التي تسمعها!
قرأ الخوف في عينها لأول مرة فجذبها إلى أحضانه يملس على ظهرها يريد أن يخفف من مفاجأتها حتى يستطيع إكمال ما يريد قوله ، دفن وجهه في خصلاتها يهمس في أذنها :
-"متخافيش ، مش هتقدر تعمل ليكِ أي حاجة ، لا هي ولا غيرها"
أبعد رأسه يحتوي وجهها بين كفيه بعد أن أعاد خصلاتها للخلف يدقق النظر لها يعطيها من قوته :
-"هي هنا تحت عيني زي ما كانت قبل كده من يوم ما رجعت من بره ، كل حركة وكل تفكير أنا عارفه"
نظرت له بغموض وصمت ولم تبد أي رد فعل ، فعلم أنها تستفسر منه عن معنى كلماته ، نظر لها بتصميم وقوة يقر بما تحترق لسماعه :
-"جوازي منها مكنش للمتعة يا هدير ، جوازي كان خطة من انتقامي منهم.
نادين اختاروها تكون عينهم عندي ، بس أنا مبدخلش حد حياتي إلا لما أعرف عنه اللي ميعرفوش هو عن نفسه .
حاولوا كتير يوقعوني في مصيدتهم لكن كنت دايمًا بخسرهم بسبب المعلومات الغلط اللي كنت بقولها ليها واللي بتوصلهم بالحرف"
لاحظ نظرة الغضب التي اشتعلت أكثر في عينيها ، أسنانها ضغطت عليها كمن تنفس عن الغضب ، كانت تتمنى كلمات أخرى غير تلك المؤكدة على ما تريد نفيه!
كمن كانت تريد أن يخبرها أنها كذبة وأنها الأولى التي تحمل اسمه حتى لو كانت هي حملته في الخفاء!
جذب وجهها إليه يستند بجبهته إليها فأغمضت عيناها تتنفس بعمق تبث الهدوء لنفسها حتى تستطيع الاستماع له ، سمعته يأمرها بحزم :
-"بصي لي"
نظرت له فوجدت لمعة غريبة يرمقها بها فتوجست خفية لما سيلقيه على مسامعها :
-"ملمستهاش!"
انتفاضة كمن لدغها عقرب أعادتها للخلف جعلت الفراش يهتز!
يعترف أنها زوجته في بداية الجملة.. ثم ينفي لمسه لها في نهايتها!
أنفاسها توقفت للحظات.. حاجبيها انعقدا بتساؤل وعدم استيعاب.. تقبض على الشراشف البيضاء بشدة ولم تفصل التواصل البصري معه.
تركها تستوعب كلماته كما تريد ، ترك لها كل الوقت حتى تقلب كلمته في رأسها بكافة المعاني ولم يتحدث ليشوش تفكيرها بل تركها بحريتها ينظر لها بهدوء ، ونظرة صادقة ، وثبات كبير.
نهضت من جانبه تقف أمام النافذة التي تأخذ الحائط بأكمله ، تكتف ذراعها أمام صدرها تابع حركة السيارات بالأسفل ، والأشخاص الذين يدخلون ويخرجون من المستشفى ، ترفع أناملها تعيد خصلاتها للخلف تمسك بها بقوة بين قبضتها.. كلماته تدور في رأسها تحللها بمنظورها هي.
طال الصمت حتى سمعها تقول بهمس يكاد يصل لمسامعه :
-"ازاي!
ازاي مراتك و... وملمستهاش؟
مش فاهمة حاجة.. مش فاهمة أي حاجة!
عاوز تقنعني واحدة بالمنظر ده ، والقرف ده هتعدي إنك اتجوزتها وملمستهاش عادي كده؟"
تنهد بعمق وهدوء حتى يجعلها تفهم ما أقبل على فعله وأومأ عدة مرات :
-"هفهمك كل حاجة.. نادين نازلة مخصوص عشاني ، مهمتها تعرف كل صغيرة وكبيرة وتوصلها ليهم ، في البداية فكرت أكشفها وأخد أول خطوة من انتقامي من أبوها فيها.. بس رامز ساعتها هداني وقالي ليه مقربهاش مني وتوصلهم معلومات غلط تخسرهم بيها"
صمت يراقب استدارتها البطيئة بجانب جسدها ، و ذلك الترقب المشع من عينيها ، تستمع له باهتمام شديد فأكمل :
-"كلمة حلوة ، سفرية بره ، هدية غالية لحد ما اتعلقت بيا أو مثلنا على بعض الحب.. هي بنفسها اللي اقترحت على سبيل الهزار الجواز ، بصراحة فتحتها لي قدامي .
