part 28 & 30

2.8K 62 1
                                    

الفصل الثامن والتاسع والعشرون

الحب ليس كلمات تؤخذ من الأغاني
ليس حجارة لبناء قصر من الأوهام
بل هو قلب مملوء بالخوف عليك ، يمنحك الابتسامة عندما تصفعك قساوة الدنيا
نظرة تسكنك في جنة الخيال
فلو كان الحب كلمات لجُفت الأوراق وانتهت الأقلام ولم تصل حتى نصفه
فهل يكفي منح الروح للتعبير عنه!!
فهو ماء الحياة والحبيب روح من نار
فما أجمل الكون عندما تعشق النار الماء!!
كان الجميع على قدم وساق للانتهاء من التعديلات لمباشرة الحفل.
الطاولات الزجاجية مزينة بأشرطة من الياسمين والأنوار الهادئة يزين منتصفها قطعة من الكريستال
مكان العرائس مزين بالزهور البيضاء والأغصان الخضراء يواجهه ممر طويل يصل حتى الباب الكبير للقاعة محاوط بالبالونات الملونة الجميلة.
فاليوم حفل زفاف اثنان من أكبر رجال الأعمال
رامز منتصر على أسماء السيوفي
ونادر التهامي على منار حسين.

وهنا في أحد الأجنحة كان الشباب مجتمعين يدور بينهم نقاش أبعد ما يكون عن مقاييس الأدب في ليلة كهذه!!
الضحكات تتعالى والهمزات الجانبية على العريسين تتكاثر حتى همس رامز الواقف أمام المرآة بجانب نادر يعقد أزرار قميصه :
-"أنا واخد بالي أن الحفلة واخدة مجراها جامد"
نظر نادر لانعكاس الشباب من المرآة يبتسم بجانب شفتيه مكملًا حديثه وهو يعدل من هندامه :
"ولسه يا حبيبي دول ما صدقوا"-
اقترب محمد صديق نادر في الجريدة يناوله رابطة عنقه السوداء يكسر حدتها خطوط فضية مائلة يغمز بتلاعب هاتفًا بنبرة خبيثة :
-"إن حضر الشباب حضر الشيطان وهرب الأدب من الشباك يا حبايبي خصوصًا في ليلة مباركة زي دي"
ابتسم نادر بشر يجذب منه الرابطة ثم أخذ رقبته على غفلة تحت ذراعيه يضغط عليه بقوة وصراخ المسكين يتداخل مع ضحكاتهم.
صدح صوت أشرف صديقهم ومحامي الشركة لدى مازن بسؤاله :
-"بس إزاي خليتوا مازن يوافق تعملوا الفرح سوا؟"
نظر نادر مازن المبتسم له وقد تذكر ما حدث في تلك الليلة كان يحيط زوجته بذراعيه يسطح كفيه على بطنها يهمس لها بين الفينة والأخرى بكلمات ترسم الابتسامة على وجهها.
حال بنظره إلى الجانب الآخر فوجد رامز ممسكًا بكفي أسماء ينغمسان في حديث هامس لا يسمعه سواهما ويبدو أنه يأخذ مجرى الغزل من احمرار وجنتيها.
لتصيبه الحسرة عندما نظر لجانبه الفارغ ومنار التي أخذها الحديث مع والدته ووالدة هدير ، فليس لديه الحق في احتضانها مثلما يفعل أصدقائه.
فهتف يجيب أشرف على سؤاله يضع الرابطة حول عنقه:
-"يا عم الواحد بين مازن ورامز وكل واحد واخد مراته في حضنه عامل زي -أنا عاطف معاكم في القاعدة- فقولت أنا إيه جابرني على كده أنا اتجوز أنا كمان"
دارت رؤوس الكل له عندما استدار لهم يرفع كميّ قميصه إلى منتصف ساعديه ثم وضع كفيه في جيبيّ بنطاله يشد جسده لأعلى يمثل لهم هيئته في إعلان قراره مصرحًا بنبرة لا تحمل مجالًا للنقاش :
-"قمت قايل ليهم طيب بما إن كل واحد فيكم واخد مراته ومتقوقع على نفسه فأنا قررت إن يوم الخميس الجاي فرحي على منار ، وده قرار لا يحمل المناقشة"
نظرات الجميع له يملأها البلاهة والغباء لما تفوه به ، أعينهم جاحظة وأفواههم فاغرة يحاولون استيعاب قراره!
كان مازن أول من قطع الصمت بضحكاته الرجولية القوية هاتفًا بوقاحة :
-"عيني عليك يا نادر جبت أخرك يا حبيبي!!"
ابتسم له بسماجة يهز رأسه مشيرًا إليه :
-"البركة فيكِ يا عم الرومانسي"
رفع حاجبه بتهديد يهم بالنهوض إليه :
"طب تعالى خد شوية بركة في الليلة دي"-
ليقاطعه صوت رامز الجالس خلفه على الأريكة يرتدي حذائه الأسود اللامع يرمق مازن من أسفل أهدابه :
-"إيه ده حوت رومانسي!
أنا أول مرة أشوف حوت رومانسي!"
لكمة أسفل فكه ليست بالقوة كانت جزاءه من مازن الهاتف :
-"أخليك تحضر فرحك بعاهة!"
نظر له بشذر وغيظ ولم يتحدث سوى أنه لن قذفه بالوسادة خلفه.
حثّ أشرف نادر على تكملة حديثه ، فتذكر انتفاضة منار في جلستها ترفع أعينها بذهول وحاجبين معقودين بغرابة هاتفة :
-"فرح إيه اللي الخميس الجاي يا نادر؟
حتى لو موافقة هنلحق نجهز كل حاجة إزاي؟"
جلس القرفصاء أمامها فجأة فعادت جسدها للخلف جاحظة العينين ، يمسك كفيها بقوة قائلًا من بين أسنانه:
-"لا ما أنا مش هأجل تاني أكتر من كده ، ولو على اللي لسه مش جاهز ملكيش علاقة بيه أنا كفيل بيه لكن تأجيل يوم زيادة لا"
ارتفع صدرها بأنفاسها العالية لا تستطيع الرد عليه فاقترب من وجهها واستحالت نظراته إلى الحب هامسًا بصوت بث الارتعاش في جسدها :
-"عاوز أستقر وأنتِ بر أماني"
يحبها حب لو يفيض يسيره على الخلائق ، لانتهى الخلق من قوته!
لا تعرف كيف تصد موجة حبه التي أظهرها على الملأ فأصبحت غارقة في بحر خجلها لا يسعفها سوى ضمة سهام لها ضاحكة تلكز نادر في كتفه بعتاب :
-"احترم نفسك وابعد عن البنت ، خليتها مكسوفة"
فجاء صوت أسماء بجانب أذنها تضرب كتفها بخاصتها تغمز بخبث :
"أنتِ مكسوفة!"-
تعالت الضحكات أكثر وأصبحت منار في خبر كان.
أجابه بابتسامة الواثق :
-"وافقت طبعًا هي هتلاقي زيي فين؟"
قهقهة ساخرة صدرت من مازن الذي قال :
-"الثقة حلوة مفيش كلام"
كاد أن يتجه نحوه بغرض لكمه هاتفًا :
-"طلعوه بره من هنا ، هو إيه اللي جابه؟"
منعه محمد ضاحكًا يهمس له :
-"بلاش الشجاعة تآخدك عشان ده إيده تقيلة ومحدش خسران غيرك ، إنسان الغاب مش بيتفاهم"
هتف صديق آخر يجلس بجانب رامز :
-"وأنت خليت مازن يوافق إزاي؟"
نهض يقف بجانب نادر يضرب على كتفه عدة مرات :
-"وهو ينفع نادر يتجوز من غيري ، بكل شجاعة روحت قايل بص يا نادر يا ابني أنا عن نفسي موافق بس بشرط.. مفيش جواز ليك إلا معايا"
نظر له بحاجب مرتفع ونظرات متسائلة :
-"مش فاهم!!"
أجابه الآخر مشيرًا بسبابته إلى مازن المضطجع بأريحية على الوسائد يتابع الحديث بهدوء وتفحص يليق به ، ينتظر يرى إلى ما سيؤول وقال :
-"يعني لو الأستاذ مكنش وافق إني أتجوز أسماء في نفس اليوم يبقى مكنش فيه جواز لنادر لحد ما يوافق"
آتاهم صوته الهادئ من خلفهما ساخرًا :
"وهو أنا وافقت عشان سواد عيونك؟-
كله عشان ارتاح من زنك"
-"حبيب أخوك"
هتف بها رامز مربتًا على صدره مرتين ينحني برأسه قليلًا بشكر ، فتعالت ضحكات الجميع على مشاكستهم وبدأوا يوجهون نصائحهم المعتادة لتلك الليلة.
نظر رامز إلى مازن الذي جلس بكبريائه المعتاد يضع ساق فوق الأخرى يستند بظهره على الأريكة مضطجعًا براحة كالخالي من الهموم وهتف بسخرية :
-"وبالباش مهندس مش عاوز يشاركنا في حاجة بما أنك الوحيد المتجوز في الليلة دي"
نظر إليه بحاجب مرتفع وابتسامة جانبية قائلًا بهدوء ثم أعاد رأسه للخلف مغمضًا عينه يتنفس بعمق :
-"كل اللي أقدر أقوله أن اللي يتجوز بيخدم الناس ويظلم نفسه"
"يا سراج بيــــــه"-
هتف بها محمد بطريقة كوميدية قاصدًا بها هدير فقذفه بالوسادة الصغيرة كي يصمت ثم نهض يقف بين نادر ورامز يحيط كتفيهما متقمصًا دور الأب :
-"بص يا ابني أنت وهو!
الليلة دي بالذات لو مأثبتوش موقفكم فيها يبقى....."
صمت ينظر لأسفل بإيحاء وتشكيك فيهما لتجحظ عيني الاثنين وانقضا على ظهره بالضربات المغتاظة والسباب فنجح بالإفلات من براثنهم يكمل تلميحاته :
-" من الآخر يا صابت يا خابت..
إما تخرج منها سبع وترفع راسنا أو ضبع تجبلنا العار"
ناظره رامز بجمود يحمل السخرية يبتسم له بسماجة كمن يخبره ليتك لم تتحدث ، ليهتف صديق لهم من خلفهم :
"ملخص الكلام تدبح القطة مش تطلع قطة"-
فأكمل محمد الحديث بتصفيق من كفيه :
-"يعني هتموتي يا سوسو"
هتف بها وهرب للخارج قبل أن تطاله أيدي رامز الذي طفح الكيل منه واستمرت الغمزات والإيحاءات بين الشباب والجميع ينهي لمساته الأخيرة على هندامهم.
************
وفي الناحية الأخرى كانت الفتيات يتراقصن حول العروستين في الجناح المخصص لهن.
أصوات الغناء تتعالى في المكان وهدير تقف بالوسط تتمايل بفرحة تغني معه :
خطوة يا صاحب الخطوة
خطوة امشي لي لو خطوة
ده أنت على القلب ليك سطوة
تراقبها منار وأسماء من المرآة بضحكات وسعادة على فرحتها الحقيقية بهن ، فشاكستها أسماء قائلة :
-"مازن لو عرف أن الست هانم مقضياها رقص وهي حامل هيخلي يومك شبه لون بلوزتك"
أشارت إلى كنزتها السوداء ذات الحمالتين الرفيعتين ، فرفعت كتفها بغنج تجيبها بدلال لا يليق بسواها :
-"وهيعرف منين؟
ملكيش دعوة بجوزي وخليكِ في ليلتك يا عروسة!"
لاح التوتر والخجل على وجنتي أسماء لتضع كفيها الباردين عليهما قائلة :
"أنا معرفش إزاي مازن يوافق على جنان رامز ده؟"-
غمزت هدير بخبث تقترب منها تلكزها في خصرها بشقاوة هاتفة :
"قال البنت مش فرحانة بالجنان ده!"-
ثم أمسكت بكفي أمنية صديقتها تراقصها لكن نظراتها على أسماء تكمل غنائها تلاعب حاجبيها لها :
"نظرة مبطلبش غير نظرة
وأنت فاهم و ليك نظرة
شوف حالي شوف إيه بيجرى لي
حبيت و بصمت بالعشرة"
مالت منار إلى أذن أسماء هامسة بقلة حيلة:
"هرمونات الحمل متاخديش في بالك"-
ثم تطلعت إلى التي تدور حول نفسها باستمتاع تذم شفتيها بيأس ، المجنونة لا تضع اعتبار أنها تحمل طفل بداخلها وتقفز كالأطفال لتهتف بها :
-" هدير حبيبتي ، إحنا عارفين إنك فرحانة بس بليز اقعدي واهدي عشان فعلًا لو حصل ليكِ حاجة جوزك هيقلب الجوازة جنازة"
توقف هدير عن الرقص تنظر بغيظ لهما ، تنفخ بنزق خصلة سقطت على وجهها تستمع لتكملة حديثها :
-"إما نشوف جنان سي نادر اللي هلّ علينا فجأة ده آخرته إيه؟"
ابتسمت بخبث واقتربت منها بتروي تمسك حافة الكرسي تنحني إلى أذنها هامسة بوقاحة جعلت أعينها تجحظ وفمها فُغر بقوة :
"آخرته تبقي كرنبة زيي كده"-
ابتعدت سريعًا قبل أن تطالها يدها بضربة غيظ ، ولم ينقذها سوى الفتاة التي تضع لها زينتها.. تغمز لانعكاسها متمايلة بكتفيها بشقاوة فطرية تكمل غنائها وسط ضحكات الفتيات وتصفيقهن :
"غمزة من عينك الغمزة
غمزة على خدك الغمزة
ده كلام حساس وليه مغزى"
غمزت لها بإيحاء أن الكلمات لها توليها ظهرها تندس بين الفتيات ترفع خصلاتها تنثرهم حولها تصفق بسعادة جعلت أسماء تتعالى ضحكاتها بقوة حتى دمعت عيناها ، ومنار التي طالعتها بابتسامة يائسة وشاركت الفتيات مرحهن :
"كلمة مبطلبش غير كلمة
وأنت فاهم و ليك كلمة
شوف حالي شوف إيه بيجرى لي
حبيت و حلفت بالنعمة
نعمة رضاك علينا نعمة
نعمة أيام لقاك طعمة
واللي حسدنا في عينيه يعمى"
********
حان الوقت ليظفر كل واحد برفيق الروح ومعشوق القلب!
منذ قليل صعد مصطفى حاملًا الدفتر الكبير بين ذراعيه راكضًا نحو منار هاتفًا بطفولية يشير بسبابته إلى أسفل الورقة :
-"امضي في الحتة دي يا أبلة منار بسرعة أصل عمو نادر قرب يضربنا"
ضحكت الفتيات وتغامزن على خجلها جراء كلماته قبل أن تمسك القلم تخط باسمها بجانب اسمه وتبصم اسفل صورتها بالحبر الأزرق ، ثم جذبت وجه الصغير تقبله بحنان هي وأسماء ليصعد الكرسي بجانبهما مقبلًا وجنة هدير بقوة هاتفًا وهو يهرول للخارج :
-"عشان متوطيش والبيبي يتعب"
شيعته بحنان ومقلتين دامعتين من حنانه الفطري وقلبها يمتلئ بالاطمئنان من القادم.
وبعد قليل صعد حسين برفقة مازن كي يأخذ كلتا العروستين إلى أسفل ، فدلف والد منار أولًا مقتربًا منها يطبع قبلة حنونة على جبهتها ثم أخذها وخرج منتظرًا مازن الذي دلف كي يأتي بأخته.
أول من وقعت أنظاره عليها جالسة تفرك يديها بتوتر تطالعه بأعين لامعة تبتلع لعابها ببطء.
لا يعلم كيف سيتحمل ذهابها؟
ابنته وليست أخته فكيف يعتاد على عدم وجودها حوله؟
كيف يتقبل أنها لم يعد رجلها الأول وأول من تهرول إليه في أمورها؟
كره رامز في هذه اللحظة لأنه سيأخذ سنوات عمره المتمثلة بها.
اقترب منها عندما نهضت تقابله رافعًا كفيها يقبل ظاهرهما بحنان ثم جبهتها هامسًا بصوت منفعل بالمشاعر:
"ألف مبروك يا حبيبتي!-
زي القمر وأحلى منه"
وجدها على شفا حفرة من البكاء فأحال دفة الحديث إلى المزاح :
-"الواد رامز هيتجنن أكتر ما هو مجنون"
ضحكت من بين غصة حلقها ودفنت نفسها بين ذراعيه تضمه بقوة تتنفس عبق حنانه بعمق مغمضة العينين ليحتضنها مقبلًا رأسها طويلًا ثم أنزل طرحتها على وجهها وأخذها للخارج.
وبالأسفل كل منهما تطلع لأعلى الدرج عندما ظهرت العروستان ، ضربات قلبهما تتسارع ، نظراتهما ممتلئة بالعشق اللامحدود.
نادر الذي تملأ قطعة السكر خاصته كثوبها الرقيق في غاية البساطة كأن مصممة جمع فتات السكر وألصقهم بالحرير فانساب برقة على عودها الممشوق يمتد ذيله خلفها بمسافة.
خصلاتها تركتها تنساب على ظهرها تزينها بطوق من الياسمين يتصل بطرحتها الطويلة.
فكانت كالأميرة التي تُزف إلى أمير أحلامها.
تقدم بلا وعي منها يلتقط يدها من أبيها يستمع إلى نصيحته أنه يعطيه أغلى ما لديه ليجيبه بعشق جارف :
"في قلبي وروحي يا عمي"-
ثم طبع قبلتين على كلا كفيها هامسًا :
"مبروك يا مدام منار نادر التهامي"-
ابتسمت بحب تقبض على يديه الممسكة بها وعيناها لامعة بعشقها لهذا الرجل :
"الله يبارك لي فيك"-
بجانبه رامز يتطلع لحبيبته هو الآخر..
إن كان للحب معنى سيكون نظراته
وإن كان له صوت سيكون نبضاته
وإن كان يملك منزلًا سيكون قلبه
وإن كان للعشق اسمًا سيكون اسمها ممزوجًا باسمه.
حالت عينه على صغيرته يشعر بتوترها وخجلها من مكانه ، ملكة في ثوبها الأبيض الضيق حتى خصرها هابطًا باتساع كبير حتى كاحلها ، بأكمام شفافة تعكس بياض ذراعيها برقة ، يزينه خطوط ماسية كأغصان الأشجار اللامعة فزادت رقتها أضعاف.
ملامحها الرقيقة تخفيها الطرحة البيضاء خلفها لكن نظراتها تصل لقلبه قبل عينه.
أخيرًا وصل لمستقره ومقامه!
تحقق حلمه وأصبحت ملكه!
عطف القدر على قلبه وربتت الدنيا على كتفه ليفوز بها جراء ما لاقاه.
لم يفق إلا على وقوف مازن أمامه بعروسه قائلًا بكلمات مبطنة يصل معناها إليه بوضوح :
"طبعًا مش محتاج إني أقولك تخلي بالك منها"-
لم يستطع رفع نظراته عنها وأجابه :
-"متوصنيش على روحي يا مازن"
احتضنه الآخر بقوة يبثه طمأنينته أنه لا يخاف عليها طالما معه.
لن يأمن لأحد سواه على حياته وليس عائلته فقط.
رفع طرحتها يتأمل ملامحها الجميلة ثم طبع قبلة فوق جبهتها ثم استند عليها هامسًا :
-"بحبك"
عاد مازن للخلف خطوتين تاركًا المجال لهما.
أغمض عينيه بابتسامة جميلة أظهرت طابع الحسن في ذقنه بوضوح جليّ عندما شعر بذراعيها تتسلل من أسفل سترته تحيط به من خلف تستند بوجنتها فوق ظهره تناظر الفتيات بسعادة تهمس له :
-"حلوين قوي"
-"مش أحلى منك"
همس بها بتقرير ولم يفكر للحظة فخرجت صادقة لمست قلبها لتكون أحلى من لفظ كلمات الحب بأنواعها ، فابتسمت بشقاوة تسأله بتلاعب :
-"وعرفت منين وأنت لسه مشوفتنيش؟"
أمسك كفيها يديرها من خلفه يحيط خصرها بذراع والآخر يمسك كفها يضمه لصدره ، يحيل نظراته على وجهها ذا مستحضرات التجميل البسيطة ، خصلاتها رفعتها لأعلى بكعكة رقيقة ، ثم هبط إلى ثوبها الفضي البراق الضيق حتى ركبتيها ثم يتسع حتى يلامس الأرض ، ذو كم واحد فقط شفاف يصل لمرفقها والآخر يكشف عن ذراعها.
رفع كفها إلى شفتيه يقبل باطنها هامسًا بحب جارف :
-"لو أملك إني أهديكِ عيني كانت تبقى بين يديكِ
لو أملك أهديكِ قلبي كنت خرجته وقدمته ليكِ
لو أملك أهديكِ عمري كنت سجلت أيامي باسمك"
قربها منه أكثر يطبع قبلة على وجنتها الحارة من تدفق دماء الخجل بها مكملًا :
-"لكن مملكش غير إني أوعدك إنك هتفضلي الأغلى عندي ، أفضل أحبك وأحميكِ وتبقي معايا طول العمر"
لامست وجنته الخشنة بظاهر كفها بابتسامة صادقة واسندت جبهتها عليها :
-"وأنا مش طالبة غير كده"
********
أشتاق إليك حتى وأنت في أحضان قلبي
كل جزء في كياني متلهف لعبق أنفاسك
في وجنتيك لون الزهر  وفي صمتك نغم العشق.

يتمايلون على الأنغام الهادئة ، كل منهما يحتضن زوجته يتهامسان بهمس وابتسامات عاشقة تحت الأضواء الخافتة وسط الساحة المحاطة الشرارات الجميلة.
ليبدأ الحفل بعدها والشباب يأخذون نادر ورامز يتراقصون ، وأحاطت الفتيات العروستين بسعادة على الأنغام الصاخبة.
كادت هدير أن تقترب من الدائرة فجذبها مازن برفق هامسًا بتحذير :
-"من غير رقص يا هدير عشان متتعبيش"
أومأت له ببراءة مزيفة وابتسامة رقيقة ، لكنها توقفت عندما أتى رجل يخبره أن هناك بعض الشخصيات الهامة التي وصلت من ضمنهم عائلة العجمي ليجذبها معه نحوهم مرحبًا بهم.
مر القليل من الوقت واقتربت هدير من زوجها عندما لاحظت اختفاء شخصًا ما :
-"مازن هي فين ياسمين؟
بقالها فترة مختفية ومش موجودة هنا!"
عقد حاجبيه عندما تذكر اختفائها الذي بات ملحوظ ، نعم أعطاها إجازة طويلة كي ترتاح لكن ألا تحضر عرس أخته يثير القلق!!
أخرج هاتفه يحاول الاتصال بها لكن ما من مجيب ، فاضطرب قلبه أن يكون مكروهًا أصابها فنادى أحد حراسه يأمره بالذهاب إلى منزلها يتفحص وجودها!!
التفت للحفل وضيوفه بترحاب وسعادة..
يراقص أصدقائه تارة ، وأخته تارة ثم يحيط زوجته برقة يتمايل معها بخفوت مراعيًا حملها لتضحك منار عليهما تميل على أذن أسماء قائلة :
-"شايفة أخوكِ بيحركها بشويش ازاي؟
لو عرف اللي كانت بتعمله فوق هيضربها بالنار"
شاركتها أسماء الضحك تراقب احتضان أخيها المراعي لزوجته.
انتهى الحفل وصعد الأزواج كلُ إلى جناحه المخصص.
دلفت أسماء حاملة ثوبها تطلع للجناح المزين ببراعة وجمال جذب أنظارها بشدة ، تتأمله بعناية تدور حول نفسها حتى وقعت عيناها على رامز المستند على الباب مكتفًا ذراعيه.
ابتلعت لعابها ببطء وأسدلت أهدابها برقة تعض شفتيها بخجل زاد عندما شعرت به يقترب منها ، قشعريرة سارت في عمودها الفقري جراء لمسته على عضديها وأنفاسه تضرب مقدمة رأسها ثم ضمها إليه بصمت وقوة يريد زرعها بين أضلاعه.
ابتسمت تحيطه بذراعيها تربت على ظهره بحنان فهمس لها بكلمتين شملت كافة مشاعره نحوها :
-"عوضي ونبضي"
رفعت نظرها إليه تحيط وجهه بكفيها وتحيل نظراتها بين حدقتيه هامسة :
-"أنت تستاهل كل العوض الحلو اللي في الدنيا يا رامز"
طبع قبلة رقيقة بجانب فكها ثم تركها لتبدل ثيابها حتى يبدآ حياتهما سويًا يغلفهما العشق الذي يكنه لها كسحابة ذابت في ضوء الشمس.
******
أما نادر فكان يجلس أمام باب الغرفة ينتظر منار تحن عليه لتجعله يدخل ولكنها ترفض.. فصاح بنفاذ صبر حاول التحلي به لأطول فترة ممكنة :
-"منار افتحي يا ماما الله يرضى عليكِ"
بالداخل من ما يقرب من النصف ساعة بعدما أنهوا صلاتهم ودلفت تبدل ملابسها بذلك الثوب الوردي القصير التي تأكدت أنه من اختيار هدير فقذفتها بجميع أنواع السباب التي تعرفها لتجد نفسها بالأخير لا تجد خيار سوى ارتدائه ، لكن خجلها يمنعها أن تخرج به أمامه فصاحت بصوت متوتر :
-"بص يا نادر أنت ممكن تنام عندك النهاردة وبكرة الصبح يحلها حلال"
زفر بغيظ حاول السيطرة عليه وقال بهدوء :
-"معلش أنا عاوز أنام هنا"
لكنها رفضت أن تفتح ، فلم يجد غير طريقته الفعالة والوحيدة التي تنفع معها وهي الطعام.
يعلم أنها لم تتناول شيء منذ الصباح ، كما أنه لا يوجد شيء يقف في طريقها بينها وبينه :
-"تمام خليكِ جوا متخرجيش ولا تفتحي ، على الأقل هآكل البيتزا بمزاج ، الواحد تعب برده الأيام اللي فاتت"
لم يكد ينهي جملته حتى فتحت الباب ، لينصدم من جمالها بذلك الرداء التي ارتدته كاشفًا عن روعتها وقد نسيت عقد حزام الرداء العلوي ، تهتف تسأله عن مكانها لكنه كان في عالم آخر..
مأخوذًا بجمالها
مفتونًا بروعتها
ليقترب منها وقد عاد له مكره ينحني يحملها بين ذراعيه بخفة هاتفًا بخبث وهو يدلف للغرفة :
-"بيتزا إيه يا شيخة؟!
في حاجات أهم قبل الكلام الفاضي ده"
************
القلق يعتمر صدره بقوة
التوتر والتفكير يعصفان برأسه
منذ أن عاد حارسه من منزلها يخبره بعدم وجودها فيه منذ ما يقرب من أسبوعين ويشعر أن بها خطب ما!
وما زاد حيرته أن جميع الأماكن التي من الممكن التواجد فيها لا يعلمون عنها شيئًا!
خرجت هدير من المرحاض بعدما أبدلت ثيابها لتراه على هذه الحال فاقتربت منه تجلس بجانبه تحتضن ذراعه تحرك كفها على ظهره بمساندة واطمئنان هامسة :
-"هي أكيد بخير ممكن تكون سافرت أي مكان تغير جو"
هز رأسه بنفي يضم قبضتيه أمام فمه ينظر لنقطة ما في الفراغ وقال :
-"لا يا هدير أنا حاسس أن فيه حاجة بتحصل"
أنهى حديثه ملتقطًا هاتفه يضرب على رقمها على أمل أن تجيب هذه المرة!
وهناك في نصف الكرة الآخر ..
تقف أمام الشلال المنهمر تراقب سقوط مياهه القوية فتلحفها قطراته بين الحين الآخر.
تفكر فيما وضعها قدرها به ، هي معه منذ ما يقرب من الأسبوعين يحيطها بعبثه ومكره تارة ، جديته وحنانه تارة أخرى ، وخبثه ولمساته المدروسة أحيانًا أخرى وعندما تتذمر يخبرها أنها عفوية وبغير قصد!
ابتسمت بسخرية على هزله فهو لا يتحرك خطوة إلا وكان فكر بها كثيرًا!
و يا للعجب جزء بداخلها يعجبه ما يفعله!
أنوثتها تتشبع بهذا العبث والتلاعب الصادر منه!
يراقبها من أعلى ممسكًا بكوب قهوته يستند بساعده على حافة الشرفة يعطيها مساحتها الخاصة.
مازال لا يعي الغرض من وجودها معه!
لماذا هي بالتحديد الذي يتمسك بها لهذه الدرجة كي يحضرها إلى مكانه الخاص الذي لم يدلف إليه سواه!!
هل كما كان يخطط لاستخدامها في مساومة مازن وتوجيه ضربته إليه من خلالها؟
وإن كان فلماذا لم يفعل؟
هز رأسه يزيح تلك الأفكار عنه كالعادة لا يريد التفكير سوى بوجودها!
تأملها جيدًا تزيح خصلاتها للخلف بين الفينة والأخرى بفعل الهواء فتحرك الحجر الكامن بين أضلعه ، معها يشعر به مملوءً بالحياة!
تذكر جملة عابرة قرأها ذات مرة
القِ نفسك في نهر العشق حتى ولو كان نهرًا من الدماء
فمن لا يركض إلى فتنته يمشي طريقًا لا شيء فيه حي
ولتعلم أن العشق صامتًا لا توزنه كلمات ولا تضاهيه أحرف.
كاد أن يلتفت فجذب نظراته قفزها للوصول إلى وشاحها العالق بين أغصان الشجر ،  يبدو أنه طار بفعل الرياح.
يبتسم على عبوسها الطفولي متخصرة تفكر كيف ستمسك به؟
قفزت مرة أخرى على أمل الوصل لكن زُلّت قدمها على الصخرة المبتلة لتتصاعد صرخاتها في البحيرة الواسعة.
ضحك بقوة حتى غُصّ في حلقه لكن قطع سيل ضحكاته عندما لاحظ محاولاتها للوصول إلى السطح وعدم الانجذاب للأسفل.
أيقن أنها لا تعرف السباحة فقذف الكوب وهرول إليها بأقصى سرعته ، لم يأبه إلى الأشياء المتساقطة بسبب اندفاعه ، لا شيء سوى الوصول إليها.
نزع كنزته وألقى بنفسه في الماء حتى أمسك قبل أن تنجرف للأعماق فاقدة الوعي!
أسرع بها نحو الخارج يمددها على العشب يحاول إفاقتها بالضرب بحفة على وجنتها ، يضغط بقبضتيه على صدرها عدة مرات ينعش قلبها لكن لا فائدة.
همس باضطراب لأول مرة يشعر به :
-"فوقي يا ياسمين فوقي"
هبط إلى شفتيها يباعد بينهما ينعش رئتيها بأنفاسه عدة مرات ثم يعود ليضغط على صدرها مرة أخرى حتى سعلت بقوة تطرد الماء التي شربتها بعنف تشهق بعمق.
احتضن رأسها إلى قلبها لا يصدق أنه كان سيفقدها!
لا يصدق أن بداخله دب الخوف على أحدهم!
لكن هي ليست كالجميع!
هي ياسمينته!
رفع رأسها إليه يعيد خصلاتها المبتلة للخلف يزيح قطرات الماء عن وجهها الأحمر من شدة السعال ، عيناها الغائرة بتيه وعدم استيعاب كامل!
ولم يلبس إلا أن انحنى إلى شفتيها مقبلًا إياهم وقد فاض به الصبر وطفح الكيل بقلبه فقد أعلن العصيان وهتف بحبه لها!
لا يعرف ماذا حدث وماذا يحدث لقلبه؟
لا يستطيع السيطرة على نبضاته حين يشعر بها؟
ماذا فعلتِ به أنا لا يعلم!
كل ما يعلمه أن قلبه ينبض بأجمل نغمات العشق حين يشعر طيفها ، فما بالك ما الذي يحدث حين يراها أمامه؟
عمق قبلته أكثر ويديه ترسم منحنيات جسدها في أحضانه فانتفضت بين ذراعيه تدفع صدره بضعف وصوتها الخافت يهمس :
-"ابعد يا كريم مش هينفع ، أنت وعدتني أنك مش هتأذيني"
خلل أنامله خلف عنقها يستند بجبهته على خاصتها يبتلع لعابه بصعوبة واختناق من مشاعره ليهمس لها :
-"ولا عمري أقدر أذيكِ ، أنا معرفش أنا مالي ولا إيه بيحصل؟
كل اللي أعرفه إني في الدقيقتين دول كنت هخسر أغلى حاجة لاقيتها في حياتي"
لم يعطها وقت كي تجيبه بل جذب كنزته يلبسها إياها ورفعها على ذراعيه قاصدًا الداخل يصعد إلى غرفتها ثم أدخلها إلى مرحاضها كي تبدل ثيابها ثم خرج مسرعًا إلى غرفته.
تناول منشفته يجفف جذعه المبتل ليجذب أنظاره هاتفها الذي يضئ للمرة التي لا يعلم رقمها باسم مازن.
تناوله يراقب اسمه بابتسامة جانبية وقد هاجت غريزة الذئب القابع بداخله مشتاقة إلى الصيد والتلاعب ، استقبل المكالمة ليأتيه صوت مازن الهاتف بلهفة :
"ياسمين أنتِ فين؟-
ومش بتردي على اتصالاتي ليه؟"
-"يمكن عشان معايا!!"
همس بها بتلكؤ ليقابله الصمت المبهم فعلم أن الصدمة حلت عليه ، تعالت ضحكاته عندما همس مازن باسمه مقترنًا بكيف..!
-"لا ازاي دي بقى بتاعتي أنا ، قولت ليك قبل كدا الضربة الجاية مني هتوجع ، ومش هتبقى ليك مباشر"
جاءه صوته بتهديد خافت علم أنه بتلك الفعلة أوصل مازن لقمة غضبه :
-"حسابك تقل قوي يا كريم ، والمرة دي هتتمنى الرحمة اللي هتبقى قدام عينك ومش هتطولها"
-"وأنا مستنيك يا سيوفي"
أجابه بسخرية وابتسامة استهزاء يعلم أنه يثير غضبه أكثر.
هتف مازن بقوة من الجهة الأخرى بكلمات مبطنة تخفي معاني كثيرة لم يفهمها :
-"رجع ياسمين يا كريم بلاش تغلط غلطة عمرك اللي هتندم عليها"
وقف الآخر في شرفته يراقب المدى البعيد حيث نقطة تلاقي السماء بالأرض وقال جملته التي كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير :
-"كان نفسي احقق ليك طلبك ، بس ياسمين مراتي.. ومراتي هتفضل معايا"
وبدون كلمة أخرى أغلق الهاتف دون إعطاءه حرية الرد ، لتجذبه شهقة عالية خلفه أتت من ياسمين الواقفة على باب غرفته تمسك بكنزته بين قبضتيها بقوة تناظره بملامح باهتة واعين جاحظة تخفي فمها بكفها تهمس من خلفه بعدم وعي :
-"مراتـــــــــــك..!!
ازاي؟"



الحب سبق صحفي " مكتملة "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن