الفصل الحادي عشر
لماذا أحبك؟
لا أملك أسبابًا
لا يجب أن يكون هناك أسباب من الأساس
فالحب لا يعرف سببًا
الأسباب إن زالت ، القلوب ستتغير
أنا أحبك بلا سبب
أنا أحبك لأنك أنت
خرجت منار برفقة والدتها تحني رأسها في خجل ، فتفاجأ نادر لرؤية الملاك الذي هلّ عليهم ، يشعر كأنه للمرة الأولى التي يراها فيها.
لاحظها ترتدي لونه المفضل ، فابتسم بحب وفرح ، صغيرته التي رباها على يده ستكون على بعد خطوة واحدة خطيبته.
تقدمت وجلست بجانب فريدة ، فمسدت على شعرها قائلة بحنو :
-"ما شاء الله زي القمر"
ردت على استحياء :
-"ميرسي يا طنط ربنا يخليكِ"
نظر لها والدها وقال :
-"منار ، نادر طلب ايدك مني.. إيه رأيك؟"
اختلست نظرة صغيرة لنادر الذي كان ينظر لها بحلم وعشق ، ثم نظرت إلى أبيها قائلة بحياء :
-"اللي حضرتك تشوفه يا بابا"
لم تكد تكمل جملتها حتى وجدت هدير تدخل حاملة صينية العصير بمرحها وشقاوتها ، هاتفة بعبث تقدم لهم المشروب :
-"نقول مبروك بقى يا عمو ، خلينا نخلص من الجوز دول ، أنا زهقت منهم بصراحة"
تعالت الضحكات على مزاحها ، هذا الثلاثي لم يفترقوا منذ الصغر ، دائمًا المشاكسات بينهم والمرح..
نادر رجلًا يعتمد عليه منذ أن كان عمره عشرة سنوات ؛ تعلّم أصول التجارة والأعمال من والده ، ثم درس الصحافة لشغفه بها.
أما هدير منذ صغرها عنيدة ، شقية ، ثابتة في قراراتها وتفرض رأيها بكل موضوعية في أي مكان تتواجد فيه.
لكن منار كانت الهادئة ، نعم عنيدة ولكن مع قليل من الضغط والعند معها ترضخ مع أحبائها فقط ، لكنها ليست بالضعيفة وتستطيع إثبات مكانتها جيدًا أينما وجدت.
فنشأت علاقة كبيرة معناها أكبر من معنى الصداقة والاخوة.
تمت قراءة الفاتحة واُتفق على أن تكون الخطبة بعد أسبوعين من الآن.
طلب نادر من والدها أن يجلس معها فوافق.
أخذته يجلسا في الشرفة ، وجلست ناهد وفريدة تتحدثان ، بينما أخذت هدير وحسين يمزحان معًا ويتحدثان في شتى المجالات.
أنتِ حاضري
ومستقبلي
والماضي الذي كنت أعيشه أحلامًا
والآن أعيشه حقائق غير مصدق، لما أنا فيه من حب وعشق
تجلس في خجل ولم ترفع نظرها إليه ، فاقترب بكرسيه منها ، ابتسم عندما رآها تبتعد ، فظلا هكذا يقترب وتبتعد إلى أن كادت تسقط فجذبها إليه ضاحكًا :
-"عاجبك كده كنتِ هتروحي مني!"
نظرت له بغضب مصطنع وقالت تشاور بسبابتها إلى مكان كرسي آخر :
-"شايف الكرسي اللي هناك ده ، زي الشاطر اقعد عليه"
غمز لها قائلًا :
-"بس أنا عاجبني الجو هنا"
ثم قال بجدية مشوبة بحب :
-''ألف مبروك يا عروستي"
أسدلت أهدابها بخجل وهمست :
-"الله يبارك فيك"
وقبل أن يتحدث وجد من تهجم عليهم بابتسامة بلهاء ونظرة ماكرة :
-"بتعملوا إيه؟"
ضغط على قبضته وأسنانه بغيظ ، والتفت لها هاتفًا :
-"هادمة اللذات جاية هنا ليه؟"
-"عمو حسين دخل يصلي ، وطنط ناهد وطنط فريدة قاعدين يحلوا قضية فلسطين تقريبًا ، وأنا قاعدة لوحدي"
قالتها بنبرة هادئة طفولية ونظرة براءة مصطنعة ، ثم أردفت بغمزة ماكرة :
-"فقولت أجي أقعد مع أصحابي ، وأشوف بتتناقشوا في إيه؟
أصلي محضرتش الموقف ده قبل كده الحقيقة"
من مصلحتها في هذه اللحظة أن تهرب من أمامه ، فنادر كان يخرج نار من أذنيه وكاد أن يفترسها ، ولكن رنين هاتفها قطع هذا الافتراس ، نظرت له وجدتها والدتها.
فقال بتشفي منها :
-"تصدقي كل مدى وغلاوة مامتك بتزيد عندي ، أهو ربك بيخلص بدري بدري..
يلا يا سكر روحي شوفي ماما عايزة إيه ، يلا يا دودو"
قالها دافعًا إياها للخارج ويغلق باب الشرفة ، ثم عاد يجلس بجانب منار مرة أخرى ، وقبل أن يتحدث وجدها عادت من جديد تقول باستفزاز :
-"هرد على التليفون وهاجي مش هتخلص مني"
ثم هرولت قبل أن تطالها يده.. كل ذلك ومنار لم تستطع منع نفسها من الغرق في الضحك ، مهما كبروا يظلون أطفال ، وتعلم أن صديقتها لن تمرر الليلة دون أن تثبت حضورها.
جلس بجانبها ومازالت غارقة في ضحكاتها إلى أن دمعت عيناها ، ظل يتأملها بعشق ، يتأمل ضحكاتها التي تأسره ، حمرة الخجل التي اكتسبتها ، عينيها التي أشدت لمعتها ، كل ما بها يأسره.
انتبهت لنظراته فسكنت ضحكاتها بخجل ، وقامت تتوجه للداخل تقول :
-"تعالى ندخل جوه بقى ، إحنا تأخرنا عليهم"
انضموا إلى البقية ، وكانت هدير قد أنهت مكالمتها مع والدتها وانضمت إليهم.
وبعد وقت قصير غادر بعدما أتفقا على الذهاب بعد بضعة أيام لشراء ما يلزم للخطبة.
وبعدها نهضت هدير تحمل حقيبتها وتقول :
-"طب أنا كمان همشي ، السواق جه تحت"
-"طب ما تخليكِ معايا النهاردة ونروح بكرة على الجريدة"
-"حبيبتي والله لو أقدر كنت استنيت ، بس أنتِ عارفة بابا مسافر ومش هينفع أسيب ماما لوحدها ، يلا أشوفك بكرة"
★★★★★
الغيرة هي الطاغية في مملكة الحب
لكنها ليست دائمًا دليل الحب
فأحيانًا تكون دليل أشياء أخرى بعيدة تمامًا عنه
دليل على الحقد والسخط
وطريق ودافع للانتقام
صفت سيارتها أمام تلك الفيلا ، هبطت منها بكامل أناقتها بتلك التنورة السوداء القصيرة تصل لمنتصف فخدها ، تعلوها كنزة حمراء حريرية وخصلاتها تصل لأسفل كتفيها بطريقة لولبية.
صعدت الدرج المؤدي للباب الرئيسي ورنين حذائها العالي يتردد صداه على الأرض الرخامية ، فتحت الباب ودلفت تحوم برأسها في أنحاء المكان باحثةً عنه حتى وجدته يقف موليًا إياها ظهره ، ينظر من الشرفة ودخان سيجارته ينتشر حوله بسحابة ضبابية.
ابتسمت بمكر واقتربت من مكان وقوفه تضع حقيبتها على المنضدة ، ثم كتفت ذراعيها قائلة :
-"نلف نلف ونرجع لبعض ، نفس المكان.. نفس الطريقة.. وبدون ميعاد محدد.
وقت ما تحب تشوفني تبعت ليا وأجي ، وكذلك العكس"
لم تلحظ ابتسامته الجانبية التي ارتسمت على وجهه ، ينحني يطفئ سيجارته في المنفضة بجانبه ، ثم أولاها وجهه واضعًا يده في جيب بنطاله ناظرًا إليها من أعلاه وقال :
-"أنتِ صح..
كل اللي قولتيه صح ، بس مع اختلاف الأسباب في كل مرة بطلبك فيها هنا"
جلس واضعًا ساق فوق الأخرى ، يستند بمرفقه على حافة الكرسي واضعًا سبابته وإبهامه أسفل ذقنه وأكمل :
-"قولي لي يا نادين إحنا آخر مرة كنا فيها هنا ، نهينا الكلام على إيه؟"
رفعت رأسها بشموخ وأشاحت بها للجانب الآخر ولم تجب ، لتسمع نبرته التي استحالت إلى الجدية والحدة هاتفًا :
-"لما أكلمك تبصيلي وتردي على سؤالي!
آخر مرة كنا فيها هنا الحوار خلص على إيه؟"
نظرت له بغيظ وقدميها تدب الأرض برتابة وأجابته بكلمة واحدة :
-"طلاق"
استند بمرفقيه إلى قدميه منحنيًا بجسده قليلًا إلى الأمام وملامح وجهه جامدة ، ثم أكمل :
-"ويوم الحفلة أنا قولت ليكِ إيه؟"
لم تتمالك نفسها تشيح بذراعيها في الهواء بغضب هاتفة :
-"مازن ممكن أعرف أنت جايبني هنا ليه؟
و عشان إيه التحقيق ده أنا مش فاهمة؟"
استقام فجأة مما جعلها تعود خطوة للخلف ، فقال يتقدم منها خطوات رتيبة :
-"مجرد ما نطقت كلمة أنتِ طالق ودي معناها إن كل حاجة خلصت ، ومعنى إن كل حاجة خلصت يعني ملكيش أي دخل في حياتي.
ويوم الحفلة قولت لك إن كل حاجة انتهت والأحسن مشوفش منك تصرف تندمي عليه"
وصل أمامها على بعد خطوة واحدة وهبط برأسه أمام عينها ينظر لها نظرات حادة ثم جذب خصلاتها من الخلف فجأة على حين غرة بقوة أعادت رأسها للخلف جعلتها تشهق عاليًا واضعة يدها فوق يده تحاول إفلات شعرها منها..
فهتف بها :
-"أنتِ عارفة نتيجة اللعب معايا يا نادين مش كده؟
ولو فكرتِ قبل ما تيجي هنا وتعملي اللي عملتيه ده في ردة فعلي أنا متأكد إن رجليكِ مكنتش تخطي بوابة البيت"
جذب رأسها إليه وهبط لأذنها هامسًا بشراسة ونظرات عينيه تحتد :
-"لمي تعابينك عن هدير ، وافتكري إنها مراتي.. مرات مازن السيوفي"
تناست ألم خصلاتها ، وتناست برودها ولا يوجد بداخلها شعور سوى السخط والغضب من كلماته!
غيرة تجاه الفتاة التي سرقته منها ، متيقنة أنه لولا ظهورها لكان برفقتها الآن!
دفعت ذراعه بقوة عن رأسها وابتعدت خطوات للخلف تنظر له بشذر هاتفة بلا وعي :
-"لا مفكرتش في ردة فعلك ، ولا فكرت في أي حاجة غير إن البنت دي متستحقش إنها تكون مراتك"
أشارت لنفسها بسبابتها تكمل هتافها الهستيري :
-"أنا ضيعت سنتين من عمري بس عشان أبقى جمبك وفي الآخر واحدة مشوفتهاش إلا مرة تيجي بالطريقة دي وتآخدك مني!"
شهقة عالية ، احتقان وجه ، جحوظ عينين ، واتساع فم.. كانوا ملامحها عندما أمسك عنقها بين قبضته يضغط عليه بقوة قاطع بها حديثها.
حاولت فك قبضته وشهقاتها ترتفع تحاول إدخال الهواء إلى رئتيها أو يخفف من قبضته لكنها فشلت ، همس بفحيح حاد :
-"مازن السيوفي مش تحت رحمة حد ، خصوصًا لو ست"
دفعها بعنف تسقط على الكرسي خلفها تسعل بقوة وصدرها يرتفع وينخفض بعنفوان تضع يدها فوق عنقها تمسده ، أنحنى أمامها يستند بكفيه على حافتي الكرسي محاصرًا إياها وملامح وجهه تحولت لشيطان بنظرها بنظراته المرعبة قائلًا ويده تتلمس وجنتها بهدوء معاكس :
-"جوازنا خد كفايته من الوقت والمتعة ، اللي أدتيه خدتيه في المقابل ، وأظن بلاش تلعبي معايا لأنك عارفة نهاية اللعبة إيه"
اقترب من وجهها يطالع عينيها التي حال بهما الغضب والسخط أكثر متابعًا :
-"هدير شيليها من دماغك ، واللي حصل هنا أتمنى ميتكررش تاني لمصلحتك.. وقبل ما تفكري تعملي ليها حاجة افتكريني"
فاجأته بردة فعلها عندما ضحكت بصوت مرتفع وعادت بظهرها للخلف واضعة ساق فوق الأخرى قائلة :
-"لا لا لا.. متقوليش إنك خايف عليها مني ، أو خايف إن علاقتك تبوظ لو عرفت إننا كنا متجوزين وفي السر !!"
اتسعت ابتسامته واستقام متجهًا نحو سجائره مخرجًا واحدة يشعلها ثم نفث دخانها عاليًا وقال :
-"يؤسفني إني أقولك إنها عرفت"
ثم نظر لها بجانب رأسه يميله قليلًا ، يرفع حاجبه بمكر :
-"أصلي بصراحة زوج صريح ، مينفعش أخبي حاجة عن مراتي"
انتفضت من موضعها بذهول هاتفة :
-"عرفت!
ومستمرة عادي!"
استنشق دخانه وأشار بيده الحاملة لسيجارته لها :
-"ميخصكيش"
اقتربت منه بخطوات ماجنة وجسدها يتمايل لليمين واليسار ، وقفت أمامه ترفع يدها تتلاعب بأزرار قميصه العلوية هامسة بتلاعب :
-"الظاهر إنك نسيت مين نادين عاصم ، مش أنا اللي أتساب بالطريقة دي عشان حتة صحفية عجبتك.. أنا لما وافقت أتجوزك كان جواز أبدي رضيت أو لا "
لم تكتفِ بهذا فقط بل جذبته إليها تقبله بمجون وكأنها ستثيره إليها ، لكنه خيب ظنها عندما لم تجد منه ردة فعل سوى أنه دفعها للخلف عنه ، واقترب من علبة المحارم يلتقط منها واحدًا يمسح به شفتيه قائلًا بملامح مشمئزة ضربت أنوثتها في مقتل :
-"مفاتيح البيت تسيبيها هنا على الريسبشن وأنتِ ماشية ، والبيت ده تنسيه ، وافتكري بس الكلام اللي قولته دلوقتي.. كل اللي بينا شغل وبس يا نادين"
نظر لها بغموض وملامح جامدة :
-"بدل ما أنسى كل حاجة وساعتها الحساب يبقى مخطرش على بال حد ، يا بنت عاصم"
نظرت له بشراسة فهذه المقابلة ليست كما خططت لها ، إن ظن أنه بهذا الحديث أبعدها عن طريقه فهو خاطئ ، لم يحزر أنه زاد من سخطها وتوعدها أكثر .
أخذت حقيبتها واتجهت نحو الباب ، أخرجت منها مفاتيح المنزل تضعها على الطاولة بجانبه ثم نظرت إليه ويدها تمسك بالمقبض وقالت قبل أن تخرج :
-"أوعدك أفكر في كلامك كويس ، بس أفتكر مين نادين عاصم يا سيوفي"
تقدم من الشرفة يطالع سيارتها التي صدح صرير إطاراتها بالأرض ، واضعًا كفيه خلف ظهره وعيناه تلوح فيهما نظرة غامضة هامسًا لنفسه :
-"اطمني مش ناسي ، قرب قوي الحساب بينا"
★★★★★
وصلت هدير إلى المنزل ، وجدت أمها في انتظارها فقابلتها بابتسامة وارتمت بجانبها محتضنة إياها ، بادلتها الابتسامة وقالت :
-"طمنيني إيه الأخبار ؟"
-"الحمد لله الخطوبة كمان أسبوعين ، بصراحة ماكنتش أتوقع منار ونادر يرتبطوا"
مسدت سهام على رأسها وقالت بحنان تضمها إليها بالذراع الآخر :
-"كل واحد وله نصيبه يا حبيبتي ، ونادر ومنار أخلاقهم جميلة وربنا زرع الحب في قلبهم.. وهما يستاهلوا بعض"
صمتت لحظات قبل أن تقول :
-"بس أنتِ قولي لي عاملة إيه مع مازن؟"
استقامت جالسة تنظر لوالدتها بشرود ، فهي صديقتها قبل كل شيء ، تشعر بها من نظرة عينيها..
فقالت بنبرة هامسة :
-"مش عارفة يا ماما ، أنا فجأة لاقيتني مرات واحد معرفوش..
أه رجل أعمال معروف بس مليش علاقة بيه.
بس فجأة أنزل المقال ، هوب أزمة بابا ، هوب يطلب أيدي ، و تفاجئ إنه كتب كتاب بدل الخطوبة !"
ارتمت بأحضانها بطريقة درامية وبنبرة باكية قالت :
"إيه يا ماما هو كله ضرب ضرب!"
ضحكت أمها على تعابيرها لتنظر إليها وأردفت بمكر :
-"يعني عايزة تفهميني أن سحر ابن السيوفي مصابكيش؟"
ضيقت عينيها ومالت بجسدها إلى أمها ، وقالت بذات المكر:
-"وليه متقوليش أن سحر بنت الخطاب هو اللي صابه!"
تعالت ضحكاتهم سويًا ، ثم نهضت هدير من مكانها تقول :
-"أنا هآخد دش وأغير وأنام ؛ لأني مش قادرة أقعد ، وأنتِ كمان يا حبيبتي قومي يلا عشان تآخدي علاجك وترتاحي"
أمسكت بيدها وصعدا للطابق الثاني ، أعطتها علاجها واطمأنت عليها ، ثم ذهبت لغرفتها وأخذت حمامها وارتدت منامتها..
لكن قبل أن تنام وجدت من يتصل بها ، أرادت تجاهله عندما وجدته مازن ، لكنها اقتصرت طريق الجدال وأجابت تهم بالصعود لفراشها :
-"ألو... أيوه يا مازن"
-"مساء الخير يا حبيبتي"
نظرت لهاتفها تضغط عليه تكاد تكسره من غيظها ، ثم وضعته على أذنها مرة أخرى وقالت :
-"مازن بطل الكلمة المستفزة دي"
سمعت صوت ضحكاته بقوة وقال ببرود يستفزها :
-"لا ، الكلمة ليها رونق تاني..
المهم قولي لي الخطوبة امتى؟"
اتسعت حدقتي عينيها بذهول ، فهي لم تخبره أن نادر سيتقدم الليلة لمنار ، يعلم بأمر ارتباطهما فقط ، فكيف علم بالأمر ؟
همست بتعجب :
-"أنت عرفت منين؟"
ابتسم ابتسامة خبث لم ترها ومازالت نبرة الاستفزاز في صوته:
-"مينفعش تكوني مراتي ومعرفش عنك حاجة!
ده يبقى غلط كبير في حقي.. أنتِ تحت عيني لحظة بلحظة"
أبعدت شعرها للخلف ، تعض على شفتها السفلى دليل على تفكيرها ، ثم انتفضت من فوق فراشها تزيح الستار عن شرفة حجرتها ، فوجدت سيارة سوداء واقفة أمام فيلتها ويوجد بها رجلان ، فهتفت به بغضب عارم :
-"أنت مش هتبطل تراقبني يا مازن؟
مش هنخلص من الموضوع ده؟"
-"لا لا طول ما أنتِ مسئولة مني مش هبطل احميكِ ، ودلوقتي أسيبك ترتاحي من تعب اليوم سلام يا... هدير"
أنهى اتصاله بضحكة أثارت استفزازها أكثر.
أما هي فقد أغلقت الهاتف وقذفته بحدة على الأريكة خلفها ، جلست على فراشها تهز قدمها بعنف وغضب فأمسكت بوسادتها تضرب بها بقبضتها تتمتم :
-"المستفز ، البارد ، الغبي ، فاكر نفسه مين عشان يفرض سلطته حوليا!"
تذكرت اليوم الذي قبلها فيه في شرفة منزله..
تذكرت ملمس شفتيه فوق خاصتها..
اقتحامه المفاجئ لعذرية شفاها..
شعورها وقتها لم تشعر به من قبل!
لن تنكر أن إحساسها وقتها كان بعيد كل البعد عن البغض والكره ، وكأنها كانت في مكانها الصحيح!
ارتفعت يدها تلقائيًا إلى شفتيها تلتمسها ، لا تعلم لما ما زالت تشعر بملمسها عليها؟
هزت رأسها منفضة عنها تلك الأفكار بغضب من نفسها لأنها تفكر به ، ثم ألقت برأسها على الوسادة الأخرى والأولى وضعتها على رأسها تكتم بها غيظها هاتفة :
-"ماشي يا بن السيوفي"
★★★★★
التفاتة تؤدي للمحة
لمحة تؤدي لنظرة
والنظرة تؤدي لدقة قلب
ثم تفكير وتعلق ينتج عنهما اهتمام بالمُحِب
ليسقط القلب ويسلم أمره إلى حاكم القلوب دون مقاومة .
في الصباح..
ذهبت أسماء إلى النادي كي تواصل رياضتها التي أهملتها الأيام الماضية ، ولكثرة اتصالات مدربها بها.
ارتدت ملابسها الرياضية بنطال أبيض وكنزة وردية ، وذهبت لملعب التدريب..
وما أن رآها عمر حتى قابلها بابتسامة قائلًا :
-"الحمد لله على السلامة يا أسماء . أخبارك إيه؟"
-"الله يسلمك يا كابتن ، أنا الحمد لله أخبار حضرتك؟"
-"الحمد لله بخير ، يلا عشان نبدأ تدريب"
طوال الوقت مهتم بها لا يحيد بنظراته عنها ، حتى لاحظته نادين فذهبت إليها في وقت الراحة وجلست بجانبها تقول بخبث :
-"الظاهر إن الكابتن مهتم بناس معينة يا سمسمة"
رفعت أسماء نظرها لها عاقدة حاجبيها بتساؤل وقالت :
-"تقصدي إيه يا نادين؟
أنتِ عارفة مش بحب الألغاز"
رفعت إحدى حاجبيها بمكر وهزت كتفيها بلامبالاة تردف :
-"أقصد إنه منزلش عينه من عليكِ طول الوقت..
لا الكورة تتلعب كده
لا الوقفة تبقى كده
ركزي يا أسماء ، برافو يا أسماء.
