لا أنت بعيدٌ فأنتظركولا أنت قريب فألقاك
ولا أنت لي فيطمئن قلبي
ولا أنا محرومٌ منك لأنساك
أنت في منتصف كل شيء
- محمود درويش -
***************
ظل واقفاً مكانه يشاهد اختفاء السيارة وسط غُبار أطُرها بصمت مطعون ، يشعر بالهواء ينسحب من رئتيه شيئاً فشيئاً .. مُختنق والألم يظلل مُقلتيه كغيمة ثقيلة وكأنه يحمل روحه داخل عينيه .. ويتسائل ; إذا كان مُذنب فماتُهمته؟ ، وماذا بوسعه أن يفعل بعدما سَخّر كامل كيانه ليذوب فيها؟.. هل أفرط في منحها الحُب دون مقدار؟ ، أم أنه دللها بشكل زائد لدرجة جعلتها تضعه موضع عاصفة ، وأتقنت هي دور الباب الذي صدها لتستريح؟.. وخز قوي اختلج شقه الأيسر ، فأطبق جفنيه ليخفف وطأته ثم دلف نحو الداخل قاصداً غُرفته يبحث عن دوائه موسّع الشرايين كي لا يُصاب بنوبة الذبحة مُجدداً ، ابتلع حَبّة "النيتروغليسرين" بشربة ماء بسيطة ، وأنفاسه الناهتة تتسارع لتتحرر من محبسها الضيق .. رفع كفه ضاغطاً على صدره ليمحو آثار التعب الذي لا نهاية له عَلّه يغادره دفعة واحدة كما جائه كغَائِلَة دون إنذار .. جلس ينظم شهيقه وزفيره ولحظات بسيطة استغرقها حتى بدء مفعول الدواء يسري بأوردته وهدء قليلاً .. استند بمرفقيه فوق ركبتيه مُنحنياً للأمام .. يحدق في الفراغ بشرود عاتباً على كل شئ يربطه فيها .. على روحه التي تعلقت بروحها .. على قلبه المُتعضل الذي أصبح مريض بحبها ، على ذاكرته ، ودمه ، وعمره القصير .. وعلى سلاح رحيلها الذي صوبته نحوه وأطلقت منه رصاصة طائشة أصابت وأدوشت ، والآن يعترف أنها تحاربه بالغياب ، والحقيقة الوحيدة ، الراسخة في تلك العلاقة أنه يعشقها وهي تعشق تعذيبه .. قاطع خُلوته الحزينة خبطات هادئة على الباب تبعها دخول حَذر لوالده .. اتخذ مقعداً بجواره يسأله بقلق (انت زعلان مع مريم ولا ايه؟)
أجابه بجمود (ماعرفش ، اسألها لما ترجع ، ده إذا رجعت)
عقد سعد حاجبيه باستغراب (هي قالت انها رايحة مع اخوها ومراته والدكتور بتاعها تعمل متابعة للقرنية، تقريباً دي حاجة خاصة بعمليتها ، وهايرجعوا كلهم على هنا بعد مايخلصوا) ..
تغريبة أخرى قصدتها بمِلأ إرادتها ، وحقيقة ثانية أرسخ من الأولى تكشفت أمامه كالشمس في وَضَح النهار .. مريم تتعمد إيلامه بإرادة قوية ، وتتفنن في شق قلبه نصفين بإتقان .. ضحكة خافتة ، مُتوجعة ، خائبة الأمل كانت أبلغ من أي حديث سيتفوه به .. وأقسم في سره بالذي خلقهما وخلق الخلق أجمع أنه سيحاسبها على مافات وما أتى ، وسترى منه وجه مُختلف تماماً عن الأحمق الذي يحبها أكثر من نفسه
-(هيثم تحت ولا مشي؟).. سؤال غير متوقع وَجَهّه لأبيه بوجوم
جاوبه سعد بتعجب (مشي مع كريم من شوية) .. استقام ريان واقفاً بهدوء ثم أخرج هاتفه من جيب بنطاله ليجري اتصالاً بصديقه المَعني بالذكر ، جائه الرد سريعاً فعاجله سائلاً ..
أنت تقرأ
عيون الريان (مكتملة)
Romanceكانت في حبها ملاكاً وأنا لم أكن افلاطوناً كي لا أحلم بها بين ذراعيَّ