Part 16 بداية الموسم الثاني: ذكريات متجمدة

422 40 11
                                    

الفصل السادس عشر: ذكريات متجمدة

عينان رماديتان كبيرتان, تنظران من خلال نافذة نحو الثلوج التي غطت تلك القرية الصغيرة القريبة من مدينة دوسلدوف الألمانية.

تنفخ في يديها الزمهرير, حتى رئتيها تعجزان عن تدفئتها, درجة الحرارة منخفضة جدا.

لشدة فقرهم لا يستطيعون شراء الحطب, تحرك إصبعها الصغير لترسم صورة رجل على النافذة والدموع تتساقط شوقا إليه, حيث نطقت كلمة كانت عالمها المنكسر "أبي"....

تتذكر الجليد الذي تصفه عدوها عندما اخذ والدها منها الشتاء الفائت, حيث كان يعمل في فتح الطرقات المغطاة بالجليد مع رفاقه العمال الكادحين, وعاد في تلك الليلة التي كانت بنفس تاريخ اليوم, كان مريضا جدا, عاد من اجل الحصول على القليل من الدفء إلا أن الحطب نفذ وقد انفق ماله على شراء الدواء لزوجته المريضة.

بقي طوال الليل محموما يرتجف من البرد, أتت إليه صغيرته وأختها واحتضناه, لكن ليست أجسادهم سوا أوراق أغصان بالية, احتضنهم كدب مريض يعانق صغاره.

كانت مبتسمة فهي تدفئ والدها, وقد جلبت له جميع أغطية المنزل ووضعتها عليهم, كانت في الخامسة من عمرها, وعندما أشرقت الشمس أتى سيد الموت, نظر إلى الصغيرة المبتسمة وأختها اللتان كانتا تحتضنان الأب بكل حنان, شعر بالحزن لأجلهما إلا إن الرب قد حكم وقد دقت الساعة معلنة نهاية أيام الأب في تمام الساعة السادسة صباحا.

بعد قليل أفاقت الصغيرة, ووضعت يدها على خد أبيها تحاول ايقاضه وهي مستلقية بجانبه وعيناها تنظران إلى وجهه المنهك.

ضلت تنادي "أبي" إلا انه لم يسمعها, جاءت إلام مسرعة وحاولت ايقاضه, علمت الأخت الكبيرة وإلام أن الأب قد فارق الحياة, بدت تصرخ وتبكي وتنادي زوجها فهو ملك مملكتهم المتجمدة التي خلفها بلا حاكم.

لم تعرف الصغيرة ما حصل وبقيت فقط تصفع وجهه وتقول "أبي استيقظ", والأخت تبكي بصمت يذيب الجليد.

في هذا اليوم القارص البرودة المشابه لذلك اليوم المؤلم, تستلقي والدتها على الفراش خلفها في بيتهم الصغير الذي قد تجمد نصفه ولم تبقى سوى هذه الغرفة في الطابق العلوي وأختها تعمل في مصنع قريب من القرية تخيط الملابس.

تنوح الفتاة بصوت يكسر الحجر, ولم تترك النافذة لساعات, بقيت كأنها قطعة جليدية منذ ألف عام لم تتحرك, أصابع قدميها تتجمدان وقلبها بدأ يتثلج لشدة قسوة الأنفاس التي تستنشقها.

نادتها أمها بصوت واهن "صغيرتي اقتربي", نهضت كجسد يحاول التذكر انه لازال إنسان, اقتربت وجلست على السرير بجانب والدتها.

ألام: "صغيرتي سامحيني أرجوك, أظن إنني سأذهب إلى والدك الليلة".

"خذيني معك أرجوك, لا تتركيني".

جليدية المشاعرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن