"سيأتيك الذي ترجوهُ يوماً
فلا تعجَل عليهِ وإن تأخّرْوإن كبُرَت همومكَ لا تُبالِ
فلُطفُ الله في الآفاقِ أكبر."- تجليات صوفية من شِعر العرب -
*****************
وأثناء طُلُوعها من باب المنزل الخارجي لتستقل سيارتها بروح متقطعة ، وقلب مكسور أوقفها نداء أحدهم يقول (استني لو سمحتِ) ..رفعت رويدا أنظارها لتجد مريم واقفة وبيدها ملف الأوراق المزورة تعتلي ملامحها ابتسامة صافية وتابعت (ممكن اتكلم معاكِ شوية؟) .. بادلتها ابتسامتها بأخرى متفاجئة مُحرّكة رأسها بموافقة ومن بعيد لمحت مَرج أخضر صغير قِبالة المنزل مصفوف أمامه بعض المقاعد الحجرية أشبه بالمتنزهات العامة وأشارت له تدعوها لمرافقتها نحوه (تعالي نقعد هناك) .. امتثلت لطلبها بترحيب وجلست كلتاهما بصمت دام لثواني قطعته مريم بهدوء وهي ترجع غُرّتها الناعمة التي لم تصمد طويلاً أسفل مشبك شعرها خلف أذنها (أنا مسامحاكِ على فكرة)
تأملتها رويدا بذهول لكنها لم تعطها فرصة للحديث وأضافت (مسامحاكِ زي ماسامحت خالة يوسف).. استدارت بكُليتها لتواجهها (لاجل عين تكرم ألف عين ، وانا لاجل عيون اخويا وعيون ريان مسامحة) ..ارتعشت ملامح رويدا قليلاً وقالت (انتِ شبه أمك، مش بس فالشكل ، ليلىٰ كانت طيبة وقلبها أبيض زيك)
تحدثت مريم بحزن (الله يرحمها ، سيرتها الحلوة عمرها أطول منها) .. سكتت هُنيهة وأردفت متسائلة (ليه بتعلقي غلطتك على شماعة خالو؟ ، هو ماظلمكيش ، انتِ اللي استسلمتِ ، وأنا لو مكانك كنت أخدت ابني غصب عن أي حد) ..
تنهدت رويدا مجيبة بألم (كلامك صح ، المشكلة ماكانتش في سعد لوحده ، تعلُّق ريان بجده وجدته ، وبالذات جده سببلي مشاكل نفسية)
-(يعني الكل غلطان وانتِ لا؟)
-(ماقولتش كده ، انا كمان غلطت ، وغلطاتي أكبر منهم كلهم ، بس صدقيني غلطي كان نتيجة تراكمات ماقدرتش اتجاوزها)
-(اسمحي لي أسألك عن حاجة خاصة شوية، ليه استئصلتِ الرحم؟)
-(حملت وأجهضت كتير، وكنت مفكرة بسبب حزني على فراق ريان ، لحد ما اكتشفت اني عندي ورم الحمل مابيكملش بسببه)
-(يعني خالو مالوش ذنب ، ولا جدو وتيتا لهم ذنب، ولا ريان له ذنب ، ولا أنا كان ليا ذنب) .. طأطأت رويدا رأسها خجلاً وأمارات الندم بادية عليها لكنها قالت مُدافعة عن نفسها (رغبتي فالانتقام واني احرمهم من العزيز الغالي زي ما اتحرمت من ابني ، كانت أقوى من أي منطق ممكن افكر بيه) .. ابتلعت طعم صَدِأ عبأ حلقها مستكملة (حسرتي لما كنت بشوفه فالأجازات وهو بيكبر سنة ورا التانية بعيد عني خلتني كارهة نفسي وكارهاهم ، حتى فرصة اني اخلف تاني ضاعت وفضلت عايشة أم عالورق بس)
انحنت مريم للأمام تشبك أصابعها ببعضهما (كان فيه زمان واحدة ست ، جوزها طلقها وهي في عز شبابها وجمالها ، بعد ما الدكاترة أكدوا لهم إنها مستحيل تبقى أم) .. طالعتها رويدا بتَيَقُّظ وأعطتها كامل اهتمامها لسماع باقي القصة فاستأنفت مريم باسمة بحبور (الست دي سلّمت بالقدر ، بس ما استسلمتش وعافرت عشان تسمع كلمة ماما ، بنت بيت كبير جمعت فيه ولاد وبنات لا يعرفوها ولا تعرفهم ، والبيت كبر وربنا رزقها بأكتر من 200 إبن وإبنة ، أنا واحدة منهم) .. لم تتمالك نفسها وبكت بحنين لأمها وسيلة التي أثبتت أن فاقد الشئ يعطيه بسخاء وقالت (ماما وسيلة ما كانتش بتخلف ، لكنها أعظم أم فالدنيا)
أنت تقرأ
عيون الريان (مكتملة)
Romanceكانت في حبها ملاكاً وأنا لم أكن افلاطوناً كي لا أحلم بها بين ذراعيَّ