الفصل الرابع عشر

19.8K 410 25
                                    

أبلِغ عَزيزاً في ثنايا القلبِ مَنزله
أني وإن كُنتُ لا ألقاهُ ألقاهُ
وإن طرفي موصولٌ برؤيتهِ
وإن تباعد عَن سُكناي سُكناهُ
ياليته يعلمُ أني لستُ أذكرهُ
وكيف اذكرهُ إذ لستُ أنساهُ
يامَن توهم أني لستُ أذكرهُ
واللهُ يعلم أني لستُ أنساهُ
إن غابَ عني فالروحُ مَسكنهُ
مَن يسكنُ الروح كيف القلبُ ينساهُ؟

(أبو الطيب المتنبي)

****************

حاول الرجل البحث في ذاكرته المنسية عن إسم صديقه القديم.. ظل صامتاً لبضع دقائق يعصر مخه ليجد شيئاً يفيد به هذا الشاب الذي أشفق على توسلاته ثم تحدث وكأنه تذكر شيئاً (أيوه افتكرت) .. انتبه له يوسف بكل جوارحه كغريق يتمسك بقشة نجاته فتابع هو بنظرات زائغة من اشتداد المرض عليه (إسمه بالكامل جابر محفوظ المسيري .. متهيألي كان معاه ولد إسمه محروس وبنت إسمها فريال .. زمانهم كبروا دلوقتي) صمت هُنيهة يستجمع كل ما أسعفه عقله على تذكره من معلومات ثم أضاف (من قرية صغيرة في أسيوط إسمها نجع خضر)

أمسك يوسف بكفه المجعد يشكره بأسارير منفرجة (ربنا يشفيك ويبارك فعمرك ياحاج .. أنا بجد مش عارف أشكرك إزاي)

رد عليه الرجل متسائلاً بفضول (العفو بس انت بتدور على جابر ليه بعد العمر ده كله؟)

أجابه يوسف وهو ينهض من مقعده (عنده أمانة تخصني وجه الوقت اللي استردها منه)

دعا له الرجل دعوة صادقة لِما استشعره من أسى وحزن يرتسم فوق ملامحه (ربنا يبلغك مرادك ويعترك فيه إن شاء الله)

ابتسم يوسف قائلاً بتمني (يارب).. ثم هَمَّ بالإنصراف مع أميرة معتذراً عن مجيئه المفاجئ (عن إذن حضرتك وآسفين عالإزعاج)

بادله الرجل ابتسامته بأخرى مُرَحِبة (خطوة عزيزة يابني .. آنستونا وشرفتونا)

خرج يوسف من منزل الرجل البسيط بوميض أمل في أن يجد ضالته المفقودة.. يشتهي صدقاً في رحلة بحثه التي أخذت منحنى آخر بسهمٍ يؤشر نحو صعيد مصر ليخفف عنه وطأة هذا العمر بينما كانت تسير أميرة بجواره تخبئ عِلَّة الحزن في ملامحها المُستبشرة بالخير .. وجهه الذي يعتقل ألم الفقدان داخل إطار صورته المُنهكة يحرِّض الدمع بمقلتيها لكنها عاهدت نفسها ألا تتركه يحارب أشباح الخذلان بمفرده وستكون له كتفاً يسند عليه آثار الذكرى الموجعة حتى يعود معافى تمامًا مما يعانيه

************

الحب معجزة إلهية لم يستطع أحد تفسير كُنهها منذ خطيئة آدم الأولى وإقصائه من الجنة إلى الأرض مفتوناً بتفاحة.. حتى حصوله على الغفران لم يُعِده لجنته فأنشأ الله به خلائق لكل منهم معجزته الخاصة.. وكان هو مُصمّما على أنْ يظفر بذات قلبه مهما كلفته الدنيا من معارك .. سيركض بشبابه وعطش عمره نحوها شغفًا ليؤسَّس في خافقها وطنًا يتسع لجنونه.. وبكامل لهفته سيؤرخ غدهما القادم بضوء السعادة ويصير للفرح عائلة وقصيدة يتلوها من بعدهما العاشقين ..استيقظ ريان مُبكرا كعادته وجميع فكره مع مريمته بطلة أحلامه الوردية وابتسامة هادئة تزين مُحيَّاه المليح.. نهض من فراشه بنشاط لينهي روتينه الصباحي ويذهب إلى الشركة حتى ينجز أعماله المتراكمة وأثناء هبوطه الدرج قابلته نجاة بابتسامتها البشوشة قائلة (ابن حلال كنت طالعة أصحيك)

عيون الريان (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن