الفصل السادس: الضباب
جالسا على كرسيه الخشبي في باحة الشرفة الخلفية للمنزل الذي يطل على الغابة, محدقا الى الضباب الذي احتواها مخفيا ملامحها, لا يرى منها الا بعض الاشجار الشامخة, رغم احتوائها على كل المخلوقات الا ان الضباب كان كفيلا بإسكاتهم جميعا, امسك كوب القهوة التي اعدها بنفسه على طريقته الخاصة, حلوة بمرارتها, شم رائحتها العطرة واخذ رشفة.
اغلق عينيه ورفع راسه الى السماء, اخذ نفسا عميقا من النفحات التي تأتي من اشجار الغابة, ليعود بمخيلته الى ماض سحيق له فيه اسطر حفرت.
برلين...
1945….April
اخر اسبوع قبل سقوط المانيا, وسط غابة تبعد قليلا عن برلين.
واقفا يحدق في اشجار الغابة, يحمل مسدسه "البالغر" على خصره الايمن, مرتديا قبعة الضباط المنقوش عليها هيكل عظمي دالة على انه من قوات الصاعقة, وبزة سوداء اللون حاملا على صدره وسام الصليب الحديدي, مشعلا سيجارته وممسكا اياها بيده.
تحدث بصوت خافت مخاطبا شيطانه: "الا يرضى بي الموت حليفا ام انه نسيني على جحيم هذه الارض, الا يوجد من يحررني برصاصة الخلاص, متى ساراها في العالم الاخر, لقد اشتقت لرائحتها, اشتقت لصوتها, اشتقت لنظرة الطفولة التي تشع من عينيها, تلك العينين ذوات لون ظلام الليل الاسود الصافي".
اكمل سيجارته ثم رماها ودهسها, بعدها عاد الى خط الدفاع الذي كان اخر دفاع قبل حدود برلين والقوات الروسية تبعد كيلومترات قليلة.
كان الروس مستائين وقادمين بكل ما لديهم ولن يوقفهم شيء حتى وصول قلب برلين, والالمان قد انهكم الدفاع ولم يعد لديهم ما يكفيهم من الذخيرة والطعام والجنود, كانوا كأموات يدافعون عن مقبرتهم التي محيت بسبب القصف العنيف.
كان "فايمر" ضابطا في قوات الصاعقة "الحرس الخاص لأدولف هيتلر", بشعر اسود قصير, عينان بنيتان, وجسده النحيف المنتظم القوام, اعطي الاوامر هو وجميع القطاعات المتبقية في الدفاع عن برلين حتى تأتي المساعدة من "هاينريش هيملر" قائد الاستخبارات والمسؤول عن الجبهة الغربية في تلك الفترة.
ذهب فايمر لمقابلة الجنرال "ويدلنج" الذي كان قائد الجبهة, حيث عقد اجتماعا صغيرا تناقشوا فيه حول مستجداتهم وما يملكون وكيف سيستطيعون الصمود بوجه الجيش الاحمر.
بعد انتهاء الاجتماع الذي حسم في نهايته انهم سيدافعون حتى اخر رجل عن برلين, عاد الى المعسكر في وسط الغابة, ثم نزل الى ثكنته التي كانت تحت الارض تشبه زنزانة صغيرة, فيها سرير ومنضدة عليها مصباح نفطي ورف يحمل بعض الكتب الحربية, وحمالة عليها بعض الملابس, واخيرا علبة سكائره وكتيب ذكرياته الاخضر اللون على المنضدة.
أنت تقرأ
جليدية المشاعر
Romanceوبين صدى المدافع وهدير الرصاص وغيوم الدخان. وبجانب حطام قلوب المباني والعمران هناك, نظرت نحوه تلك الرمادية بعنفوان وهو حارس بوابة الموت العابر للمحيطات في خضم زمن الويلات والدمار وجنون بني الانسان حمل بندقية مشاعره وثار ضد اعدائه مناديا بولاء عشقها...