.
.
.
ربما كان من الافضل ان تقبل الامر الواقع كما هو...
لقد تسببت بهذا لنفسها ولكن لا توجد فائدة من الحزن والندم الان...
لقد كان قرارها.....
قرارها وحدها، هي التي تركت وطنها على متن احدى مراكب التجاره التابعه لاهلها واختبأت فيها حتى...
حتى حدثت تلك العاصفه ومزقت المركب الى اشلاء..
كل شيء حدث في غمضة عين...
لم تستيقظ الا بعد مرور ايام لتجد نفسها بين جثث ذات رائحه عفنه على مرسى شاطئ...
كانت رمال الشاطئ غريبه ذات لون يميل الى السواد والسماء فوقها قد غطتها الغيوم تماماً حتى انها لم تعد تعلم ما اذا كان الوقت صباحاً ام قارب المساء.
شعرت بالخوف والرغبة في البكاء، كانت صغيرة جداً لترى منظراً موحشاً كهذا.
فالجثث من حولها لم تكن الا لطاقم سفينة اخيها. اولئك الرجال الذين لم يعاملوها الا بكل اللطف والحب كانوا الان محض طعام للنوارس...
وتحت هول المنظر عادت الى غيبوبتها الصغيره حتى استيقظت مجدداً لتجد نفسها بين اناس لا تعرفهم ...
قوم مختلفون في الشكل واللغه والتصرفات...
كما انهم لا يستسيغونها...
هذا ما فهمته من معاملتهم لها، فهم لا يقتربون منها ويحبسونها في غرفة رطبه لا تحتوي الا على نافذه واحده تطل على احدى الشوارع وبرفقتها مجموعة من الفتيات كن يبدين مختلفات عن بعضهن البعض ولكن يتحدثن اللغه ذاتها، جميعهن ابقين مسافتهن بعيده عنها.
خارج الغرفة كان هناك رجلان يقفان على الباب يدخلان بين الحين والاخر ليأخذوا احداهم ،كان بعضهن يذهبن برضاهن واخريات يجبرن على ذلك بالتهديد بالسيف، وبين فترة واخرى كانت تلمح ماذا يجري خارجاً، الفتيات كن يتعرين لرجال في الشارع واذا نالت اعجابهم احداهن يأخذوها مقابل مبلغ من الذهب، لم تدرك ماذا يحدث حتى رأتهم بأم عينيها ،كان هؤلاء تجار عبيد وعبيدهم كن هؤلاء الفتيات!.
مر الوقت ولكن حتى الان لم يأتوا من اجلها ولا تعلم السبب الذي يمنعهم من ذلك، ربما هو السبب ذاته الذي يبقي الفتيات بعيدات ٍعنها .
كانت تلمح بعضهن ينظرن الى وجهها بغرابه وخوف ،ربما وشوم الوجه ليس بالظاهرة الشائعة هنا ولكنها كذلك في بلادها حيث تسقط اولى قطرات الحبر على وجه الفتاة عند بلوغها سن ال١٨ او عند نزول الحيض لأول مره .كانت نقاط الحبر قد توسطت وامتدت من شفتها السفلى حتى نهاية ذقنها، حصلت عليها حديثا في هذه السنه عندما بلغت سن الثانية عشر.
في هذه الاثناء كان بأمكانها سماع اصوات عاليه في الخارج، اصوات رجال يضحكون واصوات نقود تقع على الارض وبعدها اندفع الرجلان اللذين كانا يحرسان الباب للغرفه وقاما بأخذ فتاة اخرى واعادتها مجددا واخذ غيرها وهكذا ولكن عند المره الخامسه دخل الرجلان مع مجموعه اخرى من الرجال وبدأوا يتحدثون ويشيرون الى الفتيات الموجودات واحده واحده وعندما جاء دورها توقفوا فجأه وصمتوا لعدة ثوان بعدها تقدم احد الرجال منها ،كان كهلاً ولكن قوته لم تكن لتضعف بعد حيث استطاع من سحب ذراعها واخراجها من الغرفه يتبعه بقية الرجال، اخذ يتفحص وجهها وجسدها الذي غطته بفستانٍ اسود عريض طويل اصبح بالياً من مياه البحر ومتسخاً من الارض التي كانت تجلس عليها.
حاول الرجلان الذين حرسا الغرفه من امساكها وخلع ثوبها ولكنها قاومت بكل قوتها وصرخت بكل ما لديها من مقدره حتى انها حاولت ان تضربهم او تأخذ احد سيوفهم من غمدها لولا قيد يداها.
عندها اشار لهم الكهل وتحدث معهم على جنب، استطاعت ان ترى بأنه اعطاهما حفنه من النقود واتجه صوبها وهو مبتسم ويتمتم كلمات لا تستطيع ان تفهمها!
كانت خائفة ومرعوبه ولا تعلم ما جرى شعرت بالذعر للتفكير بأنهم قد باعوها لهذا الكهل اليس هذا نفسه سبب هروبها الى سفينة اخاها؟لماذا يلاحقها هذا القدر لماذا؟ في تلك اللحظه شعرت بأن الرؤيه اصبحت ضبابية وان في اذناها صفارة مستمره ،لم تعد تستطيع الوقوف وعم الظلام المكان حتى انها لم تشعر بأرتطامها في الارض، لا تعلم كم بقيت هكذا ولكنها لم ترغب في الاستيقاظ.
كانت تفتح عيناها للحظات لترى نساء من حولها في حين وحين اخر رجال يحملونها بأتجاه نهرٍ كبير وقصر واسع وسمعت صوت رجل اخر لم تتمكن من رؤيته وكادت تقسم بأنها شعرت كأنها مستلقيه في فراشها ويد تمسك يديها بلطف بالغ ولكن هذا كل ما استطاعت ان تذكره.
.
.
.
.
استعادت وعيها تماماً ووجدت نفسها مستلقيه على سرير ناعم فراشه من حرير ازرق فاتح ووساداته زرقاء مع لمحة من البياض مطرزه بخيوط ذهبيه لو لم تكن سريعة الادراك لعتقدت بأنها في السماء! لكن لم يهمها هذا بل ما كانت ترتدي!
لقد تغيرت ملابسها وها هي ترتدي فستان ابيض ناعم الملمس وبلا اكمام!
*اين ذهب فستاني؟من قام بتغيير ملابسي!اين انا بحق السماء؟! والاهم ماذا حدث لي؟!*
اخذت تقول في نفسها ثم لملمت الغطاء وغطت ذراعيها بشكل هستيري وهي ترتجف. حاولت ان تهدئ من روعها وتركز على المكان الذي هي به.
كانت غرفه واسعه للغايه ذات جدران مرتفعه مزينه بمخلوقات اسطوريه ملونه وارضيه ذات اللواح خشبيه ملساء وبابٍ كبير ذا لون ذهبي ،غرفه جميله حقاً ولكن ما يميزها هو تلك النافذه الكبيره التي اخذت تبدو كجدار وحدها تمتد من السقف الى الارض وخارجها مساحه خضراء من الارض و نهر يطل عن قرب.
بينما اخذت تبحث عن فستانها في انحاء الغرفة لاحظت خزانة ملابس خشبية كبيرة فتحتها ووجدت امامها ملابس مختلفه وغريبه وتختلف عن ملابس الكهل الذي اخذني..حيث كانت تبدو غاليه بعض الشيء ولكن لم يوجد ضمنهم لباس إمرأه!
اخذ قلبها يخفق بشده ، إذاً هي في حضرة رجل!
ولكن اين هو؟
تسائلت. لم يطل الوقت لكي تندم على سؤالها فلقد شعرت بأن النافذة خلفها قد فتحت وهب نسيم عليل في ارجاء الغرفه وعطر ربما كان اشبه بعطر النرجس البري اذا لم تخنها خبرتها القليله في الزهور.
لم تجرئ على ان تلفت فلقد شعرت بوخزة في ظهرها وخزه يشعر بها الشخص عند تحديق غريب به من الخلف!
كان يجب عليها ان تستدير وتواجه من اتى ولكنها لم تقو على الحراك.
سمعت صوت خطوات تقترب فتمالكت نفسها واستدارت لتواجه الزائر الغريب.
كان لا يشبه اي شيء تخيلته فهو لم يكن هادئ كأللوان الغرفة والنهر خارجاً ولم يبدو عليه الطيب والرفق بل كان طويلا وعريض المنكبين ذا بشرة شاحبة وعيون داكنه حاده ذات لمحة من اللون الاحمر وعلى خده توجد ندبة زادت من هول منظره سوء وشعر اسود تدلى على كتفيه وغطى القليل ما ابعاد وجهه القاسية.
ارادت ان تهرب ،بل احتاجت ان تهرب وفعلت ركضت نحو النافذة المفتوحه بكل ما تملك لانها لم ترد المخاطره والخروج من باب الغرفه ،فماذا لو كان هناك حرس او خدم او ان الباب مغلق؟
بينما ركضت شعرت بأحدٍ يسحبها من الخلف وبالفعل بحركة واحده كان قد سحب الغطاء من على جسدها!
وقفت وهي تشعر بالحياء والعري امام هذا الغريب ارادت الموت على ان تكون بهذا الوضع لذا لم يكن امامها سوى حلٍ وحيد.
تركته ممسكاً الغطاء وركضت نحو النهر، شعرت بالعشب الطري تحت قدميها العاريتين ورأت امامها النهر كان يبدو عظيماً ،كبيراً وواسع لذا قررت وبدون تفكير ان تقفز به اذا كان هذا يعني خلاصها من هنا فستقفز برحابة صدر!
وخلال ثواني معدوده كانت تستعد لتصارع امواج النهر ولكن بدلاً عن ذلك وجدت نفسها تتصارع مع الصخور والطحالب فعلى الرغم من حجم النهر الواسع والكبير الا انه كان ضحلاً!
لقد غطى الماء جسدها فقط حتى الرقبه.
لعنت حظها مراراً و تكراراً واستسلمت عندما رأته يخرج وهو ينظر اليها بأبتسامة ساخره وحاجبٍ مرفوع.
جلس بجانب النهر ومد لها يده ،امسك بذراعها الا انها صارعته بكل ما تملك فلم يولد بعد الرجل الذي لديه الحق في لمسها!!وبينما اخذت تصارعه انزلقت قدمها عن الصخرة التي كنت تقف عليها ووجدت نفسها تسحبه معها الى قاع النهر!
نهض امامها كما لو كان جبلاً متحرك واخذ يجرها بعنف نحو اليابسه وما ان وصلت الى العشب تركها وذهب الى الغرفه، عاد بعد لحظات وفي يده الغطاء الذي تركته وهربت.
طرفت بعيناها للحظه ونظرت اليه، هل حقاً يعتقد بأنها ستمرض من القليل من المياه؟ مدت يدها اليه لاخذ الغطاء الا انه تجاهلها وقام بتغطيتها بنفسه ويداه الكبيرتان تحيطان بكتفيها، تلك كانت اول مره تشعر فيها بالضعف في حياتها كلها.
اكتفى بالنظر لها ثم قام بمساعدتها على النهوض ولكنها واجهت صعوبة في ذلك فلقد إذت احد اقدامها عند النهر.
لم يتردد عندما رأى حالتها بل حملها بين يديه كما لو كانت ريشه.
*انزلني! استطيع السير!*
ارادت ان تصرخ لكن لم يخرج اي صوت من حنجرتها فصارعت مجدداً بين يديه ، لانها غالباً ما قالوا عنها بأنها ثقيله ، لكن مهما صارعت وحاولت كان يتجاهلها ويواصل سيره نحو الغرفه .
عندما دخلا وضعها على السرير واتجه الى الخزانه، وبينما هو ينظر الى الملابس طُرق الباب.
ردد كلمات غير مفهومة بالنسبةِ لها ولكن حينما انتهى فُتِح الباب ودخل رجل في متوسط عمره، لم يكن يبدو كسكان هذه المدينه ،تحدثا مع بعضهما وعندما انتبه لها اتسعت عيناه وقال بشفقه:
-يا ألهي! كيف وصلت بك الحال الى هنا ايتها الصغيره!
دهشت من هذا الرجل ووقفت امامه بعد ان لفت نفسها بالغطاء جيداً، ارادت ان تخبره ماذا يقصد ففتحت فمها ولكن لا فائده، لم يخرج اي صوتٍ مجدداً،حاولت مجدداً ومجدداً ولكن دون جدوى *ماذا يحدث، اين صوتي!!!* قالت في نفسها بدأت تهلع وامتلأت عينيها بالدموع انتبه الرجلان الى ذلك.
كان ذلك كثيراً على فتاة صغيرة في الثانية عشر من عمرها.
.
.
.
.
يتبع....
أنت تقرأ
مشعوذة الجنرال
Vampir*مكتمله* لم يكن ظلام الليل ولا علو الشرفة التي وقف عليها كافيان لأخفاء تلك النظرة التي وجهها لها من الاعلى، وما زاد الامر سوء ، تغير لون عينيه من السواد الى الاحمر المشتعل، كعيني وحش غاضب مختبئ في الظلام... لكنه كان آسراً، كل جزء من معالم وجهه الصار...