الفصل الرابع عشر: خيانة صادقة
لاشكَ انه قضى اجملَ ايامه في باريس, وابشعَ ايامه في الحرب, كانت اوروبا بالنسبة لميلر مزيجٌ من لحظاتٍ رائعة وسط بشاعةِ الحربِ وفقدان الاصدقاء والاحبة, تبعتها مهمة ليلقي نظرة عن كثب نحو ارض الاعداء, وفي النهاية كانت اخر محطاته مدينة باريس, كل تلك المنعطفات والمدن والاشخاص رسخ جزء منها في ذكريات ميلر.
احساسهُ بالخوفِ عند ذهابه للحرب, مواجهتهُ للموت وتذوقِ طعمه المرعب, احساسه بالحب الذي اشتعل فجأة حتى اوشك على الانفجار, الا ان القدر اطفأه.
والان لا شيءَ سوى الهدوءِ والوحدة في هذا الصباح المشرق الصافي وهو يمسكُ كوب القهوة الساخن, بعدما سئِم حمل السلاح والنوم في الحفر المثلجة ودماء رفاقه تتناثرُ عليه, اغمض عينيه للحظات فتذكر صرخاتِ جنودٍ سقطوا امامه وهو عاجز عن انقاذهم وهم ينادون اسمه.
فتح عينيه وجسده مثقل بصرخات ارواح غصبت على ترك الحياة وهي في مقتبل العمر, عجبا للحياة ترمي لنا حزنا, تعطي لنا عشقا, تأخذ منا عزيزا, ثم تجبرنا على العيش بين اوراق ايامها ومتى ما شاءت مزقت كل ما سطرنا من دموع وضحكات, همسات وصرخات, ورمتنا للهلاك.
ترك رسالة لكوست الذي كان نائما فحواها انه سيذهب ليتمشى في المدينة قبل مغادرتها ربما لن يراها مجددا, وان عليه الاستعداد عصر اليوم للسفر الى الوطن, سيلتقون قبل الموعد بنصف ساعة, هو وجميع الرفاق بالقرب من الميناء من اجل توديع بعضهم البعض.
انهى القهوة وارتدى معطفهُ وخرج, سار في شوارع باريس وهو يسرح مارا بشارع "الشانزليزيه" الرائع المليء بالمحلات والمطاعم الفاخرة, مضى في الارجاء ليشبع عينيه من مناظر المدينة الخلابة متذكرا احلى لحظاته فيها, واضعا يديه في جيوبه وماضيا حيث يقوده قلبه, تابعا الشمس التي تلوح في الافق.
في ذلك الصباح وصلت عاشقة الورد مدينة باريس, نزلت من القطار واستقلت سيارة اجرة نحو اول ما تود مشاهدته "برج ايفل" كانت متلهفة بشدة لرؤيته , اتفقت مع صديقتها على اللقاء تحت برج ايفل ومن هناك ستأخذها الى الوظيفة الخاصة بها.
تنظر من نافذة السيارة نحو المدينة والدهشة مرسومة على وجهها, كانت سعيدة جدا فهي لم تر سوى الدمار والموتى في مدينتها التي كانت يوما ما جميلة من جميلات اوروبا, فظنت ان العالم اجمع اصابه ما حل بوطنها. كانت باريس لاتزال جميلة رغم الاذى الذي لحق بها, الا انها عادت لسابق عهدها.
نزلت قبل المكان المنشود قليلا لأجل الاستمتاع بالمناظر الاخاذة واستنشاق الهواء المنعش, مضت حتى شاهدت برج ايفل امامها فعبرت جسر "Pont d'Lena" الواقع فوق نهر السين الذي يقسم باريس لنصفين وفي نهاية الجسر برج ايفل يقف شامخا وعلى الجهة الاخرى من البرج شارع طويل تؤدي نهايته الى ساحة شبه دائرية ساحرة برونقها.
أنت تقرأ
جليدية المشاعر
Romanceوبين صدى المدافع وهدير الرصاص وغيوم الدخان. وبجانب حطام قلوب المباني والعمران هناك, نظرت نحوه تلك الرمادية بعنفوان وهو حارس بوابة الموت العابر للمحيطات في خضم زمن الويلات والدمار وجنون بني الانسان حمل بندقية مشاعره وثار ضد اعدائه مناديا بولاء عشقها...