Part 20

2.6K 59 2
                                    

الفصل العشرون

الحب ليس كلمة مكونة من أربعة حروف تقال حينما نريد ومتى نشاء!!
أدركتُ حقيقة يغفل عنها الكثير ممن يدخلون عالم الحب والهوى والعشق ، أن الحب لا يحتاج لاعتراف ولا لكلمات
لكن له لغة خاصة لا يدركها إلا من دق قلبه بأجراسه الأولى!!
تُكتب أول أحرف أبجديتها بالغيرة
وتُسمع بلمعة العين!!

أنهت تمرينها منذ نصف ساعة ، ركضت كثيرًا حتى تخرج طاقتها السلبية ، كلما تتذكره كلما تسارعت خطواتها أكثر كأنها تنتقم منه على بروده وتعامله الأخير معها إلى أن شعرت بالتعب فجلست على طاولتها المعتادة وأحضر النادل لها عصير المانجو المعتاد.
تصفحت هاتفها تتحدث مع أصدقائها عن المعرض الذي سيقام خلال الأسبوعين المقبلين في باريس والتي تشارك به لأول مرة ، دائمًا ما كان يُعرض عليها الاشتراك وتُلاقي التشجيع من أخيها والعائلة لكن ردها دائمًا أنها لم تكتسب الخبرة بعد لتقوم بتلك الخطوة ، وها هي أخذتها وستعرض مجموعة من لوحاتها فيه.
رفعت عينها عن الهاتف تمد يدها تأخذ الكأس وعوضًا عن هذا وضعته على صدرها بعد شهقة مفاجأة صدرت منها عندما رأت عمر يجلس على الكرسي المقابل لها على طاولتها .
رمشت عدة مرات وتنفست ببطء حتى سيطرت على اضطرابها ، وأعادت نظراتها إليه مندهشة لكنها حاولت الابتسام حتى لا تحرجه ، فمال بجسده للأمام ورفع لها كأس العصير يناولها إياه قائلًا
-"أنا آسف بس كنتِ مشغولة في التليفون ومنتبهتيش ليا"
أخذته منه تتجرع بضع قطرات ثم وضعته ، وابتسمت مجاملة له
-"ولا يهمك يا كابتن"
ناظرها من أسفل رموشه لمدة قصيرة أثارت حفيظتها فلم تسيطر على حاجبها الذي ارتفع بدهشة لكن سرعان ما سعلت قليلًا معتدلة في جلستها ولم تجب..
تأمل وجنتها الحمراء طبيعيًا ، شعرها الذي تجمعه في جديلة متوسطة ساكنة على كتفها الأيمن براحة إلا من خصلات تمردت وسقطت على جبهتها ، تزين نهايتها برابطة وردية تتماشى مع لون كنزتها ذات الأكمام القصيرة التي تصل لأسفل كتفها بقليل تحدد نهديها ببراعة ، لمعت عيناه بوميض غريب وفجأة وبدون سابق إنذار هتف
-"أسماء أنا بحبك"
غصت في كأسها وسعلت بقوة حتى دمعت عيناها واحتقن وجهها بالدماء بشدة ، كورت قبضتها أمام فمها تحاول السيطرة على سعالها فاضطرب قلبه لها وتوتر في جلسته مناديًا على النادل كي يحضر زجاجة مياه لها ، شربت حتى هدأت ونظرت له بصدمة لم تذهب عنها ثم ناولت هاتفها وهمت بالنهوض
-"عن إذنك"
أمسك بمعصمها وأجلسها عنوة على المقعد وهو يهتف بحسم
-" اقعدي يا أسماء واهدي.. أنا بس عاوز أتكلم معاكِ ، و عاوزك تسمعيني "
حركت رأسها نفيا لحديثه و تمتمت بتهكم وغضب
-"مفيش حاجة نتكلم فيها"
تنهد عمر و هو يسحب كرسيه ليجلس أمامها مباشرة
-"أنا كنت عاوز أتكلم معاكِ من زمان بس حاجة تمنعني..
أنا بحبك من أول ما عرفتك ، وغلطتي إني مصارحتكيش بالحب ده "
نظرت له بذهول ، تتذكر حديث رامز لها عندما أخبرها بأن نظراته نظرات رجل عاشق ، فأنكرت وقتها بشدة.
أنكرت تلميحات نادين أنه يعاملها بشكل خاص دون باقي الفتيات ، نظراته إليها ، اهتمامه بها.. لكنها لم تلتفت لكل هذا.
ظنت أنه من فعل خيال نادين!!
هزت رأسها نافية كل ما يتفوه به ، وعندما همت بالحديث قاطعها بصرامة
-"اسمعيني.. أنا عارف إني متأخر أوي في كلامي ده ، بس عندي أمل تقبلي حبي ونبدأ سوا من أول وجديد..
أنا مش متخيل حياتي غير معاكِ أنتِ ، حاولت أنساكِ معرفتش"
نظرت له بألم وكادت عينها أن تدمع..
هي لا تريد أن تكون سبب وجع لقلب أحد خاصًة وإن كان شخصًا تعرفه كعمر!!
لكن ليس بيدها شيئًا تفعله له فقلبها ليس ملكها!!
تشعر به ، فقد مرت بمثل ما يمر به الآن عندما ظنت أن رامز يحب أخرى ، كادت تموت من كثرة الألم ، لكن هذا هو الحب ليس لنا يد به..
لسنا بقادرين على أن نمحي ألم كل من يصارحنا بحبه!!
أغمضت عينها قليلًا تحاول تجميع ما ستقوله بعناية حتى لا تجرحه
-"أنا مقدرة كل اللي أنت بتقوله ومحترماه جدًا ، بس للأسف أنا مش هقدر أبادلك نفس الشعور..
أنا بحب رامز الحب اللي يخليني مش شايفة غيره ، رامز عوضني عن حاجات كتير ، وكان جمبي في همي قبل فرحتي..
مش متخيلة حياتي من غيره"
صمتت قليلًا متنهدة ثم أكملت
-"أنت مجتش متأخر ولا حاجة ، بس هو نصيب.. أنا بحب رامز من قبل ما أعرفك.
أنت إنسان كويس و صديق و أخ عزيز ، وفي يوم هتلاقي حد يبادلك حبك ويسعدك.. لكن أنا صدقني مش هينفع"
نظر لها بألم متنهدًا و ينظر للأرض أسفله ، ثم نظر للجانب وشرد في اللا شيء وتحدث بنبرة انعكس بها ما يعانيه قلبه
-"صدقيني أنا مكنتش عاوز أتكلم ، بس أنا بصراحة مقدرتش أتحمل كل المشاعر دي لوحدي فكنت عاوزك  تسمعيني وتعرفي أنا قد إيه بحبك ، حتى لو كنت بتحبي رامز بس على الأقل أرتاح من وجع قلبي ده"
ثم التفت لها وابتسم بهدوء ، لكنها لمحت الألم بهذه البسمة الهادئة ، فنهضت من مكانها وقالت تبتسم بدورها
-"صدقني هيجي يوم وتحب حد أفضل مني بكتير"
فبادلها الابتسامة بهدوء وقال
-"أنتِ في عيني أفضل إنسانة في الدنيا ، ولا يمكن هلاقي حد أفضل منك"
هزت رأسها بيأس وابتسمت بخفوت ليقف بدوره أمامها فقالت بمرح
-"بالعكس هتلاقيها وساعتها هكون فرحانة جدًا لو افتكرتني أصلًا"
لم يستجب لمرحها لكنه ابتسم ابتسامة شعّت بكل ما يعتمر قلبه من ألم ووجع على حبه الذي يضيع أمام عينه وليس بيده فعل شيء ، لمحة حسد وحقد لاحت بقلبه نحو رامز أنه من فاز بقلبها.
نظرت لجانبها باعتيادية وهي تتحرك في وقفتها ومازال ثغرها يحمل ابتسامتها ، تسمرت فجأة ثم التفتت مرة أخرى فوجدته واقفًا يضع يده في جيبي بنطاله يناظرها ببرود أثار ريبتها ، عيناه تحمل شذرًا تعرف معناه جيدًا يغلفه بثباته الذي تكرهه في هذه الأوقات.
من وقفته.. ملامحه.. نظراته علمت أنه استمع لحديثهما ، لكن أي جزء بالضبط ما سمعه؟!
هل استمع للحديث بأكمله أم ....؟!
يا الله لمَ دائمًا حظها مع هذا الثنائي يكون هكذا؟!
نظر عمر لمكان نظرها فرآه ، فشد على جسده يتنفس بعمق يُعد نفسه لما سيقوله هذا الغاضب.
تقدم منهما يقف بينهما وعيناه لم تُرفع عنها ، تقف بثبات وهمي وبداخلها يدق من شدة التوتر من غيرته الشديدة خاصًة عندما يتعلق الأمر  بها.. بكل هدوء الكون مال برأسه أمام وجهها يقول بغموض
-"اسبقيني على العربية"
رفعت حاجبها بدهشة من النبرة الآمرة ، اشتعلت عينها بالغيظ وكادت أن تتحدث لكن صوت عمر سبقها عندما تقدم منه يمسك مرفقه
-"رامز بلاش الطريقة دي معاها"
حال بنظراته بين قبضته الممسكة بذراعه وبين وجهه ببرود وحاجب مرتفع باستفزاز لاح به ، ثم حرك ذراعه ينفض قبضته عنه وقال ببرود وتريث
-"ملكش دعوة ومتدخلش بيني وبينها ، لسه فيه كلام بينا"
هنا دق ناقوس القلق والخوف في رأس أسماء وهتفت
-"رامز افهم الموضوع كويس"
رأت الاشتعال بوضوح على وجهه ، وتوسعت فتحتي أنفه من الغضب وأنفاسه الحارة تخرج منها كأنها نيران تخرج من تنين ثائر ، وهمس بحدة من بين أسنانه
-"سمعتِ أنا قولت لك إيه؟!
على العربية يا أسماء"
ضيقت بين عينها واستدارت تأخذ هاتفها ثم استأذنت من عمر تعطيه ابتسامة معتذرة عما سيحدث فأومأ لها بخفوت ألا تقلق ، وانطلقت في طريقها دون أن تنظر لرامز الذي طالعها بتوعد ، يتأمل ذهابها إلى داخل النادي الصحي الخاص بالسيدات.
التفت لعمر ينظر بثبات فكان يجابهه في الطول والجسد ، حتى أن عمر يكاد يتفوق عليه بالبنية الجسدية نظرًا لعمله هنا في النادي وكمدرب ، لكن رامز يتفوق عليه في قوة نظراته ، حنكته في الحديث.
مال برأسه نحو أذنه وعينيه تحول في المكان ، يضع يد على عضده والأخرى مازالت في جيبه هامسًا بحدة يشوبها السخرية
-"لآخر مرة أقولها ليك ، أسماء خط أحمر فالأحسن تبعد عنها"
أنهى جملته بتربيتة حادة على كتفه وابتسامة ساخرة ، فقهقه الآخر يحك أعلى حاجبه الأيمن بتفكير مصطنع ثم اقترب منه قائلًا
-"أنت جايب الثقة اللي أنت بتتكلم بيها دي منين؟
كون أنك صاحب أخوها أو تعرفها من كام سنة مش صك ملكية أو أنها تكون خط أحمر!!
ليه مش هي اللي تختار؟"
ضحك رامز بسخرية وحرك لسانه على جانب ثغره باستفزاز  ينظر للأسفل ، ثم رفع نظراته له
-"تختار  في إيه يا كابتن؟
أو  تختار على أساس إيه؟"
-"تختار هي عاوزة مين!!
بتحب مين؟!
تقارن وتشوف هتلاقي سعادتها مع مين؟"
أومأ ببطء يمط شفتيه باقتناع مصطنع ، ثم رفع عويناته السوداء يخفي بها عينه يطالعه من خلفها ، وابتسم يرفع كتفيه بقلة حيلة
-"كان نفسي أحقق ليك طلبك ده بس للأسف حرية الاختيار  فات أوانها من مدة لأن أسماء دلوقتي خطيبتي"
صدمة حلت على رأس عمر جعلته يفقد النطق ولا يستطيع التحدث!!
نعم أخبرته أنها تحب رامز!!
أخبرته أنها لا تستطيع رؤية غيره!!
لكنها لم تخبره أنها خُطبت له!!
بمَ سيرد عليه؟!
لم يجد غير الصمت ، فشعور بالانتصار  تمكن من رامز الذي يتأمل صدمته البادية على وجهه ثم ربت على كتفه بدون حديث واستدار  يذهب.
تاركًا خلفه قلب اشتعل بحبها لكن لا سبيل له في هذا الحب!!
يدعو الله أن ينتزع حبها منه لكن لسان حاله يرثيه..
فلو كانت ورقة لمزقها ، ولو كانت زجاجة لهشمها ، ولو كان جدارًا لنسفه لكنه قلبه!!
اقترب من سيارته فلم يجد أسماء بها ، عقد حاجبه باستغراب والتفت يبحث عنها بنظراته فلم يلمح طيفها ، رآه الحارس على البوابة وكان يعرفه جيدًا فاقترب منه بحذر
-"رامز بيه حضرتك بتدور على حاجة؟"
-"مشوفتش الآنسة أسماء"
عقد الحارس حاجبيه باندهاش وقال
-"الآنسة أسماء أخدت عربيتها ومشيت من حوالي عشر دقايق يا فندم"
طالعه بدهشة كأن على رأسه الطير ولم يتحدث..
فاق لنفسه وشكره ثم تخصر معيدًا خصلاته للخلف بعنف يكز على أسنانه بغيظ مشيحًا بقبضته في الهواء.
دلف إلى سيارته وانطلق بها بسرعة مهيبة أصدرت صرير عالٍ ، رفع هاتفه يطلب رقمها وانتظر حتى تجيبه ثم هتف قبل أن تنطق بكلمة
-"هو أنا مش قولت لك تستنيني في العربية!!
أقوم ألاقيكِ أخدتِ عربيتك ومشيتِ!!"
طنين خافت وصله فنظر للهاتف وجدها أغلقت الخط في وجهه ، توسعت عينه بقوة من ردة فعلها فضم شفتيه بقوة وألقى الهاتف بعنف على الكرسي بجانبه يضغط على عجلة القيادة بقوة حتى ابيضت مفاصله متوعدًا لها ، يدعس أكثر على الوقود فانطلقت السيارة بسرعة أكبر.
كانت قد وصلت إلى المنزل فهبطت من سيارتها بغضب من أسلوبه ، ترغي وتزبد مع نفسها قابلتها هدير  في طريقها والتي اندهشت من غضبها فقد كانت سعيدة في الصباح ما الذي حدث؟!
اقتربت منها متسائلة
-"مالك يا سوسو متعصبة ليه؟"
فتحت فمها عدة مرات حتى تتحدث لكنها تصمت في كل مرة تكز على أسنانها بغيظ ، تضغط على قبضتها بقوة تريد لَكم أحد ما جعلت هدير تعقد حاجبيها بدهشة ، توسعت عينها بتعجب منها وعادت خطوة أمان للخلف متيقنة أن هناك حالة جنان تلبسها الآن!!
هتفت أسماء من بين أسنانها
-"بقى أنا يتعامل معايا بالطريقة دي ويقول لي استناه في العربية ولا أكني شغالة عنده!!"
-"هو مين ده؟"
تساءلت بحذر ثم أغمضت عينها وعادت خطوة أخرى للخلف ترفع أناملها تحك أذنها من صراخها الذي فاجأها
-"الأستاذ رامز!!"
رمشت عدة مرات تمط شفتيها للأمام بتفكير.. رامز!!
لماذا سيصرخ على أسماء؟!
كادت أن تتحدث لكن صوت مازن الهابط من أعلى يقف بجانب زوجته يحدق بأخته بتعجب عندما سمع صراخها باسم صديقه فسألها
-"عمل إيه رامز المرة دي؟"
-"ابقى أسأله أنت .. عن أذنكم"
هتفت بها بغيظ ودفعت الاثنان بذراعيها إلى الجانبين وصعدت للأعلى ومازالت تتحدث مع نفسها .. فتبادل النظرات المتعجبة مع هدير فمطت شفتيها ترفع كتفيها لأعلى بعدم معرفة.
تنهد بقوة قائلًا
-"هبقى أتصل بيه أشوف عمل ليها إيه!!
هدخل المكتب أعمل شوية اتصالات كده وأشتغل شوية"
خرجت إلى الحديقة ، فما كادت أن تجلس حتى وجدت سيارة رامز السوداء تدلف بقوة إلى الداخل ، وقفت تراقب توقفه ونزوله منها.
لاحظ وجودها فاقترب منها يحيها بابتسامة فبادلته السلام قائلة
-"الظاهر إن فيه حاجة كبيرة كمان ، هي جاية بتكلم نفسها وهاين عليها تقتل حد وأنت شكلك غضبان خالص"
لاحظت الغضب بدأ يلوح على وجهه ، فرفعت حاجبها بتساؤل وسمعته يهتف بحدة
-"هي كمان اللي زعلانة!!
ولا تكون مضايقة إني قطعت عليها قعدتها مع الأستاذ عمر؟!"
-"مين عمر؟"
زفر بعمق يعيد خصلاته بقوة يشد على آخرها بقبضته وجلس على كرسي في الحديقة وجلست هدير في مقابله تسمعه
-"يبقى الكابتن بتاعها في النادي ، وبيحبها!!
والنهاردة كان بيعترف ليها بحبه وعاوز يتجوزها"
-"وأنت عرفت منين؟"
-"كنت رايح أصالحها على معاملتي معاها الفترة اللي فاتت بسبب الضغوطات اللي كنت فيها ، لاقيتهم قاعدين سوا يتكلموا"
ضيقت بين عينها ووضعت كفها الأيمن على ذراع الكرسي الأيسر وأسند مرفقها الأيسر فوقه ، تضع كفها على وجنتها ترمقه بغموض ومكر
-"وهي كان ردها إيه؟!
ولا روحت على المقطع الأخير اللي يخليك عاوز تبهدل الدنيا"
في طور غضبه ضحك على جملتها حتى أدمعت عيناه عندما فطن لمغزى جملتها ، فمال بجسده للأمام يستند بساعديه على قدمه مشبكًا أنامله مع بعضهما يهز رأسه نافيًا
-"سواء سمعت أو مسمعتش أنا واثق في حب أسماء ، وواثق فيها هي شخصيًا وفي ردودها وأنها هتعرف تتعامل ، بس ....."
-"بس حسيت بالغيرة مش كده؟!"
قالتها بمكر وحاجب مرتفع ، ترسم ابتسامة جانبية على ثغرها ، فتنهد بعمق وعاد بظهره إلى الخلف يزفر الهواء مصدرًا صوت عالٍ يومئ برأسه مؤكدًا
-" أيوه غِيرت ، مهما كانت ثقتك ومهما كانت درجة حبك متقدريش تمنعي غيرتك ولا غضبك اللي بيظهر بعدها.. على قد الحب بتكون الغيرة"
ابتسمت بسعادة له وأومأت مؤيدة بدون حديث ، وفجأة وجدته نهض من كرسيه وجلس على آخر جانبها ، ثم همس  يلتفت حوله كالخائف أن يُقبض عليه يسرق شيء ، يقرب رأسه منها
-"بصراحة..."
صمت لثواني فقربت رأسها منه بتلقائية ، فظهرا كأنهما يخططان لشيء ما ثم أكمل
-"بصراحة بقى أنا جبت آخري ، أنا عاوز أتجوز أسماء !!"
طالعته بحيرة ترفع كتفيها بعدم فهم
-"طب ما إحنا عارفين الموضوع ده!!
تقصد عايز تعمل الخطوبة يعني؟!"
هز رأسه بالنفي ، يصرح ضاغطاً على كل كلمة تخرج منه
-"لا جواز.. كتب كتاب"
اتسعت عيناها من المفاجأة تهز رأسها بيأس ، وقالت بغيظ وغضب مفتعل
-"الظاهر مش مكتوب على بنت تتجوز من العيلة دي أنها تعمل خطوبة!!"
قهقه بقوة يعيد رأسه للخلف عندما فهم معنى كلامها ، وأجابها
-" لا أنتِ و مازن استثناء ، لكن أنا بحب في صمت بقالي أربع سنين ، لسه هستني تاني فترة خطوبة.. لا مش هيحصل"
قال جملته الأخيرة بغضب طفولي ، جعلها تضحك من العاشق الجالس أمامها ، يفعل كل شيء للحصول على حبيبته.
نظرت له باسمة بمرح ، وقالت بمكر تضيق عينيها واقتربت تهمس له
-"طب حلو قوي.. قول لمازن كده أكيد مش هيقول حاجة"
نظر لها بغضب وغيظ لاقتراحها الذكي من وجهة نظره!!
لقد فكر بالفعل في هذا لكن مازن حتمًا سوف يرفض قبل زواجه من هدير  وقبل أن يجد كريم!!
وبالفعل ترجم أفكاره في كلماته قائلًا
-"مازن هيرفض أكيد ، إذا كان هو نفسه مش عارف يتجوز هيوافق أنا أتجوز!!"
ثم نظر لها في صمت يقلب الفكرة التي جاءت في عقله الآن ، فطالعته بنصف عين محاولة سبر أغوار عقله ، وفيما يفكر فيه!!
فقالت متوجسة
-" بتفكر في إيه؟"
ابتسم ابتسامة جانبية ماكرة يصرح بما جاء في عقله
-"ما تتكلمي معاه أنتِ"
فغرت فاها وتوسعت عينها بقوة ، وكادت أن تصرخ به في رفض لما قاله ، لكنه سبقها
-"هو أكيد مش هيرفض لك طلب ، كل اللي هنطلبه أننا نعمل مفاجأة لأسماء في عيد ميلادها ونكتب الكتاب"
-"مفاجأة؟!"
همستها بتساؤل ، فهي كانت تظن أن أسماء على علم لما يخطط له!!
أجابها مؤكدًا على حديثه
-"أيوه مفاجأة!!
فيه معرض للشباب للوحات والأعمال الفنية عالمي في باريس ، وده فرصة جميلة ليها ، وكمان هسافر معاها..
وفعلا المعرض ده كمان أسبوعين ، مش عايز أسافر غير  وهي مراتي"
ابتسمت ساخرة تكور يدها أسفل ذقنها ، تطالعه بحاجب مرفوع
-"وأنت بعقلك بعد ما تكتب كتابك عليها مازن هيوافق تسافروا؟!
ده بيغير على أسماء أكتر مني"
ضحك بقوة ومرح وأشاح بيده قائلًا
-"أهو نبقى طولنا حاجة هيبقى لا عنب الشام ولا بلح اليمن"
أطرقت رأسها بتفكير تحك شفتيها تارة وتعض عليها تارة أخرى!!
تعلم حب رامز الشديد لأسماء ، بل أنها ساعدتها بشكل غير  مباشر  كي تجعله يعترف بهذا الحب!!
والآن جاء دورها كي تساعده ، فهو شاب جيد ، مرح ، طيب القلب ، لا شيء أغلي عنده من حبه لأسماء ولهذا البيت!!
ولو أنها لم تستشعر هذا الحب منه لصديقتها ، فكانت أول من يعارض هذا الارتباط لكن طلبه بأن تتحدث مع مازن في هذا !؟
لا تعرف كيف؟
فمازن لا أحد يستطيع التنبؤ بردة فعله ، من الممكن أن يوافق بمنتهى السهولة ، ومن الممكن أن يقتلهم جميعًا بصدر رحب.
التفتت إليه وجدته ينظر لها متأملًا صمتها بأمل أن توافق ، تنهدت تقول له
-"موافقة ماشي.. بس بشرط!!"
-"موافق على كل اللي تطلبيه"
هتف بلهفة فابتسمت بمكر وهي تنظر له
-"تيجي معايا وأنا بقوله!!"
نظر لها ثوان لطلبها ، ثم ما لبس أن نهض من مجلسه يهتف
-"موافق يلا.."
كادت أن تتحدث ، فقاطعها صوت ميرفت التي هتفت بسعادة ما أن رأتهما جالسين في الحديقة
-"أزيكم يا حبايبي عاملين إيه؟"  احتضنتها هدير  بحب لهذه السيدة التي أحبتها منذ أول مرة رأتها فيها ، تلمست حنانها في حديثها
ابتسمت تستقيم من حضنها باسمة بهدوء تقول
-"الحمد لله يا ماما أنا كويسة.."
اقترب منها رامز يقبل رأسها يشاكسها
-"تمام يا قمري"
ضحكت بحب وحنان له مربتة على كتفه ، فتابعت هدير بتساؤل
-" هو مازن لسه في مكتبه يا حبيبتي!!"
أومأت لها بتأكيد ، فاستأذنتها بالذهاب إليه للحديث معه في أمر هام ، وذهب رامز معها.
وقفا أمام باب المكتب المنغلق ، ينظران لبعضهما ثم للباب في دعوة كل منهما للآخر  أن يبادر بطرق الباب ، فتعمد التأمل في الفراغ وتركها تنظر له في غيظ.. فهمست بصوت غاضب
-"أنا هخبط وأنت ورايا ماشي!!"
أومأ موافقًا فطرقت الباب ودلفت عندما سمعت صوت مازن يأذن لها بالدخول.
رفع عينه عن الملف يراها أمامه فنهض من مكانه مبتسمًا يشير لها بيده تقترب متسائلًا
-"تعالي يا حبيبتي ، محتاجة حاجة؟"
اقتربت منه بهدوء مصطنع لكن بداخلها يدعو أن يكون متفهمًا وقالت
-"كنت عاوزة أكلمك في حاجة أنا ورامز!!"
عقد مازن حاجبيه بدهشة يدور بعينيه في الغرفة ، لينظر لها متسائلًا
-"هو فين رامز!!"
طالعته بجبين متغضن بعدم فهم فاتسعت عينها تنظر فجأة خلفها ، فلم تجده!!
فهو ما أن فتحت الباب حتى فر راجعاً ولم يدلف معها!!
ضغطت على أسنانها بغضب وغيظ من هذا التصرف ، وأغمضت عينيها بقوة تتحكم في غضبها
-" الجبان!"
ثم نظرت إلى مازن مرة أخرى ، لتجده ينظر إليها في عبث ، وكل انتباهه منصب معها.. فضغطت على شفتها السفلى ، مفكرة فيما يمكن أن يقال!!
كانت تنوي أن ترد ذلك الرامز وتجعل مازن يصر على رأيه ولا يوافق على فكرته!!
لكن تفكيرها في كم السعادة التي ستنالها أسماء جعلها تتراجع في هذا ، لكنها تعلم كيف تجعل رامز يدفع ثمن ذلك!!
لملمت أفكارها ، واستجمعت كافة قوتها تنظر له قائلة ما أتيت من أجله بنبرة سريعة
-"بصراحة كده.. رامز عايز يعمل مفاجأة لأسماء ويكتب الكتاب يوم عيد ميلادها ، وخايف متوافقش ، وأنا بصراحة موافقة وشيفاها فكرة حلوة.. منها نفرح أسماء وبالمرة نخلص منهم"
أغمضت عينها وزفرت بقوة كمن قطعت شوط كبير في الركض ، لتستفيق على صوت ضحكاته القوي أمامها ، فنظرت له بدهشة وتساؤل!!
لانت ملامحه يقترب منها أكثر ، لتعقد حاجبيها تراقب تقدمه حتى كاد أن يلتصق بها.
اقترب من أذنها هامسًا بعبث ومشاكسة
-"موافق لسببين بس!!"
هتفت بتلقائية تنظر لعينيه بسعادة
-"إيه هما؟"
ضغط على خصرها برفق ، هامسًا بحب جم وعينيه ترسل لها شرارات عشقه يطبع قبلة طويلة فوق جبينها هامسًا
-"الأول علشان نفرحهم.. وعلى رأيك نخلص منهم"  ابتسمت بسعادة وحب له وألصقت نفسها به بجرأة أعجبته تتلاعب بياقة كنزته الزرقاء التي تعكس زرقة عينه بحبور ، وهمست
-" والسبب التاني؟"
لامس وجهها بأرنبة أنفه بدايًة من جبهتها نزولًا إلى وجنتها إلى أن لامس شحمة أذنها بفمه طابعًا قبلة سريعة عليها جعلت رعشة خفيفة تسري في عمودها الفقري وهمس
-"والتاني علشان أول مرة تطلبي مني حاجة ومينفعش أرفضها"
اكتسى وجهها باللون الأحمر وضحكت واضعة جبهتها على كتفه تهز  رأسها بيأس منه فأصابته عدوى الضحك وشاركها به ، ثم ابتعدت خطوة للخلف حتى تعيد شتات نفسها من تأثيره عليها ، فنظرت له بمكر في عينيها وقالت
-"بس هنقوله أنك رفضت!!"
نظر لها بدهشة يعقد بين حاجبيه وذَمة شفاهه صاحبت فعلته تلك قبل أن يهتف
-"مش فاهم"
رفعت كتفيها لأعلى بلامبالاة وتابعت
-"يعني لما نخرج دلوقتي ويسألني عملت إيه ، هقوله إنك موافقتش"
تأملها قليلًا بصمت يحاول سبر أغوارها ، وما لبس أن ضحك عندما التقط نظرات المكر في عينيها ، فأمسكها من ذراعيها وأجلسها يقول
-"طب اقعدي وفهميني إيه اللي حصل!!"
أجابت بغضب طفولي ، تذم شفتيها بغيظ وعينها تحولت نظراتها للشراسة
-"المفروض الجبان كان يدخل معايا ويقولك بنفسه ، بس هرب أول ما فتحت الباب"
لم تشعر بذراعه الذي التفّ حولها يضمها إليه بخفوت ، لتلتفت إليه بانتفاضة من حركته تنصدم بعينيه القريبة منها بشدة ، لا يفصلهما إلا أنفاسهما.
يتأمل حركتها ، عينيها ، تعبيرات وجهها الطفولية ، حركة شفتيها المذمومة وهي تتحدث عن غيظها من فعلة صديقه ، فلم يشعر بنفسه إلا وهو يحاوطها ويضمها إليه ، كل مدى ويزيد حبه لتلك القطة " كما يحب مناداتها "
بداخله يتعجب من حاله
ما كان ممن يدخل العشق قلبه ، ولكن من يبصر جفونها يعشق.
سمرتها النظرة في عينيه الزرقاء ، تكاد تجزم لو كانت الأعين تتحدث لتحدثت عن كم من المشاعر التي لن تستطيع إيقافها ، تأملت تقاسيم وجهه الوسيمة بدقة.
