الفصل الاول : نهاية خريف
انتهى خريف العمر, فهو الان ليس الا جسد لغبار ذكريات ترسبت في قلبه المتشعب من خيوط الحياة, باقيا في غرفته الخاصة التي تحتوي على عطور لأحلى نفحات الايام ولأقسى لحظات الآلام, يرتدي نظارته, جالسا في وسط غرفته على مكتبه الذي رافقه طيلة خمسين عاما فهو الرفيق الذي حمل دموعه والذي كتب عليه أسمى الذكريات, الرفيق الذي لم يغادر غرفته ابدا.
امام المكتب نافذة كبيرة تطل على الغابة التي يشبّه نفسه بها, لهدوئها البليد رغم أن فيها ملاحم لمختلف تطلعات الطبيعة, والشمس تهم بالوداع مخبرة انها ستعود غدا, السماء صافية ونفحات الهواء البارد تنادي بالشتاء الذي شارف على الوصول.
فتح كتيب مذكراته عله يرجع شابا في لحظات صمته, امنية منه في رؤية رفاقه وكل ومضة من الماضي الجميل, حرك اصابعه على سطور الورقة كانه يفك شفره لألة زمن, ومع نزول اول دمعة على الورقة, فاح عطر الزمن.
مدينة باستون, بلجيكا.
December/1944...
اخر اشهر من نهاية الحرب العالمية الثانية, في هذه المدينة الحدودية المهمة التي كانت صراعا بين الحلفاء والالمان لأن الطرق السبعة الرئيسة لجبال اردنن تلتقي في هذه البلدة, لذلك اعتبرت منطقة حيوية لكلا الطرفين, مما دفع الالمان ان يحاولوا بشدة اعادة السيطرة عليها.
درجة الحرارة منخفضة جدا, الثلوج تغطي كل شيء فقد كان اقسى ديسمبر عاشه جنود الحلفاء.
نزل من سيارة عسكرية احد جنود قوات الحلفاء حاملا رفيقه على ظهره, الذي انفجرت عليه قذيفة هاون اثناء اشتباكهم مع الجنود الالمان في الغابة القريبة من البلدة.
اسرع راكضا نحو الكنيسة التي جعلها الحلفاء كمشفى للجرحى, دخل وهو ينادى "احتاج الى مسعفين, ارجوكم ساعدوني".
كان المكان مليئا بمئات الجرحى, الممرضات والاطباء جميعهم على عجل املأً في انقاذ من يستطيعوا انقاذه, الدماء متناثرة في كل مكان لكأن اجساد الجنود زجاجات نبيذ احمر وقد فتحت ناثرة شرابها في الارجاء.
جاءت فتاة من جانبه ومعها سرير متحرك فتحدثت باللغة الالمانية قائلة كلاما لم يفهمه, لكنه علم انها تقصد ان يضعه على السرير.
فانزله وساعدها في دفع السرير الى مكان اخر حيث كانت الردهة مليئة بمئات الجرحى.
سألها:"هل سينجو؟ ارجوك اخبريني"
لم تعرف ما كان يقوله لكنها نظرت اليه بعينيها الرماديتين الكبيرتين, نظرة كافية لتأخذ صورة فتوغرافية لملامح وجهه وتحفظ شكله, نزلت الى قبو الكنيسة الذي تحول لردهة للعملياتومنع هو من الدخول.
خرج الملازم حتى يلتحق بالفرقة التابع لها, التي كانت "فرقة الجنود المظليين" التابعة للجيش الأمريكي من قوات الحلفاء.
أنت تقرأ
جليدية المشاعر
Romanceوبين صدى المدافع وهدير الرصاص وغيوم الدخان. وبجانب حطام قلوب المباني والعمران هناك, نظرت نحوه تلك الرمادية بعنفوان وهو حارس بوابة الموت العابر للمحيطات في خضم زمن الويلات والدمار وجنون بني الانسان حمل بندقية مشاعره وثار ضد اعدائه مناديا بولاء عشقها...