قولت لها إني مش هقدر أتجوز دلوقتي وعندي مشاكل في الشغل كتير وفي العيلة ، لكن أنا محتاجها جمبي وبقت جزء أساسي من حياتي ، وبقيت أعرفها شوية بشوية أخبار عن شغلي وصفقاتي اللي أنا عايز أعرفه ليها وعاوزه يوصلهم علشان تتأكد إن كلامي صح.. وعشان كده نتجوز عرفي بس مفيش علاقة هتحصل بينا إلا لما أحوله رسمي"
لاحظ انعقاد حاجبيها بتعجب وتساؤل ، وقرأ عدم التصديق والاقتناع في نظراتها إليه والتي ترجمتها كلماتها الساخرة :
-"وهي عادي وافقت على اللي قولته ده!
نتجوز عرفي ومش هلمسك لحد ما نحوله رسمي!"
ضحك بقوة على كلماتها حتى آلمه كتفه فوضع كفه عليه وآهة متألمة خرجت منه يعض على شفتيه يغلق عينيه ، انتفضت مقتربة منه تضع يدها خلف كتفه والأخرى على ظاهر كفه تربت عليه باضطراب وتوتر ، فنظرت للساعة وجدت أن موعد دوائه قد حان فأعطته له ليرتكز برأسه على الوسادة خلفه بضعة دقائق حتى بدأ المسكن مفعوله يسري.
فتح عينه ناظرًا لأعلى ، صدره يرتفع وينخفض من أنفاسه الذي يأخذها بصعوبة وأكمل عاقدًا العزم على إنهاء هذا الأمر اليوم :
-"لا طبعًا موافقتش بالسهولة دي ، اتعصبت ومثلت دور الشريفة وإن ازاي أطلب منها طلب زي ده وكانت ليلة اختفت بعدها لأيام.. بس فضلت أحاصرها من كل حتة عشان توافق من ناحية ، وعيوني هناك وصلت لي إن جورج من ناحية تانية بيضغط عليها توافق وأنها فرصة إني مازن اللي معروف عني مش بثق في حد بسهولة اختارها هي"
صمت يأخذ بضعة أنفاس ثم أعاد نظره إليها :
-"لاقيتها طلبت تقابلني ووافقت على عرض الجواز ، وطول فترة جوازي منها بتحاول بكل الطرق تغريني عشان أقرب منها ونكمل الجوازة بس فشلت"
وضعت رأسها بين كفيها تضغط عليها بشدة تريد إسكات الطنين الصادح بها ، لكن حواسها كلها تتأهب لسماعه :
-"أحلف لك بكل يمين ربنا نزله على الأرض إني ملمستهاش ولا عملت معاها أي علاقة!
أنتِ متخيلة إني ألمس السبب في تدمير حياتي؟
بنت الراجل اللي قتل أبويا قدام عيني!
متخيلة إني أسيب دم أبويا اللي مش راضي يروح من دماغي طول العشرين سنة اللي فاتوا وأجري ورا متعة؟!"
رفعت رأسها تنظر لها وقد استحال وجهها للون الأحمر.. حدقتيها تتسارع بين حدقتيه تتأكد من صدق حديثه.. ولم يكذب!
هو لم يلمسها......!!!
اقترب منها حتى وصل لجانبها يحيط خصرها بذراعه فأصبحت بأحضانه بجانب جسدها ، أعاد خصلة من شعرها خلف أذنها يهمس لها :
-"أنا بعترف إني فيه حاجات كتير غلط بعملها وعملتها ، ممكن الحاجة الغلط اللي عملتها ومش ندمان عليها هي جوازي من نادين ، جورج لحد دلوقتي بيخسر في كل صفقة بيدخلها بس مش هيقع إلا لما راس التعبان الأسود كريم يقع قبل منه.. بس الغلط اللي عملته وندمان عليه هو بدايتي معاكِ"
استدارت له فتلامس جانبي أنفيهما فأصبحا يتنفسان أنفاس بعضهما تنتقل نظراتها بين حدقتيه الزرقاء التي عصفت بلمعان قاتم فأكمل :
-"بدايتي معاكِ وطلبي لجوازي ومعاملتنا الأولى كانت غلط مني ، لو رجعت بالزمن هعمل المستحيل علشان نبدأ صح.. ولو أعرف إني هقابلك كنت فكرت في مليون طريقة تانية غير الجواز منها"
أهذا اعتذار!
أما تراه في زرقة عيناه هذه ندم!
مازن السيوفي الذي حتى أمس كانت تنعته بالمغرور ، المتعجرف ، قليل الحياء ، والبارد ، هو يخبرها الآن باعتراف مبطن أن بدايتهم كانت خاطئة ويتمنى تصحيحها!
تحولت النظرة المصدومة التي رافقتها طوال مدة استماعها له إلى أخرى هادئة ، شاكرة ، ممتنة ، وواثقة ، تستند برأسها على كتفه الغير مصاب هامسة :
-"مصدقاك.. مصدقاك من أول ما قولت إنك ملمستهاش ، واثقة إنك مش هتكذب عليا وإنك مش هتخون ثقتي دي"
ضمها بشدة يتخلل خصلاتها بيده ، يشعر بنبضات قلبه تكاد تقرع في رأسه من كثرة الانفعال والتوتر.
خائف.. خائف من عدم تصديقها له ، لكنها وضعت ثقتها به دون الجميع ، وسيكون ملعون بعدد نجوم السماء إن كسر هذه الثقة!
سمع همستها تخبره بتردد تريد أن يرتاح قلبها كاملًا :
-"طب لما كانت.. يعني لما كانت بتحاول تخليك تقرب منها.. يعني مكنتش بتضعف ، يعني أنت راجل بردو"
أجابها بنبرة غير مهتمة كأنه شيء عابر ليس له أهمية :
-"أنا اتجوزتها سنتين ، ممكن كنت بجتمع أنا وهي كل تلت شهور مرة.. مكنش قدام عيني إلا جثة أبويا يعني لو كانت واقفة قدامي عريانة مش هتحرك فيا شعرة"
شعر بانكماش جسدها وضغط أناملها على كتفه من وصفه بتلك الجرأة ، ليبتسم بعبث هامسًا :
-"واللي كان مقويني أكتر الفيلا اللي كنت بقابلها فيها"
-"ازاي؟!"
شعرت بصدره الملتصق بها يرتفع بقوة أثر تنهيداته العميقة وجاء صوته بعيدًا عميقًا كمن يستعيد ذكرى منزوية في زاوية بعيد من قلبه :
-"كانت فيلتنا القديمة ، كنا عايشين فيها أنا وأبويا وأمي وأسماء..
الفيلا اللي أبويا أتقتل فيها ، واللي فيها كل ذكرياتي اللي دفنتها هناك ودفنت معاها مازن الطفل وبقيت بالشكل ده..
كنت بآخدها هناك علشان مضعفش وعشان أفضل فاكر أنا عاوز أوصل لإيه"
صمتت لا تعلم ماذا تقول؟!
من أين وصله هذا التفكير؟!
علمت بالفعل أنه ليس بالهين ، لكن كل هذا نابع من خضم ما عاشه ومر به.
طفل رأى والده يُقتل أمام أنظاره يجد نفسه مسئول عن كل شيء من عائلة وأعمال وشركات وأعداء في سن صغيرة!
الجميع من حوله يريدون إسقاطه وهو مازال شامخًا
أمام كل هذا لم ينهار!
لو جبل كان سقط دكًا تُخسف به الأرض نتيحة تلك الأحمال على عاتقه.
الكل يرى بريق الماس وينبهرون بقيمته ولمعانه ورونقه ، وتناسوا أن أصله فحم أسود مشوب بقشور وأتربة أخرى!!
من يراه يظنه اللامبالي ، البارد ، المتعجرف . ولم يروا الضعيف المنكسر المختبئ بداخله والذي يود الصراخ معلنًا عن وجوده.
أنا هنا.. أنا موجود.. أنا لست القوي القاسي ، بل أنا أضعف من سنبلة القمح!
ترددت يدها في ضمه ، ترتفع وتنخفض.. تقبض راحتيها ويتسعا خلف ظهره ، حتى وجدت نفسها تقربها من كتفيه ببطء تحيطهما بهدوء ، تربت عليه كالأم التي تربت طفلها الصغير الذي جاءها يبكي يريد الاحتماء بأحضانها ، وكأنه كان بانتظارها فشعرت بذراعيه التي اشتدت حولها ، رأسه التي دُفنت في تجويف عنقها وتنهيداته الساخنة تخرج من أعماق صدره تزفر معها كل أعبائه التي يحملها وحده.
ظلت تربت على ظهره تارة وتمسح على خصلاته تارة أخرى حتى شعرت بجسده يتثاقل بين ذراعيه ، همست باسمه لكنه لم يجبها فعلمت أنه غط في النوم.
ابتسمت بحنان ونزلت من الفراش بهدوء تسند جسده بقوة بين ذراعيها وظلت تتراجع به بهدوء حتى مددته واضعة رأسه فوق الوسادة ، وأحكمت الغطاء فوقه.. ثم جلست على الكرسي بجانبه واضعة ذراعيها فوق بعضهما على الفراش تستند برأسها عليهما تنظر له.. وكلماته تحوم كالطير في عقلها تفكر بها حتى غلبها النوم هي الأخرى فنامت.
*****************
الأمر ليس بكثرتهم حولك ، ليس بقوتك ، ليس بمالك ولا مكانتك!
إنما بمن يأتيك دون أن تناديه
ومن يربت على كتفك دون أن تخبره بأنك مثقل.
من يشعر بأعباء قلبك دون أن تتحدث.
بعد مرور الكثير من الوقت
طلب منها أن تذهب إلى المنزل لترتاح قليلًا بعد أن استيقظ و رآها تغط في النوم بجانبه ، ثم طلب من رامز أن يقوم بتوصيلها لكنها رفضت بحجة أن سيارتها معها ، كما أن رامز مرهق من العمل وتوصيل والدته وأسماء..
تنهد بتعب واضعًا يده فوق رأسه قليلًا ثم نظر لها :
-"هو لو سمعتِ كلامي مرة هيحصل مشكلة كبيرة يعني؟!
أنا خايف عليكِ بعد اللي حصل ، مش ضامن ممكن يحصل إيه وأنتِ لوحدك وأنا نايم هنا؟!"
ابتسمت بمرح لأول مرة من ردة فعله ، لا تعلم لما هذه المرة تشعر باستمتاع وهي تسمع منه هذا الحديث والأوامر؟
أيمكن لأنها اعتادت عليه فأصبح أمرًا أساسيًا عندها؟
أم لأنها كادت أن تفقده اليوم ؟!
وضعت يدها على كتفه المصاب تربت عليه بهدوء ونظرة أمان حنونة طلت منها لأول مرة تخصه وحده بها ، ربتت عليه عدة مرات بهدوء حتى لا ينزف جرحه :
-"مازن ممكن تطمن ، مش هيحصل حاجة إن شاء الله.. اللي عمل كدا مش مجنون علشان يعمل حاجة تاني في نفس اليوم ، وكمان رامز باين عليه فعلًا التعب والارهاق"
رأت عدم الاقتناع ظاهرًا بشدة على وجهه وهزة رأسه بالاعتراض لتكمل بمرح مشوب بغيظ قبل أن يقول شيًئا :
-"وبعدين يا سيدي متقلقش ، عصافيرك معايا لو لا قدر الله حصلي أي حاجة هيدخلوا زي القضا المستعجل"
ضحك على مرحها خاصة وقد التقط سخريتها من تشبيه هؤلاء الحوائط البشرية بالعصافير كما أخبرها هذا اليوم في الجريدة.
نهضت جاذبة مفاتيح سيارتها من الطاولة بجانبه وابتسم له قبل أن تذهب ، لكنها شعرت بنفسها تعود للخلف مرة أخرى وجسدها يميل للأسفل أثر جذبه لها ، ثم طبع قبلة فوق وجنتها اليمنى ومسح بعدها بأنفه فوقها بنوع من الرقة جعلتها تبتلع لعابها بترقب.
جاءها همسه بجانب أذنها :
-"سوقي بالراحة وطمنيني عليكِ لما توصلي"
نظرت له بجانب عينها ثم أومأت دون حديث والتفتت تخرج من الغرفة مغلقة الباب خلفها.
هبطت إلى سيارتها تفتح بابها وكادت أن تدلف ، لكن أوقفتها رسالة على هاتفها الذي أتاه به أحد حراس والدها من رقم مجهول نصها :
-"المرة دي فلت منها ابن السيوفي بس ملحوقة يا حبيبة قلبي الجايات أكتر ..
أه على فكرة شكلك حلو أوي في اللون الأسود بس يا خسارة مش وقت لبسه"
ضغطت على حافة الباب بشدة حتى تلونت مفاصلها باللون الأبيض ، وتوسعت عيناها بشدة من هول المفاجأة من الرسالة ، التفتت برأسها حولها باحثة إن كان أحد يراقبها لكنها لم تجد شيئا يثير ريبتها..
نظرت بهاتفها تعيد قراءة الرسالة أكثر من مرة مستندة بظهرها إلى سيارتها تريد اختراقها لتعلم من المرسل ، ومن فعل هذا بمازن!
دلفت إلى سيارتها تستند بجبهتها إلى عجلة القيادة تفكر من يُقبل على عمل كهذا؟
فتحت الرسالة مرة أخرى تقرأها فاستوقفتها كلمة "حبيبة قلبي" ليلتمع في عقلها اسم واحد فقط تعرفه جيدًا.
لابد أن يكون أول من جال بخاطرها!!
فمن غيره سيتجرأ على القيام بمثل تلك الأفاعيل؟
أدارت سيارتها وانطلقت بها إلى وجهة تحفظها عن ظهر قلب وتعبيرات وجهها لا تعلم أهي غضب ، حنق ، غموض ، أم غيرة وقلق!!
أوقفت سيارتها أمام الصرح الكبير وهبطت ترمقه بغضب قبل أن تنطلق إلى الداخل تثير الهرج في المكان بوجودها فيه وهم يعلمون عداوتها الشديدة مع رئيسهم.
لم تأبه بالنظرات حولها وقصدت مكتبه مباشرة وبدون أن تنظر لسكرتيرته اقتحمت مكتبه ، ليرفع نظرته متفاجئًا من وجودها هنا بهذه السرعة!
أشار بسكرتيرته بالخروج وغلق الباب خلفها ، ثم استدار حول مكتبه يقف أمامها.. يتأمل نظرتها الهائجة وخصلاتها المنتشرة على صفحة وجهها اليمنى والمستكين بشموخ على كتفها من اندفاعها ، صدرها يرتفع وينخفض من سرعة تنفسها فابتسم لهيئتها التي كانت وما تزال تثيره :
-"ده إيه المفاجأة السعيدة دي!
مش مصدق نفسي أنك في مكتبي ، ومن يومين حضرة المهندس جوزك كان مشرفني هنا"
هبطت نظرتها على صفحة وجهه تتأمله ، عوضًا عن نظرة المكر والحقارة التي مازالت تمتلكها عينه ، انتبهت إلى البقعة الزرقاء فوق فكه على جانب شفتيه فابتسمت بسخرية تشير لها بعينها :
-"ما هو واضح.. شرف الزيارة منور على وشك"
وضع يده فوق فكه يدلكه ضاحكًا يجيبها :
-"ده حساب بينا قديم"
تحولت نظراتها إلى الشراسة تدفعه بقبضتها للخلف فجأة ، فانصدم من دفعها يتراجع خطوتين للخلف يستمع لصراخها المتهم له تسبه بصفات تلتصق به :
-"هتفضل حقير وسافل!
أنت إيه اللي بيجري فيك ده؟
دم ولا حقارة!"
أمسك يدها محاولًا إيقافها لتدفع ذراعه بعيدًا بتقزز عنها وتكمل :
-"ابعد عني.. مش مكفيك اللي عملته فيا زمان؟
مش مكفيك اللي عملته في أبويا؟
كنت هتخسره شركته مرة ، وكنت هتسجنه مرة ، وكنت هتموته مرة.. أنت إيه يا أخي مبترحمش!!
والمرة دي عاوز تقتل مازن"
جذبها من يدها إليه لتنصدم بصدره وهمس أمام وجهها وأنفاسه تلحفها ، عيناه تتأمل قسمات وجهها الذي احتقن من الانفعال والثورة ، عيناها الثائرة ، وشفتيها المرتعشة من النبض الظاهر بها :
-"أنا طلبت من مازن طلب لو نفذه قولت له أني هختفي من هنا ، من حياته ومن حياة الكل.. بس هو رفض و رده زي ما أنتِ شايفة كده"
أشار لأثار لكمته على فكه ليكمل بعدها رافعًا حاجبه بخبث :
-"يبقى كل اللي يحصل مفيش لوم عليه.. اللعب على المكشوف يا قطتي"
عقدت حاجبيها بدهشة تنظر له وسألته :
-"طلب!
طلب إيه اللي مازن رد عليك بالمنظر ده؟"
اقترب منها لدرجة خطيرة حتى كاد يلمسها ونظر لها مطولًا من خصلاتها حتى قدمها متأملًا إياها قبل أن يجيب :
-"أنتِ.."
توسعت عيناها بصدمة من وقاحته ، تفكر في مشهد مازن وهو يخبره بطلبه ، بجانب تفكيرها بمدى وقاحة كريم ليطلب منه هذا..
بعد كل ما حدث يأتي ويطالب بها؟!
وقعت نظرتها مرة أخرى على أثار لكمته له فدفعته عنها باشمئزاز قائلة بسخرية :
-"أنت قولت له كده وكان نصيبك الضربة دي بس.. لا لا لا ده فيه مشكلة كبيرة قوي هتحصل إنه مقتلكش وقتها"
ثار الغضب في عينه وتحولت تقاسيم وجهه إلى الثورة لتكمل تتابع أثر كلماتها عليه بتشفي :
-"وأنت متخيل حتى لو مازن وافق على طلبك.. أنا هوافق؟!
أنت بتحلم يا كريم وحقيقي بشفق عليك من تفكيرك المحدود ده بلاش أقول غبائك لأنك ذكي جدًا"
ضرب بكفيه فوق مكتبه بعنف ، ظهره يرتفع ويهبط بثورة من سرعة تنفسه ، التفت لها برأسه فقط يقول بفحيح :
-"ليه مش عايزة تفهمي إني بحبك؟
كل واحد بيغلط ، والغلط أتعمل علشان الغفران يحصل ، ليه أنتِ مغفرتيش!
تسرعتِ وخدتِ القرار والعقاب وقع ، فليه منبدأش من أول وجديد؟!"
اقتربت منه هي هذه المرة حتى كادت أن تلمسه لكنها لم تفعل تجيبه بقوة تبصق الكلمات في وجهه :
-"بطل تعيش الوهم وفوق.. أنت عمرك ما حبيتني!!
أنت عمرك ما حبيت حد أساسًا.. اللي يحب حد مبيكذبش ، مبيخونش ، مبيضرش اللي يحبه ، مبيأذيش أقرب الناس ليه"
صمتت قليلًا ثم تابعت بتقرير وجملة خرجت من صميم قلبها إثبات ملكية لها قبله :
-"أنا مش ليك يا كريم.. أنت عاوز هدير سالم ، هدير اللي قدرت تمثل عليها زمان وتخطبها!
اللي كانت بتتعلق بيك بمجرد كلمة حلوة أو هدية بسيطة!
الصغيرة ، اللي مكنتش تعرف يعني إيه حب وكانت فكراه مجرد دبلة وضحكة وسهرة حلوة!!
أنت عاوز البنت اللي تشكلها على مزاجك بحكم إن ملهاش تجارب قبل منك!"
صمتت تتابع قسمات وجهه التي تحتد بغضب واشتعال فأكملت :
-"بس اللي قدامك دي غير اللي أنت عايزها للأسف..
اللي قدامك كبرت ، نضجت ، فهمت!!
الجرح والخيانة بيعلْموا وبيعلِموا"
استدارت تذهب مثلما أتت لكنها وقفت عند الباب ممسكة بمقبضه بقوة ، ثم التفتت له برأسها هاتفة بتقرير واعتراف تعلم أنه سيغير مسار كل شيء :
-"اللي قدامك دي هدير السيوفي ، مرات مازن السيوفي يا بن رأفت"
تركته ينظر في أثرها بذهول على تلك القوة المنبعثة منها ، وإثبات ملكيتها لمازن بأنها لن تكون لغيره فهي زوجته..
ضم قبضتيه بقوة حتى احتبست الدماء بداخل أوردته ومازال على انحنائه ، نظره متعلق بالباب الذي خرجت منه ، ليلتقط مطفأة السجائر من فوق مكتبه يقذفها في الحائط بغضب جم وثورة هائلة انبعثت منه.. ثم جلس على الكرسي بجانب مكتبه يستند بمرفقه على سطحه وعينيه تنظر إلى القطع الزجاجية المتناثرة على الأرض!
يفكر ويفكر فيما سيفعله ليخمد تلك القوة ويجعلها ملكه في أقرب وقت.
أنت تقرأ
الحب سبق صحفي " مكتملة "
Romanceهي :- أنا فتاة عشت لـ نفسي , لـ حريتي , أعيش في مملكتي , ارفض القيود , أحب الحياة, أعشق الحرية , ولكني لن أنسى أني شرقية , ابنة رجل الرجال , وأخت فرسان , وحبيبة رجل ليس ككل الرجال .... أنا امرأة لا أنحنى إلا في صلاتي .. و لا أصمت إلا عندما ينعدم كلا...