الفصل السابع عشر : قمرٌ رمادي
هناك من بعيد, على حافة شاطئ لجزيرة صغيرة ضائعة من على الخريطة, خرج من الماء رجل يبدو انه كان في الأعماق منذ مئات السنين, ملابسه الممزقة ولحيته الطويلة وبشعره الأغبر يجر صديقه الذي يشابهه هذه الصفات.
يبدو صديقه جسد خاوي من الحياة, سحبه حتى وصل بر الأمان, جلس بجانبه وبدأ يضربه على صدره محاولا إنقاذه فاستمر يضرب ويضرب لكن دون جدوى.
كأنهم فرسان "اتلانتكا" خرجوا من المملكة لرؤية الأرض التي لطالما سطرت عنها أساطير الحب والملاحم.
تحدث الفارس الذي كان على قيد الحياة: "انهض أيها الصديق، أنت مرشدي في هذا العالم الجديد, لا تتركني وحيدا, لقد هربنا من الجحيم سويا".
رفع كلتا يديه عاليا وجعلهما كقبضة واحدة ثم صرخ بكل صوته مناديا اسمه, كأنه ممسك سيف الحياة ليغرسه في صدر صديقه, ثم ضربه بكل قوة.
أفاق الصديق من غيبوبته, كمن أرسلت روحه من عالم أخر إلى هذا الجسد, خرجت المياه من فمه ونهض ليرى الشمس تشرق مجددا.
كانت أول كلمة ينطقها "كرايس" ثم نظر في الأرجاء فتذكر أنها ليست حادثة الكنيسة, ظن لوهلة انه أفاق من غيبوبة تلك الحادثة بعدها تذكر ما حصل معهم.
صديقه: "هل أنت بخير يا ميلر؟".
ميلر: "نعم, شكرا لإنقاذي يا كوست, لكن أين الباقين ؟".
"لم ينج احد, حتى الناجين الذين رافقونا لم يستطيعوا الصمود كثيرا, وتساقطوا واحد تلو الأخر حتى أنت كدت تموت جوعا".
كان كوست وميلر وخمسة رجال استطاعوا النجاة والتشبث ببقايا حطام السفينة لكنهم سرعان ما تناقصوا, حيث مات جميعهم, ووصل بهم اليأس أقصى درجاته.
تساءل ميلر عن كيفية نجاتهم من الغرق المحتوم, فعاد كوست بالذاكرة ليخبره بما حصل.
بعد أن التهم البحر الجائع سفينة الربان أليكس بمن فيها, ذلك الربان الذي لعنته البحار وأقسمت أن تغرق كل سفينة يقودها.
تشبثوا جميعا ببدن السفينة إلا أن الماء كان أقوى ففرقهم جميعا في قاع عواطفه المظلمة, يتذكر كوست كيف غرق متجه نحو الأعماق وهو ينظر إلى القمر نازلا كالطفل الذي يسكن بطن أمه, حدث نفسه قائلا في تلك اللحظة بعد أن وصل إلى مشارف عالم الأموات: "أيعقل أنها النهاية, هل سأموت؟ ترى كيف يكون! إلى أي عالم سأذهب؟ ".
أغمض عينيه واستسلم للقدر, فهمس صوت فتاة كان مألوف لديه: "انهض يا فايمر", نظر جانبا فرآها تبتسم في وجهه, أكمل قائلا: "هل أعرفك ؟"
الشبح: "نعم, تعرفني لكن لا تتذكرني, أنت لن تموت اليوم, هيا أعطني يدك".
كوست: "لقد سئمت الحياة أريد الموت, إنني أتذكر وجهك لكني لا أعرفك نصف ذكرياتي محترقة في دماغي أنتِ بقايا صور عالقة في مخيلتي".
أنت تقرأ
جليدية المشاعر
عاطفيةوبين صدى المدافع وهدير الرصاص وغيوم الدخان. وبجانب حطام قلوب المباني والعمران هناك, نظرت نحوه تلك الرمادية بعنفوان وهو حارس بوابة الموت العابر للمحيطات في خضم زمن الويلات والدمار وجنون بني الانسان حمل بندقية مشاعره وثار ضد اعدائه مناديا بولاء عشقها...