شيئًا ما يجذبها إليه!!
عينيه أم تلك النظرة الخاصة بها وحدها؟!
راقبته ينظر لشفتيها ، ووجه يقترب منها ، فرفعت حاجبها بمكر ثم رفعت أصابعها لخده ، لتجعل وجهه يحيد عنها إلى الجانب الآخر ، فنظر لها بدهشة وتساؤل ، لتهمس بخبث
-"أنت شكلك استحليتها يا سي مازن.. قوم خلينا نشوف اللي بره ده"
ونهضت من مكانها تخرج وهي تضحك تاركة إياه خلفه فاغرًا فاهه من كلمتها ثم ضحك بقوة وتبعها للخارج. وجدا رامز برفقة والدته في الحديقة ، فنظرت له وجلست بجانب ميرفت تنظر له بطرف عينيها ، ثم جلس مازن بجانبه يربت على قدمه قائلًا
-"إيه يا رامز ، هدير قالت إنك كنت عايز تقولي حاجة"
نظر  إليها بذهول لعدم إخباره بشيء ، فرأى نظرة المكر في عينيها فعلم أنها تنتقم منه ، ليتنهد بيأس يضع كفه على خده هامسًا بحسرة
-" لا يا مازن مش عايز حاجة"
ثم همس لنفسه
-"هي جوازة منظورة من الأول أنا عارف!!"
نظر إلى هدير وغمز لها بمكر ، لينتبه الجميع إلى أسماء الآتية من الداخل تنضم إليهم ، وعندنا لاحظت وجوده معهم تصنعت اللامبالاة على الرغم من نظرات الغضب التي ترسلها إليه في الخفاء لم يفطن لها غيره ، وجلست بجانب هدير.. فصدح صوته ساخرًا
-"وعليكم السلام ورحمة الله"
رفعت أنظارها إليه بصمت وابتسمت باستفزاز  تهز  رأسها بطفولية ولم تجب ، فكتم مازن ضحكته وهتف قائلاً موجهاً حديثه لها
-" سمكة اعملي حسابك تنزلي مع ماما وهدير تجيبي فستان لكتب كتابك"
نظر كل من رامز وأسماء إليه ببلاهة ، فاغرين أفواههما وأعينهم بذهول من هذا التصريح ، لتضحك هدير وميرفت بخفوت على مظهرهما الطفولي.
ليجدا رامز يقول بصدمة وهو على نفس هيئته
-"كتب كتاب مين؟"
-"كتب كتاب أسماء"
قالها مازن  ومكر لينتفض الآخر فجأة في صدمة ، هاتفاً بغضب وغيظ
-"كتب كتابها على مين إن شاء الله"
نظرت له هدير بتشفي ، وقررت اللعب بأعصابه عقابًا لهروبه من الدخول معها ، ولفظت بقوة
-"واحد بيحبها وعايزها في الحلال ، وبصراحة مناسب جدًا ليها.. مازن لسه قايل عليه لما دخلت أتكلم معاه"
صدح صوت أسماء التي كادت أن تفقد جزء من عقلها هي من الصباح وغضبها متزايد حتى يأتي مازن ويفاجئها بهذا الخبر!!
لكنها من الداخل يدوي من الخوف ظنًا منها أنها ستكون لأحد غير رامز ، من المستحيل أن يحدث ذلك فهي لن تقبل
-"والله كتب كتابي؟!
طيب يا حبيب أختك أنا مش عاوزة أتجوز!"
وقف مازن ينظر لها محاولًا كتم ضحكاته بصعوبة
-"ده آخر كلام عندك يا أسماء؟"
أومأت برأسها بمعنى نعم ، ليتنهد بضيق مصطنع ، ويربت على كتف رامز كمن يطيب خاطره وقال بنبرة صوت ميؤوس منها
-"للأسف يا رامز كان نفسي أحقق لك طلبك ، بس زي ما أنت شايف أسماء مش موافقة"
اتسعت أعين أسماء بذهول أكثر عندما فهمت ما يدور حولها ، فأخيها وزوجته يتلاعبان بهما
لتنظر لهدير بغضب ، والتي بادلتها نظراتها بنظرات شقية ترفع كتفيها بمعنى ما باليد حيلة.
أما رامز فظل ينظر لصديقه دون أدنى تعبير على ملامحه ، ثم نظر أسفل قدمه يحك ذقنه بتفكير ، ليرفع رأسه يلتفت إلى مازن بكامل جسده.. وما لبس أن لكمه فجأة بقوة على فكه ، جعلته يسقط على الأرض من المفاجأة.
فشهقت الفتاتان مما فعله وركضتا نحو الجالس مكانه مبتسمًا لغضب صديقه ، تجلسان على جانبيه
وتهتف أسماء بقلق تتفحص وجه أخيها
-"مازن أنت كويس؟!
بتوجعك!!"
قهقه يضع يده فوق اللكمة
-"الواد ده إيده تقيلة أوي"
وضعت هدير يدها على وجهه تديره إليها وتتفحص مكان اللكمة بقلق.. وقبل أن تقول أي شيء وجدت ميرفت تناولها قطع الثلج وهي تضحك قائلة
-"خدي يا هدير حطي التلج ده على وشه..
هما كده على طول لما حد يستفز التاني يقوم ضاربه!!"
أخذته منها ووضعته برفق فوق فكه ، لتجده يهمس لها بمشاكسة غامزًا
-"مستعد انضرب كل يوم علشان أشوفك قلقانة عليا كده"
تغضن جبينها بدهشة وتوسعت عينها بيأس ، ثم ضغطت بشدة مكان لكمته وهي تنهض واقفة بجانب والدته بدون النظر إليه ، جعلته يضحك على الغضب الممزوج بالخجل.
مازالت أسماء تجلس بجانبه تتفحص مكان اللكمة التي تركت أثرها بوضوح ، لكنها التفتت شاهقة بمفاجأة عندما سمعت رامز يتحدث في الهاتف قائلًا
-"هات ليا مأذون وتعالى على بيت مازن يا نادر بسرعة"
دفعت أخيها للخلف لتقف مما جعله يسقط على ظهره ، ووقفت أمام رامز تهتف بحدة وغيظ
-"مأذون إيه اللي يجي؟!"
نظر لها ببرود ثم وجه حديثه لنادر المذهول على الجهة الأخرى
-"بسرعة يا نادر .. ساعتين بالكتير وألاقيك عندي"
ثم أغلق معه موجهًا حديثه لهدير
-"خديها يا هدير علشان تجهز نفسها ، مينفعش عروسة تحضر كتب كتابها بالبنطلون والتيشيرت"
أومأت له بموافقة وهمت بالاقتراب منها لكنها توقفت مكانها عندما لفحتها أسماء بنظرات سوداء ، ثم أعادت نظراتها إليه وكادت أن تجذب خصلاتها منه تدب قدميها على الأرض
-"كفاية تتعامل معايا بمزاجك ، من الصبح أوامر  ودلوقتي بتحدد كتب كتابي؟!
مش هتجوز يا رامز.. مش هتجوزك إيه رأيك؟"
طالعها ببرود وابتسامة جانبية ثم اقترب منها يميل برأسه أمام وجهها مصرحًا
-"اسمها مش هتجوز غيرك ، خدي بالك من كلامك حبيبتي بعد كده.. اسمها مش هتجوز غيرك"
ضغط على أحرف آخر كلمتين بتأني فكادت أن تهتف به فوضع سبابته على فمه إشارة على الصمت فابتلعت كلماتها فجأة جعلت ضحكات أخيها الذي ينام على الأرض ولم ينهض واضعًا ذراعه أسفل رأسه يستند عليه وهتف
-"متزعقش ليها وأنا موجود"
مال الآخر برأسه ينظر إليه من خلف رأسها مبتسمًا بسخرية
-"قوم أمشي"
ثم أعاد نظراته الحادة لأسماء يرفع حاجبه هامسًا
-"هتجوزك والنهاردة وساعتها مش هيبقى فيه لا عمر ولا غيره ، مش هيبقى فيه غير رامز وبس"
نظراتها مغتاظة.. وقلبها يرقص من السعادة!!
ملامحها تريد قتله من النبرة التملكية .. ودقاتها تدوي بصخب أنها فَرِحة بها فلا تتدخل!!
دبت في الأرض كالأطفال وكزت على أسنانها بغيظ والتفتت لمازن الذي نهض يفتح له ذراعيه فأسرعت إليه تحتضنه كما كانت تفعل وهي صغيرة عندما تغضب أو تريد شيء تركض لأحضانه حتى تطمئن وترتاح.
ضمها إليه بحماية يناظر  رامز بغيرة وحمئة على أخته وهتف بأعين مشتعلة
-"وأنت مين قالك إني هوافق على اللي عاوز تعمله ده ، بنتي مش هسيبها من حضني هتفضل معايا"
طالعه رامز بأعين غامضة وابتسامة ساخرة ثم ذهب وجلس بجوار ميرفت التي تتابع الحوار باستمتاع تريد أن تعلم إلى أين سينتهي؟!
أحاطها بذراعه ورفع كفها يقبل ظاهره بحنان ووقار ثم هتف يثير غيظه
-"ومين قالك إني محتاج موافقتك من الأساس!!
فوفا موافقة وخلاص ده اللي يهمني.. مش كده يا روحي؟"
وجه نهاية حديثه لها بغمزة وثقة لتضحك برقة تربت على قدمه ثم على وجنته مقبلة إياه قائلة
-"وأنا هلاقي زيك فين!"
وضع ساق فوق الأخرى وناظره بتعالي جعل مازن يطالعه بنصف عين وحاجب مرتفع ، ثم ضم أخته أكثر إليه وأولاه ظهره ، وأمسك بكف هدير باليد الأخرى وذهب تجاه الباب الداخلي للمنزل هاتفًا خلفه
-"وماله شوف هتجوزك مين يا حنين!!" فهتف رامز حتى يصل صوته إليه
-"أنا سايبك بمزاجي ، كلها ساعة ودراعك ده لو اتحط عليها هسلمه ليك في إيدك التانية"
نظر لأخته التي شهقت بخجل من كلماته وحبه وغيرته التي يفصح بها دون خجل ، ودفنت رأسها بصدره متمسكة بملابسه أعلى صدره ، فضحك بخفوت وانحنى مقبلًا رأسها بحنان مربتًا على عضدها ودلفوا إلى المنزل يصعدون إلى الأعلى.
مال على أذن هدير  يهمس لها بشيء ما فابتسمت وأومأت له ثم سارت نحو غرفتها ، وهو أخذ أخته ودلف إلى غرفته يجلسها على الأريكة وجلس أمامها يضم كفيها بين يديه فابتسمت له بحنان ليقول
-"الأول كده يا حبيبتي ، إيه اللي حصل الصبح رجعك عصبية بالشكل ده؟"
مطت شفتيها بعبوس ، وتغضن جبينها ثم بدأت تسرد حديث عمر معها واعترافه بحبه وردها عليه بلباقة حتى لا تجرح مشاعره ، فهي قد مرت بما يمر به وتعرف هذا الشعور جيدًا!!
ليس من السهل حب شخص وتكتشف أن قلبه ملك لآخر!!
لتنصدم من وجود رامز وأنها كادت أن تخبره بهدوء وتتحدث معه حتى لا يفتعل مشكلة من لا شيء ففاجأها بردة فعله وتعامله معها بهذه الطريقة.
أنهت حديثها بزفرة عالية غاضبة ضحك لها أخيها الذي نظر لأسفل يهز رأسه بيأس من غيرة صديقه ، ثم رفع نظره إليها يتأمل صغيرته التي كبرت ويوجد بالأسفل شخص يكاد يجن حتى يتزوجها!!
كيف؟!
فليشرح أحٌد كيف سيتخلى عن ابنته الأولى لتكون ملك لآخر؟!
على مدار الأربعة وعشرين عامًا الماضية كان كل شيء لها ، الأخ والأب والصديق والحماية.. فكيف بجرة قلم وبضع كلمات يتحول كل هذا لشخص غيره؟!
في لحظة سيهبط للأسفل ويطرد رامز شر  طردة معلنًا أن أخته ستبقى في كنفه ولن يتركها لأحد ، لكن ما يمنعه نظرات الحب في عينها والتي تشعل نيران الغيرة عليها.
تنفس بروية يبث الهدوء إلى صدره ، وزفر الهواء دفعة واحدة ليقول لها
-"الغيرة بتعمي ونارها بتبدأ زي ما ترمي عقب سيجارة على كوم قش وفاكرة أنها مش هتأثر فيه ، وتبصي تلاقي نار مش عارفة تطفيها"
جذبت يدها من كفيه تضعها في خصرها كالأطفال ، ونظرت له شذرًا هاتفة
-"يعني لو هدير اللي مكاني ، وسمعتها بتقول أنها مش هتقبل بغيرك وعمالة تقول حكم فيك ، هتعمل إيه؟"
شبك أنامله مع بعضها ، ومال بجسده نحوها حتى صار  وجهيهما متقابلين يهمس بإغاظة
-"كانت هتبقى ردة فعل رامز أهون بكتير من ردة فعلي.. مكنتش هعلق على كلامها إلا في الوقت المناسب"
-"وإيه هو الوقت المناسب يا باش مهندس؟!"
قالتها بسخرية وبسمة ملتوية باستنكار ليهمس وهو مازال على حالته لكن نظراته استحالت للمشاكسة والعبث
-"كنت هستنى لما ألاقي الموضوع كبر  والطرابيزة هتتقلب عليا ، ألحق نفسي وأواجهها بكلامها عني ، وأنتم البنات تنكسفوا قوي ساعتها وسهل الواحد يضحك عليكم"
ضحك بشدة على ملامحها المصدومة.. عينها المتسعتين بذهول.. فاها المفتوح بغرابة وكأنها تستمع لكائن فضائي آتي من كوكب آخر ، لتكز على أسنانها تصدر صرخة مكتومة من بينهما من الغيظ مشهرة كفيها أمامها رغبًة في خنقه هاتفة
-"ده أنت مش مهندس.. ده أنت رئيس عصابة!!
إيه الدماغ دي؟"
أمسكها من وجنتها بين سبابته وإبهامه يضغط عليها برفق جاذبًا إياها للأمام قليلًا هامسًا بين أسنانه بمشاكسة
-"امتى تقتنعي إني أخوكِ الكبير ولازم تحترميني؟"
دفعت يده عنها في غيظ ودلكت وجنتها برفق تخفف من ألم ضغطته ، تناظره بشراسة
-"لما تقتنع إني كبرت وتبطل الحركة دي"
أحاط وجهها بين يديه يعيد خصلاتها خلف أذنها يدلك خدودها بحنان قبل أن يطبع قبلتين عليهما ويستند بجبهته على خاصتها فابتسمت له بحب وغشاوة من الدموع تكسو حدقتيها من فرط الحنان المنبعث منه ، فأمسكت برسغيه تربت عليهما في رسالة مبطنة أنه سيظل بطلها الأول.
همس بصوت مختنق لأول مرة ينبعث منه ، طالما كان مثال للثبات والقوة
-"لولا إني عارف بحبك ليه ، و مفيش واحد آمنه عليكِ غيره ، مكنتش أفرط فيكِ لحد أبدًا.
مش متخيل فكرة إن كل حاجة خاصة بيكِ كنت أنا المسئول عنها يجي شخص تاني يآخدها على الجاهز!!"
هز رأسه برفض ومسح على رأسها مرتين
-"لا لا مش متخيل ده بعد ما ربيت عشرين سنة !!"
ضحكت أسماء من بين دموعها التي هبطت على وجنتيها ، ونهضت تجلس في مكانها المفضل منذ أن كانت صغيرة.. على قدمه!!
المكان التي كانت تركض إليه في أي شيء.. حزينة كانت أو سعيدة!!
باكية أو غاضبة!!
عندما كانت تريد شيئًا ما وتتدلل تأتي وتجلس على قدمه واضعة رأسها على كتفه ويدها تحيط عنقه كما تفعل الآن حينها لا يستطيع رفض طلبًا لها.
أحاط خصرها بذراعه مربتًا على رأسها بحنان ، فضمت نفسها إليه بشدة هامسة
-"مفيش حد يقدر  يعوضني عنك يا مازن حتى لو كان مين!!
أنا مفتكرش بابا كان عامل ازاي بس أنت تكفيني وعوضتني بكل حاجة كأب وأخ وصديق ومحدش هيآخد المكانة دي"
تنهدت بعمق وهمست بكل ما تعنيه الكلمة
-"بابا"
فلم تجد كلمة تمحو ما فيها سواها ، ولم تجد دنيا تحتويها غيرها.. فالأب هو الروح عندما تخرج يتهاوى الجسد!!
لكن مازن استطاع تعويض هذا الجانب ببراعة.
قبل ظاهر كفها ودلك جبهتها بوجنته ثم أبعد رأسه قليلًا ناظرًا إليها بمكر  وأعين خبيثة هامسًا
-"بس ده هيبقى جوزك ، يعني دوره أكبر من دور الأخ ، ده اللي مكمل معاكِ للنهاية حتى لو هبقى موجود جمبك على طول هو موجود جمبك أوقات أكتر وأهم"
طالعته بغموض ونصف عين قرأت بهما نظرات المكر في عينه فرفعت كتفيها بلامبالاة وأحاطت خصره بذراعيها دافنة نفسها أكثر في أحضانه وهتفت بدهاء
-"عادي نفس الدور اللي هدير أخدته يا باش مهندس.. أعتبرها واحدة بواحدة"
ضحك بقوة بدرجة أنها اهتزت معه من اهتزاز جسده أثر ضحكاته ودمعت عيناه من دهائها وحيلتها في الهرب من السؤال يهز رأسه بيأس منها هاتفًا
-"مش سهلة يا بنت السيوفي"
ضحكت وأسندت ذقنها على كتفه فلاحظت هدير  تقف عند الباب مستندة بكتفها على حافته مكتفة ذراعيها ، تبتسم بهدوء وحب لعلاقتهما سويًا وأثر دمعاتها في حدقتيها.
تقف منذ فترة.. منذ أن ضمها إليه مصرحًا بغيرته وعدم تصديقه أنها ستتزوج!!
دائمًا ما ترى علاقتهم المشاكسة سويًا ، لكن للمرة الأخرى ترى حنانه معها ، غيرته عليها ، حمئته لها!!
جانب آخر تراه من مازن ، الجانب الأبوي منه والسند الحقيقي!!
كل ما يصدر منه يزهر في قلبها شيئًا عوضها عن كل ما مرت به
تحملت ألف هزيمة وقاومت ألف ابتلاء
كسرتها قشة خذلان و نبضة قلب في يوم كانت في غير محلها!!
فأتى وأمحى كل هذا بثقته وأمانه الذين منحهما إليها.
إن صدر منه كل هذا الحنان الأبوي مع أخته ، فماذا سيصنع مع أولادهما؟!
اكتسى وجهها باللون الأحمر  تتخيل أولادها منه ، وتعامله معه لتبتسم في نفسها وتهز رأسها تنفض الأفكار السابقة لأوانها ، تنظر لأسماء التي تناظرها بابتسامة ومشاكسة فابتسمت لها بمكر ونفضت تأثرها بهما عنها هاتفة تقترب منهما حتى وقفت أمامهما متخصرة
-"يعني أروح لحد الأوضة أرجع ألاقي خيانة هنا؟!"
ضحك مازن ونظرت لها أسماء بمكر ثم وضعت رأسها على كتفه تتمسح به كهريرة صغيرة تناولت وجبة دسمة حتى التخمّة وأرادت الراحة قائلة بدلال
-"فيه حاجة يا آنسة هدير!!
حساكِ غيرانة وشوية ونار هتطلع من ودانك"
ابتسمت الأخرى باستفزاز  واقتربت منها تجذبها من فوق قدمه تدفعها أمامها بغيظ هاتفة
-"النار دي اللي هتمسك فيكِ لو مبطلتيش استفزاز يا قلب هدير"
★★★★★

كم يعشق تلك النظرات الصامتة
تُشرق كالشمس من عينيها!!
فتذوب ملامحه بين ثنايا جفونها الغائرة.

جالسة بجانبه في السيارة بعد أن خرجا من الجريدة سويًا ، منطلقين إلى حيث لا تعرف!!
