Part 10

2.8K 82 2
                                    

الفصل العاشر

سألوني عن اسمه
رفعت رأسي إلى السماء وتنهدت
سألوني عن شكله
أغمضت عيني بحنان وتخيلت
سألوني عن قلبه
وضعت كفًا بكف وضممتها إلى صدري
وأخيرًا سألوني أين هو الآن
بكيت بلهفة وقلت
من لم يذق طعم الفراق لم يعرف معنى الحبّ



وصلت الفتاتان إلى المنزل استقبلتها ميرفت بترحاب وابتسامة محتضنة إياها بحنان ، ثم قادتها إلى الصالون تقول :
-"عاملة إيه يا هدير؟
طمنيني عليكِ"
-"الحمد لله يا حبيبتي بخير طول ما حضرتك بخير"
استقامت أسماء هاتفة تلتفت حولها :
-"هو مازن هنا يا ماما؟"
-"لا يا حبيبتي.. رامز أتصل بيه يروح الشركة لحاجة ضرورية وهيجي على الغدا ، يعني عشر دقايق ويكونوا هنا"
استدارت هدير تقول باهتمام تشبك أناملها مستندة بمرفقها الأيسر على حافة الكرسي :
-"خير يا طنط حضرتك كنتِ عيزاني في ايه؟"
ابتسمت لها ميرفت وقالت :
"مالك مستعجلة ليه؟
اعملي حسابك مش هسيبك النهاردة ماشي"
ضحكت بشدة ثم نهضت تجلس بجانبها تداعبها بمرح :
-"وماله.. وبالمرة نمشي البت دي ونقعد أنا وأنتِ لوحدينا"
صرخت أسماء بغيظ مصطنع وهجمت عليها تضربها في كل مكان تطاله يدها تهتف بغيظ مشوب بالمرح :
-"بقى كده بتسربوني!
والله مش هسيبك النهاردة"
ظلت الاثنتان يتقاذفان بالوسائد وكأنهن أطفال صغار  وميرفت تضحك على منظرهم الطفولي.
دلف مازن برفقة رامز في هذه اللحظة يتحدثان بشأن يومهم في الشركة ، فانتبها إلى صوت الضحك الصادر من الداخل ، نظرا إلى بعضهما بدهشة عاقدين حاجبيهما واتجها إليهن ليرا ماذا يحدث؟
فوجئ بوجود هدير فوقف يشرد في ملامحها الطفولية ، جالسة بجانب والدته كمن تحتمي بها ، عالقة بذراعها ووجها شديد الاحمرار من كثرة الضحك حتى دمعت عيناها ، تخرج لسانها بطفولية لأخته الواقفة أمامها تضع يديها في خصرها كمن تهم لضربها..
أما رامز فشرد في صغيرته التي كانت تقف واضعة يديها في خصرها وتهز قدمها بغيظ ، شعرها منتشر حول وجهها المحتقن.. عيناها علم أنهما الآن شديدتا البنية كعادتها عندما تغضب.
رغبة احتضانها اجتاحته ، فأقل حركة منها تجعله يعشقها.
كانت ميرفت أول من انتبهت لوجودهما فقالت بابتسامة حنونة تشير لهما بالدخول :
-"الحمد لله على السلامة يا ولاد"
التفتت الفتاتان لهما ، فاعتدلت هدير في جلستها تعيد خصلاتها خلف أذنها شاعرة بشيء من الإحراج..
فجلست أسماء بجانبها وعيونها متسعة من الخجل هي الأخرى.
تقدم مازن وقبل يد والدته وعينيه على زوجته الجالسة بجانبها وقال :
-"أخبارك إيه يا ست الكل؟"
-"بخير يا حبيبي"
غمز بعينيه لأسماء كي تنهض فتظاهرت بالغباء رافعة كتفيها بلا مبالاة ، نظر لها بشذر متقدمًا خطوة منها فتحركت مسرعة تفرغ له المكان كي يجلس بينها وبين هدير التي كانت تراقب جلوسه بجانبها ولم تبدِ اهتمام له من الأساس.
تتحاشاه طوال الأيام الماضية منذ الليلة التي علمت فيها بأمر  زواجه من نادين تتجاهله عن قصد.
أما رامز فقد تقدم من ميرفت بمرحه المعتاد يجلس على الكرسي بجانبها قائلًا :
-"وحشتيني يا فيفي"
ضحكت على خفة ظله وقالت جاذبة إياه من خصلاته :
-"هتفضل طول عمرك تأكل بعقلي حلاوة..
كنت فين من يوم كتب كتاب مازن؟"
تصنع التعب والحزن وأسند جبينه على يده يقول :
-"أقولك إيه يا فيفي ولا إيه؟"
أشار بسبابته إلى مازن بغيظ مصطنع :
-"ابنك المفتري مشيلني الشغل كله وهايص..
لسه كتب كتاب وبيجي الشركة كل فين وفين ، أومال لما يتجوز بقى هيعمل فيا إيه؟"
ثم أمسك يدها وقال باستنجاد مصطنع :
-"اعملي حاجة أنا بضيع ، حوشي ابنك عني"
كل ذلك وميرفت لم تتمالك نفسها من الضحك ، وهدير وأسماء على مرحه ، أما مازن فقذفه بالوسادة هاتفًا بغيظ :
-"ما تجمد كده مالك!"
نهضت والدته تقول وأثار الضحك مازالت في صوتها :
-"أقولهم يجهزوا الغدا ، تكونوا غيرتوا ، وأنت يا رامز البس حاجة من عند مازن لأنك مش هتمشي النهاردة"
اقترحت الفتاتان على ميرفت أن يساعدوها لكنها رفضت قائلة أنها ستنبه على العاملين فقط بسرعة تحضيره.
صعد رامز مع مازن إلى غرفته وأبدلوا ملابسهم ، ارتدى مازن كنزة باللون الكحلي وبنطال رمادي.. ورامز كنزة بيضاء وبنطال أسود.
ثم هبطا فوجدا أسماء جالسة تعبث بهاتفها ولا أثر لهدير ، سألها مازن عنها فأخبرته أنها بالشرفة تهاتف والدتها تخبرها أنها ستقضي اليوم هنا.
أومأ برأسه متوجهًا إلى الشرفة.
وجدها تقف مولية له ظهرها ، خصلاتها تهبط حتى منتصفه ، ترتدي بنطال وكنزة بأنصاف أكمام.. فوقف مكتفًا ذراعيه ، مستندًا بكتفه على حافة الباب ، وعيناه تدرسها من أعلى رأسها لأسفل قدمها ، يبتسم نصف ابتسامته المعهودة قبل أن يخطو بقدمه للداخل.
أنهت مكالمتها ووقفت تتأمل المكان من حولها ، تعبث بشعرها تعيدها للخلف ، فزعت عندما وجدت من يحيط خصرها يجذب ظهرها إلى صدره ، فالتفتت برأسها وجدته هو.
رمقته بغضب وأخذت تتحرك بين يده تحاول الافلات من حصاره تقول بغيظ :
-"مازن سيبني.. إيه اللي بتعمله ده؟"
ابتسم بعبث وبنبرة متلاعبة همس بجانب أذنها :
-"إيه اللي بعمله!
واحد بيحضن مراته عشان متجيش تقولي مش مهتم بيا"
-"وأنت ما شاء الله أستاذ في كده"
-"جدًا فوق ما تتخيلي"
قالها يضحك مليء شدقيه.. خاصة وهي تتحرك يمينًا ويسارًا تحاول التحرر منه كعصفورة صغيرة بين براثن قط ضخم ترفرف ترجو الافلات لتطير بينما هو يراقبها باستمتاع!
إلى أن يئست من تركه لها ، فأسدلت كتفيها بيأس وعضت على شفتها السفلى مفكرة في حل آخر كي تهرب من بين ذراعيه.
لمعت في رأسها فكرة تعلم أنها ستؤتي بثمارها معه ، فاستدارت له واستعارت نظرات البراءة التي ترسمها ببراعة عندما تريد أن تتدلل على والدتها وتحاول إقناعها بشيء ، ورفعت يديها تحيط عنقه قائلة بدلال يليق بها :
-"ولو طنط جت وشافتنا كده تقول علينا إيه؟"
ضيق عينيه لتلك النبرة الغريبة عليها ، ولكن عندما تلاقت الأعين التقط نظرة المتلاعبة ، فابتسم وقرر مسايرتها في لعبتها فشدد قبضته حولها قائلًا بتلاعب :
-"وإيه يعني تشوفنا!
يا ريت تشوفنا على الأقل تداري الفضيحة ونتجوز"
ضحكت بدلال أجبرت نفسها عليه ورفعت كفها تضعه على جانب وجهه مقتربة منه تراقب حركة عينيه التي اضطربت للحظات تأثرًا بها ، وأنفاسها التي أصبح يتنفسها ولكنه أخفاه بخبرة وسيطرة.
تلاقت نظراتُهم لفترة طويلة وتعالت أنفاسهما ، كاد أن يقترب منها وعيناه مثبتتان على شفتيها الكرزية..
فاستغلت ذلك وحررت ذراعيه الملتفين حول خصرها وهرولت تخرج من الشرفة ، لكن يده كانت السَّباقة ، فجذبها من ساعدها يدفعها للحائط خلفها هابطًا على شفتيها في أول قبلة بينهما..
غبية إن ظنت أن شخصًا يفهم جيدًا سيكولوجية المرأة سيقع في محاولاتها الأولى في التلاعب والمشاكسة!
فمهما طالت خبرتها ومكانتها لن تصل إليه!
قبلة اقتحم بها شفتيها يتشرب رحيقها ، شعر معها بشعور غريب ، شعور أشبه بالكمال!!
كمن مر عليه زمن ظمآن وما كان يروى إلا بشهد شفتيها.
ظلت ثانيتين حتى تستوعب ما يحدث؟!
وما إن انتبهت حتى بدأت تدفعه بقبضتها الصغيرة على صدره كي يبتعد عنها.. فلم يتركها بل شدد من ذراعه حول خصرها يجذبها إلى صدره ، وباليد الأخرى تخلل خصلاتها مثبتًا رأسها.
لم تجد مفر للهروب ، فضغطت بأسنانها على شفته السفلى مما جعله يتأوه ويتراجع للخلف خطوة ، خطوة كفيلة أن تجعلها تهرب للداخل تاركة إياه واقفًا ينظر لها وهي تركض باضطراب.
مرر أصابعه بين خصلات شعره البني الكثيف وعلى شفتيه ابتسامة هادئة ، استدار يضغط بقبضتيه على حافة الشرفة وصدره يعلو  ويهبط من توتره ، وابتسامة رضا مرسومة على محياه.
ليفطن أن قبلة بالإجبار جعلت شعاع الحب يتسلل بصمت وخلسة إلى قلبه الجلف.
★★★★★

والغيرة يا عزيزي نار مشتعلة بالقلب
حطبها الغضب
ومائها نظرة عشق من عين الحبيب

جلس رامز على الكرسي المقابل لأسماء التي كانت تعبث بهاتفها غير مبالية له ، مما جعله يشعر بالغيظ منها لهذا التغيير..
تارة يعبث بهاتفه ، وتارة يضعه ويأخذ إحدى المجلات يقلب بين صفحاتها ، وتارة أخرى يهز قدمه برتابة.
حتى نظر لها وبنبرة عالية يلفت بها انتباهها :
-"مقولتليش يعني أنك هتقابلي هدير!"
أجابته دون أن ترفع نظرها إليه واكتفت برفع كتفيها :
-"عادي يعني"
ضغط على أسنانه بغيظ وقال بنبرة عالية قليلًا :
-"بصي لي وأنا بكلمك..
في إيه مالك متغيرة بقالك فترة؟"
رفعت نظرها ببرود وبنبرة هادئة تثير استفزازه :
-"مش متغيرة ولا حاجة ، كل الموضوع إن بالي مشغول بشوية حاجات"
نظرت ثانية إلى هاتفه لكنها رفعت عينها كمن تذكرت شيئًا عاقدة بين حاجبيها تسأله :
-"قولي قررت المفاجأة اللي هتعملها لحبيبتك؟"
أراد استفزازها مثلما تفعل فقال ببرود :
-"أكيد بس هظبطها وأقولك"
أومأت برأسها وكادت أن تتحدث وجدت هاتفها يرن ، كادت تعيده مكانه ألا ان اسم المتصل لفت انتباهها فوجدته مدربها في النادي ، فهي من هواة كرة السلة ولكنها انشغلت الفترة الأخيرة في رسوماتها فأهملت اللعبة ، لابد أنه يهاتفها يستعلم عن السبب ، فأجابت :
-"ألو ، أيوه يا كابتن"
-"ازيك يا أسماء أخبارك ايه؟"
-"الحمد لله يا كابتن عمر بخير"
-"خير يا أسماء بقالك كتير مبتجيش النادي ليه؟!"
أجابته بارتباك تفرك جبهتها بيدها وعيناها تحول في كل مكان :
-"بصراحة انشغلت بمواضيع كتير وأولهم كتب كتاب مازن ، بس إن شاء الله هنتظم بعد كده"
فأجابها بنبرة هادئة :
-"مش مشكلة يا أسماء هستناكِ بكرة في التدريب"
ارتسمت ابتسامة رقيقة لم يرها هو.. ولكن الجالس مقابلها يتابع الحديث من بدايته بغضب وضيق من ذلك "اللزج" كما يسميه رآها
رأى نظراته لها أكثر من مرة عندما كان يذهب يقلها من هناك ، ليست نظرات مدرب لفتاة يعلّمها ولكنها نظرات إعجاب لا يشعر بها إلا معجب مثله ، لكنه ليس معجب لا بل عاشق لصغيرته ولن يتركها لغيره.
سمعها تقول له برقتها المعهودة :
-"إن شاء الله هكون في النادي من بدري.. سلام"
التفتت له تجد عينيه تحولت لكتلة من اللون الأحمر ، يستند بساعديه على قدميه يهز قدمه اليمنى بغضب ، فضيقت عينيها وعضت على شفتيها بتفكير.
أهذه نظرات غيرة؟
حسنًا لن تحدث مشكلة إن لعبت معه قليلًا!
نظرت له تقول بمكر اكتسبته حديثًا بسبب زوجة أخيها :
-"مالك يا رامز  عينك حمرة وشكلك عصبي ليه؟"
ارتفع حاجبه بغيظ يذم شفتيه ينظر لها بغموض قبل أن يسألها :
-"من امتى الاهتمام ده من الكابتن!؟"
مطت شفتها السفلى بلامبالاة محاذاة مع رفع كتفها قائلة :
-"بقالي فترة كبيرة مروحتش التدريب فاتصل يطمن"
حسنًا لقد وصل إلى أقصى درجات الغيظ حتى كان أن يجذبها من جديلتها :
-"يطلع مين عشان يطمن من أساسه؟!"
اتسعت عيناها من نبرته العالية الغاضبة التي أنعشت قلبها فقالت:
-"يبقى عمر الشاذلي مهندس وباباه أنت عارف إن له شغل معاك أنت ومازن ، وكمان المدرب بتاعي فيها إيه يعني"
كاد أن يرد ولكن قطع حديثهما دخول هدير ووجهها شديد الاحمرار ، تتنفس بصوت مسموع وكأنها كانت تركض عشرات الأمتار ، اقتربت منها أسماء عاقدة حاجبيها من مظهرها وقالت بقلق واضح:
-"مالك يا هدير فيه إيه؟"
سعلت محاولة تخفيف حدة توترها ، وتنفست بهدوء كي تتحكم في أعصابها ، ابتسمت لأسماء التي كانت تنظر لها بقلق وقالت :
-"مفيش حاجة يا حبيبتي ، بس نادر لسه مكلمني وفي مشاكل في الشغل بس"
ثم تابعت لتغير الموضوع :
-"تعالي نشوف طنط بتعمل ايه!"
ذهبت الفتاتان ودلف مازن من الشرفة يجلس بجوار رامز وعلى شفتيه ابتسامة هادئة ، نظر إلى صديقه وجد على وجهه علامات الغضب فسأله :
-"مالك؟"
لم ينظر له وظل ينظر في الفراغ وعينيه يصدر منها شرارات الغضب :
-"مفيش ، سيبني في حالي"
عقد بين حاجبيه بدهشة.. للمرة الأولى يرى صديقه بهذا الغضب ، فهو دائمًا بارع التحكم في غضبه ، فوضع يده على كتفه يشد عليه ويقول :
-"هو إيه اللي مفيش وأنت قربت تطلع نار من كل حتة!
قولي في إيه؟"
أخذ نفس عميق ثم زفره بقوة وألتفت إلى صديقه بعدما هدأت حدة نظراته وقال :
-"بس كام موضوع كده شاغلين بالي اليومين دول وخلاص قريب قوي أحلهم"
غمز  بمكر قائلاً يغير  مجرى للحديث :
-"قولي إيه اللي حصل خلى هدير تخرج بالمنظر ده؟"
جلس مازن وأسند ذراعيه إلى قدمه وتخللت أصابعه خصلات شعره ، تنهد قائلًا :
-"مش عارف بس فيه حاجة غريبة"
-"مش قولت لك مصدقتنيش"
قالها رامز بخبث وهو يضحك بقوة.
شرد مازن في حديثه مع صديقه منذ عدة أيام قبل خطبته عندما أخبره بنيته بعقد قرانه على هدير...

تطلع رامز إليه وتساءل :
-"أنت ناوي على إيه بحركة كتب الكتاب دي؟"
أسند ظهره إلى الكرسي ، وعبث بقلم كان يمسكه بيده يمط شفتيه بتفكير وحالت في زرقاوتيه نظرات الغموض يقول :
-"شوف يا رامز ، هدير صحفية كبيرة ، ومش صحفية في أي حاجة لا.. دي وقعت في أخطر  مكان ، بسبب مقالتها عن رجال أعمال كتير في البلد شغلهم مش مضبوط خلت حياتها في خطر"
اتسعت عيني رامز بذهول ووضع الملف الذي كان يحمله بيده :
-"خطر إيه مش فاهم حاجة؟"
نهض من موضعه يضع يده في جيب بنطاله ونظر من نافذة مكتبه الواسع يطالع السيارات الذاهبة والأتية :
-"آخر واحد كان رأفت منصور هدير سجنته ، واللي عرفته أن كريم ابنه يعتبر الدراع اليمين لشركات شغلها مش مضبوط برا مصر ، وبسبب مقالها الأخير عنه خسرتهم خسارة كبيرة ليهم.
وفي شحنات كتيرة وقفت بسبب القبض على رأفت ، شحنات سلاح ، مخدرات ، وتجارة أعضاء بشرية ، وكل اللي يجي في بالك!"
تنهد بصوت مسموع واستدار بجسده نصف استدارة ينظر لصديقه مكملًا :
-"ومشكلة هدير إنها لما تبدأ في موضوع مش بتسكت إلا لما تعرف جذوره ، ولو شموا خبر إنها وصلت لحاجة تخصهم مش هيطلع نهار تاني يوم إلا وهما مخلصين عليها.
وبكده هي خطر عليهم وهيحاولوا يخلصوا منها في أي وقت"
انتفض رامز من موضعه عند سماعه لذلك ، هو أكثر من يعلم بهم ، فقد أوشك مازن في الماضي أن يعمل لصالحهم دون أن يدري عن طريق صفقة وهمية كانت ستؤدي به ، لولا أنه اكتشفهم وكان السبب في سجن رجل تلك العصابة.
ومن وقتها أصبح مازن خطر عليهم لكنهم لن يستطيعوا آذيته ، وضع يده في خصره وباليد الأخرى تخلل بأصابعه خصلات شعره وقال بشرود وتفكير :
-"طب والعمل؟
أنا وأنت عارفين مين هما ، ميفرقش معاهم حاجة ، دول مبيرحموش ومعندهمش عزيز.
وجود هدير في الصورة خطر عليها ، وزي ما أنت عارف كريم مش هيسيبها في حالها ، ومتستبعدش إنه يكون الأداة بتاعتهم لأذيتها"
دار فجأة وعيونه يشع منها الخطر والوعيد ، ضرب بقبضتيه على سطح مكتبه اهتزت لها أدواته المرصوصة فوقه ، وقال بنبرة عالية حاملة بكل معاني العصبية والتوعد ، عيناه احتقنت بشدة لذكرى مرت عليها سنوات تجسدت أمام عينه :
-"هدير هتبقى مراتي ، واللي يفكر بس يمسها يبقى آخر يوم في عمره.. لو مش فاكرين مين هو مازن السيوفي معنديش أي مانع إني أفكرهم"
ضيق رامز عينيه ونظر له بغموض يقترب وأستند بكفيه على المكتب مقربًا رأسه منه وقال :
-"طب وأنت إيه يدخلك في مشاكل خطيرة زي دي؟
المثل يقولك ابعد عن الشر وغني له.. بلاها خالص وجود هدير  في حياتك واللي يحصل يحصل"
نظر له مازن نظرة طويلة ولم يجبه.. نظرة كان أبلغ من أي حديث ، من جهة نظرة إقرار بالحقيقة التي ينكرها طوال الوقت ، ومن جهة نظرة انتصار لما توصل له في عقل صديقه.
يعلم أنه لن يستمع لما يقوله ، ولن يفصح عما ينوي لكن نظرته كافية له في هذا الوقت.
ابتسم ابتسامة جانبية يهز رأسه بإقرار ومازالت عينيه عالقة بعين صديقه :
-"وفر على نفسك الوقت والغي غرورك واعترف ، أنها غلبتك"
ثم تركه وذهب ، فوقف ينظر  في أثر صديقه ولم ينتبه للابتسامة التي ارتسمت على شفاهه.
عاد من تلك الذكري ، وأراح ظهره للأريكة يلقي رأسه للخلف يغمض عينيه قائلًا :
-"محدش عارف إيه اللي مستخبي"
بعد قليل قامت الفتاتان بترتيب طاولة الطعام وجلس مازن على رأسها على يمينه والدته وعلى يساره هدير وبجانبها أسماء ، وجلس رامز مقابلًا لها بجوار ميرفت.
رفعت والدته رأسها ودارت بنظرها بين مازن وهدير تقول :
-"بما إن هدير هنا ، إيه رأيكم تتفقوا على تجهيزات الفرح"
تدخلت أسماء في الحوار وقالت بشقاوة :
-"مازن أنت هتعيش هنا ولا في الفيلا التانية"
-"لا"
صاحت بها هدير عندما تيقنت أنها تقصد الفيلا التي كان يلتقي نادين فيها أثناء زواجه بها ، ثم نظرت لهم تقول بتبرير لاندفاعها :
-"أقصد ملوش لزوم ، أكيد مازن مش هيقبل إنكم تعيشوا لوحدكم ، وكمان أنا هبقى مبسوطة وسطكم"
علم أنها تذكرت إقامة نادين فيه ولهذا رفضت.. هو لم يكن ينوي أن يعيش هناك ويترك والدته وأخته بمفرهما
فنظر لطبقه وأكمل طعامه يقول :
-"أنا هجهز الدور اللي فوق بالكامل ونعيش فيه ، أما بخصوص ميعاد الفرح نتفق عليه بعدين"
ثم نظر لقطته القابعة بجانبه قائلًا يغمز بعينيه :
-"بس هيبقى عن قريب إن شاء الله"
لا تعلم أي شعور جاءها في الوقت الحالي ، ولكن كل ما تريده أن تغرز السكين في ذلك الرأس المغرور.. نظرت له شذرًا بعينيها تضغط بالسكين على قطعة اللحم حتى كادت أن تستغيث منها ولم تعلق على حديثه ، لكنها توجهت بنظرها إلى رامز وقالت :
-"وأنت يا رامز مش ناوي تتجوز"
رفع شوكته يضع الطعام في فمه ، يلوكها ثم قال غامزًا لها يثير غيرة الجالس كالطاووس :
-"قريب يا دودو ، بس ادعي لي"
منحه مازن نظرة وعيد على مناداة زوجته باسم دلالها ، يريد أن يكسر عنق التي بجانبه تبتسم الابتسامة التي لم تتفضل عليه يومًا وتمنحه إياها..
صاروا يتحدثون في أمور شتى ، إلى أن انتهى اليوم وأصر مازن على توصيلها للبيت وسيرسل لها سيارتها في الصباح.
★★★★★
اجتماع الأفاعي لا ينتج عنه سوى سم قاتل
يتسرب في شرايين من لا يحملون ذنب
سوى أنهم كالحشرات في وكرهم

وفي مكان آخر في روسيا ، يجلس مع أحد الرجال يدعى جورج رئيس تلك العصابة التي تختص في موت البشر.
وضع ساق فوق الأخرى وقال بتحذير شديد :
-"أتمنى ألا تفشل تلك الصفقة مثل الأخرى"
هز  الأخر رأسه مطمئنًا ، وقال بنبرة واثقة :
-"لا تقلق سيد جورج ، أؤكد لك أن تلك الصفقة ستُنفذ بدون أخطاء.
لكن هناك مشكلة واحدة فقط!"
-"ما هي؟!"
-"هدير!
هذه الفترة تضعني في رأسها ، المرة الماضية استطعت حل المشكلة ، وتم اتهامها لشخص آخر من رجالنا ، لكن هذه المرة إذا فشلت ، سنذهب كلنا معها"
ضحك جورج بقوة ينفث سيجاره ويمسك كأسه المليء بالخمر :
-"لا تقلق كريم.. اهتمامها بك هذه الفترة  في صالحنا ، لأن الشحنة سيقوم بها شخص آخر غير رأفت ، شخص لن يخطر على بالها بالمرة"
عقد كريم حاجبيه بتفكير ثم نظر لجورج فجأة يقول :
-"تقصد...!!!"
-"نعم هو"
مُلئ المكان بصوت ضحكاتهم المشمئزة يتجرعون ما حرمه الله.. ليعود كريم في اليوم التالي إلي مصر يتابع أعماله و أمر تلك الصفقة وكذلك هدير.
★★★★★
أحبك والهَوى نعمةٌ
وحبك نعمةُ الرحمن
ولو كان الهَوى غَلطة
فحبك كل غلطاتي

وفي ذلك الصباح ، ذهبت هدير  إلى منزل منار حيث سيتقدم نادر لخطبتها في المساء ، وأكدت عليها أن تكون معها من أول اليوم.
كادت أن تأخذ المصعد لكن وجدته معطل فاضطرت أن تصعد الدرج حتى الطابق السابع حيث تسكن صديقتها..
وصلت إلى شقتها تتنفس بصعوبة ودقت الباب ففتحت لها ناهد والدة منار.
ابتسمت لها بحنان وقالت :
-"أهلًا يا دودو ، تعالي ادخلي مالك بتنهجي ليه؟"
دخلت تلقي ما بيدها على الأرض ثم ألقت بنفسها على أقرب كرسي قابلها ، وقالت بنبرة تشبه البكاء :
-"مجيش مرة هنا إلا لما يحص لي حاجة ، إما الاسانسير عطلان أو المجانين اللي عايشين في الدور الخامس تحت دول يطلعوا علينا مرة واحدة
وبعدين عمي ملقاش الا السابع تعيشوا فيه ليه كده؟!
أنا على وش جواز "
لم تستطع ناهد أن تسيطر  على نفسها من الضحك ، فجلست بجانبها وضحكت حتى ظهرت غمازاتها والتي لم تتمهل أن تتغزل بها هدير ، فهي تعتبرها أمًا ثانية لها ، فالتفتت إليها وقالت بمرح تمسك خديها :
-"بس كله يهون عشان خاطر الغمازتين دول يا دودي"
ضربتها على رأسها بمزح ثم قالت ومازال في صوتها أثار ضحك
-"اعقلي ، دي منظر صحفية ولا واحدة مكتوب كتابها ، الله يكون في عون مازن"
صرخت بغضب مصطنع :
-"طنط أنا ما صدقت أنسى شوية تفكريني ليه؟!
المهم فين منار ؟"
-"نايمة ، غلبت أصحي فيها بس لا حياة لمن تنادي..
ادخلي صحيها على ما أحضر  ليكم الفطار "
كادت أن تتحدث ولكن قاطعتها ناهد وهي في طريقها إلى المطبخ:
-"ومفيش نسكافيه ولا قهوة ، هي كوباية اللبن يا هدير "
حدثت نفسها بدهشة تنظر في الفراغ :
-"لبن!!
هو إحنا في الحضانة ولا إيه؟"
توجهت إلى الداخل وجدتها مظلمة لا أثر للضوء فيها ، أزاحت الستائر  والتفتت إلى النائمة هادئة البال ، تقدمت إليها لكي توقظها :
-"منار  قومي"
ردت عليها بنبرة شديدة الكسل وبلا وعي :
-"سبيني شوية يا ماما ، خمس دقايق بس خمس دقايق"
زفرت هدير الهواء تفكر كيف توقظها ، فتذكرت اليوم التي تقدم لها مازن لخطبتها عندما ألقت فوقها إبريق الماء ، فرفعت حاجبها الأيسر  بشر ، و ذهبت إلى الخارج ، تأتي بزجاجة مياه من الثلاجة ووقفت بجانب منار عند رأسها.
رفعت يدها بالزجاجة وشربت منها القليل ثم ألقت الباقي فوق منار التي نهضت واقفة فوق السرير بفزع تصرخ من برودة الماء على رأسها ، فنظرت جانبها وجدت هدير تنام على السرير المقابل تضحك بشدة على مظهرها . شعرها الأشعث من النوم وتلك المنامة التي تتكون من كنزة لمنامة وبنطال لمنامة أخرى تمامًا.
صرخت بها منار تقفز فوقها تكيل لها الضربات :
-"أنتِ مجنونة!
في حد عاقل يعمل كده؟"
حاولت هدير أن تتحدث ولكن منعها ضحكها الذي أثار غيظ الأخرى وجعلها تعضها ، فصرخت فجأة تقول :
-"لا كله إلا العض ، إحنا متفقناش على كده"
وقفت منار  تضحك ضحكة بلهاء وتنظم شعرها المشعث من النوم تنظر لها بتشفي :
-"عشان تحرمي تكرريها"
هدير بنبرة شبه باكية تدلك كتفها :
-"الله يكون في عونك يا نادر ، هتآخد متخلفة"
"هيآخد ملاك ، أنتِ إيه فهمك أنتِ؟!
خليكِ في سي مازن بتاعك وملكيش دعوة بندوري يا عدوة النجاح"
قالت جملتها وركضت إلى الخارج قبل أن تلحقها هدير التي نهضت من مكانها متوعدة لها بالضرب ، فدخلت إلى الحمام ، وذهبت الأخرى إلى ناهد تساعدها في تجهيز الفطور.
استيقظ والدها على صوت ضحكاتهم ، رحب بهدير بحنان وجلسوا جميعًا ليتناولوا طعامهم.

وفي المساء كانت منار ترتدي ثوب أخضر بكم واحد طويل يصل لرسغها ، والآخر قصير بخيطين على الكتف ، ورفعت شعرها في شكل رقيق وسقطت بضعة خصلات على وجهها ، لم تضع أي من مستحضرات التجميل على وجهها غير كحل أظهر اتساع عينيها.
التفتت منار لصديقتها تقول بارتباك :
-"ها شكلي حلو!"
احتضنتها هدير تقول بسعادة :
-"زي القمر يا قلبي"
دخلت ناهد عليهم وجدتهم يحتضنون بعضهم فقرأت المعوذتين ، وأطلقت زغرودة مصرية جعلتهم ينتفضون في مكانهما ، فاقتربت منهم واحتضنتهم قائلة بفرحة :
-"ربنا مش يحرمكم من بعض يا بنات"
وجدوا جرس الباب يدق ، فنظرت هدير لها وقالت تحرك حاجبيها لأعلى ولأسفل :
-"شكل العريس جه يا عروسة"
فتح حسين الباب فوجد نادر ووالدته واقفان ، فرحب بهم وقادهم للصالون ، وخرجت والدتها ترحب بهم ، فبادر والد منار بالحديث قائلًا بترحاب كبير :
-"شرفتونا والله يا جماعة
أخبارك إيه يا نادر؟"
-"الحمد لله يا عمي ، أخبار حضرتك إيه؟"
-"نحمد ربنا الحمد لله"
نظرت ناهد إلى فريدة والدة نادر ، وربتت على قدمها مبتسمة قائلة :
-"والله زمان يا فريدة ، وحشتني القعدة معاكِ"
بادلتها فريدة الابتسامة بصدق تلتفت لها :
-"وأنا كمان يا ناهد وحشتني لمتنا ، بس إن شاء الله تكون فاتحة خير علينا ونرجع نلم الشمل"
استغل نادر تلميح والدته للموضوع ، والتفت إلى حسين وبادر قائلًا :
-"عمي ، أنا جاي النهاردة أطلب من حضرتك إيد منار ، زي ما حضرتك عارف أنا صحفي ، غير إني متابع شغل والدي الله يرحمه في التجارة ، وشقتي جاهزة قدام شقتي مع والدتي لأن حضرتك عارف لازم أكون قريب منها مش هينفع أسيبها وأسكن بعيد"
أومأ حسين برأسه متفهمًا يبتسم :
-"ربنا يجازيك خير  يا بني"
أكملت فريدة بجدية :
-"بصراحة يا أستاذ حسين مش هلاقي أحسن من منار  لابني ، أنا يعتبر اللي مربية منار زي ما حضرتك مربي نادر"
-"وأنا مش هلاقي أحسن منه في أخلاقه وتربيته ، وزي ما قولتِ نادر ابني وتربية محمد الله يرحمه"
ابتسمت وقالت :
-"الله يخليك يا أبو منار ، أومال فين عروستنا"
-"هقوم أنادي لها حالًا"
قالتها ناهد تنهض من مكانها متوجهة لغرفة منار .
دلفت تنظر إلى ابنتها المتوترة وقالت لها :
-"تعالي يا منار ، بيسألوا عليكِ"
-"لا قولي لهم مش لاعبة"
حاولت هدير كتم ضحكاتها حتى لا يسمعها أحد في الخارج ونظرت لصديقتها التي رمقتها بنظرات غاضبة ، فلا وقت للمزاح :
-"اهدي يا منار  ده نادر ، حد يخاف من نادر"
قالتها بغمزة ، وما كادت أن تكمل حتى وجدتها تهجم على ذراعيها بالضرب ، فخرجت تجري تضحك وتقول :
-"هروح أجهز العصير أحسن"
★★★★★

الحب سبق صحفي " مكتملة "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن