الفصل الثالث والعشرون

14.7K 418 15
                                    

"ألَم ترَ أن اللهَ قال لمريَم
وهُزِّي إليكِ الجِذعَ يُساقِط الرُّطَبْ

ولو شاء أن تجنيه من غيرِ هَزِّها
جَنَتهُ، ولكنْ كلّ شيءٍ لهُ سبَبْ."

___أبو الهدى الصيادي ___

*************

وزّع ريان أنظاره بين وجه والده وكفه الممدودة بتذكرة السفر ثم تناولها منه وفتحها ليستكشف باقي المفاجأة متسائلاً بعدم استيعاب (كاليفورنيا؟)

أجابه سعد بثبات زائف (فيه مجموعة شركات هناك عايزين يشتروا أسهم في شركتنا، هاتروح تتأكد بنفسك من إسمهم وسمعتهم فالسوق)

تعجب ريان من السبب الغير منطقي لذلك السفر المفاجئ قائلاً باسترابة (الموضوع ممكن يتحل هنا عن طريق موقعهم عالنت من غير سفر)

أرجع سعد ظهره للخلف قائلاً بمراوغة (ده بيزنس كبير ياريان مايخلصش عالنت، ولو تم هاينقلنا نقلة كبيرة) .. سكت لبرهة يتابع تعابيره التي يغالبها الإرهاق ورغم شفقته عليه إلا أنه أردف بطريقة يشوبها الإجبار (وبعدين انت عارفني، مابحبش المخاطرة فالشغل غير لما أكون مالي إيدي من الناس اللي هاتعامل معاهم)

لم يستطع ريان الرفض، أو بمعنى أصح غير معتاد عليه تحديداً مع والده ،دوماً يوافقه ويلبي له جميع مايطلب وكأنه مارد يخرج من فانوساً سحرياً كلما حكه بجانب كفه، لا يعلم أن هذا الكف يرتفع الآن بصفعة ستنزل فوق قلبه كضربة سوط مُشتعل، ابتسم قائلاً بطاعة تامة دون إضافة كلمة زائدة (حاضر يابابا، طلباتك أوامر)

بادله سعد ابتسامته بأخرى يكسوها الشعور بالذنب قائلاً (باسبورك وشنطتك جاهزين وموجودين في عربيتي، السواق هايوصلك لحد المطار)

أومأ موافقاً واستعد للخروج من غرفة المكتب لكنه توقف عندما تذكر هاتفه الذي نفذت بطاريته أثناء عودته من الرحلة دون أن ينتبه له ، نظر في ساعة يده يلعن غفلته عنه فلا يوجد وقت كافي لوضعه على الشاحن وسيضطر للمغادرة دون إخبار مريم، فالمتبقي على موعد الطائرة لايتسع حتى لتبديل ملابسه، وقبل انصرافه كلياً التفت لينظر لأبيه قائلاً (أشوف وشك بخير) ..
نبرة صوته الهادئة ونظرته المكسورة جعلت سعد ينهض من مكانه مسرعاً ليعانقه عناقاً قوياً، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من تمزيق تلك التذكرة اللعينة وإلغاء السفر نهائياً ، ريان حبيب عمره، وضوء عيونه، وروح روحه، وولده الصالح الذي لايستحق إلا كل الخير، ولولا دخول رويدا عليهما لنفذ ما جال بخاطره فوراً دون تردد ..

-(السواق مستنيك بالعربية، مفيش وقت) .. قالتها رويدا وهي تربت على ظهره ،فاستدار ليحتضنها قائلاً (هاتوحشيني ياست الكل، خدي بالك من نفسك ومن بابا) .. ابتعد عنها برفق ثم تابع مازحاً ليخفف الحزن المسيطر عليه وعلى الأجواء من حولهم (ماتستفرديش بيه وانا مش موجود وتزعليه، دلعيه يارورو)

عيون الريان (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن