الفصل الرابع والعشرون

15.5K 366 23
                                    

‏وما السعادةُ في الدُّنيَا إلّا لمَحاتُ البرق؛ تخفِقُ حينًا بعد حِين في ظُلماتِ الشقاء.. فمَن لا يرى تِلك الظُّلمات، لا يَراهَا.

___ المنفلوطي ___

*************

ظلام دامس يلف العالم حولها، وسكون رهيب لا يقطعه إلا صوت خطواتها الراكضة المختلط بلهاث أنفاسها الناهتة، كانت حافية، ممُزقة الثياب، وشعرها الطويل يرفُل خلفها مذعوراً، تهرب من ظل ضخم، قاتم السواد يلاحقها ويريد الإمساك بها.. إنه يقترب بشدة وذراعيه تمتدان لتبتلعها، لكنها أفلتت من قبضته بأعجوبة وابتعدت بكل عزمها عنه لتجد نفسها مُحاطة بالنيران وكأنها سقطت داخل فوهة بركان، توقفت صاغرة كي لا تمسها ألسنة اللهب ولم تجد مخرجاً، فصرخت مِلأ فمها صرخة مدوية استيقظ على أثرها ريان منتفضاً يردد إسمها بقلب يسيجه الرعب .. ظل ساكناً لبضع ثواني يستوعب أين هو حتى أدرك أن ما رآه كابوساً، وضع كفه فوق صدره ينظم تنفسه المتسارع ومال برأسه قليلاً جهة اليسار، وتفل تفلاً هيناً، كأنه يخرج شيئاً مما علق بلسانه ثلاث مرات قائلاً بصوت خافت (أعوذ بالله من الشيطان الرچيم) .. وبسرعة أمسك هاتفه ليتصل عليها ويطمئن بسماع صوتها ويعتذر عن سفره دون إخبارها وجده مازال مُغلقاً ، أغمض عينيه متنهداً بيأس ونهض من الفراش يبحث عن الشاحن داخل حقيبته، وللأسف غفلت والدته عن وضعه مع باقي الأغراض، وأصبح الحل الوحيد والأسرع الآن هو أن يفتح حاسوبه النقّال ويقوم بمحادثة كريم عبر الإنترنت، إحباط شديد ممزوج بالغضب احتل جميع خلايا جسده فكريم أيضاً حساباته مُغلقة ولا يستطيع الوصول إليه، أحس كأنه طائر مقصوص الجناحين، محبوس بين جدران غرفته، وقلة حيلته تجتاح كيانه في لحظات قلقه كالزلزال .. وأخيراً هداه تفكيره ليطلب من إدارة الفندق شاحناً وبالفعل أغاثوه بواحد، زفر بارتياح بعدما أوصله بالهاتف ثم أخذ منشفته ليغتسل من آثار السفر وينتظر لدقائق إضافية حتى يكتمل الشحن ويتمكن من تشغيله .. وبعد وقت ليس بقليل خرج من الحمام يرتدي بنطالاً رياضياً فقط والمياه تتساقط من خصلاته المُبللة فوق صدره العاري ثم أمسك الهاتف مرة أخرى وقام بتشغيله على خاصية التجوال ليتمكن من التواصل مع أهله بالقاهرة وبمجرد فتحه وصلته رسائل كثيرة تعلمه بأن مريم إتصلت به عشرات المرات، وما أثار قلقه أكثر الرسالة الصوتية،الإليكترونية التي تفيد بعدم وجود رقمها بالخدمة عندما هم برد اتصالاتها فاضطر لمحادثة صديقه لعلّ لديه خبراً منها يهدئ روعه ولو قليلاً .. جاءه صوت كريم ناعساً رغم غضبه الواضح منه فقال ريان محاولاً احتواء عصبيته المُبررة بغيابه المفاجئ (أنا رجعت البيت لقيت بابا حاجز التذكرة ومجهز الباسبور، حتى شنطتي كانت جاهزة)

رد عليه كريم من الطرف الآخر بحدة ممزوجة بالعتاب (وانت ماكنتش عارف تطمني عليك بتليفون)

-(الموبيل فصل ومالحقتش اشحنه غير من شوية)

-(وطبعاً ما اتصلتش على مريم؟)

عيون الريان (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن