"الآن يقفُ حبيبكِ المَكلوم أمامَ حفرتكِ باسِم الشَفتين، دامعُ القلب، سلوتهُ أنكِ لم تَذوقي ألمَ الفقدِ كما ذاقهُ هو."
___ سلمان العودة ___
************
الأمل عطرً رائحته استكانة، وشوق لا يهدأ أمام المستحيل، غيمة ناصعة البياض يمتد ظلها من قلب أميرة حتى قلب يوسف ، وصار يشربه منها كلما خانته الدروب المؤدية لوجه شقيقته، ويغتسل به معها من خطوات الخوف وسطوة الحزن ليغرق فيها هي وحدها ، وبينما كان جالساً بشرفته يتأمل السماء الصافية والقمر يتلألأ في محارته الفجرية أضاءت شاشة هاتفه بإسمها ، أجابها مُتعجباً من استيقاظها في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل وقبل أن يلقي التحية أتاه صوتها تقول بفرحة عارمة (عرفت مكان مريم يا يوسف)
انتفض يوسف واقفاً يسألها بنبرة مهزوزة (انتِ بتقولي إيه؟، أكيد بتهزري؟)
ردت عليه بحماس (والله العظيم عمو فايز اللي شغال في السجل لسه قافل معايا حالاً ، وقالي انها عايشة في دار وسيلة علوي)
وضع يده فوق رأسه والدموع تملأ مقلتيه قائلاً (ياما انت كريم يارب) .. حاول استجماع شتات عقله ثم أردف وهو يدور حول نفسه (انا هالبس واعدي عليكِ بسرعة عشان نروح لها)
ضحكت أميرة قائلة (إهدى يادكتور، الساعة تلاتة الفجر ، زمانهم نايمين دلوقتي)
نظر في ساعة يده وجدها مُحقة فالوقت قارب على آذان الفجر قائلاً بتوتر (خلاص نستنى لحد ما النهار يطلع، اوعي تنامي، انا هافضل صاحي)
وافقته أميرة بترحيب شديد، متأثرة بعاطفته وسعادته التي تتقافز من نبرته وتصل إليها عبر الهاتف وما أن أغلق الخط معها حتى خرّ ساجداً لله، يثني عليه ويحمده حمداً كثيراً ،طيباً، مباركاً فيه ، ودموع الفرحة تغرق وجهه ، ثم عاد لجلسته ينتظر شروق الشمس بأشواق تعانق حنين الغياب ورائحة الراحلين...وعلى صعيد آخر تحديداً أمام الدار تجمع عدد كبير من الرجال الملثمين ينتظرون إشارة رئيسهم بالاقتحام ، تقدّمهم أولاً ثم طعن الحارس بمديّة حادة ليرديه قتيلاً على الفور، ولوح لهم بالدخول فانقسموا لثلاثة مجموعات ، كل مجموعة اتجهت ناحية مبنى، يحملون أوعية مملوءة بالبنزين والسولار ، قامو بإغراق الحوائط والسلالم والطرقات المُقابلة لغرف الأطفال النائمين والمُعلمات ومكاتب الإدارة وأضرموا النيران بها جميعاً وفرّوا هاربين سريعاً قبل أن تطالهم ألسنة اللهب التي امتدت لتحرق الأخضر واليابس والنائم في أمان الله والمستيقظ لصلاة الفجر يناجي ربه ، دوى إنذار الحريق لعلّه ينقذ مايمكن إنقاذه وسرى في آناء الليل ينوح كأم فقدت وليدها، هلعت ريهام من نومها تسعل بشدة والدخان الممزوج برائحة الموت يسد مجرى تنفسها لتوقظ مريم التي كادت أن تفقد حياتها مُختنقة ، أسندتها بكل قوتها وإصطحبتها تركض خارج الغرفة، تتلفت حولها صارخة بذعر فالنار تلتهم المكان كوحش جائع، تعثرت وسقطت برفيقة عمرها عشرات المرات لكنها جاهدت على الثبات رغم الفجيعة بصعوبة بالغة حتى وصلت بها إلى الأسفل مُتخطية الباب الخارجي، أجلستها على الرصيف المقابل للدار وجلست بجوارها تحتضنها ،تنظر لألسنة اللهب فارعة القامة وهي تأكل ماضيهما وذكرياتهما وأحلامهما بأعين جاحظة ووجه مُلطخ بالسُخام الأسود وشعرها المُشعث يجلد كتفيها بفعل الرياح الساخنة، أما مريم فكانت شبه غائبة عن الوعي، والهواء لا يصل لرئتيها بسهولة وأصبح الموت قريباً جداً من أخذ روحها البريئة ....
أنت تقرأ
عيون الريان (مكتملة)
Romanceكانت في حبها ملاكاً وأنا لم أكن افلاطوناً كي لا أحلم بها بين ذراعيَّ