ملاحظة الكاتب:
***في الفصل السابع ( صوتّ ) ذكرت وجود عامل اسطبل اسمه ماركوس وهذا غلط مني انا اعتذر، العامل اسمه جود فروست وصورته موجوده بكتاب الصور. ماركوس وكارلوس اخوان واقرباء ميكائيل راح يظهرون بالاجزاء القادمه***
.
.
.
.
حتى مع كلمات قاسيه كالتي وجهها ميكائيل لأنغريد ، لم تهتم الاخرى وفضلت البقاء في القصر للتحري عن ميراج وتبعدها عن طريقها لتحقق اهدافها. وهذا ما دفع بيكاسوس الى التواجد بجانب ميراج طوال ساعات اليوم ولم يتركها الا عند الحاجة القصوى.
في الوقت الحالي كانت ميراج تأخذ جولة في القصر برفقة توتنيان الذي كان سعيدا جداً بعودتها.- لا يمكنني سوى ان الاحظ انك كبرت يا سيدي...
قالت ميراج وهي تتمشى ببطىء الى جانب الرجل وتطالع شعره الذي تخللته خصل من الشيب، ثم اكملت:
- لطالما اعتقدت بأنك كبيكاسوس...
ضحك الرجل ومرر يده في شعره ثم اجاب وهو ينظر الى الارض بحزن:
- اتمنى...كان ذلك ليحل الكثير من المشكلات...
تركت ميراج الموضوع عند هذا الحد، لم ترغب ان تكون متطفله على حياة الرجل خاصة، بعد نظرة الحزن التي رأتها تعلو وجهه فأكملت طريقها معه في ممرات القصر من الطابق الارضي وحتى مخازن اثاث القصر في اعلى الابراج.
كانت نزهة لطيفه، فبالرغم من كبر سن توتنيان الا انه كان خفيف الضل وصحبته ممتعه للغايه.
عند وصولهما الى مكان مكتب الملك ، رأت ميراج فتاة ذات سترة عسكريه سوداء وعبائة متماثله تخرج من المكتب ولم تستطع كبح نفسها وقالت وهي تشير للجنرال:
- تلك! تلك المرأه!.
رفع توتنيان رأسه ليرى عدّن وهي تنتبه لوجودهما وعندها تبدلت ابتسامته المرحه الى ابتسامه حزينه وهو ينظر الى الجنرال بعيون تملئها العاطفه.
- سيد توتنيان...
قالت عدّن وهي تنسى وجود ميراج وفعل الاخر مثلها:
- ليدي عدّن...
قال توتنيان ثم انحنى لها بدافع الكياسه.
- انا اعرفكِ!
قاطعت ميراج الجو الحزين الذي تسلل اليهم وقالت للجنرال بحماس ثم اكملت:
- لقد كنتِ معنا عندما تعرضنا الى الهجوم انا وبيكاسوس!! كما...كما رأيتكِ تحملينني بعدها!
- اه...انسه ميراج...
قالت عدّن بأبتسامه:
- هذا صحيح...ارجو ان تكوني بحالٍ افضل...
- على افضل ما يكون...
قالت ميراج بأبتسامه مشعه ثم اكملت وهي تقترب من الجنرال لتأخذ يدها بلطف :
- الفضل يعود لكِ... لقد قال لي بيكاسوس ماذا فعلتِ من اجلي وانا ممتنة لكِ الى الابد.
- لم افعل سوى واجبي.
اجابت عدّن بأبتسامه:
- والان... اذا سمحتم لي...
قالت واومأت بأحترام للأثنين وغادرت بخطوات صامته من امامهما.
- من كانت هذه؟
سألت ميراج توتنيان الذي كان لا يزال ينظر الى الممر الذي سارت به عدّن قبل ثواني:
- الجنرال عدّن... اقوى جنرالات المملكه بعد الملك والجنرال رودز.
- فقط الجنرال عدّن؟
سألت ميراج بشكل مباشر وهي تحاول ان تتفادى التلميحات والسؤال من وراء ظهره.
ضحك توتنيان بصوت منخفض واعاد شبك ذراعه بذراع ميراج وقال:
- اجل احببتها ومنذ زمن طويل ولكن ذلك لم يعد ينفع الان...
- لماذا توتنيان؟ انكما مناسبين تماما!
- ولكننا مختلفان تماما في نفس الوقت ايتها الصغيره. انظري لها...فهي لم تكبر يوماً واحداً منذ ان عرفتها بينما انا...تحولت خلال سنين قليله من المراهق الى الشاب ثم العجوز شيئاً فشيئاً...
نظرت ميراج الى الارض وشعرت بقبضة من الحزن تعتصر قلبها. فهذا تماماً ما ينتظرها هنا في القصر، ستكبر وتكبر وتكبر حتى تصبح غير قادرة على مغادرة سريرها ثم تموت بينما يستمر بيكاسوس وميكائيل وتشاستين في العيش كما لم تكن قد عاشت يوماً الى جانبهم.
- الخلود ليس كل شيء... نحن لا نختاره...بل نجبر عليه...
جاء صوت الملك من خلفهم ليفزع الاثنان، فهما لم يسمعا صوت قدميه عندما خرج من مكتبه.
- س-سيدي؟...
قال توتنيان بينما اختبأت ميراج خلف ذراعه بعد ان تمسكت بها بقوه...
نظر الملك اليهما من رأسهما حتى اخمص قدميهما ثم ثبت عينيه في عينا ميراج وقال...
- طاب يومكما...
- ويومك سيدي...
اجابه توتنيان وهو ينحني بأحترام، واستدار ورحل بهدوء كما اتى تاركاً الاثنان في صدمة.
- حسناً...ذلك كان مرعباً...
قال توتنيان وهو يضحك ولكن ميراج لم تبادره الضحك بل ارادت ان تذهب خلف الملك وتبقى الى جانبه خاصةً بعد ان نظر في عينيها وقرأت فيهما نفس شعور الاشتياق الذي اجتاحها.
- والان الى اين تريدين الذهاب؟ الحديقه، الاسطبل ام تعبتي؟
عادت ميراج بذاكرتها الى الحديقه وتلك الليله المقمره حيث رأت الملك لأول مره وابعدتها عن رأسها:
- الاسطبل!
قالت مباشرة :
- الاسطبل سيفي بالغرض...
- اذن لنتجه للاسطبل!
قال توتنيان وهو يأخذها خارج القصر نحو الاراضي الخضراء المفتوحه التي غلفتها اشعة الشمس الخفيفه و كادت ان تختفي بسبب الغيوم .
اخذها توتنيان الى الاسطبل الواقع عند الجهه اليسرى للقصر حيث يقع امامه النهر والحشائش الخظراء المناسبه للرعي.
كان الاسطبل كبيراً للغايه، ويحتوي على الكثير من العمال البشر ، بعضهم قد ركب الخيول وبعضهم اخذوا يطعمون الاحصنه والبعض الاخر مشغولين بالاعمال الاخرى.
- جود!
صاح توتنيان على شاب يركب حصاناً بلون النحاس كان واقفاً يتحدث مع مجموعه من العمال الذين اخذوا ينقلون القش والعلف الى داخل الاسطبل.
انتبه الشاب الى الرجل الذي ناداه واعتذر من العمال ثم توجه نحوهم بحصانه.لقد كان شاباً حسن المظهر بشعر بني وتقاسيم وجه وسيمه مع قامة لا بأس بها.
- توتي!
قال الشاب وهو يترجل من على ظهر الحصان ويعانق توتنيان بقوه ثم تركه ونظر الى ميراج بأعجاب:
- جود هذه ميراج، اخر وافدين القصر. انها تحت حماية الملك وستبقى هنا حتى اشعار اخر.
اخذ جود يد ميراج برفق وقبل مفاصل اصابعها وهو ينظر بعينيها والابتسامه تعلو شفتيه:
- لم ارَ وجهاً جميلا في القصر كوجهكِ انستي... لابد من انك ملاك ارسل من السماء لتعذيب قلبي.
احمرت ميراج وشعرت بالارتباك بعد ان سمعت هذه الكلمات واخذت يدها من قبضته لتقف وراء توتنيان.
- لا تخفها هكذا يا جود!
قال توتنيان وهو يصفع رأس الشاب:
- لكن كل ما فعلته هو قول الحقيقه!
احتج جود وهو يحاول ان يلمح ميراج من وراء توتنيان بينما حاول الاخير تخبئتها:
- هيا توتي نظرة واحده لا اكثر.
-حسناً لكن دعني اخبرك انها تخص الملك.
توقف جود في مكانه واختفت ابتسامته لتحل تقطيبة حاجبيه محلها:
- اتعني...ذلك اليوم...
- اجل هي بعينها.
قال توتنيان وهو يظهر ميراج من خلفه بكل حذر.
- واو...استطيع ان ارى لماذا... كنت لاسقط على قدمي كذلك بسبب هذا الملاك!
لم تعلم ميراج عن ما تحدث هذان الاثنين ولكنها ادركت ان الحديث يدور حولها وحول الملك:
- جود...
قال توتنيان وهو يومأ برأسه بالرفض حتى يتوقف الاخر عن قول كلمات الغزل.
- اي يوم يقصد...؟
قالت ميراج بفضول فأجاب جود:
- وتتحدث بصوت ملائكي ايضاً!
- هذا يكفي سنرحل عن هنا.
قال توتنيان وهو يضع يده عند ظهر ميراج ليحثها على الرحيل والسير امامه:
- لكنني...لم ارَ الاحصنه بعد...
احتجت بحزن فقال توتنيان مواسياً:
- سنراها في يوم اخر او بعدما تتحسنين حتى تركبيها، ماذا تقولين؟
لم تقل ميراج اي شيء اخر بل اومأت وسارت قبل الرجل بينما اعطى هو الاخر نظرة تقول * ابقَ بعيداً عنها * لجود وسار خلفها ليعودا الى القصر عبر بوابته العظيمه.
.
.
.
.
خلال الايام القادمه كانت ميراج تسكن العياده لتبقى تحت مراقبة الطبيب و هذا ما ازعج الملك بشكل رئيسي، فأمر تشاستين بنقل ميراج الى احد الغرف الملكيه في الطابق الثاني لتستقر فيها وتبدأ بالعمل في منصبها بعد الحفل الذي كان سيقيمه الملك لها عندما يتحسن وضعها الصحي.
بالطبع لم يوافق بيكاسوس في بادئ الامر ولكنه اضطر للقبول بأمر الملك خاصةً بعد عودته لممارسة مسؤولياته كطبيب للقصر وكمستشار للملك.
اما ميراج، فلقد واجهت صعوبة في التأقلم مع هذه البيئه الجديده، كل شيء حولها كان مبالغاً فيه الى حد الاسراف، السرير الكبير المغطى بأفضل انواع الشراشف، والثريا الذهبيه التي تدلت من السقف، وحمامها العاجي المتكامل الذي يسع لعائلة كامله والشرفه التي تصلح لتكون غرفة لشرب الشاي.
كل ذلك غاب عن ذهنها عندما علمت ان غرفة الملك تقع عند نهاية الممر ، اي بضع خطوات معدوده عن غرفتها، لم تصدق في بادئ الامر حتى سمعت خطواته وهو يسير الى غرفته ويتحدث مع توتنيان بأمور المملكه ثم في ليالٍ عديده سمعت نفس الخطوات الخفيفه تتوقف امام بابها حتى شعرت بأنه سيُفتح لا محاله حتى يتراجع وتبتعد الخطوات مجدداً...
ذلك كان مخيباً للامال بالنسبة لها...فبعد ان هربت منه في الحديقه بعد لقائها بتلك الفتاة المخبوله لم تره من جديد، ربما لأن الاثنان حاولا التهرب من بعضهما البعض وعلى ما يبدو قد نجحا في ذلك، وهذا ما دفع ميراج لليأس والحزن حتى ان تشاستين لاحظت ذلك فقامت بدعوتها الى السوق لشراء بعض الثياب لها فلا يمكن ان تستمر بأرتداء ثياب تشاستين خاصةًوان الاخرى اقصر منها وانحف كذلك.
عندما وصلت العربه الملكيه التي كانت تقل الفتاتين الى القصر ، كان هناك جلبة كبيره وضوضاء داخل ابواب ارض القصر الضخمه.
- اعتذر ليدي تشاستين ولكن بسبب اوامر الملك لا يمكن للعربة ان تدخل القصر في هذه الاثناء.
قال حارس البوابة وهو يومأ برأسه بأحترام.
- اوه لا بأس بذلك.
قالت تشاستين بأبتسامه وهي تظن ان الباحة قد تكون مشغولة بتجهيزات القصر للحفلة القادمة.
- سنترجل هنا اذن، اخبر الخدم بأن يرسلوا المشتريات الى غرفة الانسه ميراج في الطابق الثاني حسناً؟
عاد الحارس الى الايماء مجدداً وقال وهو يفتح البوابه:
- شكراً لتفهمكِ انستي...
- لا عليك! فالجو جميل للغايه ولا بأس بنزهة قصيره!
بالطبع كانت تشير الى الجو الغائم، ففي هذا اليوم كادت الشمس ان تختفي خلف الغيوم الرماديه حتى صعب على المرء ان يحزر ما اذا كان الوقت صباحاً ام عصراً والجميع تنبأ بعاصفة في وقت لاحق.
حالما فتحت البوابة ادركت تشاستين كم هي مخطئه...
كان حرس القصر يحيطون بمجموعة من البشر امام ابواب القصر الداخلي وهم يستخدمون اسلحتهم ودروعهم لحصرهم جيداً، كان المنظر اشبه بمن يقتاد مجموعة من الماشيه الى المذبحه بالنسبة لميراج.
- ماذا يجري!
قالت ميراج بصوت عالي حتى تسمعها تشاستين من بين صيحات البشر...
- لا شيء عزيزتي...فقط...فقط ابقي خلفي ولندخل من خلال ابواب الحديقه فذلك اكثر اماناً...
قالت تشاستين وهي تمسك يد ميراج التي اصبحت بارده كالثلج...
- استريا غرين...
جاء صوت ميكائيل مدوياً في الباحه ليرسل الجميع الى صمت مخيف، كل ما بقي للاذان لتسمعه هو اصوات تنفس صاحبها...
كان ميكائيل قد خرج من بوابة القصر الداخلي ووقف اعلى الدرجات وهو ينظر الى البشر بعيون حمراء قاتمه وخلفَه يقف رجل في الخمسين من عمره مرتدياً درعاً حديدياً كاملاً ويحمل سيفاً على جانبه الايمن ،وكذلك الجنرال عدّن...
- جنرال رودز...
قالت تشاستين وهي تنظر الى الرجل ثم اكملت:
- هذا سيء حقاً لنرحل عن هنا ميراج، لن يكون الامر جيداً لو لمحنا ميكائيل الان...
- كلا...
قالت ميراج وهي تبعد يدها عن يد تشاستين وتقطب حاجبيها، ثم عادت لتنظر الى ميكائيل وهي تترقب ما كان سيفعل...
تقدم الجنرال رودز الى صفوف البشر وقام بسحب امرأة من بينهم، كانت مألوفة بشكل كبير لميراج ولكنها لم تتمكن من تذكرها...
دفعها رودز لتسقط امام درجات السلالم وبدأ اهتياج البشر مجدداً وهم يطلقون صيحات تذمر وكلمات بذيئه تجاه الملك حتى عاد الحراس الى ضربهم مجدداً ليصمتوا ويدعو الملك يتحدث...
في هذا الوقت لم تتمكن ميراج من عدم ملاحظة الابتسامة الساخره والبارده على شفتا الملك وهو ينظر الى البشر تارة ثم الى المرأه التي وقفت امامه تارة اخرى...
- هل تشعرين بالعار من اسمكِ القذر استريا غرين؟ ام اصبتِ بالصمم؟
قال ميكائيل دون ان يمسح الابتسامه عن وجهه، فردت المرأه:
- لو كان من يخاطبني بشراً لأجبت، ولكنك مخلوق من الشيطان لذلك لم اجد سبباً لاجابتك!
- هل تعلمين لماذا انتِ هنا؟
قال ميكائيل وهو ينزل الدرجات ببطئ حتى وقف امامها وبالرغم من مظهر القوة التي كانت تبدو بها المرأه الا انها ارتجفت عندما وقف الملك امامها ليغطي ظله بنيتها.
- انتِ هنا لأنك تسببتِ لي بخسارة الكثير من الموارد، الكثير من المشاكل ، ولأنك تجرأت واعتديتِ على مستشاري وجنرالي وشخصٌ يقع تحت حمايتي...
قال لها ببرود وهو ينظر في عينيها وهنا تذكرتها ميراج...كانت تلك المرأه هي من هاجمتهم عند الكوخ، وهي من كادت ان تقتل بيكاسوس قبل ان تقع مصابه...
- هل اعتقدتِ بأنكِ تستطيعين الهرب؟ هل ابدو لكِ بهذا الضعف استريا؟
نظرت المرآه في عيني الملك واجابت:
- انك لا تخيفني ايها الوحش ولن تتمكن من اخذ اي معلومات مني مهما حاولت!
- ذلك مؤسف...
قال ميكائيل:
- كان بأمكانكِ ان تنقذي اصدقائكِ...
اتسعت عينا استريا عند هذه الجمله ولم يدعها ميكائيل لتستنتج ماذا يعني ذلك، فقام برفع يده الى رقبتها وادارها لتواجه مجموعة المتمردين ثم اومأ برأسه لرودز فسحب الاخر سيفه برفقة رجاله وبدأوا بذبح البشر دون توقف.
- ميكائيل توقف!!
صاح بيكاسوس وهو يخرج من بوابة القصر بخطوات سريعه ليمسك الملك من ذراعه وهو ينظر اليه بترجٍ:
- توقف الان ارجوك! انهم بشر!
ولكن الملك تجاهل المستشار وضل ينظر الى المجزرة التي تحدث امامه بينما اخذت استريا تنازع بكل قوتها للتخلص من قبضته والهرع لأصدقائها.
- لا يمكنك ان تذبحهم هكذا كالحيوانات! انهم يستحقون محاكمة لائقة على الاقل!!
قال الطبيب وهو يلتمس بعض المنطق من الملك، الا ان الاخر نظر الى بيكاسوس بكل برود وقال بنبرة ترسل الارتعاش في جسد سامعها:
- وهل فكروا بأعطائكما محامة لائقة عندما حاولوا ذبحكم؟
- هذا لا يهم!! لا تكن مثلهم!!
- ولكنني لست مثلهم...
قال ميكائيل معاتباً مستشاره ثم اكمل:
- انا اسوء...
ومع ذلك سقطت اخر جثة للمتمردين عدا استريا التي كانت تصرخ بجنون وهي تخدش قبضة الملك بأضافرها لتفصل الجلد عن اللحم فقط لكي تشفى تلك الخدوش خلال ثواني معدوده...
اشار ميكائيل الى رودز وعدّن بأبعاد بيكاسوس عن طريقه وادخاله الى القصر وهذا ما فعله الاثنان بعد معاناة كبيره مع الطبيب الذي ضل يصرخ برفضه لتصرفات الملك.
- سأجد بقية اصدقائك...
همس ميكائيل في اذن استريا:
- وسيكون مصيرهم كمصير هؤلاء...
شد الملك قبضته على رقبة المرأه و بدأت تنازع لحياتها عوضاً عن الحزن لأصدقائها حتى بدأت العظام وقصبتها الهوائيه وفقراتها بالتفطر والتكسر واحده تلو الاخرى لتقتلها في تلك اللحظه.
رمى ميكائيل الجثة لتسقط على الارض امام الحرس و دمائها تسيل من فمها، لقد كان راضياً...
راضياً عن ما فعله، لم يكن ليسمح لأحد ان يمس ميراج بسوء وهؤلاء الحمقى فعلوا ذلك...لطالما تجاهل وجود المتمردين ولكن الان اصبح الامر مسألة شخصية.
وبينما اخذ شعوره بالرضا يتلاشى شعر بالالم...عاد الالم ليستقر في صدره، لم يكن كأي الم سابق بل مجموعة من الخوف والحزن والخيبه وعلم ان ميراج ليست على ما يرام...
رفع رأسه ليبحث عنها ولكن لم يبتعد نظره كثيراً في الارجاء، فالفتاة كانت تقف امامه برفقة تشاستين التي نظرت الى الارض بدلا عن مواجهة قريبها.
كانت الدموع تصب على خدي ميراج وهي تنظر الى الملك الذي امامها...لقد شعرت بأنها غبيه...غبيه للغايه لانها لم تصدق كلام بيكاسوس ودافعت عنه كالعمياء.
لم تشعر بالحزن على الجثث التي امامها اكثر مما حزنت على نفسها وسذاجتها...
* انه وحش...وحش عديم الرحمه*
رددت ميراج في نفسها...
فبالرغم من صرخات بيكاسوس ودعواتها لم يستمع ميكائيل لأي احد ونفذ قراره بكل همجيه وفي ساحة مفتوحه امام عيون جميع من في القصر...
اراد ميكائيل ان يذهب اليها ولكنه توقف قبل ان يتخذ اي خطوه ونظرته التي اعتراها بعض الحزن والقلق اختفت لتحل محلها اخرى باردة...
شد قبضتيه الى جانبه ورفع رأسه عالياً ثم استدار ليدخل القصر ويترك الخدم والحراس لتنظيف المكان من الدماء قبل ان يفقد مصاصي دماء القصر عقولهم من الرائحه.
عاجلاً ام آجلاً كانت ستعرف حقيقته... هذا ما فكر به وهو يعود الى مكتبه...عاجلا ام آجلاً...كانت ستدعوه بالوحش...
.
.
.
.
رفضت ميراج وجبات الطعام التي ارسلها بيكاسوس بعد ان تغيبت عن العشاء والغداء في ذلك اليوم، حتى انها لم تفتح الباب لتستقبلها ، لذلك قام الخدم بوضعها على الارض بجانب الباب في حال رغبت بتناول شيئاً ما، وهذا الذي ما لم يحدث.
فحتى بعد ان عاد ميكائيل من جولته اليوميه في اراضي المملكه عند الفجر كان الطعام لا يزال هناك دون ان يلمسه احد ولم يحتمل ذلك، فسواء كانت نائمه ام لا سيطرق بابها ويأمرها بتناول طعامها حتى لو لم يعجبها ذلك!
طرق ميكائيل الباب ولكن ليس بلطف كما قد يفعل الشخص خاصةً في وقت مثل هذا...بل طرقه كشخص غاضب ومستعد لهدمه في حال لم يُفتح.
كانت ميراج مستيقظه عندما طرق الباب بعنف، فهي لم تغمض عينيها منذ ان رأت ذلك المنظر المرعب امامها ولم تجف رموشها من الدموع...لقد آلمها المنظر واعاد لها ذكريات الجثث التي رأتها على الساحل وكيف مات اخوها مع طاقمه بسبب تلك العاصفه المشؤومة المشابهة لهذه التي عصفت بالقصر في هذه الاثناء.
شعرت بدقات قلبها تتسارع وبشعور الامان يعود اليها مجدداً وعلمت من ذلك من الطارق فقالت بصوت واضح:
- ارحل عن هنا!
توقف الطرق عندها ولكنها لم تسمع صوت خطواته يبتعد حتى مرت بضع الثواني، ليرحل ميكائيل او هذا ما ظنته...
تكورت على السرير مجدداً بعد دون ان تغطي جسدها البارد وهي تحتضن ركبتيها الى صدرها وعادت دموعها للهبوط مجدداً...شعرت بالوحده...ارادت ان تتحدث مع اي شخص حتى لو كان قطاً، ولكنها فقط لم ترغب بالوحده...
سمعت ميراج في تلك اللحظه صوت نقر على زجاج شرفتها بث فيها الرعب لثواني قليله وقررت ان تتجاهله لربما تكون الريح...ثم عاد النقر مجدداً مع نفس شعورها بالامان سابقاً فنهضت بعنف عن السرير وهي تنظر الى الشرفه بعينين مفتوحتين على اوسعهما...
كان ميكائيل يقف خلف الزجاج وشعره المبلل قد التصق بوجهه وكذلك ثيابه السوداء التي التصقت بجسده بدورها. اخذ ينظر اليها عبر الشرفة بحزن وهو يرى انتفاخة عيناها المحمرتين من البكاء ولم يهمه المطر الذي اخذ يصب بشكل غزير.
احست ميراج بالخوف، ليس منه بل عليه، ارادت ان تحميه من المطر ومن العاصفه فركضت دون ان تفكر حتى الى الشرفة وهي تحاول ان تفتح قفلها بأنامل متجمده وبأرتباك وما ان نجحت في ذلك حتى انفتحت ابواب الشرفة بعنف بسبب العاصفه ودخلت قطرات المطر الى الغرفة ولامست وجهها وجسدها الذي تغطى بثياب نومها البيضاء....
وطأ ميكائيل ارض الغرفة وقام بأغلاق الشرفة بقوة ثم استدار لمواجهة مصيره...
- هل كنتِ تبكين؟
سألها بصوت يشبه الهمس وهو ينظر في وجهها...
لم تجب ميراج بل اعتراها شعور بالفرح والسعاده طردت الوحده بعيداً...
- أ...أنت مبلل بالكامل...
قالت بعد فتره وهي تحاول ان تتخلص من سؤاله...
-لم... فعلت ذلك...كيف وصلت الى هنا...
ثم تذكرت المسافه التي قفزها الى الحديقه في ذلك اليوم ونفت السؤال من رأسها...
تركته واقفاً في مكانه ثم عادت اليه بالغطاء الذي رمته سابقاً عن سريرها وناولته اياه فأبتسم بحزن لهذه المبادره اللطيفه...
لقد ظنت بأنه سيصاب بالبرد من المطر...
مصاص دماء يصاب بالبرد...كم كانت الفكرة مضحكه لكنه لم يضحك بل اخذ الغطاء بكل امتنان وسار بضع خطوات حتى اصبح قريباً منها لدرجة لو كان يتنفس للفحت انفاسه جبهتها ووضع الغطاء على كتفيها ليحميها من البرد...
- لماذا كنتِ تبكين...
سألها بهمس ليذكرها بما حدث سابقاً...
عادت دموعها لتتجمع في عينيها وقالت بغصه بكاء وهي تنظر في عينيه:
- كيف...كيف امكنك قتل هذا العدد الكبير من البشر...كيف تمكنت من سماع صرخاتهم ...كيف تمكنت من مشاهدتهم وهم يموتون هكذا...انك...انك...
لم يكن هناك غضب في عينيها...فقط حزن...طبقات سميكه من الحزن غطت عينيها...
رفع يده الى وجنتها ليمس تلك الدمعة اللؤلؤيه التي سقطت على جانب وجهها وعندما لمسها شعر بقلبه ينبض مجدداً بشكلٍ خافت...
- وحش...
اكمل عنها كلامها فهزت رأسها بالنفي بقوه وضربت بقبضتها الصغيره على صدره ثم قالت...:
- كلا! لست وحشاً......انك عديم الرحمه...
- بل وحش...قوليها ميراج...لستِ اول من يقولها اذا فعلتِ...
عادت لتهز رأسها بالنفي مجدداً وقالت:
- ابداً...لن تسمع هذه الكلمة مني يا سيدي.
- لقد سمعتكِ وانتِ تفكرين بها صباحاً...
نظرت ميراج الى الارض واخذت دموعها تصب كالشلال ثم جلست على الارض وهي تنتحب ليركع الملك الى جانبها بقلق...
كيف امكنه ان يلومها على ما قالته صباحاً؟ لقد واجهت اشخاصاً ارادوا قتلها دون رحمه هي وبيكاسوس، ثم تلك المجزره التي حصلت امام عينيها وذلك الجانب المظلم الجديد الذي ظهر لها لأول مره...
- انا آسفه...
شعرت بحاجتها الى الاعتذار خاصةً بعد ان احست بأنها نادت على نفسها بالوحش وليس الرجل الذي امامها وبعد ان رأت نظرة الالم التي تكسو عينيه وشعرت به في قلبها...
- لم اقصد ما فكرت به ...انا حقاً...اسفه...
لا تعلم من اين جائتها الشجاعة والجرأة لعناق الملك ولكنها فعلت، عانقته بكل ما لديها من قوه بذراعيها النحيلتين واتكأت برأسها على صدره واخذت تبكي بصوت مسموع سبب المزيد من الالم لميكائيل الذي باتت نبضات قلبه مسموعة بوضوح الان...
- لا بأس بذلك...
اجابها وهو يطوقها بذراعيه بحذر حتى لا يؤذيها بقوته المفرطه:
- ذلك ما انا عليه... لا تعتذري ابداً عن ما تشعرين به او تفكرين فيه...
تمسكت ميراج بثيابه اكثر ولم تتحرك من مكانها حتى عندما قرر الملك حملها واعادتها الى سريرها بعد ان تعبت من البكاء واصبحت اجفانها ثقيله ثم شعرت بالغطاء يحتويها ولم تعلم ماذا حدث بعد ذلك او متى غادر الملك غرفتها...
في الحقيقه لم يغادر الملك الا بعد طلوع الصبح.
بقي الى جانبها بعد ان غطت في النوم وهو يستمع الى افكارها واحلامها ويستمتع بالهدوء الذي احاطه... فوجد بأنها كانت مشوشه مثله تماماً، تشعر بالحزن عندما يكون بعيد، وبالامان عندما يقف الى قربها وبالاكتمال عندما يلمسها تماماً مثله.
وادرك عندها انها ليست فتاة عاديه، فهي تكاد ان تكون............تكاد ان تكون...
...
...
...
... نصفه الآخر ...
...
...
...
➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿
⚜️1301⚜️
- ليليان...
نادى الملك على زوجته التي جلست قرب الشرفه وبدت في عالم اخر تماماً...
- عزيزتي...
- انه ليس بالطبيعي ...
قالت الملكه وهي تنظر الى الأفق شاردة الذهن...
- انه يعاني من خطبٍ ما وانا... انا...
صبت دموعها دون ان تتغير معالم وجهها :
- وانا لا يمكنني ان اخفف من معاناة ولدي الصغير...
- عزيزتي ارجوكِ...
قال الملك وهو يجلس على ركبتيه بجانب زوجته:
- ليليان ، الذنب ليس ذنبكِ...
- بل ذنبي!!!
صاحت الملكه وهي تنهض من كرسيها لتبتعد عن لمسة زوجها:
- بل ذنبي! انا... انا التي جلبته الى هذا العالم، المعاناة التي هو فيها بسببي انا!
- لستِ وحدكِ من قمتِ بجلبه الى هذه الحياة!
نهض الملك وهو يقترب من زوجته ليمسكها من ذراعيها ويزرع بعض المنطق والوعي فيها:
- اذا كان يعاني فلنحضر المساعده! لنأتي بفجر! انتِ تعلمين جيداً بما هي قادره على فعله!
- لن ادع تلك الساحره تلمس ابني! لن تلمسه! لن تلمسه!!!
- اذن دعيه يعاني هكذا ليلاً ونهاراً وهذه المره انتِ بالفعل السبب في ذلك!!.
صاح الملك بزوجته ثم تركها وخرج من غرفتهما ليصفق الباب بقوه.
تركها لوحدها واقفه ومذهوله ثم رنت كلماته في اذنيها...
...ستكون هي السبب في معاناة ولدها...
... هي السبب ...
حملت فستانها الملكي بيديها وركضت عبر الغرفه لتفتح الباب وتخرج لتلحق بزوجها:
- غابرييَل!
صاحت عليه ليتوقف عندما لمحته ولكنه استمر بالسير فاستخدمت سرعتها الخارقه لتعانقه من الخلف بقوه وتدفعه الى الامام نتيجة ارتطامهما معاً...
- اوافق! غابرييَل ارجوك... اوافق... احضر فجر...احضر من تريد...فقط ...فقط ساعد ابننا......
- سأفعل...
قال الملك مطمئناً وهو يضع يده فوق يدي زوجته ثم قبل جانب رأسها...
.
.
.
.
يتبع...
➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿➿
ملاحظة الكاتب:
ميراج وميكائيل بيقتلوني يا جماعه كنت بكتب وانا متحمسه لدرجة اني خلصت جزء من 3400 كلمه بليله وحده 😂 ، هذي انا الي بعرف الاحداث متحمسه لهالدرجه انتوا كيف؟🌚
بالمناسبه كل عام وانتوا بخير بمناسبة حلول عيد الاضحى المبارك في حال ما نشرت جزء قبل العيد او اول يوم منه❤️
أنت تقرأ
مشعوذة الجنرال
Vampiro*مكتمله* لم يكن ظلام الليل ولا علو الشرفة التي وقف عليها كافيان لأخفاء تلك النظرة التي وجهها لها من الاعلى، وما زاد الامر سوء ، تغير لون عينيه من السواد الى الاحمر المشتعل، كعيني وحش غاضب مختبئ في الظلام... لكنه كان آسراً، كل جزء من معالم وجهه الصار...