.
.
.
تمسكت بيده بقوة وهي تتنفس بسرعه وتقول بصوت ناعم:
- بيكاسوس... لا ...استطيع التّنفّس.
بالرغم من فرحته لسماع صوتها الا انه لم يتمكن من دحر دموعه التي تساقطت واخذ يقول:
- ستكونين بخير عزيزتي...ستكونين بخير.........ميراج.........اج......
وبعد ذلك تلاشى صوته وغابت ميراج عن الوعي.
- بيكاسوس...يجب ان تسحب السهم...
قالت عدّن بحذر وهي تشاهد معالم الفزع تكسو وجه الطبيب ولكنه تغلب عليها وقال بأرتباك:
- كلا... لا يمكننا المخاطره فقد يتلوث الجرح في هذه البيئه المفتوحه.
- اذن ابتعد. سأحملها واركض الى القصر، سأصل اسرع من العربه.
- انا سأحملها.
قاطعها بيكاسوس بحديه ولكنها رفضت بغضب وقالت:
- ليس بأصابتك هذه! هذا ليس وقت الجدال! يجب ان نصل الى القصر بسرعه!
ولوهله عاد الطبيب الى ادراجه وسحب كبريائه ليوافق على كلام الجنرال، كانت اصابته لا تزال حديثه وقد خسر الكثير من الدماء، كما انه لا يستطيع ان يتحمل رائحة دماء ميراج التي اخذت تسيل على الارض.
تناولت عدّن الفتاة من على الارض بعد ان قامت بلفها بسترتها السوداء وانتظرت حتى وقف بيكاسوس الى جانبها لتنطلق الى القصر بسرعة غير طبيعيه، لقد كانت جنرال مدربه جيداً وقد اختارها ميكائيل بسبب مقدراتها العديدة.
عبرت الغابه بربع الوقت الذي جائت به وشكرت حظها لأن الوقت كان ليلاً مما زاد من قوتها وعند كل فرصة كانت تلتفت لتطمئن على بيكاسوس الذي اخذت سرعته تتراجع قليلاً بعد ان قطعوا نصف المسافه:
- بقي القليل بعد.
قالت عدّن بصوت مرتفع وهي تحدث بيكاسوس الذي اومأ برأسه وتجاهل الالم النابض في جانبه الايسر وتيبس فمه.
وبالفعل خلال ربع ساعة بعد وصلوا الى بوابة القصر التي فتحها الحراس دون ان يستجوبوا الجنرال او الطبيب.
كان ميكائيل لا يزال واقفاً عند نافذة غرفته عندما وصلت رائحة طيبه الى انفه، رائحة تشبه الياسمين البري والصنوبر في بداية الربيع.
- ميكائيل؟
قالت تشاستين الى قريبها وهي تلاحظ التفاتته العنيفه نحو باب غرفته ليدخل بعدها توتنيان وهو يلهث دون ان يطرق الباب:
- سيدي...ميراج... انها...انها...
لم يكمل ما اراد ان يقول لان ميكائيل قام بدفعه بعيداً عن الباب وتتبع الرائحة التي اسرته لتقوده تماما عبر ممرات القصر المظلمه نحو عيادة بيكاسوس حيث ازداد العبير اللطيف. حينها رأى سبب ذلك.
كانت عدّن تقف امام باب العياده المغلق والدماء تقطر من ثيابها.
- ماذا حدث.
قال ميكائيل بنبرة بارده وهادئه ارسلت القشعريره في جسد الجنرال التي استدارت وانحنت بأتجاهه بكل خوف واحترام.
- المتمردون جلالتك. لقد تعرضنا لهجوم من المتمردين حالما وصلت الى الكوخ.
- والفتاة؟
نظرت عدّن الى الارض دون ان ترفع عينيها الى وجه سيدها، ولكنها علمت مقدار غضبه اذا اجبرته على ان يعيد السؤال مرة اخرى فقالت:
- لقد اصابها سهم خشبي فوق كليتها اليمنى، الطبيب يقوم بأنتزاعه الان.
وما ان اغلقت شفتيها حتى دوت صرخة ميراج في ممرات القصر وتسببت بتجمد العروق في جسد ميكائيل الذي تصلب في مكانه ورفع رأسه وهو يتمالك اعصابه بجهد كبير ثم استدار وزمجر ليدحض الالم الذي بدأ يضرب قلبه:
- اذهبي لتغيير ملابسك!! تبدين كوجبة لعينه تجوب ارجاء القصر!!!
فزعت عدّن وانحنت مجدداً للملك ثم سارت مبتعده عنه وهي تتجنب عينا توتنيان الذي اخذ ينظر اليها بقلق.
- تشاستين!
صاح ميكائيل على قريبته التي تبعته عند خروجه فتقدمت منه ولمست ذراعه بحذر لتنبئه عن وجودها فقال لها:
- لا احد يصل الى غرفتي، وحالما يخرج الطبيب، اريدكِ انتِ فقط من تخبريني بالنتائج.
- كما ترغب عزيزي.
قالت تشاستين وهي تراقب قريبها ينسل مجدداً في الممرات المظلمه ولأول مره ترك ظلاله تحوم حوله كألسنة النيران السوداء بينما اختفى في الظلام.
بقيت تشاستين واقفه الى جانب الباب الى ما بدا ساعات طويله حتى فتح ليخرج بيكاسوس وهو يمسح الدماء بمنشفة صغيره ثم توقف عندما رأها الى جانبه:
- انسه تشاستين...
قال وهو ينحني بتعب فأبتسمت هي ووضعت يدها على ذراعه بلطف وقالت:
- بيكاسوس...سعيدة لرؤيتك مرة اخرى...ولكنك لا تبدو متفاجئاً لرؤيتي...
- الحيطان لها اذان...
قال بأبتسامة حزينة وهو يغلق باب عيادته.
- يجب ان اسأل يا بيكاسوس...
قاطعته الانسه التي الى جانبه بينما اراد ان يتجه الى غرفته.
- ميكائيل يصر على معرفة وضع الفتاة الصحي...
قالت له بنبرة محايده فنظر اليها واومأ برأسه وتنهد ثم اجاب:
- حسناً...سأذهب اليه الان...
- كلا...
قالت وهي تمسك ذراعه لتمنعه عن التقدم نحو غرفة الملك:
- تلك ليست فكرة جيده... فقط اخبرني وانا سأذهب لأعلمه بينما تأخذ انت قسطاً من الراحه.
- حسناً...
قال بيكاسوس بأستسلام وهو يعلم مقدار غضب الملك منه، فبعد ان عهد اليه بحماية الفتاة والاعتناء بها، ها هو يعود بها مغطاة بدمائها الى القصّر...
- لم تعاني من اصابة جديه، كل ما في الامر هو تمزق بعض الانسجه وخسارتها للكثير من الدماء. تحتاج الى الكثير من الراحة والطعام كالخضروات واللحوم وبعض البروتينات. ستكون بأفضل حال خلال شهر على الاكثر...
قال وهو يتكئ على الباب ليحصل على بعض الراحة من الارهاق والالم الذي تمركز في ظهره وعند اصابته.
- ذلك مطمئن.
قالت تشاستين بأبتسامة واكملت:
- سأذهب لأخباره الان، سعيدة بعودتك.
ابتسم لها بيكاسوس ونظر اليها بينما سلكت طريقها نحو غرفة ميكائيل وتوجه الى خاصته بعد ان اختفت من امام عينيه. لقد كان متعباً للغايه وفي حاجة ماسة للدماء ولكنه لم يكن ليخرج ويهاجم احد الخدم او الناس في الشوارع لذلك قرر ان يأخذ قسطاً من الراحة ليبعد مشاهد الرعب التي مرت عليه قبل قليل ولكي ينسى قليلاً صرخات ميراج التي اخذت تملئ عقله واذنيه منذ ان سمعها.
.
.
.
- ادخلي.
سمعت تشاستين صوت ميكائيل وهو يقول لها ذلك عبر الباب الخشبي الكبير الذي قبع امام غرفته ففتحت الباب ببطئ ودفعته بصعوبة قليلاً نظراً الى حجمها الضئيل نسبة بأقربائها.
كان ميكائيل يقف امام النافذة المغلقة كعادته وهو يمسك كأساً من النبيذ الاحمر.
- اراك قد هدأت يا عزيزي.
قالت تشاستين وهي تخطو لتقف بالقرب من قريبها.
- كيف حالها.
قال ميكائيل وعينيه ضائعه في المشهد الذي امامه.
- بخير، لا يوجد هناك داعٍ للقلق، بيكاسوس يقول انها خسرت الكثير من الدماء لذلك تحتاج تغذيه جيده وستكون كالحصان خلال شهر.
قالت تشاستين مازحه ولكن ذلك لم يشكل فارقاً لدى ميكائيل الذي بدأ يتلاعب بالكأس الفارغه بيده وهو ينظر الى القمر وحديقة القصر:
- اخبري الخدم ان يقوموا بتجهيز غرفة اخرى لي حالما اعود... هذه الغرفه بدأت تخنقني.
وناول الكأس لقريبته بينما فتح ابواب النافذه الكبيره وسار خارجاً قرب النهر ليهرب من رائحة دماء ميراج التي عبئت القصر كعطر زهور فواحة.
تنهدت تشاستين وهي تعيد الكأس البلوري الى الصينيه التي احتوت على زجاجة النبيذ وكأس اخر واتجهت لتخبر الخدم بأوامر سيدهم.
لقد علمت بأنه يهرب من الفتاة الان، ولا يريد ان يكون قربها بتاتاً خاصةً وانها ايضاً تمكنت من شم رائحة دماء الفتاة عندما وصلت للقصر وعلى ثياب عدّن وبيكاسوس ولكنها لم تعنِ لها شيئاً، فبالنسبة لها كانت كأي دماء عاديه لأي بشرٍ اخر ولكنها لميكائيل كانت احلى من العسل.
بعد ان اخبرت الخدم بما تقرر توجهوا الى الطابق الثاني الذي احتوى على جناح للضيوف واخر ملكي في حال رغب الملك بأتخاذ زوجه او اصبح له ابناء، حيث كانت غرفته هذه المره اكبر بكثير عن السابقه بسرير واسع يتسع لقرابة سبع اشخاص مجتمعين مع اعمده من المرمر الاسود عند زواياه وفراش بلون الكريم مع خيوط من الذهب وباب اخر يفصل الحمام وغرفة تبديل الملابس الى الجانب الايمن بالاضافة الى السجاد الملكي الذي حالما تطأ قدم احدهم عليه يشعر كما لو كان يغوص في البحر واخيراً شرفة مفتوحة من المرمر تطل على الحديقة الخلفية للقصر التي زرع بها الخدم انواع الورود وتوسطتها نافورة عاجيه تتلون بلون الشمس في الصباح حتى المغيب.
.
.
.
مرت بعض الايام على القصر بعد ذلك ، ايام لم يتجرأ بها احد على قول شيء او التفكير بما حدث حتى، كان الملك يصدر اوامره اما عن طريق تشاستين او توتنيان، لم يرغب حتى برؤية عدّن او بيكاسوس الذي تجنب هو الاخر رؤيته، اما بالنسبة للفتاة، فهي لم تستيقظ منذ ذلك الحين.
بقيت غائبة عن الوعي حتى عندما كان بيكاسوس ينظف جرحها بالكحول والمعقمات وذلك ما سبب بالمزيد من الغضب لدى الملك الذي ضل ينتظرها يوماً بعد يوم.
كانت تشاستين تطمئنه وتقول بأنها متعبه لا غير ولكنه كان يشعر بها، لقد كانت في عالم اخر بعيدة عنه، بعيدة عن الواقع ولا احد يعلم متى ستعود.
...
...
...
- بأمكانك ان تسأل بيكاسوس.
قالت تشاستين وهي تتنهد بضجر:
- لقد تعبت من لعب دور المرسال بينكما! لقد اخفق بأداء مهمته حسناً! قم بمواجهته! عاقبه! افعل اي شيء ولكن لا تضعني بينكما بموقف حرج رجاءاً ميكائيل.
كانت قد ذاقت ذرعاً بتصرفات الاثنين، فعندما يريد بيكاسوس ان يقول للملك شيء كان يحدث تشاستين به وعندما اراد الملك الشيء ذاته كانت تشاستين هي من تقوم بأيصال الرساله.
رفع ميكائيل حاجبه بغضب بينما ثبت نظره عليها، وشعرت بالخوف، علمت تماماً انها تجاوزت حدود الاحترام معه ولكنه كان يحبها كأخته تماماً ولم يأذها ولا مره في حياتها لذلك شعرت بالامان الى جانبه بالرغم من خوف البقية منه.
- انا اسف...
قالت تشاستين ليرفع ميكائيل يده ببطئ ليشير لها بالتوقف ويقاطعها:
- كلا، انتِ محقه... ارسلي بيكاسوس الى هنا حالما يخرج من عيادته...حان وقت العقاب.
- كما تأمر...
اجابت تشاستين وخرجت وهي تشعر بالراحة قليلاً، لقد كادت هالة ميكائيل الغاضبه والمليئة بالقوه ان تخنقها ورحبت بترك غرفته لوهله.
مشت الممرات ونزلت السلالم الحجريه بخطوات بالكاد لامست الارض من رقتها وهذا ما تسبب بحب الخدم ورجال القصر لها، لقد كانت فتاة انيقة دائمة الارتداء للون الاسود والابيض. شعرها الفضي تلألأ لينسدل فوق كتفيها بتسريحة بسيطه وعيناها المتشابهتان كانتا تآسران العديد من القلوب. لطالما تهامس الخدم فيما بينهم عنها وقد قال بعضهم بأنها كانت في اوائل العشرينات عندما ماتت واصبحت مصاصة دماء.
كانوا محقين بالفعل... 22 هو العمر الذي ماتت به على يد مصاص دماء في احد الشوارع. امسكها بعد الغروب تماماً بعد ان انهت تسوقها مع مرافقتها التي تركتها وهربت دون ان تعود بالمساعدة. وبعد ان اكتفى من شرب دمائها تركها لتنزف ما تبقى وتلفظ انفاسها الاخيره على قارعة الطريق حتى لاحظها الملك الذي كان ماراً بعربته واخذ على عاتقه ذنب ما حدث لها وها هي الان بعد العديد من السنين لا تزال الى جانبه شاكرة له لانه لم يتجاهلها في ذلك اليوم. بالطبع بعد ذلك لم ترغب بها عائلتها المتدينه لذلك لم يعد لديها منزل سوى القصر الذي عرضه عليها ميكائيل ومنذ ذلك الحين هي تعود اليه بين فترة واخرى لتطمئن على الرجل الذي تدعوه بقريبها لآنهما يتشاركان الدم ذاته.
توقفت تشاستين عند باب العياده وطرقت بشكل منخفض يكفي ليسمعه اي مصاص دماء وبالفعل بعد ثواني قليله فتح بيكاسوس الباب وابتسم في وجهها برقه:
- انستي... بماذا يمكنني ان اخدمكِ؟
شبكت تشاستين ذراعيها قرب صدرها وقالت وهي تتنهد:
- بأمكانك ان تذهب لرؤية ميكائيل في الطابق الثاني... فهو يطلبك...
سكت بيكاسوس لبرهة ثم خرج من العياده ليغلق الباب خلفه وتنهد بدوره ثم قال:
- اعتقد ان الوقت قد حان؟...
فأجابته وهي تنظر الى الارض...:
- اعتقد ذلك...
لكن لا تخف... لا يمكنه ان يأذيك طالما انك المسؤول عنها...
- تعلمين مثلي تماماً بأنه قادر على احضار افضل السحرة الى هنا من اجلها.
- ولكنه لم يفعل حتى الان.
كان ذلك صحيح، لو لم يثق ميكائيل ببيكاسوس لاستبدله فور وصوله بأفضل السحرة والمشعوذين من اجل علاج ميراج.
تنهد الطبيب مجدداً ثم ربت على كتف الفتاة برفق وسار متجهاً نحو السلالم...
...حان الان وقت مواجهة عقابه...
أنت تقرأ
مشعوذة الجنرال
Vampir*مكتمله* لم يكن ظلام الليل ولا علو الشرفة التي وقف عليها كافيان لأخفاء تلك النظرة التي وجهها لها من الاعلى، وما زاد الامر سوء ، تغير لون عينيه من السواد الى الاحمر المشتعل، كعيني وحش غاضب مختبئ في الظلام... لكنه كان آسراً، كل جزء من معالم وجهه الصار...