مهتم بيكِ جدًا جدًا كمان ، ومش بعيد يكون معجب"
نظرت لها بذهول مما تقوله ؛ فهي لم تتخيل أن يكون عمر مهتم بها اهتمام من نوع خاص ، فالتفتت برأسها وجدته ينظر إليها ، ثم أشاح بنظراته وانتبه للفتاة التي تحدثه ، نظرت مرة أخرى للجالسة بجانبها ، وقالت باستنكار :
-"أنتِ فاهمة غلط يا نادين ، بلاش شوية خيالات في دماغك تصور لك حاجة تانية مش موجودة ، عمر بالنسبة ليا المدرب بتاعي وبس"
-"هنشوف"
قالتها بلامبالاة مصطنعة ترفع زجاجة المياه لفمها ، وتدور بنظرها في أرجاء المكان ، ثم نهضت تقول :
-"أنا هروح آخد دش لأني عندي شغل كتير في الشركة ، وفي اجتماع مع أخوكِ كمان ساعتين"
أومأت لها أسماء برأسها دون أن تكلف نفسها وتجيب عليها ، جلست تشرب من زجاجتها فوجدت عمر يتقدم باتجاهها وجلس بجانبها ، فابتسمت له مجاملة وتحفز ، فسمعته يقول :
-"كويس إنك رجعتِ ، كنتِ عاملة أزمة في الفريق"
ضحكت برقة قائلة :
-"معلش يا كابتن ظروف وخارجة عن إرادتي"
نظر لها قائلًا بنبرة هادئة يتأمل ملامحها :
-"ممكن بلاش كابتن دي و تقولي عمر بس"
زاغت نظراتها بارتباك ، وكلمات نادين تقفز في عقلها جعلتها تفكر بجدية..
أيعقل أن يكون صحيحًا!؟
أغمضت عينيها للحظات قبل أن تقول بتردد :
-"بس يا كابتن... مينفعش..."
قاطعها بصرامة فاجأتها :
-"مفيش حاجة اسمها مينفعش ، زي ما بقولك أسماء قولي لي عمر ، إحنا تقريبًا من سن بعض الفرق مش كبير"
أومأت برأسها ولم تجب ، ثم نهضت تلملم أشيائها تتمتم باعتذار :
-''معلش مضطرة أمشي لأن ورايا مشوار مهم"
-"تحبي أوصلك؟"
هتفت بتلقائية ودون تفكير :
-"لا.. أقصد يعني بلاش تتعب نفسك أنا معايا عربيتي وكمان المكان مش بعيد عن هنا.. متشكرة لحضرتك ، عن إذنك"
فرت هاربة من أمامه وعلى وجهها علامات التهجم من تلميحاته التي كانت ترفضها من نادين منذ قليل..
أكدت لنفسها أن هذا بالتأكيد لن يكون صحيح ، وحديثه كله من محض صداقتهم فقط ليس إلا.
ظل يتابعها بنظراته تسير أمامه وعلى وجهه ابتسامة بلهاء قبل أن يرفع هاتفه يجيب المتصل.
ذهبت وأبدلت ملابسها ثم أخذت سيارتها وذهبت إلى المنزل كي تبدل ثيابها ، وتذهب لموعدها مع هدير ومنار كي يشتروا ما يلزمهم للخطبة.
★★★★★
وفي الشركة.. كان مازن ورامز جالسين يتناقشان في أمور صفقة يخططان لها مع شركة عاصم..
أغلق رامز الملف الذي أمامه ونظر لصديقه بكامل انتباهه بعد أن حال برأسه في جميع الأرجاء في حركة أثارت تعجب مازن.. ثم اقترب برأسه منه قائلًا :
-"عاوز أقولك على حاجة ، أنا حاسس إن ياسمين وراها حاجة وكبيرة قوي كمان ، وضعها مش مطمني"
تغضن جبين الآخر بغموض واقترب منه متسائلًا :
-"حاجة غريبة زي إيه مش فاهم!؟"
سرد عليه ما رآه واستمع له من مكالماتها الخفية ، ترددها واضطرابها عندما تتحدث خوفًا أن يراها أحد أو يستمع إليها أحد.
عاد مازن يستند إلى ظهر كرسيه ، واضعًا مرفقه على حافته يحك ذقنه بتفكير ، ثم نظر له قائلًا :
-"تفتكر إيه اللي ممكن يكون وراها؟!"
ذم رامز شفتيه مفكرًا بعض الوقت وعيونه محدقة في الفراغ ، ثم قال :
-"سيبلي الموضوع ده أنا هحله.. المهم نركز في الصفقة"
وفي ظل انهماكهما في النقاش ، وجد مازن ياسمين تدلف الى المكتب تقول بهدوء :
- الآنسة نادين وصلت عشان الاجتماع ، وطالبة تقابل حضرتك قبل ما يبدأ"
زفر بقوة مشيحًا بوجهه إلى الجانب الآخر ، فنظر رامز إليه بتفكير يعقد بين حاجبيه من ردة فعله ، ثم نهض واتجه ناحية ياسمين وقال :
-"يلا يا ياسمين نشوف إيه الناقص للاجتماع ، ودخلي آنسة نادين"
ودلفت نادين إلى المكتب تسير بغنج تثير الجالس بكل عنجهية وغرور ، يراقبها تقترب منه بملابسها تعتبر كجلد ثاني لها فستانها التي يصل إلى فوق الركبة بكثير ، وتلك السترة القصيرة فوقه..
تقدمت منه وجلست أمامه تضع ساق فوق الأخرى ، فارتفع الفستان أكثر عن ساقها ، نظرت له ترفع حاجبها الأيسر بعبث وقالت :
-"ازيك يا مازن"
رفع ذقنه لأعلى ولم يحد بنظرته السوداء عنها ، وابتسامة جانبية ارتسمت على محياه يهز رأسه يحيها قائلًا :
-"تمام"
شبكت أصابع يدها أمامها وتقول عاقدة حاجبيها تنظر له بقوة :
-"عايزة أسألك سؤال نسيت أسأله المرة اللي فاتت"
رفع حاجبه يتطلع إليه بصمت دام دقائق ثم قال :
-"خير إيه اللي عندك لسه مقولتيهوش"
تغاضت عن لامبالاته في الحديث وقالت :
-"إيه الفرق بيني وبين هدير ؟"
حك ذقنه بتفكير لوقت قصير ثم ضحك بقوة حتى أدمعت عيناه ، نهض من موضعه يدور حول مكتبه حتى وصل أمامها ، فدارت بكرسيها تواجهه بتعجب
فسؤالها ليس بالشيء المضحك؟
لم تتحرك من موضعها وظلت على جلستها ، وضع يديه في جيب بنطاله وطالعها ببرود بعد أن هدأت ضحكاته :
-"فرق السما والأرض يا نادين ، مفيش مقارنة من الأساس..
هدير نوع وأنتِ نوع تاني خالص"
نهضت تطالعه بنفس نظرتها ، تتقدم نحوه بخطوات بطيئة ، متعمدة أن تظهر مفاتنها ظنًا منها أنها تستطيع إثارته..
تقدمت إلى أن وقفت على بعد سنتيمترات صغيرة بينهما وقالت:
-"لا يا مازن الفرق إني حبيتك بجد ، وكنت مستعدة أعمل أي حاجة عشانك ، لكن هي مش طايقة وجودك معاها"
ابتسم بسخرية يطالعها من أعلاها لأسفلها يذم شفتيه بتفكير و يهبط على أذنها هامسًا :
-"واللي تحب حد تفرط في نفسها وتسلم أغلى حاجة تملكها البنت باسم الحب؟"
تفاجأ بها تمسكه من تلابيب سترته تقترب منه حتى صارت تتنفس أنفاسه ، وقالت بصوت أشبه بالهمس ونبرة مليئة بالإغراء :
-"أنا حبيتك لدرجة إني سلمتك نفسي ، لدرجة وصلت إني أقبل أكون مراتك في السر عشان بس أكون جمبك ، وفي الآخر تسيبني عشانها!"
وضعت إحدى يديها على جانب وجهه وظلت اليد الأخرى ممسكة بسترته ، مقتربة برأسها منه و تتابع :
-"مازن أنا بحبك ليه مش عايز تصدقني؟"
كل هذا ونظره يحوم بين عينيها بغموض وتعابير وجه مبهمة لا تستطيع فهم ما يحوم بداخله.. يعلم ما تحاول الوصول إليه ولكنها لا تملك سوي أن تحلم.
فما تريده لن يحدث!
كادت أن تقبله ولكنه حاد برأسه عنها يهمس في أذنها بسخرية :
-"ده الفرق بينك وبينها..
أنا ممكن بإشارة مني أجيبك لحد عندي ، لكن هي.. لو روحها في إيد عدوها تموت ولا تستسلم ليه"
فُتح الباب فجأة ودلف منه رامز ، فوقف متسمرًا مما رأى!!
نادين محتضنة مازن كما يقول المشهد أمامه..
أراد أن يذهب إليه يلكمه بقوة على وجهه حتى يكف عما يفعل..
تارة يتزوجها وتارة يطلقها والآن يتركها تحتضنه وكأن الأمر يروق له!
نظر لهما بهدوء مقلق وكأنه لم ير شيئًا ، ولم يخفض نظره عنهم يقول :
-"أوضة الاجتماعات جاهزة و هنبدأ كمان عشر دقايق..
تقدري دلوقتي يا أستاذة نادين تروحي مع السكرتيرة عشان تديها نبذة عن التفاصيل قبل ما نبدأ"
أسرعت بترك مازن وتظاهرت أنها تعدل من هندامها بارتباك بسبب دخوله المفاجئ ، ونظرت له بغيظ على قطعه الفرصة التي لن تعوض بسهولة ، فلقد استغلت الاجتماع حتى تستطيع رؤيته والحديث معه..
التقطت حقيبتها وأعادت شعرها للخلف بضيق وخرجت من المكتب بثورة بعد أن أرسلت له نظرة غيظ وغضب.
تقدم من صديقه ، ونظر إليه وعيناه محمرتان من الغضب ، وصرخ به ممسكًا به من تلابيب سترته :
-"أنت تجننت؟
ايه اللي هببته ده؟"
أمسك مازن بقبضة صديقه ينفضها من عليه بغضب مماثل ، هاتفًا :
-"في إيه يا رامز؟
محصلش حاجة لكل ده؟"
-"تصدق أنت مش هترتاح الا أما هدير تشوفك مرة في المنظر ده.. لأن من الواضح أن الأستاذة نادين مش ناوية تجيبها لبر ، وأنت شكلك عاجبك اللعبة"
ثم اقترب منه ينظر له بقوة وقال بتقرير وغموض :
-"متدخلش في لعبة ستات زي دي يا مازن لأن مفيش حد هيخسر إلا أنت"
بادله مازن نفس نظرته ثم ربت على كتفه وقال ببرود لا يليق إلا بابن السيوفي :
-"نادين بتلعب على هدف مش موجود ، وأنا عارف هسكتها ازاي!"
وأكمل يتجه نحو الباب :
-"يلا عشان الاجتماع"
نظر في أثره بدهشة يفكر
هل إذا ذهب إليه ولكم فكه ، هل سيحدث شيء؟
أظن لا فهو يستحق
أفاق من تفكيره وتبعه إلى غرفة الاجتماعات..
كان مازن يترأس الطاولة وعلى يمينه رامز وبجانبه سكرتيرته ياسمين ، على يساره نادين ومندوبون شركتها الذين سيناقشون أمر الشحنة الجديدة.
نظرت له وقالت بنبرة تحمل لفتة من الإغراء :
-"الشحنة الجديدة قربت توصل خلاص وهتتشحن على الموقع عشان البُنا يبدأ على طول"
أجابها مازن ولم يلتفت إلى نبرتها :
-"ورامز هيتابع معاكِ معاد الوصول ويستلمها منك"
-"وليه مش أنت؟"
هتفت دون تفكير فظر لها رامز نظرات غامضة ، يستند بظهره إلى كرسيه ومرفقيه يستندان إلى جانبي الكرسي مستندًا ذقنه إلى ظهر يديه وقال بسخرية :
-"أصله مشغول في فرحه الفترة الجاية ، فأنا اللي هيتابع الشحنة وأستلمها ، ده لو مفيش عند حضرتك مانع يعني"
نظرت له بغيظ وغضب ، ثم هبت واقفة حاملة حقيبتها وتقول :
-"تمام ، مدير أعمالي هيتواصل معاك و يبلغك معاد الوصول"
ثم غادرت بخطوات سريعة غاضبة.. فهي لم تظفر في تلك المقابلة ولكن لا بأس فالقادم أكثر .
التفت مازن إلى ياسمين وطلب منها أن تلغي مواعيده لذلك اليوم ، وأن تدون كل ما تعلق بهذا الاجتماع..
ارتفع رنين هاتفه فوجدها أخته.. ففتح وقال بنبرة هادئة :
-"حبيبة قلبي عاملة إيه!؟"
على الجانب الآخر كانت أسماء وهدير تقفان أمام مركز التسوق بعدما غادرتهما منار برفقة نادر كي تختار معه ما يلزمه ، واعتذرت الفتاتان عن الذهاب معهما.
وها هما تقفان أمام سيارة أسماء المعطلة ، هدير مكتفة ذراعيها أمام صدرها تهز قدمها بغيظ من رفيقتها التي قررت الاستعانة بأخيها ؛ لعلمها برفضها المسبق.
ردت أسماء على أخيها وقالت بصوت منخفض تنظر لهدير التي اتسعت عيناها بغضب عندما سمعتها تقول :
-"الحمد لله يا مازن ، أنت فاضي؟"
-"ليه؟
في حاجة حصلت؟"
-"بصراحة ، العربية تعطلت قدام المول ، فلو تبعت لينا السواق أو تاكسي على المول"
-"متقلقيش.. قولي العنوان وأنا هاجي بنفسي.. بس فيه حد معاكِ ولا لا؟"
نظرت لهدير الغاضبة وقالت تضغط على شفتها :
-"أيوه هدير معايا"
ارتفع حاجبه وهمس :
-"هدير!
طب أنا عشر دقايق و أكون عندكم.. سلام"
وما إن أغلقت الهاتف حتى صاحت بها هدير بغيظ :
-"أنتِ إيه خلاكِ تتصلي بأخوكِ؟
كنا نتصرف"
-"نتصرف ازاي؟
أنتِ شوفتِ عطلت بينا فين؟!
مفيش حل غير ده ، وبعدين هو مش أخويا ده جوزك ولا أنا متهيألي!"
أجابتها بضجر ويأس :
-"ليه بتفكريني؟"
نظرت لها أسماء بذهول ، ثم انفجرت في الضحك لتلك العلاقة بين هدير وأخيها :
-"والله انا هاشوف أيام كوميدي لما تتجوزوا"
بعد مرور ربع ساعة ، نظرت الفتاتان لتلك السيارتين اللتين وقفتا أمامها ، ووجدوا مازن يهبط من إحداهما والأخرى للحراسة ، تقدم منهما يزيح نظارته عن عينه ووقف قبالتهم وقال :
-"أنتو كويسين؟"
أومأت أسماء برأسها مطمئنة له :
-"أيوه الحمد لله اطمن"
ثم هبطت على أذنيه وتظاهرت أنها تحتضنه هامسة له :
-"خليك هادي مع هدير ، عشان بتكهرب دلوقتي"
ابتسم لها ثم أشار بعينيه لتتقدم إلى السيارة ، فاستجابت له ودلفت إليها.
كادت هدير أن تتبعها ولكن وجدت من يمسكها من مرفقها مانعًا إياها من الحركة ، وقف قبالتها ووضع يده في خصره ينظر لها من أعلى :
-"ممكن أعرف مقولتيش ليه إنك خارجة مع البنات؟"
اشتعلت عيناها من الغيظ وقالت من بين أسنانها :
-"وهو مطلوب مني تقرير يومي عن خط سيري ولا إيه؟"
بادلها نفس النظرة بقوة وقال ينحني أمام عينيها :
-"أيوه ده المطلوب ، من يوم ما بقيتِ مراتي وأنا الوحيد اللي أعرف خط سيرك إيه!
وأظن أنتِ كبيرة وعارفة كويس إيه الصح وإيه الغلط؟"
لم تستطع الرد عليه ولكن حدجته بنظرات مغتاظة ، ثم اشاحت بوجهها في الاتجاه الآخر.
ابتسم بعبث وأمسك كفها بين بيديه متجهًا بها إلى السيارة وطلب من السائق أن يوصل أخته الى المنزل ، ركب معها الحارسان بعدما أمرهما مازن بإخلاء السيارة ليقوم بإيصال زوجته بنفسه.
أمرها بالدخول ولكنها رفضت قائلة :
-"لا أنا عايزة أروح مع أسماء"
لم يجادل معها بل حملها ووضعها بالسيارة دون أن يتحدث وأغلق الباب ، ثم التف يجلس أمام عجلة القيادة وانطلق بالسيارة بها ، لكمته هدير في كتفه هاتفة به بضجر كبير من معاملته لها كرجل الكهف :
-"أنت مستفز على فكرة"
أومئ رأسه ببرود ينظر لها بجانب عينيه :
-"أه أنا مستفز"
لكمة أخرى منها بضجر أكبر :
-"لا.. وبارد كمان وغلس"
أمسك كفيها بقبضة واحدة وجذبها إليه يهبط إلى أذنها وهمس:
-"أيوه أنا بارد وغلس وكل حاجة ، بس تعملي إيه بقى!؟
جوزك ولازم تستحمليه"
أفلتت يدها منه تنفخ خصلتها التي سقطت على وجهها ، ونظرت له بارتباك وتوتر ، لا تعلم ما الذي يحدث معها مؤخرًا في حضوره ؟!
لما لا تستطيع أن تجادله وألا تجعله يتحكم ويفرض حضوره عليها؟
تذكرت عندما كان في زيارة لديهم في مرة من المرات ، وخرجا يسيران في الحديقة بعد إصرار من أبيها..
جلسا على الارجوحة ولم تنطق بحرف إلى أن وجدته يقول بدون مقدمات :
-"أنتِ ليه كرهاني؟"
نظرت له بدهشة لهذا السؤال المفاجئ ، فهي لم تهيئ نفسها له ، لكن سرعان ما استعادت جديتها ونظرت أمامها :
-"تقدر تقولي إيه عملته يغير إحساسي ده؟
جواز بالإجبار!
فرض شخصيتك في حياتي فجأة وبدون سابق إنذار !
في يوم وليلة بقيت مرات واحد مكنش في بيني وبينه أي تواصل لا من قريب ولا من بعيد.. لا و الأدهى من ده كله أني اكتشف إنك كنت متجوز عرفي!
كل د ومش عوزني أنفر منك؟"
أنهت كلامها واقفة توليه ظهرها ، وقف خلفها وأدارها إليه يتطلع بعينيها وقال :
-"بصي يا هدير ، جوازي و علاقتي بنادين بدأت وانتهت من قبل ما تبقي مراتي ، أنا هاحكي ليكِ الغرض من الجوازة دي كان إيه بس مش دلوقتي"
قربها أكثر منه هامسًا :
-"أنما حتة جوازي منك وإني أجبرتك عندك حق فيها بس مش كلها ، تقدري تقولي كنت بضمن وجودك ، عشان ميجيش وقت تنهي كل حاجة"
اقترب منها أكثر لدرجة خطرة بالنسبة لها يهمس أمام عينيها بنبرة استشعرت فيها الصدق :
-"أنا مش وحش يا هدير ، أنا الظروف اللي خلتني قاسي زي ما أنتِ شايفة.. لكن لو تقدري تغيري ده غيريه "
أفاقت من شرودها عندما أوقف السيارة أمام منزلها ، فنظرت له بغموض ثم كادت أن تهبط وجدته يجذبها من رسغها لتميل عليه بشهقة ، هبط إلى وجنتها يطبع عليها قبلة حارة طويلة ، جعلتها تحبس أنفاسها مغمضة عيونها مبتلعة لعابها بصدمة ، حتى تركها ينظر إليها.
التفتت تخرج من السيارة بخطوات سريعة إلى المنزل ، أما هو ظل ينظر إلى أثرها ثم أدار السيارة وذهب هو الآخر.
الحب نقف أمامه متلقّين كل أشكاله
كالفصول الأربعة قد يأتي حارًا مشتعلًا كالصيف
أو قد يأتي حاملًا تغييرًا كاملًا لكل أشكال الحياة
قد يكون ذو منطقية خاصة به كفصل الخريف
وقد يكون صعبًا أو باردًا كعواصف الشتاء
وقد يدخلك الوله كنسيم الربيع
فهو همس خفي يسري بين القلوب
لا يحتمل التعقيد بل تكفيه كلمات بسيطة صادقة
لا أمان لعجلة الحظ
تدور وتدور فإن حالفك الحظ بها مرة وربحت
فإنها تجر خلفها عشرات المرات خسارة
فلا تفرح بمرتك فرحًا ينسيك فشلك الكثير
داخل مخزن كبير في مكان خالٍ ، يقف رجل ومعه بضعة رجال يراقبون مجموعة من العمال يفرغون الصناديق التي تم إحضارها اليوم من الميناء.
كانت الشحنة عبارة عن كميات هائلة من مخدر الهيروين الآتية من الخارج لنشرها بين الشباب في مصر .
كانوا قد أوشكوا على الانتهاء من إفراغ الصناديق ، حتى صدح صوت سيارات الشرطة في الخارج وحصارهم للمخزن بالكامل.
وفي أقل من ثوان معدودة ، كان رجال الشرطة داخل المخزن ، مثبطين أي محاولة لهم بالهجوم ، وتم القبض على كل من كان في المكان وإصدار تلك الكمية من المخدر.
وفي نفس الوقت ، كان كريم يجلس مع والده في المكتب يتحدثان في أمر الشحنة..
تساءل رأفت بنبرة يشوبها بعض القلق :
-"أنت متأكد يا كريم من الصفقة دي؟"
نفث كريم دخان سيجارته التي بين اصبعيه ، مجيبًا بكل ثقة:
-"اطمن يا بابا.. كل حاجة ماشية تمام ، والراجل بتاعنا استلم الشحنة من المينا وزمانهم دلوقتي بيفضوها من الصناديق"
صدح صوت هاتفه يقطع حديثه مع والده ، ليتحقق من هوية المتصل ، فوجده أحد رجاله أجاب وقد استشعر الخطر :
-"خير في إيه؟"
-"كريم بيه.. الحكومة هجمت على المخزن وقبضوا على كل رجالتنا وصادروا البضاعة"
هب صارخًا من هول الكارثة التي حلت فوق رأسه ، يعيد خصلاته للخلف يشد عليها بعنف :
-"يا نهار أسود!
أنت بتقول إيه؟
ازاي ده حصل والمكان متأمن كويس؟"
تلجلج الرجل من خوفه بسبب ثورة كريم المفرطة ، وقال بصوت متقطع :
-"مع ر.... معرفش يا كريم بيه ، إحنا فجأة لاقينا البوليس حوالينا ، وقبضوا على الكل وأنا اللي قدرت أهرب"
ليأتيه صوته الهادر بشراسة وصوت تكسير شديد وصله من الجهة الأخرى :
-"أنت غور في ستين داهية.. إما أشوف حل في الكارثة دي!"
أغلق الهاتف في وجهه ، والتفت إلى والده الذي يطالعه بتساؤل وقلق ، يهمس بصوت أشبه بفحيح الأفعى :
-"البوليس صادر الشحنة وقبض على كل رجالتنا اللي هناك"
علت ملامح الصدمة على وجه رأفت ، ولم يستطع النطق بأي شيء وهو يرى نظرة غضب في عين ابنه لم يرها من قبل.
أنت تقرأ
الحب سبق صحفي " مكتملة "
عاطفيةهي :- أنا فتاة عشت لـ نفسي , لـ حريتي , أعيش في مملكتي , ارفض القيود , أحب الحياة, أعشق الحرية , ولكني لن أنسى أني شرقية , ابنة رجل الرجال , وأخت فرسان , وحبيبة رجل ليس ككل الرجال .... أنا امرأة لا أنحنى إلا في صلاتي .. و لا أصمت إلا عندما ينعدم كلا...