أخبرها ألا تسأله عن شيء وتترك نفسها له ، يريد قضاء بعض الوقت معها بعيدًا عن العمل ، الضغط ، المشاكل ، الناس ، ترتيبات منزلهما.. يريد الهرب معها لا يفكران إلا بأنفسهما فقط!!
أزاح سقف السيارة فلكمها الهواء فجأة جعل خصلاتها القصيرة نوعًا ما تتطاير حول وجهها ، أغمضت عينها ومدت ذراعها للخارج تسنده على حافة الباب تتلاعب بأناملها على الهواء كأنها تعزف سيمفونية رقيقة تزامنًا مع صوت فيروز الصادح من المذياع الداخلي ، ففتحت عينها تلتفت إليه مبتسمة فرأته يتأملها بعشق وطلة خطفت أنفاسها.
كان قد تخلى عن سترته البنية ملقيًا إياها بالأريكة الخلفية ، يرفع كميه إلى مرفقيه أظهرت ساعديه البرونزيين بشعيراته السوداء وعروقه النافرة نتيجة ضغطه على عجلة القيادة ، يميل بنصف جسده نحوها يستند بمرفقه على بطانة صغيرة يضعها بين الكرسيين .
الهواء يضرب خصلاته فتهبط على جبينه ، الشمس تنعكس في رماديتيه تزيد من بريقهما فتسقط قلبها عشقًا له.
ضربت على كتفه بسبابتها وهتفت بصوت رقيق تغني مع فيروز وعينها تناظره بمكر وتلاعب
-"سألتك حبيبي.. لوين رايحين!!"
فضحك بمرح عليها ورد عليها غامزًا وهو يهز رأسه رفضًا على سؤالها
-"خلينا خلينا تسرقنا سنين"
امتزجت ضحكاتهما فالتفتت له بكامل جسدها تعيد خصلاتها خلف أذنها
-"نادر علشان خاطري قولي رايحين فين؟"
هز رأسه بيأس من فضول الفتيات ، وأمسك عصا التحكم بالسيارة يعيدها للخلف ودعس على الوقود بقوة هاتفًا بها
-"اعتبريني خاطفك برضاكِ ، بطلي أسئلة علشان مش هعرفك إلا لما نوصل"
صمتت واسترسلت بالغناء مع فيروز بدقة وصوت كرواني جميل
-"أنا كل ما بشوفك كأني بشوفك لأول مرة حبيبي..
أنا كل ما تواعدنا كأنا تواعدنا لآخر مرة حبيبي"
أوقف السيارة بعد مدة أمام بيت خشبي واسع وكبير للغاية مكون من طابقين ، أمامه مساحة واسعة خضراء مليئة بالأشجار والورود ، يحاوطهم سور حجري متوسط الطول يتلاقى طرفيه ببوابة خشبية.
اتسعت عيناها بانبهار وتلألأ حجرين التورمالين في حدقتيها بلمعة رائعة تسارعت لها نبضات قلبه.
هبطت من السيارة مسرعة ووقفت أمام الباب الخشبي تقرأ الاسم المنحوت على اليافطة الرخامية تلتمسه بأنامله تهمس بفخر وحب
-"مزرعة محمد التهامي"
ابتسمت بحنان وشوق إليه ، واندفعت للداخل كأنها تلك الفتاة الصغيرة التي كان والدها يصحبها معه لرؤية صديقه وتسبقه راكضة إليه.
قهقه بمرح وحب عليها وأغلق سيارته إلكترونيًا ودلف خلفها بخطوات متريثة يتأملها تدور حول نفسها حتى وصل إليها يمسك كفها فتوقفت أمامه تضع كفيها على ساعديه هاتفة بلهفة وشوق
-"المزرعة متغيرتش يا نادر ، زي ما هي.. لا وزادت جمال"
رفع كفها يقبل ظاهره وشبك أناملها معه يجذبها برفق خلفه قائلًا
-"وفيه مفاجأة جميلة عارف إنها هتعجبك"
قادها إلى مساحة واسعة خضراء يتوسطها بركة واسعة من المياه يحيطها عدة أشجار ، وكثير من الحمام الأبيض يحلق في ذلك المكان ويقف على حافتها ، وبجانبها صنع ما يشبه بالمجلس العربي الخاص بالبدو به الكثير من الوسائد يعلوها سقيفة من البوص يهبط منها عدة أسلاك تشع إضاءة خافتة جميلة.
رمشت عدة مرات بعدم تصديق لما تراه!!
يا الله على هذا الجمال!!
أخبرته في يوم عما تريد فعله في منزلها المستقبلي ، وها هو حققه لها!!
نظرت له بعشق ملأ قلبها الذي كان كدلو فارغ وضعوه ببئر  حبه فأخرجوه ممتلئ حتى فاض الماء من جانبيه.. هو كالمرآة بالنسبة لها تقلّب فيها ناظريها فتجد نفسها على صفحتها كما خلقها الله.. ضعيفة تتقوى بحبه ، طفلة تحتاج إليه في كل حين.
استأذن منها لثواني وذهب بعد أن أخبرها أنه أحضر لها هدية ستثير إعجابها ، تخلت عن نعليها وجلست على إحدى الوسائد تثني ساقيها أسفلها ونسمات الهواء تحيط بها كمن تضع القبلات على وجنتيها.
فجأة نظرت إلى ما وضِع على ساقيها لتتسع عيناها بشدة وفغرت فاها قبل أن تضحك بقوة وسعادة ، والتفتت له تهز رأسها بعدم تصديق فغمز لها بعبث.
أرنب صغير يأخذ حجم كفها يبدو أنه مولود حديثًا ، فراءه من اللونين الرمادي والأبيض.
جلس بجانبها وجهه يقابل وجهها هامسًا
-"عجبك!!
من زمان وأنا عارف إن نفسك في أرنب"
هزت كفها الحامل له عدة مرات وسبابتها تلمس رأسه ، تقرب أنفها من أنفه مقبلة إياه وقد استحالت لطفلة صغيرة وضحكت عندما تحرك في يدها
-"حلو قوي.. صغير كده وجميل"
رفعت نظراتها إليه تتأمل رماديتيه وهمست
-"بحبك.. أكتر وقت حاسة فيه إني بحبك بجد"
ابتسم بعشق جم واقترب برأسه منها يرفع حاجبه بمكر
-"اشمعنا؟!
علشان جبتك هنا بعد الفترة دي كلها؟"
-"أكيد لا"
هزت رأسها بنفي ثم مطت شفتيها بتفكير مصطنع ثم رفعت حاجبها بعبث وابتسامة ماكرة عندنا التقطت نظراته المتلهفة
-"عشان الأرنب طبعًا"
★★★★★
أيا امرأة تمسك القلب بين يديها!!
سألتك بالله لا تتركيني!!
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني؟!

يضع كفه في كف أخيها يغطيهما منديل أبيض منقوش عليه عروس بجانب عريسها ومطرز بأسمائهما أسفل منهما "رامز وأسماء".. يتوسطهما المأذون على المنصة العالية في قاعة الاحتفالات بعدما أصّر مازن على تأجيل جنونه حتى يدعو الجميع في حفل يليق بأخته.
تطلع مازن لها جالسة خلف رامز  بثوبها البنفسجي الرقيق ، وتبرجها الهادئ الذي يبرز جمالها ، ترفع شعرها لأعلى إلا من بضعة خصلات تركتها تهبط على جبهتها ، تشبك أناملها وتفرك كفيها بتوتر يكاد يقسم أنه يستمع لنبضات قلبها السريعة!!
تلاقت الأعين على جملته التي رددها خلف الشيخ
-"زوجتك موكلتي أسماء عز الدين على سنة الله ورسوله"
نظرات الحيرة والتوتر ، موجة من المشاعر الرافضة أنها تخرج من كنفه وتدخل في آخر يكون له كافة الحقوق لأمورها طلّت من مقلتيه انتفضت لها الصغيرة بلهفة ونظراتها تخبره أنه سيظل أمانها الأول ، شعر بضغط كف صديقه على كفه فنظر له يتلقى وعد عينيه بحمايتها وعدم القلق ، ونطق لسانه خلفه
-"قبلت زواجها على سنة الله ورسوله"
أعلنهما زوجين تحت رحاب الحلال ، ساكنان جديدان في محراب العشق!!
رفع نادر المنديل بعدما انتهى الشيخ من حديثه ووضعه في جيبه هاتفًا
-"المرة الجاية عندي إن شاء الله ولن أقبل بغير هذا بديل"
تعالت الضحكات المرحة فدفنت منار وجهها في كتف هدير بخجل ، وصدح التصفيق العالي من الشباب والفتيات خاصًة بعدما التفت رامز واحتضن أسماء بشدة بشعور مغترب هبط أخيرًا إلى أرضه.
همس لها بعشق
-"أخيرًا حلالي.. أخيرًا حلمي اتحقق!!
أنا بحبك.. لا لا لا أنا بعشقك"
دفنت وجهها في كتفه وقبضت على سترته من الخلف تضمه إليه غير خائفة من شيء فقد أصبح زوجها.
نظر من خلفها وجد مازن يناظره بشراسة ونظرات الغيرة لو كانت تحرق لكان تحول لرماد الآن ، رفع حاجبه بمكر وبسط كفه من خلفها ثم قبض على الكف الآخر يضعه عليه وأخرج لسانه يثير غيظه أكثر أنه لم يعد قادرًا على فعل شيء له بعد اليوم.
كاد أن يذهب إليه لـ لكمه لكن تمسك هدير بمرفقه تمنعه ضاحكة على أفعال الآخر ، واضعة كفها على وجنته تدير وجهه إليه لإشغاله عنهما تحاول أن تكتم ضحكاتها لكنها لم تفلح وضحكت بأنوثة واضعة جبهتها على كتفه ، فلم يكن بيده إلا الضحك معها والدعاء في سريرته لهما.

ما بين الحين والآخر ينظر لإبهامه يتأمل الحبر الأزرق المطبوع عليه ثم يرفع إبهامه يتأمله أيضًا ، وهي ما بيدها إلا أن تضحك بقلة حيلة وصبر عليه حتى هتفت من بين ضحكاتها
-"فيه إيه يا رامز؟!
أقطعه تآخده معاك؟"
جذبها إليه يحيط خصرها يتأمل وجهها الجميل وهمس بمكر
-"لا أنا هآخد صاحبته معايا"
رمشت عدة مرات ودارت برأسها تنظر للحاضرين بخجل تحاول أن تبتعد بفشل
-"رامز ابعد.. الناس حوالينا واخدين بالهم"
أكمل همسه الماكر
-"وماله ، الكل جاي وعارف إنك بقيتِ مراتي يعني أعمل اللي أحبه وبراحتي"
قاطع همسه صوت مازن الصارم من خلفه
-"مش تخف شوية يا حلو ولا إيه؟"
نظر لأسماء التي ضحكت بخفوت يضغط على أسنانه بغيظ سيطر عليه ، ثم نظر لمازن الذي وقف أمامه يمسك بيد هدير ، فضم أسماء أكثر يرفع كفها يقبل باطنه
-"لا مش هخف"
ثم قبّل أعلى رأسها
-"بقت مراتي على سنة الله ورسوله"
ثم أحاط كتفيها بذراعيه كأنه يخفيها عن أنظاره
-"يعني براحتي وأنت بالذات خلاص متقدرش تمنعني"
وقف الآخر ببرود يتطلع بنظرات غامضة ، يرفع حاجبه بسخرية قبل أن يقترب منه يجذب أخته عنوة ويدخلها إلى أحضانه مقبلًا جبهتها بحنان وحب فضمته إليها بشدة تسمعه يهمس لها بصوت أجش ونبرة حزن مكتومة
-"مبروك يا روح قلبي ، مبروك فرحتك اللي مش عاوز أشوف غيرها"
تمسحت به كهرة صغيرة وجدت سكنها الخاص ولم يسعها غير قول
-"ربنا ميحرمنيش منك"
أحاط كتفها وكاد أن يذهب بها فأوقفه رامز بلهفة هاتفًا به
-"حيلك حيلك واخدها ورايح فين؟
خلاص بقت بتاعتي"
حال بنظره بين وجهه وكفه الممسك بمرفقه ثم قال ببرود ونظراته استحالت للشراسة
-"هرقص معاها.. عندك اعتراض"
عاد رامز للخلف خطوة ، وأشار بذراعه للأمام وذراعه الآخر خلف ظهره في رد فعل أضحك الثلاثة هاتفًا بخنوع مصطنع
-"لا طبعًا.. اتفضل حضرتك اتفضل"
أخذها وذهب فنفض رامز طرفيّ سترته بقوة في الهواء زافرًا بحدة ونظراته تكاد تشعل النيران في مازن ، ثم نظر لهدير هاتفًا بغيظ
-"مفيش سيطرة منك خالص عليه.. هيفضل على دماغي قبل كتب الكتاب وبعده!!
ربنا على الظالم"
ضحكت بقوة تخفي ثغرها بكفيها وجسدها ينحني للأمام ، ثم قالت مشفقة
-"فيه حد بيقف قدام القطر.. يلا نصيبك"
ناظرها بحاجب مرفوع وشفاه مذمومة بتفكير يثير ريبتها ، ثم أمسك كفها يجذبها خلفه فجأة غير عابئ بشهقتها ولا تسارع خطواتها خلفه حتى تساير خطواته نحو زوجته وأخيها.
جذب أسماء من بين يديه فجأة ودفع هدير مكانها ثم أحاط خصرها ودفعها أمامه برفق إلى الجهة الأخرى من الساحة هاتفًا تحت أناظرهما المصدومة
-"كفاية عليك كده كمل رقص مع مراتك وانساني.. لا انسانا إحنا الاتنين بقى وبطل تفتري"
ضمها إليه يتأمل قسماتها الضاحكة هامسًا بعبث
-"كنا بنقول إيه بقى قبل ما أبو لهب يجي!!"
ضحكت بشدة واسندت جبهتها على جبهته تهز رأسها بيأس فضحك هو الآخر وعيناه تحيل بين حدقتيها..
الجمال الكامن في عينها هو أكبر لص على وجه الأرض سرق منه أغلى ما يملكه.. قلبه!!
عيونها بحيرة جافة لكن أعتق السباحين تستطيع إغراقه..
وما كان الغريق غيره!!
★★★★★
لا تفوح رائحة الكعك الزكية
إلا حين تمسها حرارة الفرن
كذلك نحن لن ننضج مالم تمسها قسوة التجارب

الساعة مرت العاشرة ولم تحضر حتى الآن ، دلف للشركة منذ ساعة لكن لم يجدها على مكتبها لأول مرة  ، حاول الاتصال بها عدة مرات لكن هاتفها مغلق فانتابه القلق عليها.
أموره متوقفة ، جدول مواعيده واجتماعاته معها!!
دقائق مرت حتى سمع دقات الباب ورآها تدخل بعد أن أذن لها بأنفاس لاهثة ووجه محتقن بالدماء وصوت متهدج يعتذر
-"آسفة جدًا يا مازن بيه ، حقيقي آسفة التأخير غصب عني"
دار من خلف مكتبه وتقدم منها بجبين متغضن ونظرات قلقة متسائلًا بعد أن أجلسها على الكرسي بجانب المكتب وجلس مقابلها
-"إيه اللي حصل يا ياسمين؟!
أول مرة تتأخري بالشكل ده!!"
تنهدت بعمق وسردت له ما حدث في الصباح...
هبطت من منزلها في موعدها المعتاد للذهاب للشركة ، لكنها تسمرت بذهول وشهقة مصدومة صدرت منها عندما رأت سيارتها مُدمَرة ، الزجاج مكسور ، الإطارات فارغة ، سقفها مدهوس وهابط لأسفل!!
لا تصدق من تجرأ وفعل هذا بسيارتها!!
هي لم تفعل شيئًا لأحد حتى يجازيها بهذا الشكل!!
اقتربت تتأملها عن قرب فوجدت ورقة بيضاء ملصوقة على مقدمتها فأخذتها تقرأ ما بها
-"ده عقاب بسيط على تصرفك معايا ، ومرة تانية قبل ما تتكلمي مع حد اعرفي الأول بتتكلمي مع مين!!
والأولى تبطلي سواقة من الأساس"
عقدت حاجبيها من ذلك المجهول!!
من هو وماذا يقصد بكلماته؟!
نفضت رأسها تحاول التذكر فأنير في ذاكرتها حديثها مع الشخص الغاضب في محطة الوقود!!
توسعت عينها وفغرت فاها بعدم تصديق أن لقاء كهذا لم يخطئ أحد فيه غيره يجعله يتصرف بتلك الطريقة!!
ما هذا الجنون؟!

انتهت من سردها تدلك جبهتها قائلة
-"بس ده كل اللي حصل ، وعلى ما ركبت تاكسي وجيت"
حك أسفل فمه بتفكير فيما حدث قبل أن يسألها
-"مين الراجل اللي قابلتيه في محطة البنزين ده؟"
رفعت كتفيها بعدم معرفة ومطت شفتيها للأمام بجهل
-"شكله مش غريب عليا هو طويل وأسمر  شوية ، ملامحه حادة ، عيونه سمرة ، فيه جرح واضح قوي في حاجبه اليمين ، ونظراته متطمنش.. وقليل الذوق كمان ، أنا شوفته قبل كده بس مش فاكرة فين"
نظراته ازدادت شراسة وتلك الصفات تتحد مع بعضها في عقله تريد الوصول لملامح هذا الشخص ، فلمع وجه واحد فقط في رأسه جعله يتناول هاتفه يعبث به ثم وضعه أمام وجهها قائلًا بهدوء حذر
-"هو ده؟!"
دققت النظر فيه وأومأت له
-"أيوه هو ده"
تطلع مازن للصورة بصمت والنيران تشتعل في زرقتيه ، يكز على أسنانه بغضب ووعيد ولسانه يهمس
-"كريييم!!"
انتشله من صمته صوتها الذي صدح بتوجس عندما شعرت أن هناك خطب ما
-"هو فيه حاجة؟!
مين الشخص ده؟!"
تطلع إليها بصمت وأراد أن يطمئنها حتى لا تصاب بالذعر فقال نافيًا
-"ولا حاجة ، ده رجل أعمال اسمه كريم منصور"
-"ابن رأفت منصور؟!"
أومأ لها بصمت فثارت الريبة في قلبها ، تعرف والده جيدًا بحكم شراكته مع مازن ، لكنها لأول مرة ترى ابنه وتعلم عنه!!
رأى القلق باديًا على وجهها فهتف
-"يلا ورانا شغل كتير يا أستاذة.. انسي اللي حصل وأنا هبعت حد يصلح العربية"
وقفت واستدارت للخروج بابتسامة تحاول مداراة قلقها وهتفت بدورها
-"حاضر يا باش مهندس.. بس مفيش داعِ والله أنا اتصلت بشركة التأمين يصلحوها"
-"يقين"
تسمرت في مكانها عندما نطق بهذا الاسم!!
هو الوحيد الذي يعلم عنه ، والذي يملك أحقية نداءها به!!
أغمضت عينها باشتياق وصوت والدها يتردد على ذاكرتها يناديها به.. منذ أن توفي واستحال اسمها لياسمين وقد أوشكت على نسيانه لكن الواقف خلفها يأبى السماح لها بهذا فيذكرها به كل حين!!
التفتت له بابتسامة وأعين لامعة شفافة من طبقة الدموع التي كستها ، وهمست بصوت متحشرج
-"مصمم تخليني منساش الاسم ده"
ابتسم لها بدوره وجلس على حافة المكتب يكتف ذراعيه
-"ولا لازم تنسيه.. يقين ثابت المهدي ، اعتبريه ميثاق شرف مينفعش تهمليه"
شعرت أن خلف جملته تعبير غامض كأنه يود إيصال رسالة لها لا تفقهها ، لكنها أومأت له
-"طول ما عندي أخ زيك عمري ما هنسى"
دار حول مكتبه وأخرج صندوقًا خشبيًا كبيرًا نوعًا ما ، وناولها إياه قائلًا
-"عاوزك ترسلي دول للأسماء اللي موجودة عليهم"
فتحته تتفقد ما به برسمية قبل أن تتوسع عينها وتنظر له بتساؤل ثم ضحكت عندما فطنت ما ينوي وقالت
-"مفاجأة!!"
أومأ لها غامزًا ورفع سبابته أمام فمه علامة على التكتم وعدم إخبار أحد ، فالتقطت إشارته وأخذت الصندوق وخرجت وضحكاتها السعيدة ترافقها.
★★★★★
هل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقل؟
لا يهمه إن خرج من الحب حيًا..
ولا يهمه إن خرج قتيلًا!!

كل شيء مر سريعًا منذ أن استيقظت في الصباح ولا تعرف ماذا حدث معها؟!
كل ما تعي إليه وجودها الآن في أكبر جناح في أشهر فندق في البلاد ، أدخلتها منار  وذهبت لا تعرف إلى أين؟
تدور حول نفسها بجبين متغضن وملامح مندهشة من وجودها هنا ، نفضت رأسها بنزق وكادت أن تذهب لكن لفت نظرها الظرف الكبير الخاص بالملابس موضوع برفق على الفراش الواسع فاقتربت منه بتعجب وأمسكت السحاب لتفتحه تتفحص ما بداخله.
شهقت بعدم تصديق عندما رأت ثوب زفاف براق يميل للون الفضي أكثر من الأبيض ، رمشت عدة مرات تحاول استيعاب الأمر.. لفت نظرها الورقة المطوية بجانبه ففتحتها بتوجس
-"تتجوزيني!!
مش طلب ، ده رجاء وبتمنى توافقي..
وافقي مش عشان أنتِ محتاجة ليا ، لا أنا اللي مبقتش قادر أبعد عنك خلاص!!
عملت المستحيل علشان أخلي اليوم ده في أقرب وقت وآخر خطوة متوقفة على موافقتك..
تتجوزيني يا هدير!!"
دمعت عيناها وضحكت من بين بكائها تضع أناملها على ثغرها ، وعينها مازالت تقرأ السطور مرة تلو الأخرى..
لغة الحب مجردة من حروف وهمية خالية من الإحساس ، بل أكبر من ذلك بكثير..
الحب تجربة لا تحتاج لاعتراف..
فإما أن نلقي أنفسنا بها دون تخطيط و تفكير
وإما أن نولى هاربين ، وقد قررت الخوض بها والفرار إليه.
انتفضت بخفة على اليد التي وضعت على كتفها فكانت والدتها تنظر لها بحنان وحب ودموع سعادة ، تضم وجنتيها في كفيها فألقت نفسها بين أحضانها لتربت سهام على رأسها بحنان وأجلستها وهي مازالت تضمها تسمع لتساؤلها
-"مجنون والله مازن مجنون ، عمل كل ده إزاي؟!"
-"من يومين جه لبابا البيت وطلب إنه يعمل الجواز النهاردة ، عاوز يبقى ليه الحق الكامل عليكِ وتبقي معاه على طول يقدر يحميكِ ويآخد باله منك من غير حدود"
رفعت رأسها عن كتفها ونظرت لها بقوة وقالت بحزم
-"ملكيش دعوة بأي حد ، متفكريش في مازن ولا باباكِ ولا مخلوق ، فكري بس في هدير..
أنتِ موافقة تتجوزيه ولا مش مستعدة؟!
وأي قرار  تآخديه أنا هساندك فيه"
ابتسمت بامتنان وألقت نفسها مرة أخرى في أحضانها تستمد منها الحنان والدعم.

وبالأسفل كانت القاعة الواسعة تعج بالكثير ، رجال أعمال.. سياسيون.. صحافيون.. فنانون وصفوة المجتمع وأكثرهم حضورًا عائلة العجمي.
يقف ببذلته السوداء أسفلها رابطة عنق ذهبية بين رامز ونادر الذي لم يسلم من تعليقاتهما الساخرة والخبيثة ، حتى عم الصمت وخفتت الأضواء إلا من المشاعل التي تخرج النيران أمام الباب الواسع الذي فُتح وظهرت من خلفه تضع يدها في ذراع والدها.
لم يشعر بشيء وهو يتحرك يقف أمامها لا يفصل بينهما غير  الممر الطويل المزين بالورود البيضاء والبالونات على جانبيه ، يتأملها تبرق في الثوب الذي اختاره بنفسه ذات الحمالتين الرفيعتين ، يهبط بتوسع كبير مزين بخطوط كفروع الشجر من الماس ، تزين رأسها تاج كبير يهبط منه طرحة طويلة لمتران خلفها وتهبط على وجهها برقة ، تمسك باقة من الورود البيضاء يحيطها ورقات خضراء.
خلفها أسماء ومنار يرتديان نفس الثياب.. رداء باللون الأخضر بحمالة واحدة يهبط بتوسع طفيف طويل إلى حد ما من الخلف وقصير قليلًا من الأمام.. تمسكان بطبقين مليئين بالورود يلقياها عليها من الخلف.
اقترب منها كالمنوم لا يستطيع انقطاع التواصل البصري معها حتى وصل إليها ، ناولها والدها إليه بعد أن أخذ وعده بحمايتها والحفاظ عليها.
رفع الطرحة عن وجهها ببطء فظهرت ملامحها الجميلة بتبرجها الرقيق الذي أبرز جمالها أكثر ، رفع كفيها إليه يقبل أناملها بحنان ، ثم أمسك رأسها يطبع قبلة طويلة على جبهتها ووضع ذراعها في ذراعه وواجه الحشد الحاضر ، فارتفعت التصفيقات والتهليل.
كان الحفل غاية في الروعة ، مفعم بالأغاني والرقصات الشبابية الجميلة ، ولم يخل من غزل مازن لهدير  يراقصها هامسًا لها
-" أنا بحبك ، ومكنتش في يوم أتخيل إن واحدة تيجي تغير حياتي بالشكل ده ، عاوز منك وعد إنك متغبيش عني "
أومأت له ترفع ذراعيها تحيط عنقه تحتضنه أكثر هامسة له
-"أوعدك" احتضنها بقوة مقبلًا وجنتها بحب وظلا هكذا حتى انتهت رقصتهما وأخذها وجلسا لاستقبال التهاني من الحضور ، اقترب منهما عبد العزيز العجمي وزوجتها مهنئين واحتضنتها أنوار بحب
-"مبروك يا دودو"
-"الله يبارك فيكِ يا حبيبتي"
اقترب منهما نادر ومنار في نفس اللحظة ، فعرف مازن نادر على عبد العزيز ليتصافحا بود ، ثم أخذ أنوار واتجه نحو طاولتهما.. جذبت هدير كف منار لتهمس لها
-"مقولتليش على الهدية اللي جبهالك نادر إيه؟"
لمعت عيناها بمرح ومشاكسة وهمست بسعادة وطفولية
-"جابلي أرنب حلو قوي يا هدير"
عقدت حاجبيها بذهول من هديته والأكثر من رد فعلها ، ونظرت لنادر هاتفة
-"أرنب يا نادر.. أرنب!!"
أخذ يد منار يضعها في ذراعه وهتف يوليها ظهره بمشاكسة
-"أه أرنب ، تعرفي إيه أنتِ عن اختيار الهدايا يا عروسة"
طالعت ذهابه بفاه مفتوح ورمشت عدة مرات بعدم تصديق أخرجها منه ضحكات مازن عليها ، ليميل على أذنها هامسًا
-"إيه رأيك أجبلك قطة!!"
-"إشمعنا قطة؟"
غمز لها بخبث
-"علشان شبهك ، وديعة وعيونها عسلي ، لكن لما تتعصب بتخربش"
ضحكت وهزت رأسها بيأس ثم تطلعت لطاولة العجمي وتذكرت شيئًا ما فهتفت
-"هو أنت ليه مقولتليش إنك أنت الشريك للعجمي يوم المؤتمر؟!"
شبك أناملها بين أنامله مقبلًا إياها وقال
-"علشان أحميكِ ، كريم لو كان شم خبر عن الشراكة دي قبل ما تتمضي كان هيعمل مشاكل.. واللي خلاني أخبي أكتر الحادثة اللي حصلت ، بحاول أحميكِ بأي شكل ومش هخلي حاجة تضرك مهما حصل"
ضغطت على كفه بامتنان وحب ، ودارت برأسها في الأنحاء تبتسم للحاضرين ثم عضت على شفتها السفلى بتفكير فأشارت لنادر أن يأتي وهمست له بشيء ما ليبتسم بمكر وذهب يحضر لها ما طلبته.
نهضت من مكانها ونظرات مشاكسة تطل من عينها ، فطالعها مازن بدهشة ونهض خلفها فرأى نادر  يعطيها الميكرفون وذهبت إلى منتصف القاعة تحمل رداؤها برفق وبدأت تتحدث
-"أولًا أهلًا وسهلًا لكل اللي شرفوني النهاردة حقيقي ممتنة للكل..
ثانيًا عاوزة أقول حاجة بسيطة كده وأتمنى محدش يزهق مني!!"
صمت الجميع منصتًا إليها ، ووقف مازن يضع كفيه أعلى بعضهما أمامه يستمع إلى ما تود قوله
-"ارتباطنا جه صدفة ، كان بدايته رفض وسوء فهم مش هقول كره ، لأن مفيش كره بينتهي للحظة اللي إحنا موجودين فيها دلوقتي ده كلام روايات ملناش دعوة بيه"
ضحك الجميع بمرح وأكملت
-"اللي بينا مكنش كلام حب وخروج وهدايا ، اللي بينا كان مواقف ثقة ، مواقف أمان وسند!!
علقني بيه وحبيته من مواقفه ووقوفه جمبي من حفرة ضياع كنت هقع فيها بإرادتي بس هو رفض ده وحاربني أنا شخصيًا!!
والنهاردة طلب مني أوافق على الجواز عشانه هو بس عاوزة أقوله أنا وافقت عشاني ، علشان مبقاش ينفع نبعد تاني أو نستنى أكتر من كده ، مبقاش ينفع غيرك يحميني"
اقتربت منه فهبط الدرجتين يمد كفيه إليها لتضع كفها بينهما تطالعه بحب ووله وهمست أمام الجميع بثقة ودون خجل
-"مبقاش ينفع أعيش من غيرك"
أنهت حديثها محتضنة إياه فأحاطها بقوة يرفعها بين ذراعيه ، تتعالى التصفيقات والتصفير من حولهما ، هتاف رامز ونادر بإعجاب بشجاعتها ، تصفيق منار وأسماء وضحكاتهن الجميلة ، دمعات سهام وميرفت أن أبنائهن أخيرًا وجد كل منهما مرساه وسكنه في الآخر.





الحب سبق صحفي " مكتملة "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن