الفصل التاسع والعشرون

16.6K 399 23
                                    

"الحب الّذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهرًا وجميلاً وخالدًا."

—جبران خليل جبران—

***************

بوجه راسخ في ضروب الألم والخيبة ،وقلب مثقل بعلامات الموت ، ارتمى على فراشه وعيونه ستنفجر من الإشتعال ، ونبض يتسارع حتى صار يخنقه ، وكأنه سيلفظ أنفاسه الأخيرة .. رفع كفه عند شفتيه يتلمسها بارتجاف ، لا يصدق أنها لامست شفتين أنثى لا تحل له .. لا شرعاً ولا حباً .. في دين الله أصبح زاني حتي لو لم يكتمل الوطأ .. وفي عشقه أصبح خائن.. زاني وخائن! ... أيعقل؟! .. زاني وخائن؟! .. ريان؟! .. ربيب الحاج زين الدين؟! .. شعوراً بالغثيان عبأ جوفه لم يستطع مقاومته فنهض راكضاً نحو الحمام يتقيأ حتى أخرج عصارة معدته .. ثم فتح صنبور الماء البارد واضعاً رأسه تحته لدقائق ، لعلّها تخفف حدة غليان دمائه .. وفجأة رفع وجهه ينظر لانعكاس صورته خلال المرآة .. لم يجد ريان الذي يعرفه.. الواقف أمامه الآن إنسان مُشوه ، وملوث، و.... زاني وخائن .. كلمتان ثقيلتان على لسانه .. ومرعبتان في ميزانه ظل عقله يصفعه بهما .. وهمس كوساوس الشيطان يتردد بآذانه ، ووجه الأفعى التي رآها تلدغه أثناء حلمه بمريم يتجسد على الحائط، مكشراً عن أنياب يتساقط منها السم وينتشر بين أوردته ليشل حركته .. ويصبح زاني وخائن و..عاجز .. وبثورة أعصابه المُهتاجة وأنفاسه الناهتة خرج من الحمام يبحث عن علبة تحتوي على أقوى مهدئاته.. وللأسف وجدها منتهية.. لحظات استغرقها ليصل إلى قمة جنونه وطاح تكسيراً وتدميراً بمحتويات الغرفة .. والأفعى تفح بالقرب من أذنه (زاني وخائن.. زاني وخائن..زاني وخائن..زاني وخائن ....) قاطع هذا الوسواس بصرخة يتبعها قذف عنيف لزجاجة عطره لتصطدم بالمرآة ويسقطا معاً أشلاء .. جثى متهاويًا على الأرض يمسك بقطعة زجاج حادة وشبح الانتحار يلوح له من بعيد .. وبكف مُرتعش شمّر ساعده يقرّب الشفرة المسننة من عروقه البارزة يعتصر جفنيه .. وإذا بساقين راكضتين باتجاهه ، ويد تدفع الزجاجة سريعاً لتسقطها من كفه وشهقة مُلتاعة خرجت من صدر نجاة هاتفة بإسمه منحنية لتحتضنه ، فألقى بثقل جسده بين ذراعيها باكياً بحرقة فتحدثت ودموعها تسبق كلماتها (اهدى ياريان، عشان خاطري فوق لنفسك ولشبابك ، حرام عليك ، اللي بتعمله ده بيعذبها أكتر) .. قبلت رأسه مردفة بشفقة شديدة (وحد الله ياضنايا واصبر على قضائه)

ردد بخفوت متوجع (لا إله إلا الله، اللهم لا اعتراض على قضائك يارب)

مسحت دموعه براحتيها الحانيتين وساعدته لينهض من مكانه بحرص حتى لا تنجرح قدميه من الزجاج المتبعثر حوله قائلة (ربنا يرخي حبال الصبر عليك ياقلب أمك) .. أسندته ليخرج تماماً من الغرفة المبعثرة وأضافت (هاجيبلك هدوم من الدولاب ، غيّر ونام فأوضة تانية لحد ما أنضف أوضتك) .. امتثل لكلامها بضعف بالغ ودخل غرفة مجاورة لغرفته ، أغلق الباب وظل واقفاً خلفه يستند بظهره عليه لدقائق ،وحاجته لتناول المُهدئ أصبحت كاحتياجه للهواء كي يتنفس .. أخرج هاتفه من جيب بنطاله ليتصل بأحد الصيدليات التي تمتلك خدمة التوصيل للمنازل وطلبه فوراً ، ولم يستغرق الأمر سوى نصف ساعة حتى استلمته نجاة نيابة عنه من عامل التوصيل بروشيتة طبيبه المُعالج ثم أعطته له برفقة بعض الملابس البيتية ليغتسل من آثار عراكه مع اللاشئ وينام... ومن أين سيأتيه النوم في تلك الليلة المظلمة التي تمر على قلبه كالكابوس؟.. لم يغمض له جفن ولو لدقيقة.. يتقلّب يميناً ويساراً كشاه مُعلقة من أطرافها فوق حفرة موقدة للشواء.. وذنبه يقف كما شوكة غليظة في حلقه ، كلما ابتلع ريقه خزّته وانغرزت بحنجرته.. مكث في فراشه برغبة منعدمة في رؤية أحد ، طاقته مستنزفة ولا يقوى حتى على رفع رأسه من فوق الوسادة.. وبالتالي لم يذهب إلى الشركة .. أتاه اتصالاً قلقاً من كريم ليطمئن عليه فأصابه القلق أكثر من نبرته التي يغالبها التعب.. وبعد انتهاء دوامه الرسمي قرر زيارته ليستكشف سر غيابه المفاجئ عن العمل .. استقبله ريان بملامح شاحبة ووجه أصبح الحزن عادته

عيون الريان (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن