الفصل العاشر: ومضة نحو الماضي
في صباح اليوم التالي وبعد انهاء الفطور خرج ميلر من اجل انجاز بعض الاعمال الخاصة به, وطلب من كوست ان يتصرف كما يحلو له وانه سيلاقيه مساء اليوم وسيذهبان سويا من اجل مقابلة بعض الرفاق, اجابه كوست انه ايضا سيخرج للبحث عن عمل وسياتي على الموعد المحدد, غادر الصديقان كل في طريق مختلف على امل اللقاء مساء.
استمر كوست في البحث عن عمل, اما ميلر فانشغل بإنهاء بعض الاوراق والمتعلقات المالية من اجل الترتيب لعودته الى الولايات المتحدة, عند حلول المساء وصل ميلر الى برج ايفيل فوجد كوست واقفا يحدق في البرج ويدخن سيجارته, وقف بجانبه ثم اردف يقول: "بناء جميل, هذا ما يمكن للبشر ان يفعلوه بدلا من الحروب التي حصدت ارواح ملايين البشر, هلا انطلقنا".
كوست: "احيانا نحتاج الى الحروب لنعلم مقدار النعيم الذي نعيشه, هيا لنمضي".
اصطحب كوست الى حانة قديمة الطراز في احد الازقة الضيقة لباريس, عند وصولهم الحانة توقفوا امام بابها فتحدث ميلر قائلا: "سترى الامم التي شاركت في الحرب لكنها ممثلة بأجساد يجلسون على طاولة واحدة, وستكون انت خصما لهم جميعا", لم يفهم كوست ما قصده ميلر, لكنه ابدى استعداده لأي مجهول سيواجه.
دخلا الى الحانة ثم اتجه ميلر صوب طاولة يجلس عليها ثلاثة اشخاص, ناداهم ميلر بفرح يعترمه: "ايها الاوغاد لازلتم على قيد الحياة".
عانقهم واحدا تلو الاخر, حيث كان الاول رائدا بريطانيا من قوات الكوماندوس ينادوه باسم "وليام", بوجها دائريا وعينان بنيتين تقدحان دهاء, وجسد مفتول تغطيه سترة عسكرية خضراء, ملامحه كانت توحي على انه من الاسرة الحاكمة,
الثاني كان في المقاومة الهولندية ضخم البنية وصعب المراس وملامح الشقاء والريف راسمة تفاصيله, محترف بالقتال بالسكين ومعروف باسم "ايفانيش شتوسكي", بقبعة شتوية تغطي راسه العديم الشعر, ورداء سميك.
واما الثالثة فقد كانت فتاة نمساوية مثقفة من اسرة مرموقة سكنت المانيا, عملت ضد الرايخ الالماني سعيا لأنهاء الحرب, شعرها الاسود الكثيف الذي فصلته ليجلس بعضا منه على كتفها الايسر, وعينين سوداوين تقدح غموضا, وقبعة سوداء فرنسية الطراز تعتلي راسها مائلة على الجانب الايمن, ووجها صافيا ناصع البياض الذي كان ورقتها الرابحة لكأنها تسحر كل من ينظر اليها ليكون عبدا لها, وتدعى "روزالين", ومعها مسدسها الصغير الذي لا يفارقها ابدا.
ميلر: "دعوني اعرفكم على صديق رماه القدر في طريقي, انه لا يتذكر شيئا ربما كان بطل مثلكم, لكنه الان جسد خاوي, سنعيد ملئه لينهض من جديد ويكون فردا اخر في اخويتنا, فجميعنا هرب من الجحيم تاركه خلفه حبيبا وصديقا و ذنبا.
رحبوا به ترحيبا حارا كمن يعرفوه منذ زمن, وشربوا نخب التعرف على صديق جديد, وبدأوا يتحدثون عن مغامراتهم وبطولاتهم, ثم قاطعهم كوست قائلا: "لكن الغريب في الامر, كيف اجتمعتم وانتم من مختلف الدول والجبهات, ما هو الرابط الذي لم شملكم؟"

أنت تقرأ
جليدية المشاعر
Romanceوبين صدى المدافع وهدير الرصاص وغيوم الدخان. وبجانب حطام قلوب المباني والعمران هناك, نظرت نحوه تلك الرمادية بعنفوان وهو حارس بوابة الموت العابر للمحيطات في خضم زمن الويلات والدمار وجنون بني الانسان حمل بندقية مشاعره وثار ضد اعدائه مناديا بولاء عشقها...